العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الاسلامي

مكانة العلم والعلماء في الوعي الإسلامي(١)

بقلم: د. بدران بن لحسن {

الجمعة ٠١ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

إن‭ ‬التضاد‭ ‬أو‭ ‬التمايز‭ ‬المزعوم‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والعلم‭ ‬هو‭ ‬ثمرة‭ ‬فعل‭ ‬ثقافي‭ ‬غربي‭ ‬أساساً‭.‬

وإن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نسترجع‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬تصحيح‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والعلم،‭ ‬وذلك‭ ‬بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬يتجاوز‭ ‬التحريفات‭ ‬والانتحالات‭ ‬والغلو‭ ‬والافراط‭ ‬والتفريط،‭ ‬وهذا‭ ‬المصدر‭ ‬هو‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وما‭ ‬يتبعه‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬صحيحة‭.‬

وإننا‭ ‬بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬القرآن‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬تصحيح‭ ‬تلك‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والعلم،‭ ‬تلك‭ ‬الصلة‭ ‬التي‭ ‬ران‭ ‬عليها‭ ‬نموذج‭ ‬حضاري‭ ‬وثقافي‭ ‬غربي،‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬يُتخذ‭ ‬نموذجا‭ ‬وقدوة،‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هذه‭ ‬الصلة‭ ‬الضرورية‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والعلم‭.‬

وبالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وإلى‭ ‬سنة‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬نجد‭ ‬مجموعة‭ ‬مبادئ‭ ‬وقواعد‭ ‬تؤسس‭ ‬للصلة‭ ‬السليمة‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والعلم،‭ ‬تحقق‭ ‬مصالح‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬وفي‭ ‬الآخرة‭.‬‮ ‬ولعل‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يؤسس‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والعلم‭ ‬هو‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬نجدها‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬عن‭ ‬العلم‭ ‬والعلماء‭ ‬ومكانة‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭. ‬فالمكانة‭ ‬العليا‭ ‬هي‭ ‬للعلماء‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وفي‭ ‬التدين‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مناشط‭ ‬الحياة،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬مكانة‭ ‬سحرية‭ ‬أو‭ ‬خرافية،‭ ‬أو‭ ‬موروثة‭ ‬برابطة‭ ‬الدم‭ ‬أو‭ ‬النسب‭ ‬الاسطوري،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬السابقة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مكانة‭ ‬موضوعية‭ ‬تصنع‭ ‬وفق‭ ‬مناهج‭ ‬موضوعية،‭ ‬وهي‭ ‬مكانة‭ ‬مفتوحة‭ ‬لمن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يتبوأها،‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬جنسه‭ ‬ونسبه‭ ‬ولغته‭ ‬ولونه‭ ‬ومكانته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬لأنها‭ ‬مؤسسة‭ ‬على‭ ‬تحصيل‭ ‬المعرفة‭ ‬وفق‭ ‬مناهج‭ ‬موضوعية،‭ ‬بها‭ ‬يحقق‭ ‬الانسان‭ ‬تدينه‭ ‬الحق،‭ ‬ويحقق‭ ‬عمارته‭ ‬للأرض،‭ ‬وبناء‭ ‬حضارته،‭ ‬وبلوغ‭ ‬مقاصده‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬وفي‭ ‬الآخرة‭.‬

إن‭ ‬القرآن‭ ‬رفع‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬العلماء‭ ‬إلى‭ ‬درجات‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دين‭ ‬آخر‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬سماوي‭ ‬آخر‭. ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬يَرْفَعِ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬مِنكُمْ‭ ‬وَالَّذِينَ‭ ‬أُوتُوا‭ ‬الْعِلْمَ‭ ‬دَرَجَاتٍ‮»‬‭ ‬‭[‬سورة‭ ‬المجادلة‭:‬11‭]‬،‭ ‬و«وَقُل‭ ‬رَّبِّ‭ ‬زِدْنِي‭ ‬عِلْمًا‮»‬‭ ‬‭[‬سورة‭ ‬طه‭:‬114‭]‬‭. ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬‮«‬من‭ ‬سلك‭ ‬طريقاً‭ ‬يبتغي‭ ‬به علماً‭ ‬سهل‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬به‭ ‬طريقاً‭ ‬إلى‭ ‬الجنة‮»‬‭ ‬وقوله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬منْ‭ ‬سَلَكَ‭ ‬طَريقًا‭ ‬يَبْتَغِي‭ ‬فِيهِ‭ ‬علْمًا‭ ‬سهَّل‭ ‬اللَّه‭ ‬لَه‭ ‬طَريقًا‭ ‬إِلَى‭ ‬الجنةِ،‭ ‬وَإنَّ‭ ‬الملائِكَةَ‭ ‬لَتَضَعُ‭ ‬أجْنِحَتَهَا‭ ‬لِطالب‭ ‬الْعِلْمِ‭ ‬رِضًا‭ ‬بِما‭ ‬يَصْنَعُ،‭ ‬وَإنَّ‭ ‬الْعالِم‭ ‬لَيَسْتَغْفِرُ‭ ‬لَهُ‭ ‬منْ‭ ‬في‭ ‬السَّمَواتِ‭ ‬ومنْ‭ ‬فِي‭ ‬الأرْضِ‭ ‬حتَّى‭ ‬الحِيتانُ‭ ‬في‭ ‬الماءِ،‭ ‬وفَضْلُ‭ ‬الْعَالِم‭ ‬عَلَى‭ ‬الْعابِدِ‭ ‬كَفَضْلِ‭ ‬الْقَمر‭ ‬عَلى‭ ‬سَائِرِ‭ ‬الْكَوَاكِبِ،‭ ‬وإنَّ‭ ‬الْعُلَماءَ‭ ‬وَرَثَةُ‭ ‬الأنْبِياءِ‭ ‬وإنَّ‭ ‬الأنْبِياءَ‭ ‬لَمْ‭ ‬يُورِّثُوا‭ ‬دِينَارًا‭ ‬وَلا‭ ‬دِرْهَمًا‭ ‬وإنَّما‭ ‬ورَّثُوا‭ ‬الْعِلْمَ،‭ ‬فَمنْ‭ ‬أَخَذَهُ‭ ‬أَخَذَ‭ ‬بِحظٍّ‭ ‬وَافِرٍ‮»‬،‭ ‬وقوله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬الْمَلائِكَةَ‭ ‬لَتَضَعُ‭ ‬أَجْنِحَتَهَا‭ ‬لِطَالِبِ‭ ‬الْعِلْمِ‭ ‬رِضًا‭ ‬بِمَا‭ ‬يَصْنَعُ‮»‬،‮ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مما‭ ‬امتن‭ ‬الله‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬رسوله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬أنه‭ ‬علمه‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعلم،‭ ‬‮«‬وَأَنزَلَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬عَلَيْكَ‭ ‬الْكِتَابَ‭ ‬وَالْحِكْمَةَ‭ ‬وَعَلَّمَكَ‭ ‬مَا‭ ‬لَمْ‭ ‬تَكُن‭ ‬تَعْلَمُ‭ ‬وَكَانَ‭ ‬فَضْلُ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬عَلَيْكَ‭ ‬عَظِيمًا‮»‬‭ ‬‭[‬سورة‭ ‬النساء‭: ‬113‭]‬‭.‬

ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬جعل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬شهادة‭ ‬العلماء‭ ‬على‭ ‬وحدانيته‭ ‬وقيامه‭ ‬بالقسط‭ ‬مقرونة‭ ‬بشهادة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وملائكته،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬شَهِدَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬أَنَّهُ‭ ‬لَا‭ ‬إِلَهَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬هُوَ‭ ‬وَالْمَلَائِكَةُ‭ ‬وَأُولُو‭ ‬الْعِلْمِ‭ ‬قَائِمًا‭ ‬بِالْقِسْطِ‭ ‬لَا‭ ‬إِلهَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬هُوَ‭ ‬الْعَزِيزُ‭ ‬الْحَكِيمُ‮»‬‭ ‬‭[‬سورة‭ ‬آل‭ ‬عمران‭: ‬18‭]‬‭.‬

 

{‭ ‬باحث‭ ‬جزائري،‭ ‬دكتوراه‭ ‬في‭ ‬دراسات‭ ‬الحضارة‭ ‬والفلسفة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا