العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الاسلامي

من أسرار وأنوار ومعاني ذكر الله للذاكرين

الجمعة ٢٥ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬علي‭ ‬سليمان‭ ‬{‭ ‬‭ ‬

 

ذكر‭ ‬الله‭ ‬حياة‭ ‬للقلوب،‭ ‬وطمأنينة‭ ‬للصدور،‭ ‬وسكينة‭ ‬للنفوس‭... ‬يقول‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬يَاأَيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬اذْكُرُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬ذِكْرًا‭ ‬كَثِيرًا‭. ‬وَسَبِّحُوهُ‭ ‬بُكْرَةً‭ ‬وَأَصِيلًا‭. ‬هُوَ‭ ‬الَّذِي‭ ‬يُصَلِّي‭ ‬عَلَيْكُمْ‭ ‬وَمَلَائِكَتُهُ‭ ‬لِيُخْرِجَكُمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬الظُّلُمَاتِ‭ ‬إِلَى‭ ‬النُّورِ‭ ‬وَكَانَ‭ ‬بِالْمُؤْمِنِينَ‭ ‬رَحِيمًا‮»‬‭ (‬الأحزاب‭ ‬41-43‭). ‬ويقول‭ ‬سبحانه‭: ‬‮«‬‭...‬وَالذَّاكِرِينَ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬كَثِيرًا‭ ‬وَالذَّاكِرَاتِ‭ ‬أَعَدَّ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬لَهُم‭ ‬مَّغْفِرَةً‭ ‬وَأَجْرًا‭ ‬عَظِيمًا‮»‬‭ (‬الأحزاب‭: ‬35‭).‬

ويقول‭: ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬فِي‭ ‬خَلْقِ‭ ‬السَّمَاوَاتِ‭ ‬وَالْأَرْضِ‭ ‬وَاخْتِلافِ‭ ‬اللَّيْلِ‭ ‬وَالنَّهَارِ‭ ‬لَآياتٍ‭ ‬لِأُولِي‭ ‬الْأَلْبَابِ‭ ‬*‭ ‬الَّذِيْنَ‭ ‬يَذْكُرُوْنَ‭ ‬اللّٰهَ‭ ‬قِيَامًا‭ ‬وَّقُعُوْدًا‭ ‬وَّعَلى‭ ‬جُنُوْبِهِمْ‭ ‬وَيَتَفَكَّرُوْنَ‭ ‬فِيْ‭ ‬خَلْقِ‭ ‬السَّماواتِ‭ ‬وَالْأرْضِ‭ ‬رَبَّنَا‭ ‬مَا‭ ‬خَلَقْتَ‭ ‬هذَا‭ ‬بَاطِلًا‭ ‬سُبْحانَكَ‭ ‬فَقِنَا‭ ‬عَذَابَ‭ ‬النَّار‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬190-191‭).‬

ويقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬وَتَطْمَئِنُّ‭ ‬قُلُوبُهُم‭ ‬بِذِكْرِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬أَلَا‭ ‬بِذِكْرِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬تَطْمَئِنُّ‭ ‬الْقُلُوبُ‮»‬‭ (‬الرعد‭: ‬28‭)‬،‭ ‬أي‭: ‬تسكنُ،‭ ‬وتستأنسُ‭ ‬بجلال‭ ‬الله؛‭ ‬فتطمئن،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬يزول‭ ‬قلقها،‭ ‬واضطرابها،‭ ‬وقد‭ ‬وردت‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الرعد،‭ ‬والرعد‭ ‬مخيف،‭ ‬فجاءت‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬العظيمة‭ ‬لتبثَ‭ ‬الأمل،‭ ‬والتفاؤل،‭ ‬والطمأنينةَ،‭ ‬والسكينةَ‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الذاكرين‭.‬

ويقول‭ ‬النبي‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭: ‬‮«‬ألا‭ ‬أُنبِّئكم‭ ‬بخيرِ‭ ‬أعمالِكم،‭ ‬وأزكاها‭ ‬عند‭ ‬مليكِكم،‭ ‬وأرفعِها‭ ‬في‭ ‬درجاتِكم،‭ ‬وخيرٌ‭ ‬لكم‭ ‬من‭ ‬إنفاقِ‭ ‬الذهبِ‭ ‬والوَرِقِ،‭ ‬وخيرٌ‭ ‬لكم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تلْقَوا‭ ‬عدوَّكم،‭ ‬فتضرِبوا‭ ‬أعناقَهم،‭ ‬ويضربوا‭ ‬أعناقَكم؟‭ ‬ذكرُ‭ ‬اللهِ‮»‬‭ (‬أخرجه‭ ‬الإمام‭ ‬الترمذي‭ ‬في‭ ‬سننه‭). ‬

إن‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬الروابط‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الذاكر‭ ‬بمولاه؛‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬الأعمال‭ ‬وأزكاها‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬ومن‭ ‬مصادر‭ ‬استجلاب‭ ‬رحماته،‭ ‬ونيل‭ ‬محبته‭ ‬ومعيته،‭ ‬وفتح‭ ‬خزائنه‭ ‬وكنوزه‭... ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬فَاذْكُرُونِي‭ ‬أَذْكُرْكُمْ‭ ‬وَاشْكُرُوا‭ ‬لِي‭ ‬وَلَا‭ ‬تَكْفُرُونِ‮»‬‭ (‬البقرة‭: ‬152‭)‬؛‭ ‬‮«‬فَاذْكُرُونِي‭ ‬أَذْكُرْكُمْ‮»‬،‭ ‬وإذا‭ ‬ذكرك‭ ‬الله‭ (‬عزَّ‭ ‬وجلَّ‭)‬،‭ ‬منحك‭ ‬الحكمة،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬عطاءات‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حكيمًا،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَمَن‭ ‬يُؤْتَ‭ ‬الْحِكْمَةَ‭ ‬فَقَدْ‭ ‬أُوتِيَ‭ ‬خَيْرًا‭ ‬كَثِيرًا‮»‬‭ (‬البقرة‭: ‬269‭)‬،‭ ‬وإذا‭ ‬ذكرك‭ ‬الله‭ (‬عزَّ‭ ‬وجلَّ‭) ‬أعطاك‭ ‬السكينة،‭ ‬فتسعد‭ ‬بها‭ ‬ولو‭ ‬فقدت‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وتشقى‭ ‬بفقدها‭ ‬ولو‭ ‬ملكت‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬إذا‭ ‬ذكرك‭ ‬الله‭ (‬عزَّ‭ ‬وجلَّ‭) ‬أعطاك‭ ‬الرضا،‭ ‬إذا‭ ‬ذكرك‭ ‬الله‭ (‬عزَّ‭ ‬وجلَّ‭) ‬أعطاك‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬الحق،‭ ‬فلا‭ ‬تنافق؛‭ ‬لأن‭ ‬مصيرك‭ ‬مع‭ ‬الله‭ (‬عزَّ‭ ‬وجلَّ‭) ‬لا‭ ‬مع‭ ‬غيرِه‭ ‬هكذا‭ ‬تعلمنا‭ ‬من‭ ‬شيخنا‭ ‬د‭ ‬محمد‭ ‬راتب‭ ‬النابلسي‭. ‬إذا‭ ‬ذكرك‭ ‬الله‭ (‬عزَّ‭ ‬وجلَّ‭) ‬منحك‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‭ ‬والطمأنينة‭ ‬والاستقرار،‭ ‬إذا‭ ‬ذكرك‭ ‬الله‭ ‬فهمك‭ ‬الحق‭ ‬والحقيقة،‭ ‬ومنحك‭ ‬التأييد‭ ‬والقبول،‭ ‬ومنحك‭ ‬النصر‭ ‬المبين‭.. ‬إذا‭ ‬ذكرك‭ ‬الله‭ ‬منحك‭ ‬الرحمة‭ ‬والرفق‭ ‬بكل‭ ‬مفردات‭ ‬الطبيعة‭ ‬والكون‭.... ‬

لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نُكثر‭ ‬من‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بكل‭ ‬جوارحنا،‭ ‬ونستحضر‭ ‬عظمته،‭ ‬وقدرته،‭ ‬وجلاله‭ ‬على‭ ‬الدوام‭.‬

فعنْ‭ ‬أَبي‭ ‬هُريرةَ،‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭)‬،‭ ‬أنَّ‭ ‬رسُولَ‭ ‬اللَّه‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬قالَ‭: ‬يقُولُ‭ ‬اللَّه‭ ‬تَعالى‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬القدسي‭ ‬الجليل‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬عِنْدَ‭ ‬ظَنِّ‭ ‬عَبْدِي‭ ‬بي،‭ ‬وأنا‭ ‬معهُ‭ ‬إذا‭ ‬ذَكَرَنِي،‭ ‬فإنْ‭ ‬ذَكَرَنِي‭ ‬في‭ ‬نَفْسِهِ‭ ‬ذَكَرْتُهُ‭ ‬في‭ ‬نَفْسِي،‭ ‬وإنْ‭ ‬ذَكَرَنِي‭ ‬في‭ ‬مَلَأ‭ ‬ذَكَرْتُهُ‭ ‬في‭ ‬مَلَأ‭ ‬خَيْرٍ‭ ‬منهمْ،‭ ‬وإنْ‭ ‬تَقَرَّبَ‭ ‬إلَيَّ‭ ‬بشِبْرٍ‭ ‬تَقَرَّبْتُ‭ ‬إلَيْهِ‭ ‬ذِراعًا،‭ ‬وإنْ‭ ‬تَقَرَّبَ‭ ‬إلَيَّ‭ ‬ذِراعًا‭ ‬تَقَرَّبْتُ‭ ‬إلَيْهِ‭ ‬باعًا،‭ ‬وإنْ‭ ‬أتانِي‭ ‬يَمْشِي‭ ‬أتَيْتُهُ‭ ‬هَرْوَلَةً‮»‬‭ (‬أخرجه‭ ‬الإمام‭ ‬البخاري‭ ‬في‭ ‬صحيحه‭).‬

وأفضل‭ ‬أنواع‭ ‬الذكر‭: ‬هو‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وأفضل‭ ‬الذكر‭ ‬بعد‭ ‬القرآن‭: ‬لا‭ ‬إلهَ‭ ‬إلا‭ ‬اللهُ،‭ ‬وأفضلُ‭ ‬الدعاءِ‭: ‬الحمدُ‭ ‬للهِ،‭ ‬ومن‭ ‬أجلِّ‭ ‬أنواع‭ ‬الذكر‭ ‬أيضا‭: ‬ذكر‭ ‬آلاء‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وإنعامه‭ ‬وإحسانه،‭ ‬ومواقع‭ ‬فضله‭ ‬على‭ ‬عبيده‭.‬

ومن‭ ‬الذكر‭ ‬الذي‭ ‬يحبه‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلَّى‭ ‬اللَّهُ‭ ‬علَيهِ‭ ‬وسلَّمَ‭) ‬قال‭: ‬‮«‬كَلِمَتانِ‭ ‬خَفِيفَتانِ‭ ‬علَى‭ ‬اللِّسانِ،‭ ‬ثَقِيلَتانِ‭ ‬في‭ ‬المِيزانِ،‭ ‬حَبِيبَتانِ‭ ‬إلى‭ ‬الرَّحْمَنِ،‭ ‬سُبْحانَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬وبِحَمْدِهِ،‭ ‬سُبْحانَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬العَظِيمِ‮»‬‭ (‬أخرجه‭ ‬الإمام‭ ‬البخاري‭ ‬في‭ ‬صحيحه‭).‬

وقد‭ ‬جعل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬حلقاتِ‭ ‬الذكر‭ ‬روضاتٍ‭ ‬من‭ ‬رياض‭ ‬الجنة،‭ ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلَّى‭ ‬اللَّهُ‭ ‬علَيهِ‭ ‬وآلِه‭ ‬وسلَّمَ‭): ‬‮«‬إذا‭ ‬مررتُمْ‭ ‬برياضِ‭ ‬الجنةِ‭ ‬فارْتَعُوا‭ ‬قالوا‭: ‬وما‭ ‬رياضُ‭ ‬الجنةِ؟‭ ‬قال‭: ‬حِلَقُ‭ ‬الذكرِ‮»‬‭ (‬أخرجه‭ ‬الإمام‭ ‬السيوطي‭ ‬في‭ ‬الجامع‭ ‬الصغير‭ ‬‭ ‬حسن‭).‬

أيها‭ ‬الذاكر‭: ‬لا‭ ‬تحسبن‭ ‬أن‭ ‬الوقتَ‭ ‬الذي‭ ‬تقضيه‭ ‬في‭ ‬الذكر‭ ‬ضائعٌ،‭ ‬كلا؛‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬باعث‭ ‬الأمل‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬الهامدة،‭ ‬وجابر‭ ‬الخواطر‭ ‬المنكسرة،‭ ‬وناثر‭ ‬بذور‭ ‬السكينة‭ ‬في‭ ‬الصدور،‭ ‬ومحرك‭ ‬ينابيع‭ ‬الحكمة‭ ‬في‭ ‬العقول،‭ ‬والقلوب‭... ‬ويا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬عميم‭! ‬وفقنا‭ ‬الله‭ ‬للذكر‭ ‬الذي‭ ‬يرضي‭ ‬الرحمن‭... ‬الذكر‭ ‬الذي‭ ‬به‭ ‬يذكرنا‭ ‬الله‭... ‬الذكر‭ ‬الذي‭ ‬يخلق‭ ‬فينا‭ ‬المراقبة‭ ‬والإخلاص‭ ‬لله‭ ‬على‭ ‬الدوام‭... ‬ووضئنا‭ ‬يا‭ ‬ربنا‭ ‬بأخلاق‭ ‬نبيك‭ ‬الكريم‭.‬

 

‭ ‬{‭ ‬عضو‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬

للشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬‭ ‬مصر

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا