العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الاسلامي

رجل بألف رجل

الجمعة ٣٠ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

في‭ ‬اللمسات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬صياغة‭ ‬ميثاق‭ ‬الحديبية،‭ ‬بينما‭ ‬سهيل‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬ينتشي‭ ‬بإملاء‭ ‬شروطه‭ ‬على‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬يطل‭ ‬عليهم‭ ‬ابنه‭ ‬أبو‭ ‬جندل‭ ‬وصدره‭ ‬عامر‭ ‬بالإيمان،‭ ‬والعقيدة‭ ‬الراسخة‭ ‬تفيض‭ ‬من‭ ‬جوانحه،‭ ‬يطل‭ ‬عليهم‭ ‬وهو‭ ‬يرسف‭ ‬بالحديد‭ ‬ومثقل‭ ‬بالقيود،‭ ‬جاء‭ ‬مسلماً‭ ‬مؤمناً،‭ ‬يريد‭ ‬اللحاق‭ ‬بالركب‭ ‬المسلم،‭ ‬ركب‭ ‬يتململ‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬الحديبية‭ ‬ولعل‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ ‬كان‭ ‬الناطق‭ ‬الرسمي‭ ‬أو‭ ‬الممثل‭ ‬الأبرز‭ ‬عن‭ ‬الرفض،‭ ‬ومما‭ ‬زاد‭ ‬الطين‭ ‬بله‭ ‬قدوم‭ ‬هذا‭ ‬الثائر‭ ‬طالباً‭ ‬الحماية،‭ ‬بينما‭ ‬أبوه‭ ‬أتم‭ ‬التفاوض‭ ‬ووافق‭ ‬النبي‭ ‬الكريم‭ ‬على‭ ‬الوثيقة،‭ ‬فرده‭ ‬رداً‭ ‬جميلاً،‭ ‬وبرزت‭ ‬وحشية‭ ‬والده‭ ‬وهو‭ ‬يقسو‭ ‬عليه‭ ‬ضرباً‭ ‬وجراً‭ ‬وأبو‭ ‬جندل‭ ‬يصرخ‭ ‬بأعلى‭ ‬صوت‭ ‬‮«‬يا‭ ‬معشر‭ ‬المسلمين،‭ ‬أرد‭ ‬إلى‭ ‬المشركين‭ ‬يفتنوني‭ ‬في‭ ‬ديني؟‮»‬‭ ‬فاغتم‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬وضيق‭. ‬

ولم‭ ‬يملك‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬إلا‭ ‬بث‭ ‬الطمأنينة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬ثائر‭ ‬صنديد‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬جندل‭ ‬اصبر‭ ‬واحتسب،‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬جاعل‭ ‬لك‭ ‬ولمن‭ ‬معك‭ ‬من‭ ‬المستضعفين‭ ‬فرجاً‭ ‬ومخرجاً‭. ‬إنا‭ ‬قد‭ ‬عقدنا‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬القوم‭ ‬صلحاً‭ ‬وأعطيناهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬وأعطونا‭ ‬عهد‭ ‬الله،‭ ‬وإنا‭ ‬لا‭ ‬نغدر‭ ‬بهم‭. ‬فعاد‭ ‬بجسده‭ ‬دون‭ ‬روحه‭ ‬وعقله‭.‬

رجع‭ ‬مع‭ ‬أبيه‭ ‬على‭ ‬كره‭ ‬منه،‭ ‬ونفسه‭ ‬كالمرجل‭ ‬تفور‭ ‬ثورة،‭ ‬وتوقاً‭ ‬للحق‭ ‬وللحرية،‭ ‬وأنى‭ ‬لمن‭ ‬خالطت‭ ‬نفسه‭ ‬نسمات‭ ‬العقيدة‭ ‬أن‭ ‬تلين‭ ‬نفسه‭ ‬وتخشع‭ ‬للواقع‭ ‬وتستكين،‭ ‬وتزامن‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬ثائر‭ ‬آخر‭ ‬أشد‭ ‬حزماً‭ ‬من‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬جندل‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬أبو‭ ‬بصير‭ ‬إلى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬مسلماً،‭ ‬بُعيد‭ ‬الحديبية،‭ ‬فألحقت‭ ‬به‭ ‬قريش‭ ‬من‭ ‬يحضره،‭ ‬مطمئنين‭ ‬لذمة‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬العهود‭ ‬والوفاء‭ ‬بها،‭ ‬وقال‭ ‬أبو‭ ‬بصير‭ ‬للرسول‭ ‬الكريم‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬أبو‭ ‬جندل،‭ ‬ورده‭ ‬مع‭ ‬الرجلين،‭ ‬وفي‭ ‬الطريق‭ ‬قتل‭ ‬أحدهم‭ ‬وفر‭ ‬الآخر‭ ‬ليخبر‭ ‬قريش،‭ ‬ورجع‭ ‬إلى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬متوشحا‭ ‬سيفه‭ ‬قائلاً‭: ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬وفت‭ ‬ذمتك،‭ ‬وأدى‭ ‬الله‭ ‬عنك،‭ ‬أسلمتني‭ ‬بيد‭ ‬القوم،‭ ‬وامتنعت‭ ‬بديني‭ ‬أن‭ ‬أفتن‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬يُعبث‭ ‬بي،‭ ‬فقال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭: ‬ويل‭ ‬أمه‭ ‬مُسعر‭ ‬حرب‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬معه‭ ‬رجال‭. ‬

وهنا‭ ‬تتلاقى‭ ‬أرواح‭ ‬الثوار،‭ ‬وتتجلى‭ ‬قوة‭ ‬العقيدة‭ ‬فيهم،‭ ‬فما‭ ‬أن‭ ‬سمع‭ ‬أبو‭ ‬جندل‭ ‬بما‭ ‬قاله‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬لأبي‭ ‬بصير‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬مُسعر‭ ‬حرب‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬معه‭ ‬رجال،‭ ‬حتى‭ ‬وجد‭ ‬ضالته‭ ‬فيه‭ ‬ومعه،‭ ‬أخذ‭ ‬أبو‭ ‬بصير‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬قطع‭ ‬الشريان‭ ‬الاقتصادي‭ ‬القرشي‭ ‬المار‭ ‬بمحاذاة‭ ‬الساحل،‭ ‬وقويت‭ ‬شوكته‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الفعل،‭ ‬حين‭ ‬لحق‭ ‬به‭ ‬سبعون‭ ‬من‭ ‬مستضعفي‭ ‬مكة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬الثائر‭ ‬أبو‭ ‬جندل‭ ‬بن‭ ‬سهيل‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭.‬

اتخذ‭ ‬الثوار‭ ‬من‭ ‬الساحل‭ ‬أرضية‭ ‬للحركة‭ ‬وضرب‭ ‬قريش‭ ‬قتلاً‭ ‬لرجالها‭ ‬أو‭ ‬نهباً‭ ‬لقوافلها،‭ ‬وكلا‭ ‬الأمرين‭ ‬ضرب‭ ‬في‭ ‬الصميم،‭ ‬فلا‭ ‬قريش‭ ‬لها‭ ‬سلطان‭ ‬عليهم،‭ ‬ولا‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬أدركت‭ ‬قريش‭ ‬القوى‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬إيمان‭ ‬راسخ،‭ ‬يرافقه‭ ‬نقمة‭ ‬على‭ ‬قريش‭ ‬فهي‭ ‬تعلم‭ ‬ما‭ ‬قدمت‭ ‬يداها‭ ‬من‭ ‬بشاعة‭ ‬معاملتها‭ ‬لهم‭ ‬حين‭ ‬كانوا‭ ‬تحت‭ ‬يدها،‭ ‬فصرخت‭ ‬تستنجد‭ ‬بمحمد‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬وتناشده‭ ‬الرحم‭ ‬أن‭ ‬يؤوي‭ ‬إليه‭ ‬هؤلاء‭ ‬القوم‭.‬

ثورة‭ ‬أبو‭ ‬بصير‭ ‬وأبو‭ ‬جندل‭ ‬ومن‭ ‬معهم‭ ‬أجبرت‭ ‬قريش‭ ‬على‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬الشرط‭ ‬الذي‭ ‬أملته‭ ‬قريش‭ ‬تعنتاً،‭ ‬وعلى‭ ‬مضض‭ ‬قبله‭ ‬المسلمون،‭ ‬بعزم‭ ‬العقيدة‭ ‬هدم‭ ‬الثوار‭ ‬ركنا‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬وثيقة‭ ‬الصلح،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬أول‭ ‬تباشير‭ ‬النصر‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الحديبية‭ ‬الذي‭ ‬رأى‭ ‬فيه‭ ‬جمهرة‭ ‬المسلمين‭ ‬حينها‭ ‬مهانة،‭ ‬ومقالة‭ ‬عمر‭ ‬الفاروق‭ ‬لأبي‭ ‬بكر‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬للرسول‭ ‬الكريم‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الغضب‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الشروط‭ ‬فقال‭ ‬لهم‭: ‬أولسنا‭ ‬بالمسلمين؟‭ ‬أليسوا‭ ‬بالمشركين؟‭ ‬فعلام‭ ‬نعطي‭ ‬الدنية‭ ‬في‭ ‬ديننا؟‭!‬

حين‭ ‬تستقبل‭ ‬العقيدة‭ ‬نفوسا‭ ‬شماء،‭ ‬وتتغلغل‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬حرة‭ ‬أبية‭ ‬تصنع‭ ‬رجالا،‭ ‬الرجل‭ ‬فيهم‭ ‬بألف‭ ‬رجل‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا