العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الاسلامي

أبو فهر.. شيخ العربية

الجمعة ٢٣ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

كلمة‭ ‬شيخ‭ ‬العربية‭ ‬وحامي‭ ‬حماها‭ ‬تليق‭ ‬بهذا‭ ‬الجهبذ‭ ‬الإسكندراني،‭ ‬الذي‭ ‬أفنى‭ ‬عمره‭ ‬ينافح‭ ‬عن‭ ‬العربية‭ ‬بأشد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬الدفاع،‭ ‬المؤمن‭ ‬بما‭ ‬يقول،‭ ‬الثابت‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقول،‭ ‬الراسخ‭ ‬في‭ ‬دفاعه‭ ‬حيناً‭ ‬طويلاً‭ ‬من‭ ‬الدهر،‭ ‬خاض‭ ‬خلاله‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬الأدبية‭ ‬ذوداً‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬والتراث‭ ‬ما‭ ‬خاض،‭ ‬وبقي‭ ‬سيفه‭ ‬مشهراً‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬متجنٍ‭ ‬على‭ ‬العربية،‭ ‬متحذلق‭ ‬متقعر‭ ‬في‭ ‬هجومه،‭ ‬لا‭ ‬يداري‭ ‬ولا‭ ‬يوارب،‭ ‬فالقضية‭ ‬أجل‭ ‬وأسمى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُوارب‭ ‬فيها،‭ ‬أو‭ ‬يحابي،‭ ‬فكان‭ ‬الصخرة‭ ‬التي‭ ‬تحطمت‭ ‬عليها‭ ‬الدعاوى‭ ‬الباطلة،‭ ‬والسد‭ ‬المنيع‭ ‬حقاً‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬متسلل‭ ‬أو‭ ‬مدع‭ ‬زوراً‭ ‬وظلماً‭ ‬على‭ ‬العربية،‭ ‬العربية‭ ‬الربانية،‭ ‬العربية‭ ‬القرآنية،‭ ‬وغادر‭ ‬وهو‭ ‬مهاب‭ ‬الجانب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬غادر‭ ‬الدنيا‭ ‬موشحاً‭ ‬بوسام‭ ‬شيخ‭ ‬العربية‭ ‬وحامي‭ ‬لوائها،‭ ‬وكفى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬وسام‭ ‬كريم‭ ‬وفخر‭.‬

‭   ‬أولى‭ ‬معاركه‭ ‬الشرفية‭ ‬النبيلة‭ ‬كانت‭ ‬مع‭ ‬أستاذه‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬والذي‭ ‬توسط‭ ‬له‭ ‬لقبوله‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الآداب‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬خريج‭ ‬القسم‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة،‭ ‬ولم‭ ‬ترتعد‭ ‬فرائصه‭ ‬للصيت‭ ‬الذي‭ ‬أُضفي‭ ‬على‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬حينها،‭ ‬فهو‭ ‬مثقف‭ ‬أصيل‭ ‬منذ‭ ‬صباه،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬حفظ‭ ‬ديوان‭ ‬المتنبي‭ ‬صغيراً،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬بغريب‭ ‬ولا‭ ‬مستهجن‭ ‬على‭ ‬سليل‭ ‬عائلة‭ ‬من‭ ‬أشراف‭ ‬العوائل‭ ‬الإسكندرانية‭ ‬المرموقة‭ ‬في‭ ‬نسبها،‭ ‬ذات‭ ‬القدم‭ ‬الراسخة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬والتعاليم‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وكأني‭ ‬به‭ ‬قد‭ ‬رضع‭ ‬المبادئ‭ ‬في‭ ‬مهده‭.‬

فعلى‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬وفي‭ ‬بواكيرها،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬أستاذه،‭ ‬وصاحب‭ ‬اليد‭ ‬عنده‭ ‬في‭ ‬قبوله‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الآداب‭ ‬يحاضر‭ ‬عن‭ ‬كتابة‭ ‬الموسوم‭ ‬‮«‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي‮»‬‭ ‬صُدم‭ ‬الطالب‭ ‬بفكرة‭ ‬كانت‭ ‬عصية‭ ‬على‭ ‬المرور‭ ‬والتي‭ ‬مفادها‭: ‬إنّ‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬المسلمين‭ ‬ليفسروا‭ ‬به‭ ‬القرآن،‭ ‬ولأنه‭ ‬طالب‭ ‬متميز‭ ‬باطلاعه‭ ‬قبل‭ ‬الجلوس‭ ‬على‭ ‬المقعد‭ ‬الجامعي‭ ‬فقد‭ ‬دُهش‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬قرأ‭ ‬هذه‭ ‬الشُبهة‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬للمستشرق‭ ‬‮«‬مركليوث‮»‬،‭ ‬فأسر‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬بدايةً‭ ‬أنّ‭ ‬أستاذه‭ ‬سارق،‭ ‬مارق‭ ‬على‭ ‬الأمانة‭ ‬العلمية،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أُحيط‭ ‬بالمحاضر‭- ‬طه‭ ‬حسين‭- ‬من‭ ‬هيبة‭ ‬وصيت‭ ‬أدبي‭ ‬أوجس‭ ‬بنفس‭ ‬الطالب‭ ‬خيفة،‭ ‬وأسرها‭ ‬بين‭ ‬جوانحه‭ ‬حتى‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬كبتها‭ ‬فكانت‭ ‬المواجهة‭ ‬حتمية‭ ‬مع‭ ‬فراغ‭ ‬الصبر‭. ‬ما‭ ‬اضطره‭ ‬إلى‭ ‬ترك‭ ‬الجامعة‭ ‬ويمم‭ ‬وجهه‭ ‬صوب‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬لا‭ ‬يسعنا‭ ‬سرد‭ ‬تفاصيل‭ ‬معاركه‭ ‬النبيلة‭ ‬مع‭ ‬خصوم‭ ‬هم‭ ‬براء‭ ‬من‭ ‬النُبل‭ ‬والمروءة‭ ‬الثقافية‭ ‬بسبب‭ ‬ضيق‭ ‬الحيز‭ ‬المتاح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المربع‭ ‬المخصص‭ ‬للمقال،‭ ‬وليتيسر‭ ‬لنا‭ ‬عرض‭ ‬جوانب‭ ‬أُخرى‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬هذا‭ ‬اللغوي‭ ‬الثائر‭.‬

أبو‭ ‬فهر‭ ‬متذوق‭ ‬للشعر‭ ‬ويقرضه،‭ ‬وكانت‭ ‬صفحات‭ ‬مجلة‭ ‬الفتح‭ ‬والزهراء‭ ‬مكانا‭ ‬ليرى‭ ‬شعره‭ ‬النور،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التوغل‭ ‬في‭ ‬الاطلاع‭ ‬والقراءة،‭ ‬وتزامن‭ ‬مع‭ ‬سياحة‭ ‬القراءة،‭ ‬مد‭ ‬جسور‭ ‬العلائق‭ ‬مع‭ ‬نخبة‭ ‬عصره‭ ‬الأدبية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وبالخصوص‭ ‬الرافعي،‭ ‬والتي‭ ‬تمظهرت‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬كطالب‭ ‬وأستاذه،‭ ‬ثم‭ ‬سمت‭ ‬وارتقت‭ ‬لعلاقة‭ ‬صداقة‭.‬

مما‭ ‬يُحسب‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬يقرأ‭ ‬ويهضم،‭ ‬وحين‭ ‬يكتب‭ ‬يُضفي‭ ‬بصمته‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬موضوع‭ ‬الكتابة،‭ ‬فله‭ ‬يعود‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬تصحيح‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬شاع‭ ‬عن‭ ‬المتنبي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬نسبه،‭ ‬فصرامة‭ ‬التحقيق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ديدنه‭ ‬أدت‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬نفي‭ ‬أن‭ ‬المتنبي‭ ‬كان‭ ‬ابن‭ ‬أحد‭ ‬السقايين،‭ ‬وأنه‭ ‬كان‭ ‬علويا‭ ‬من‭ ‬أُسرة‭ ‬علوية‭ ‬كوفية،‭ ‬وبهذا‭ ‬وبسبب‭ ‬التحقيق‭ ‬والتدقيق‭ ‬خالف‭ ‬من‭ ‬سبقه،‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬وهو‭ ‬قد‭ ‬كتب‭ ‬كتاباً‭ ‬عن‭ ‬المتنبي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬طُلب‭ ‬منه‭ ‬كتابة‭ ‬ورقة‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬بعض‭ ‬صفحات‭ ‬عن‭ ‬المتنبي‭ ‬لصالح‭ ‬مجلة‭ ‬المقتطف‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يرأس‭ ‬تحريرها‭ ‬فؤاد‭ ‬صروف،‭ ‬فقدم‭ ‬له‭ ‬كتاباً‭ ‬متكاملاً‭ ‬محققاً‭ ‬تحقيقاً‭ ‬علمياً‭ ‬صارماً‭ ‬،‭ ‬فنقله‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬غياهب‭ ‬المغمورين‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬المؤلفين‭ ‬اللامعين،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬جدير،‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬تفرد‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬والطرح‭.‬

الحر‭ ‬فكرياً،‭ ‬الأمين‭ ‬خُلقاً،‭ ‬المنتمي‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬يضيق‭ ‬ذرعاً‭ ‬بالترهات‭ ‬والتي‭ ‬تُسمى‭ ‬بهتاناً‭ ‬بالمعارف،‭ ‬فلا‭ ‬مناص‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬خيار‭ ‬من‭ ‬استئناف‭ ‬المعارك،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬مع‭ ‬لويس‭ ‬عوض‭ ‬المستشار‭ ‬الثقافي‭ ‬للأهرام،‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسة‭ ‬العريقة،‭ ‬والتي‭ ‬كتب‭ ‬فيها‭ ‬سلسلة‭ ‬مقالات‭ ‬يدعي‭ ‬فيها‭ ‬تأثر‭ ‬المعري‭ ‬بالمعرفة‭ ‬اليونانية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ادعى‭ ‬تأثر‭ ‬الأحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬بالأساطير‭ ‬اليونانية،‭ ‬فأنى‭ ‬لأبي‭ ‬فهر‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬مكتوف‭ ‬الأيدي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬من‭ ‬افتراء‭ ‬وافتئات،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬تصديه‭ ‬لهذا‭ ‬الهراء‭ ‬إلى‭ ‬اعتقاله‭.‬

غادرنا‭ ‬سيف‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1997،‭ ‬تاركاً‭ ‬لنا‭ ‬إرثا‭ ‬تجملت‭ ‬به‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬وازدانت،‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬أباطيل‭ ‬وأسمار‮»‬‭ ‬و«القوس‭ ‬والعذراء‮»‬‭ ‬و«المتنبي‮»‬‭ ‬رحمك‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬حامي‭ ‬حمى‭ ‬العربية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا