العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الاسلامي

كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه

الجمعة ٠٥ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

د‭. ‬أحمد‭ ‬علي‭ ‬سليمان

إن‭ ‬الناظر‭ ‬المدقق‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬يلحظ‭ ‬أن‭ ‬ثقافة‭ ‬المسؤولية‭ ‬هي‭ ‬المحرك‭ ‬العملاق‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الناس‭ ‬دفعًا‭ ‬نحو‭ ‬الارتقاء‭ ‬والتقدم؛‭ ‬لذلك‭ ‬تسعى‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬تمكينها‭ ‬في‭ ‬جنبات‭ ‬المجتمع‭. ‬وتتعاظم‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬سباق‭ ‬الدول‭ ‬المحموم‭ ‬للصعود‭ ‬إلى‭ ‬القمم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والصناعية‭ ‬والتقنية‭...‬إلخ‭ ‬أو‭ ‬البقاء‭ ‬عليها،‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مواجهة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬للتحديات‭ ‬والمشكلات‭ ‬والأزمات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭..‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬سعي‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬الحثيث‭ ‬للانطلاق‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬التقدم‭ ‬والازدهار؛‭ ‬فنعتقد‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬أمامها‭ ‬من‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬تمكين‭ ‬القيم‭ ‬الدافعة‭ ‬للتقدم‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬والإنساني؛‭ ‬لتكون‭ ‬بمثابة‭ ‬القاعدة‭ ‬الصلبة‭ ‬لبنية‭ ‬مجتمعية‭ ‬تسودها‭ ‬المحركات‭ ‬الذاتية‭ ‬الداخلية،‭ ‬والمرتكزات‭ ‬والمنطلقات‭ ‬والمنصات‭ ‬للإقلاع‭ ‬الحضاري،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬ثقافة‭ ‬المسؤولية‭ ‬وزرعها‭ ‬ونثرها‭ ‬ونشرها‭ ‬وتجذيرها‭ ‬وترسيخها‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المجتمع‭ ‬والناس‭.‬

والمنهج‭ ‬الإسلامي‭ ‬بعالميته‭ ‬وصلاحيته‭ ‬لكل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬رشدها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فيه‭ ‬المسعف‭ ‬لمبتغانا؛‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬زاخر‭ ‬بمقومات‭ ‬المسؤولية‭ ‬الشاملة‭ ‬والمتكاملة‭ ‬والقابلة‭ ‬للتحقيق‭ ‬والتطبيق،‭ ‬وما‭ ‬علينا‭ ‬إلا‭ ‬تمثلها‭ ‬حياتيًّا؛‭ ‬حتى‭ ‬تعيش‭ ‬فينا‭ ‬ونعيش‭ ‬فيها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تصير‭ ‬منهج‭ ‬حياة‭ ‬لنا‭ ‬وللأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

والمسؤولية‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬فردية‭ ‬وجماعية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وإنسانية‭. ‬

والمسؤولية‭ ‬الفردية‭ ‬تعني‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬أداؤه‭ ‬تجاه‭ ‬ربه‭ ‬تعالى،‭ ‬وتجاه‭ ‬نفسه؛‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬مسؤولا‭ ‬عن‭ ‬جوارحه،‭ ‬وعن‭ ‬بدنه،‭ ‬وعقله،‭ ‬وعلمه،‭ ‬وعمله،‭ ‬وأسرته،‭ ‬وعباداته،‭ ‬ومعاملاته،‭ ‬ومسؤولياته،‭ ‬وما‭ ‬يجب‭ ‬عليه‭ ‬أداؤه‭ ‬تجاه‭ ‬بني‭ ‬جنسه،‭ ‬وأيضا‭ ‬تجاه‭ ‬شتى‭ ‬مفردات‭ ‬الطبيعة‭ ‬والكون‭ (‬الحيوان،‭ ‬والنبات،‭ ‬والجماد،‭ ‬والماء،‭ ‬والفضاء‭...‬إلخ‭).‬

يقول‭ ‬الحق‭ ‬تبارك‭ ‬وتعالى‭: (‬إنَّا‭ ‬عَرَضْنَا‭ ‬الْأمَانَةَ‭ ‬عَلَى‭ ‬السَّمَاوَاتِ‭ ‬وَالْأرْضِ‭ ‬وَالْجِبَالِ‭ ‬فَأبَيْنَ‭ ‬أن‭ ‬يَحْمِلْنَهَا‭ ‬وَأشْفَقْنَ‭ ‬مِنْهَا‭ ‬وَحَمَلَهَا‭ ‬الْإنسَانُ‭ ‬إنه‭ ‬كَانَ‭ ‬ظَلُومًا‭ ‬جَهُولًا‭) (‬الأحزاب‭: ‬72‭)‬،‭ ‬فهذه‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬المسؤولية‭ ‬بمعناها‭ ‬الشامل،‭ ‬فالأمانة‭ ‬هنا‭ ‬تعني‭ ‬المسؤولية‭ ‬تمامًا‭. ‬وقال‭ ‬تعالى‭: (‬يَا‭ ‬أيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آَمَنُوا‭ ‬لَا‭ ‬تَخُونُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬وَالرَّسُولَ‭ ‬وَتَخُونُوا‭ ‬أمَانَاتِكُمْ‭ ‬وَأنْتُمْ‭ ‬تَعْلَمُونَ‭) (‬الأنفال‭: ‬27‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬سمَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬تعالى‭ ‬التقصيرَ‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬الأمانة‭ ‬بالخيانة‭. ‬

وقال‭ ‬تعالى‭: (‬وَأوْفُوا‭ ‬بِالْعَهْدِ‭ ‬إنَّ‭ ‬الْعَهْدَ‭ ‬كَانَ‭ ‬مَسْئولًا‭) (‬الإسراء‭: ‬34‭)‬،‭ ‬فهذه‭ ‬الآية‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬مسؤولية‭ ‬الإنسان‭ ‬عما‭ ‬يقطعه‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬العهود‭ ‬والمواثيق‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬تحقيقًا‭ ‬لصالح‭ ‬الناس‭. ‬وقال‭ ‬أيضا‭: (‬إنَّ‭ ‬السَّمْعَ‭ ‬وَالْبَصَرَ‭ ‬وَالْفُؤادَ‭ ‬كُلُّ‭ ‬أولَئِكَ‭ ‬كَانَ‭ ‬عَنْهُ‭ ‬مَسْئُولًا‭) (‬الإسراء‭: ‬36‭)‬،‭ ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬التصريح‭ ‬بمسؤولية‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬جوارحه،‭ ‬فهو‭ ‬محاسب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭(‬مروان‭ ‬محمد‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭: ‬كلمات‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬المسؤولية‭) .‬وقال‭: (‬وَلَتُسْألُنَّ‭ ‬عَمَّا‭ ‬كُنْتُمْ‭ ‬تَعْمَلُونَ‭) (‬النحل‭: ‬93‭)‬،‭ ‬وقال‭ ‬تعالى‭: (‬كُلُّ‭ ‬نَفْسٍ‭ ‬بِمَا‭ ‬كَسَبَتْ‭ ‬رَهِينَةٌ‭) (‬المدثر‭: ‬38‭)‬،‭ ‬ويقول‭ ‬أيضا‭: (‬وَلَا‭ ‬تَزِرُ‭ ‬وَازِرَةٌ‭ ‬وِزْرَ‭ ‬أخْرَى‭) (‬فاطر‭: ‬18‭)‬،‭ ‬ويقول‭ ‬تعالى‭: (‬فَمَنْ‭ ‬أبْصَرَ‭ ‬فَلِنَفْسِهِ‭ ‬وَمَنْ‭ ‬عَمِيَ‭ ‬فَعَلَيْهَا‭) (‬الأنعام‭: ‬104‭)‬،‭ (‬وَمَنْ‭ ‬يَشْكُرْ‭ ‬فَإنَّمَا‭ ‬يَشْكُرُ‭ ‬لِنَفْسِهِ‭) (‬لقمان‭: ‬12‭)‬،‭ ‬وقال‭ ‬تعالى‭ (‬مَّنْ‭ ‬عَمِلَ‭ ‬صَالِحًا‭ ‬فَلِنَفْسِهِ‭ ‬وَمَنْ‭ ‬أسَاءَ‭ ‬فَعَلَيْهَا‭ ‬وَمَا‭ ‬رَبُّكَ‭ ‬بِظَلَّامٍ‭ ‬لِّلْعَبِيدِ‭) (‬فصلت‭: ‬46‭)‬،‭ ‬ويقول‭ ‬تعالى‭: (‬يَا‭ ‬أيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬اتَّقُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬وَلْتَنظُرْ‭ ‬نَفْسٌ‭ ‬مَّا‭ ‬قَدَّمَتْ‭ ‬لِغَدٍ‭ - ‬وَاتَّقُوا‭ ‬اللَّهَ‭ - ‬إنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬خَبِيرٌ‭ ‬بِمَا‭ ‬تَعْمَلُونَ‭) (‬الحشر‭: ‬18‭).‬

ويحدد‭ ‬النبي‭ (‬صَلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عليه‭ ‬وسلَّمَ‭) ‬معالمَ‭ ‬المسؤولية‭ ‬وشمولَها،‭ ‬بقوله‭: (‬كلُّكم‭ ‬راعٍ‭ ‬وكلُّكم‭ ‬مسؤولٌ‭ ‬عن‭ ‬رعيَّتِه،‭ ‬فالإمامُ‭ ‬راعٍ‭ ‬ومسؤولٌ‭ ‬عن‭ ‬رعيَّتِه،‭ ‬والرَّجلُ‭ ‬راعٍ‭ ‬في‭ ‬أهلِه‭ ‬ومسؤولٌ‭ ‬عن‭ ‬أهلِه،‭ ‬والمرأةُ‭ ‬راعيةٌ‭ ‬في‭ ‬بيتِ‭ ‬زوجِها‭ ‬ومسؤولةٌ‭ ‬عن‭ ‬رعيَّتِها،‭ ‬والخادمُ‭ ‬راعٍ‭ ‬في‭ ‬مالِ‭ ‬سيِّدِه‭ ‬ومسؤولٌ‭ ‬عن‭ ‬رعيَّتِه‭ ‬وكلُّكم‭ ‬راعٍ‭ ‬ومسؤولٌ‭ ‬عن‭ ‬رعيَّتِه‭) (‬أخرجه‭ ‬ابن‭ ‬حبان‭).‬

وهناك‭ ‬حكمة‭ ‬جليلة‭ ‬قالها‭ ‬الأجداد‭: (‬من‭ ‬تمام‭ ‬المروءة‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬المرء‭ ‬ما‭ ‬عليه‭ ‬فيؤديه،‭ ‬وما‭ ‬له‭ ‬فيستوفيه‭). ‬وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬بنية‭ ‬المسؤولية‭ ‬الشاملة‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬الفرد‭ ‬وتنتهي‭ ‬إليه‭.‬

عضو‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬‭ ‬مصر

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا