العدد : ١٦٨٥٢ - الاثنين ١٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٢ - الاثنين ١٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الاسلامي

المغامسي.. صوت تأخر

الجمعة ٠٥ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

 

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

انتهينا‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭ ‬إلى‭ ‬الإقرار‭ ‬بجهود‭ ‬الفقهاء‭ ‬الذين‭ ‬مضوا،‭ ‬تاركين‭ ‬وراءهم‭ ‬فقها‭ ‬استنزف‭ ‬حياتهم‭ ‬ليواكبوا‭ ‬كل‭ ‬جديد،‭ ‬ويستلوا‭ ‬من‭ ‬منبع‭ ‬الإسلام‭ -‬القرآن‭ ‬الكريم‭- ‬ما‭ ‬يواجهون‭ ‬به‭ ‬نوازل‭ ‬عصرهم،‭ ‬لتنتظم‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬هدي‭ ‬الشريعة،‭ ‬فكانوا‭ ‬ربانيين،‭ ‬مجتهدين،‭ ‬علماء،‭ ‬ورحلوا‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬جميعاً،‭ ‬وبرحليهم‭ ‬كتبنا‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬الجمود‭ ‬والموت‭ ‬الفقهي،‭ ‬وذلك‭ ‬بقتل‭ ‬الاجتهاد،‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بما‭ ‬قدمه‭ ‬الأوائل،‭ ‬فسكنّا‭ ‬وسكن‭ ‬ديننا،‭ ‬وتقوقعت‭ ‬شريعتنا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفقهاء‭.‬

وبدأ‭ ‬عصر‭ ‬التكرار‭ ‬الممجوج،‭ ‬بحفظ‭ ‬مقولات‭ ‬وآراء‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفذاذ،‭ ‬وتكرارها‭ ‬على‭ ‬مسامع‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬خطبة‭ ‬الجمعة،‭ ‬وانتهاءً‭ ‬ببرامج‭ ‬الفتوى‭ ‬على‭ ‬الفضائيات‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬عنصر‭ ‬طرد‭ ‬لا‭ ‬عنصر‭ ‬جذب،‭ ‬فلا‭ ‬جواب‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬فقه‭ ‬واجتهاد،‭ ‬ولا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬فقه‭ ‬للواقع،‭ ‬وبدأ‭ ‬الأموات‭ ‬يرسمون‭ ‬لنا‭ ‬مسار‭ ‬الحياة،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬في‭ ‬عجز‭ ‬لا‭ ‬ينكره‭ ‬كل‭ ‬ذي‭ ‬لُب،‭ ‬والعجز‭ ‬هذا‭ ‬تمظهر‭ ‬بعدم‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬متن‭ ‬على‭ ‬متن‭.‬

نحن‭ ‬نعيش‭ ‬أزمة‭ ‬نوعية‭ ‬خطيرة،‭ ‬فالعقل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يتكئ‭ ‬على‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬الهجري،‭ ‬على‭ ‬عقلية‭ ‬الشافعي‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬الذي‭ ‬واجه‭ ‬عصره‭ ‬وأدى‭ ‬ما‭ ‬عليه،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬استوعب‭ ‬الشروط‭ ‬التاريخية‭ ‬لعصره‭ ‬وقال‭ ‬كلمته‭ ‬ومضى‭ ‬إلى‭ ‬ربه‭ ‬مرحوماً‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬الحاج‭ ‬اوحمنة‭ ‬دواق‭.‬

صالح‭ ‬المغامسي‭ ‬الشيخ‭ ‬السعودي‭ ‬والداعية‭ ‬الإسلامي‭ ‬لم‭ ‬ترتح‭ ‬نفسه‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع،‭ ‬وخرج‭ ‬أخيراً‭ ‬على‭ ‬الملأ‭ ‬ليعلن‭ ‬بصدق‭ ‬وأمانة‭ -‬حسب‭ ‬ما‭ ‬أرى‭- ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬فقه‭ ‬جديد‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬واقعنا‭ ‬المعاصر،‭ ‬ويواجه‭ ‬بصرامة‭ ‬وعلمية‭ ‬ما‭ ‬استجد‭ ‬بحياتنا‭ ‬من‭ ‬نوازل،‭ ‬وكأنه‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬العقل‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬يستنجد‭ ‬بالأموات‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬له‭ ‬تأثير،‭ ‬وانفضاض‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬علامة‭ ‬خطر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬حدوث‭ ‬فوضى‭ ‬فقهية،‭ ‬وضبابية‭ ‬أحكام‭ ‬وعشوائية‭ ‬فتاوى‭.‬

المغامسي‭ ‬قرع‭ ‬الجرس،‭ ‬ومما‭ ‬يؤلم‭ ‬بالموضوع‭ ‬أن‭ ‬الشيخ‭ ‬المغامسي‭ ‬يُقر‭ ‬بوجع‭ ‬بأنه‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يختلف‭ ‬مع‭ ‬أقرانه‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مسألة‭ ‬فرعية‭ ‬ثانوية،‭ ‬تُفتح‭ ‬عليه‭ ‬النيران‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأسلحة،‭ ‬وكأن‭ ‬الخُلق‭ ‬القرآني‭ ‬والهدي‭ ‬النبوي‭ ‬لم‭ ‬يُسمع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البتة،‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬أي‭ ‬ثابت‭ ‬من‭ ‬الثوابت‭ ‬نفاه‭ ‬الشيخ‭ ‬المغامسي؟‭ ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬أي‭ ‬جُرم‭ ‬ارتكبه‭ ‬الشيخ‭ ‬حين‭ ‬أراد‭ ‬الاجتهاد؟‭ ‬وعدم‭ ‬التعيش‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬الهجري‭!!.‬

العقل‭ ‬الذي‭ ‬عارض‭ ‬وهاجم‭ ‬الشيخ‭ ‬المغامسي‭ ‬هو‭ ‬عقل‭ ‬مستقيل‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحرفي‭ ‬للكلمة،‭ ‬فهو‭ ‬عقل‭ ‬عالة‭ ‬على‭ ‬عقل‭ ‬مات‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬الهجري،‭ ‬وهو‭ ‬عقل‭ ‬عاجز‭ ‬حقاً،‭ ‬ويعتاش‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬إنسان‭ ‬مات‭ ‬منذ‭ ‬قرون،‭ ‬واستكان‭ ‬على‭ ‬الإسراف‭ ‬في‭ ‬سرد‭ ‬قول‭ ‬السابقين،‭ ‬ولا‭ ‬طاقة‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬توليد‭ ‬نص‭ ‬من‭ ‬نص،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الفكر‭ ‬الاجتهادي‭ ‬فكرا‭ ‬توليديا‭ ‬فماذا‭ ‬يكون؟‭!! ‬

على‭ ‬الإطلاق‭ ‬لا‭ ‬يُقصد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬الانتقاص‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬السابقين،‭ ‬ومن‭ ‬نحن‭ ‬حتى‭ ‬نبخسهم‭ ‬حقهم،‭ ‬ولا‭ ‬ننزلهم‭ ‬منزلتهم‭ ‬التي‭ ‬يستحقونها،‭ ‬وهم‭ ‬بها‭ ‬جديرون،‭ ‬لكن‭ ‬ألا‭ ‬تستفزنا‭ ‬تلك‭ ‬الكلالة‭ ‬على‭ ‬المنتج‭ ‬السابق،‭ ‬وهو‭ ‬منتج‭ ‬فكري‭ ‬كما‭ ‬قلنا‭ ‬مراع‭ ‬لشروطهم‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬عاشوها،‭ ‬وبعد‭ ‬مُضي‭ ‬تلك‭ ‬السنين‭ ‬العجاف‭ ‬بعدهم‭ ‬ألا‭ ‬نمتلك‭ ‬الجرأة‭ ‬لنسأل‭ ‬أين‭ ‬العقل‭ ‬الإسلامي‭ ‬المُجتهد‭ ‬بعد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفذاذ؟‭ ‬والأجرأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ألا‭ ‬يحق‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ننقد‭ ‬العقل‭ ‬المستقيل‭ ‬المعتاش‭ ‬على‭ ‬إرث‭ ‬السابقين؟‭ ‬بلى‭ ‬يحق‭ ‬لنا‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬نقد‭ ‬الذات‭ ‬أول‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭.‬

المغامسي‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬انبثاق‭ ‬نشأة‭ ‬فقهية‭ ‬جديدة‭ ‬عمادها‭ ‬الفكر‭ ‬والاجتهاد‭ ‬والتفكر‭ ‬بالواقع‭ ‬الحالي‭ ‬المعاش،‭ ‬والرجل‭ ‬عقد‭ ‬النية‭ ‬وتوجه‭ ‬بالرجاء‭ ‬لربه‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬نشوء‭ ‬فقه‭ ‬معاصر‭ ‬رصين‭ ‬يواكب‭ ‬المستجدات‭ ‬والنوازل،‭ ‬نرجو‭ ‬له‭ ‬التوفيق‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا