العدد : ١٦٨٤٩ - الجمعة ١٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٩ - الجمعة ١٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الاسلامي

قبل هلال الهلال!

الجمعة ١٤ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

الشيخ‭: ‬محمد‭ ‬مبروك‭ ‬الشيلاني‭ ‬‭*‬

يتزايد‭ ‬الحَراك‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتتعدد‭ ‬أبواب‭ ‬الطاعات‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬الحَراك‭ ‬وهذه‭ ‬الأبواب‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬ذات‭ ‬البين،‭ ‬وذلك‭ ‬برأب‭ ‬الصدع‭ ‬وإزالة‭ ‬الجفوة‭ ‬بين‭ ‬شخصين‭ ‬أو‭ ‬أسرتين؛‭ ‬سعيًا‭ ‬وراء‭ ‬تحقيق‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والأُسري‭. ‬

هذا‭ ‬وتتسم‭ ‬الأجواء‭ ‬الرمضانية‭ ‬بروحانيات‭ ‬عالية،‭ ‬وينشط‭ ‬الساعون‭ ‬على‭ ‬الخير‭ ‬للتوسط‭ ‬بين‭ ‬المتخاصمين‭ ‬والضغط‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنهاء‭ ‬النزاعات‭ ‬بينهم‭ ‬والتأليف‭ ‬بين‭ ‬قلوبهم،‭ ‬وهذه‭ ‬جهود‭ ‬تُذكر‭ ‬فتُشكَر،‭ ‬فلَمُّ‭ ‬شمل‭ ‬البيوت‭ ‬والأُسَر،‭ ‬والتأليف‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬أشرف‭ ‬الغايات‭ ‬وأعظم‭ ‬القُربات‭. ‬

لكنَّ‭ ‬الانتظار‭ ‬حتى‭ ‬يأتي‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬لأداء‭ ‬تلك‭ ‬المهمة‭ ‬ليس‭ ‬الأنسب‭ ‬كما‭ ‬يَظن‭ ‬الكثير،‭ ‬فقد‭ ‬ثبت‭ ‬في‭ ‬السُنة‭ ‬أنَّ‭ ‬السَنة‭ ‬العبادية‭ ‬تنتهي‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬شعبان‭ ‬برفع‭ ‬الأعمال‭ ‬فيه،‭ ‬ففي‭ ‬الحديث‭: (‬وَهوَ‭ ‬شَهْرٌ‭ ‬تُرفَعُ‭ ‬فيهِ‭ ‬الأعمالُ‭ ‬إلى‭ ‬ربِّ‭ ‬العالمينَ‭) ‬‮«‬صحيح‭ - ‬سنن‭ ‬النسائي‮»‬‭. ‬والسؤال‭ ‬هنا‭: ‬كيف‭ ‬ولماذا‭ ‬انتظر‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتخاصمون‭ ‬حتى‭ ‬طُويت‭ ‬صحيفة‭ ‬أعمال‭ ‬السَنة،‭ ‬دون‭ ‬أنْ‭ ‬تُطوى‭ ‬معها‭ ‬خلافاتهم‭ ‬وتصفى‭ ‬نفوسهم؟‭  ‬كيف‭ ‬يستقبلون‭ ‬الركن‭ ‬الرابع‭ ‬للإسلام،‭ ‬والسَنة‭ ‬العِبادية‭ ‬الجديدة،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬الخصومة‭ ‬قائمة‭ ‬فيهم،‭ ‬والشحناء‭ ‬تدِبّ‭ ‬في‭ ‬نفوسهم؟

إنَّ‭ ‬المسلم‭ ‬الواعي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يدرك‭ ‬أنَّ‭ ‬‮«‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬القبيح‭ ‬يسبق‭ ‬التحلي‭ ‬بالصحيح‮»‬،‭ ‬وأنَّ‭ ‬حرث‭ ‬الأرض‭ ‬وتهيئتها‭ ‬للزراعة‭ ‬يأتي‭ ‬قبل‭ ‬وضع‭ ‬البذور‭ ‬فيها،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬المعلوم‭ ‬بالضرورة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مواسم‭ ‬الزراعة‭!. ‬لكنَّ‭ ‬بعض‭ ‬العباد‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬مواسم‭ ‬الطاعات‭ ‬بتجاهل‭ ‬أو‭ ‬تكاسل‭ ‬أو‭ ‬تغافل،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬التأهب‭ ‬لها‭ ‬بـرَد‭ ‬المظالم،‭ ‬وإصلاح‭ ‬الخلل،‭ ‬وتنقية‭ ‬النفوس‭ ‬من‭ ‬أدران‭ ‬الخصومات‭ ‬وشوائب‭ ‬المشاحنات‭. ‬ويتمادى‭ ‬هؤلاء‭ ‬المساكين‭ ‬في‭ ‬خصامهم‭ ‬ويُسوفون‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬النزاعات‭ ‬بينهم،‭ ‬حتى‭ ‬يدركهم‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬المَعِيبة،‭ ‬ثم‭ ‬يُبددون‭ ‬أوقاتهم‭ ‬وأوقات‭ ‬الوسطاء‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬الجلوس‭ ‬حول‭ ‬طاولة‭ ‬الحوار؛‭ ‬لإنهاء‭ ‬الخصومات،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬اغتنام‭ ‬الجميع‭ ‬لهذه‭ ‬الأوقات‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬صلاة‭ ‬التراويح‭ ‬أو‭ ‬التهجد‭ ‬أو‭ ‬الاعتكاف‭ ‬أو‭ ‬قراءة‭ ‬القرآن‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬صنوف‭ ‬العبادة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬الطاعات‭. ‬والعجيب‭ ‬أنَّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفُـرَقـاء‭ ‬قد‭ ‬استعدوا‭ ‬جيدًا‭ ‬لشهر‭ ‬رمضان‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الجُسماني،‭ ‬فوفروا‭ ‬احتياجات‭ ‬البطون‭ ‬والقوالب،‭ ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬يفكروا‭ ‬في‭ ‬الاستعداد‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإيماني،‭ ‬ولم‭ ‬يوفروا‭ ‬احتياجات‭ ‬الأرواح‭ ‬والقلوب،‭ ‬ومنها‭ ‬إزالة‭ ‬الأكدار‭ ‬وإنهاء‭ ‬الخصومات‭. ‬وهؤلاء‭ ‬المساكين‭ ‬قد‭ ‬نسوا‭ ‬أو‭ ‬تناسوا‭ ‬أو‭ ‬جهلوا‭ ‬أو‭ ‬تجاهلوا‭ ‬أنَّ‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬هي‭ ‬تحقيق‭ ‬السمو‭ ‬الروحي‭ ‬والسلام‭ ‬النفسي،‭ ‬لا‭ ‬تخزين‭ ‬الطعام‭ ‬ومَلء‭ ‬البطون‭! ‬

والمسلم‭ ‬الحق‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يتحرى‭ ‬القبول‭ ‬لعمله،‭ ‬فيفرغ‭ ‬قلبه‭ ‬من‭ ‬الأكدار،‭ ‬ولا‭ ‬يدع‭ ‬فيه‭ ‬مجالًا‭ ‬لخصومة‭ ‬ولا‭ ‬لحقد‭ ‬ولا‭ ‬لحسد؛‭ ‬لأنَّه‭ ‬يدرك‭ ‬جيدًا‭ ‬أنَّ‭ ‬‮«‬الملتفت‭ ‬لا‭ ‬يصل‮»‬‭ ‬وأنَّ‭ ‬‮«‬المشغول‭ ‬لا‭ ‬يُشغَل‮»‬‭ ‬وأنَّ‭ ‬الكياسة‭ ‬تقتضي‭ ‬ألا‭ ‬يجمع‭ ‬حسناته‭ ‬في‭ ‬كيس‭ ‬مثقوب؛‭ ‬لذلك‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يَرضى‭ ‬لقلبه‭ ‬أنْ‭ ‬ينشغل‭ ‬بالخصام‭ ‬أثناء‭ ‬شهر‭ ‬الصيام‭ ‬والقيام،‭ ‬كما‭ ‬أنَّه‭ ‬يضع‭ ‬نصب‭ ‬عينيه‭ ‬حديث‭ ‬المفلس،‭ ‬ففي‭ ‬الحديث‭ ‬أنَّ‭ ‬النبي‭ -‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭- ‬قال‭: (‬أَتَدْرُونَ‭ ‬ما‭ ‬المُفْلِسُ؟‭ ‬قالوا‭: ‬المُفْلِسُ‭ ‬فِينا‭ ‬مَن‭ ‬لا‭ ‬دِرْهَمَ‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬مَتاعَ،‭ ‬فقالَ‭: ‬إنَّ‭ ‬المُفْلِسَ‭ ‬مِن‭ ‬أُمَّتي‭ ‬يَأْتي‭ ‬يَومَ‭ ‬القِيامَةِ‭ ‬بصَلاةٍ،‭ ‬وصِيامٍ،‭ ‬وزَكاةٍ،‭ ‬ويَأْتي‭ ‬قدْ‭ ‬شَتَمَ‭ ‬هذا،‭ ‬وقَذَفَ‭ ‬هذا،‭ ‬وأَكَلَ‭ ‬مالَ‭ ‬هذا،‭ ‬وسَفَكَ‭ ‬دَمَ‭ ‬هذا،‭ ‬وضَرَبَ‭ ‬هذا،‭ ‬فيُعْطَى‭ ‬هذا‭ ‬مِن‭ ‬حَسَناتِهِ،‭ ‬وهذا‭ ‬مِن‭ ‬حَسَناتِهِ،‭ ‬فإنْ‭ ‬فَنِيَتْ‭ ‬حَسَناتُهُ‭ ‬قَبْلَ‭ ‬أنْ‭ ‬يُقْضَى‭ ‬ما‭ ‬عليه‭ ‬أُخِذَ‭ ‬مِن‭ ‬خَطاياهُمْ‭ ‬فَطُرِحَتْ‭ ‬عليه،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬طُرِحَ‭ ‬في‭ ‬النَّارِ‭) ‬‮«‬صحيح‭ ‬مسلم‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬أقبل‭ ‬موسم‭ ‬الخيرات‭ ‬وشهر‭ ‬الطاعات؛‭ ‬لذلك‭ ‬وجب‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬والأسر‭ ‬المسلمة‭ ‬أنْ‭ ‬تستقبله‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خصومات‭ ‬أو‭ ‬نزاعات،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تُفسد‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬أمرَ‭ ‬دينها‭ ‬وصفوَ‭ ‬دنياها،‭ ‬ففي‭ ‬الحديث‭: (‬أَلَا‭ ‬أَدُلُّكُم‭ ‬على‭ ‬أَفْضَلَ‭ ‬من‭ ‬درجةِ‭ ‬الصلاةِ‭ ‬والصيامِ‭ ‬والصدقةِ؟‭ ‬قالوا‭: ‬بلى‭ ‬يا‭ ‬رسولَ‭ ‬اللهِ‭. ‬قال‭: ‬إصلاحُ‭ ‬ذاتِ‭ ‬البَيْنِ،‭ ‬فإنَّ‭ ‬فسادَ‭ ‬ذاتِ‭ ‬البَيْنِ‭ ‬هي‭ ‬الحالِقَةُ‭. ‬لا‭ ‬أقولُ‭: ‬إنها‭ ‬تَحْلِقُ‭ ‬الشَّعْرَ،‭ ‬ولكن‭ ‬تَحْلِقُ‭ ‬الدِّينَ‭) ‬‮«‬صحيح‭  ‬رواه‭ ‬الترمذي‮»‬‭.‬

إنَّ‭ ‬أنوار‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬وتجلياته‭ ‬لنْ‭ ‬تدركها‭ ‬النفوس‭ ‬التي‭ ‬تكدَّرت‭ ‬بالأحقاد‭ ‬وتشبعت‭ ‬بالخصومة،‭ ‬ونفحات‭ ‬ليلة‭ ‬القدر‭ ‬لنْ‭ ‬تَتنزل‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬ذوي‭ ‬القلوب‭ ‬السليمة‭ ‬التي‭ ‬يحب‭ ‬أصحابها‭ ‬الخير‭ ‬للغير،‭ ‬ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬سبيلًا‭ ‬للتشاحن‭ ‬أو‭ ‬التخاصم‭. ‬من‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يصحح‭ ‬المسار،‭ ‬وأن‭ ‬يصفو‭ ‬قلبه‭ ‬من‭ ‬الأكدار،‭ ‬وألا‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬المحرومين،‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يراجع‭ ‬نفسه‭ ‬جيدًا‭. ‬فمن‭ ‬أغضب‭ ‬والديه‭ ‬أو‭ ‬أحدهما‭ ‬فليعجل‭ ‬بالاعتذار‭ ‬وليكن‭ ‬بهما‭ ‬بارًا،‭ ‬ومن‭ ‬قطع‭ ‬رحمه‭ ‬فليصلها،‭ ‬ومن‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬مظلمة‭ ‬فليردها‭ ‬لأصحابها،‭ ‬ومن‭ ‬كانت‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬أخيه‭ ‬المسلم‭ ‬جفوة‭ ‬فليبادره‭ ‬بالسلام،‭ ‬ومن‭ ‬أخطأ‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬غيره‭ ‬فليعتذر‭ ‬إليه،‭ ‬ومن‭ ‬أساء‭ ‬لامرأته‭ ‬فليصالحها،‭ ‬ومن‭ ‬تركت‭ ‬بيت‭ ‬زوجها‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬غضب‭ ‬فلتُسرع‭ ‬بالرجوع‭ ‬إليه‭. ‬فإن‭ ‬فعلنا‭ ‬ذلك‭ ‬غشيتنا‭ ‬الرحمة‭ ‬وحلت‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬الألفة،‭ ‬فيأتي‭ ‬الهلال‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬خير‭ ‬حال‭.‬

وختامًا‭: ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يُوحِد‭ ‬صفنا،‭ ‬وأن‭ ‬يجمع‭ ‬شملنا،‭ ‬وأن‭ ‬يؤلف‭ ‬بين‭ ‬قلوبنا،‭ ‬وأن‭ ‬يُصلح‭ ‬بيوتنا‭ ‬ونفوسنا،‭ ‬وأن‭ ‬يجعلنا‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬الفائزين‭. ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بخير‭.‬

من‭ ‬علماء‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬‭*‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا