العدد : ١٧٠٥٤ - الأحد ٠١ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٤ - الأحد ٠١ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

استمرار مخططات تدمير الدول العربية!

صادف‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬الجاري‭ ‬انطواء‭ ‬الذكرى‭ ‬العشرين‭ ‬لجريمة‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ (‬مارس‭ ‬2003‭)‬،‭ ‬وهي‭  ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبت‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مسوغ‭ ‬قانوني‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬أسباب‭ ‬مقنعة،‭ ‬وأعني‭ ‬هنا‭ ‬تحديدا‭ ‬كذبة‭ ‬‮«‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬العراقية‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬الكذبة‭ ‬التي‭ ‬فضحتها‭ ‬الجريمة‭ ‬نفسها،‭ ‬هذه‭ ‬الكذبة‭ ‬لوحت‭ ‬بها‭ ‬أمريكا‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬خلال‭ ‬تحضريهم‭ ‬لارتكاب‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬وعملوا‭ ‬جاهدين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تسويقها‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬ودفعوا‭ ‬بمختلف‭ ‬الأكاذيب‭ ‬والتلفيقات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الغطاء‭ ‬الشرعي‭ ‬لتنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬عبر‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬المساعي‭ ‬أخفقت‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الغطاء،‭ ‬حتى‭ ‬كبسولة‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬الراحل‭ ‬كولن‭ ‬بأول‭ ‬لم‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬المواقف‭ ‬المعارضة‭ ‬للغزو‭ ‬إلى‭ ‬مواقف‭ ‬مؤيدة‭.‬

رغم‭ ‬المعارضة‭ ‬الدولية‭ ‬الواسعة‭ ‬لمشروع‭ ‬الغزو‭ ‬الذي‭ ‬أعدته‭ ‬واشنطن‭ ‬ولندن،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬معارضة‭ ‬أقرب‭ ‬حلفاء‭ ‬الدولتين‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬فرنسا‭ ‬التي‭ ‬تصدت‭ ‬للمحاولات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دول‭ ‬مؤثرة‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وجمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المعارضة‭ ‬الواسعة‭ ‬والاحتجاجات‭ ‬الجماهيرية‭ ‬في‭ ‬عاصمتي‭ ‬الدولتين‭ (‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭) ‬لم‭ ‬تثن‭ ‬واشنطن‭ ‬عن‭ ‬الذهاب‭ ‬في‭ ‬مخططها‭ ‬التدميري‭ ‬الذي‭ ‬بيتته‭ ‬وخطط‭ ‬له‭ ‬وجاء‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬طبق‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬بعد‭ ‬جريمة‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت‭ ‬الشقيقة،‭ ‬حيث‭ ‬ذهبت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومن‭ ‬خلفها‭ ‬بريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬آثارها‭ ‬المدمرة‭ ‬مستمرة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬العراقي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬الإقليمية‭.‬

كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تسعى‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬استراتيجي‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬غزو‭ ‬العراق،‭ ‬وهو‭ ‬هدف‭ ‬قد‭ ‬تحقق‭ ‬كما‭ ‬أرادت،‭ ‬ويفوق‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أهميته‭ ‬المستوى‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬هدف‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬الرئيس‭ ‬العراقي‭ ‬الراحل‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬وإزاحة‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬العربي‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الحاكم‭ ‬عن‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬لأن‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬هو‭ ‬أولا‭ ‬مسؤولية‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬وحده،‭ ‬وهو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحقيقه‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬كلفة‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬سيدفعه،‭ ‬أمريكا‭ ‬تريد‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬العراقية‭ ‬وتشريح‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬عموديا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬بالفعل،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬يذكر‭ ‬لدولة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬وصون‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهي‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬عقدين‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية،‭ ‬تبقى‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬السيادة‭ ‬الحقيقية،‭ ‬فيما‭ ‬تحول‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬تمزقه‭ ‬الصراعات‭ ‬والنزاعات‭ ‬الطائفية‭ ‬والعرقية،‭ ‬وبات‭ ‬هم‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬المجتمعية‭ ‬هو‭ ‬تثبيت‭ ‬الهوية‭ ‬الضيقة‭ ‬وتحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الهوية‭ ‬الجامعة‭ ‬ومصالح‭ ‬جميع‭ ‬المكونات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تمييز‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬كدولة‭ ‬وشعب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬الثمن‭ ‬الأكبر‭ ‬والباهظ،‭ ‬بشريا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬ووطنيا‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬وتداعياتها‭ ‬المدمرة‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬الدولة‭ ‬والشعب،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬التداعيات‭ ‬لم‭ ‬تنحصر‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬العراقي،‭ ‬بل‭ ‬امتدت‭ ‬إلى‭ ‬محيطه‭ ‬الإقليمي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬فالشعوب‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تحملت‭ ‬ما‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬تداعيات‭ ‬الغزو‭ ‬من‭ ‬أضرار‭ ‬وآثار‭ ‬انعكست‭ ‬على‭ ‬الأنسجة‭ ‬المجتمعية‭ ‬لدى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬خاصة،‭ ‬وأخطر‭ ‬هذه‭ ‬التداعيات‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬بروز‭ ‬وتصاعد‭ ‬أدوار‭ ‬التنظيمات‭ ‬والأحزاب‭ ‬الطائفية‭ ‬الدينية‭ ‬وتأجيجها‭ ‬للخلافات‭ ‬المذهبية‭.‬

كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الأضرار‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬أفرزتها‭ ‬جريمة‭ ‬الغزو‭ ‬للعراق،‭ ‬بمثابة‭ ‬العبرة‭ ‬والدرس‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬تكرار‭ ‬المأساة‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬لكن‭ ‬المثل‭ ‬العربي‭ ‬القائل‭ ‬‮«‬رب‭ ‬ضارة‭ ‬نافعة‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬له‭ ‬مكانا‭ ‬من‭ ‬الإعراب،‭ ‬فبعد‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬وتدميره،‭ ‬تكررت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مأساة‭ ‬عربية،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬‮«‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‮»‬،‭ ‬هي‭ ‬المحرك‭ ‬لآلات‭ ‬التدمير‭ ‬التي‭ ‬تحركت‭ ‬تجاه‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭ ‬منها‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬مهزلة‭ ‬‮«‬حقوق‭ ‬الإنسان‮»‬‭ ‬و«الحرية‭ ‬والديمقراطية‮»‬‭ ‬محركا‭ ‬لهذه‭ ‬الآلات،‭ ‬الم‭ ‬يقل‭ ‬كارل‭ ‬ماركس‭: ‬‮«‬إنّ‭ ‬التاريخ‭ ‬يعيد‭ ‬نفسه‭ ‬مرتين،‭ ‬مرة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬مأساة،‭ ‬ومرة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬مهزلة»؟

من‭ ‬المؤسف‭ ‬حقا‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تستفد‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬تدمير‭ ‬العراق‭ ‬فانطلت‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬أكذوبة‭ ‬‮«‬حقوق‭ ‬الإنسان‮»‬‭ ‬و«الحرية‭ ‬والديمقراطية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬استخدمتها‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬التدميرية‭ ‬ضد‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا،‭ ‬حيث‭ ‬تحول‭ ‬البلدان‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬العراق،‭ ‬فكما‭ ‬حولت‭ ‬جريمة‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬من‭ ‬ساحات‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتدمير‭ ‬ومصدر‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬التأجيج‭ ‬المذهبي‭ ‬والطائفي،‭ ‬فإن‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬ليستا‭ ‬بأفضل‭ ‬حال‭ ‬مما‭ ‬آل‭ ‬إليه‭ ‬العراق،‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بانتشار‭ ‬الإرهاب‭ ‬أو‭ ‬بالاقتتال‭ ‬المذهبي‭ ‬والطائفي‭ ‬والعرقي‭ ‬أيضا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا