تسجل السياحة الغذائية في البحرين حضورًا متناميًا خلال السنوات الأخيرة، مع ازدياد اهتمام الزوار بتجربة الأطباق المحلية والاستمتاع بالهوية البحرينية من خلال الطعام. إذا لم يعد السائح يبحث فقط عن زيارة المواقع التاريخية أو حضور الفعاليات، بل أصبح جزء كبير من اهتمامه منصبًا على معرفة تفاصيل الحياة اليومية للناس، والطعام هو أكثر بوابات التعرف على المجتمع قربًا وبساطة. وفي هذا السياق، يتفق مختصون في الطهي والتغذية على أن المطبخ البحريني يمتلك إمكانات كبيرة ليكون أحد أبرز عوامل الجذب السياحي، لا سيما مع ارتباطه العميق بالبيئة والتراث والمنتجات المحلية.
ويقول الشيف أحمد قاهري، المعروف بلقب «طباخ بحريني»، إن سر تميز المطبخ البحريني يعود إلى اعتماده الكبير على المنتجات المحلية، مؤكدًا أن «المطبخ البحريني قائم بدرجة كبيرة جدًا على المكونات الطازجة التي تأتي من البيئة ذاتها، وهذا ما يجعل أطباقه تحتفظ بنكهاتها الأصيلة».
ويوضح أن العديد من الأطباق التقليدية لا يمكن أن تحضر بالطعم نفسه دون استخدام مكونات من البحرين نفسها، مشيرًا إلى أن الأسماك والمأكولات البحرية تشكل العمود الأساسي للمطبخ البحريني، مثل الصافي والهامور والزبيدي والشعري، وهي أنواع تمنح الأطباق نكهة يستحيل استبدالها بالمستورد.
ويضيف قاهري إن منتجات النخيل، وعلى رأسها التمور، تدخل في عدد كبير من الحلويات والأكلات الشعبية، مؤكدًا أن زراعة النخيل جزء أصيل من الهوية الغذائية للبلاد. كما يشير إلى أهمية البهارات والخلطات التقليدية التي تحضر غالبًا لدى العطارين في الأسواق الشعبية، وتشمل الكرك والزعفران والدارسين ومحسنات الطعم المحلية، إلى جانب الأعشاب والخضروات الطازجة مثل النعناع والكزبرة والبصل الأخضر.
ويلفت قاهري إلى أن الاعتماد على المكونات المحلية «لا يعزز فقط جودة الطبق، بل يرفع ثقة الزائر بما يتذوقه ويخلق ارتباطا مباشرًا بين الطعام والثقافة البحرينية». ويبين أن المنتجات المحلية ليست مجرد مواد للطهي، بل تمثل جزءًا من هوية كاملة تتجسد في كل طبق بحريني أصيل.
من جانبها، تؤكد الشيف أريج عبدالله، المتخصصة في التغذية الصحية، أن المطبخ البحريني أصبح اليوم عنصرًا مهمًا في التجربة السياحية، وأن الكثير من السياح يحرصون على تذوق الأطباق الشعبية للتعرف على تاريخ المكان وروحه. وتقول: «السائح حين يأتي إلى البحرين يبحث عن التجربة الأصيلة، وهي تظهر بوضوح في أطباقنا الشعبية وطريقة الضيافة وروح الكرم التي نتميز بها. الطعام لم يعد مجرد وجبة، بل صار بوابة لفهم الثقافة».
وتوضح عبدالله أن الزوار يبدون إعجابًا كبيرًا بالحلوى البحرينية والسمبوسة الحلوة واللقيمات والتكة والمتاي والهريس، إضافة إلى أطباق الإفطار الشهيرة مثل البلاليط مع البيض، والأكلات البحرية الطازجة. وتشير إلى أن التوابل البحرينية تدهش الكثير من السياح بسبب قوتها وتميزها عن المطابخ الأخرى، نتيجة مزجها بين تأثيرات تاريخية من الهند وفارس وشرق إفريقيا، «لكن بروح بحرينية خالصة.«
وترى عبدالله أن تطوير المأكولات التقليدية بأسلوب عصري هو أحد المفاتيح الأساسية لجذب جمهور أوسع، سواء من السياح أو من الأجيال الجديدة في البحرين. وتقول: «أنا أؤمن بتقديم النكهة البحرينية بشكل صحي وعصري، مع الحفاظ على الهوية الأساسية. هذا التوازن مهم جدًا لإبراز مطبخنا على مستوى عالمي».
وتكشف أن معمل «فرمندايت للأطعمة المخمرة» الذي تعمل فيه يعتمد بشكل كبير على الإنتاج المحلي، سواء الحليب المستخدم في منتجات الألبان أو الخضروات التي تصل مباشرة من المزارع البحرينية، مؤكدة أن الارتباط بالمزارع المحلية جزء أساسي من فلسفة العمل. كما توضح أنهم يقدمون منتجات موسمية مرتبطة بتوفر الخضروات المحلية، ويتعاونون مع متاجر صحية محلية لعرض منتجاتهم للزبائن.
وتتحدث عبدالله عن أبرز التحديات التي تواجه إبراز المطبخ البحريني عالميًا، ومنها نقص التوثيق، وقلة المنصات التي تبرز الطهاة البحرينيين، وسيطرة المطابخ العالمية على المشهد المحلي، مما يجعل الترويج للمطبخ الوطني يحتاج جهدًا إضافيًا. لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن «العزيمة والإبداع لدى الطهاة البحرينيين قادرة على إيصال مطبخنا إلى العالم».
وتشاطر أريج عبدالله الشيف أحمد قاهري الرأي ذاته على أن مستقبل السياحة الغذائية في البحرين واعد جدًا، مع تزايد الاهتمام بالأطباق الأصيلة، ودعم الفعاليات التراثية والمطاعم المحلية، ودمج الابتكار والخيارات الصحية والعصرية. ومع كل هذه العوامل، يبدو أن البحرين ماضية نحو ترسيخ مكانتها وجهة مميزة لعشاق الطعام حول العالم.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك