في هذا اللقاء الخاص والمتجدد، نستعيد مع أحد أعمدة كرة اليد البحرينية مسيرة حافلة امتدت لعقود، تنقل خلالها بين ميادين اللعب وصافرات التحكيم ومكاتب الإدارة، ليكون شاهدا ومساهما في الوقت ذاته في بناء محطة مزدهرة في تاريخ اللعبة، كان سخيا معها، وخدمها على جبهات مختلفة.. مع اللاعب الدولي والإداري المخضرم خالد الناجم وكرة اليد وقصة شغف وإنجاز لا تنتهي.
البدايات والذكريات
1- بداية، بعد هذا المشوار الطويل كلاعب دولي ثم إداري مخضرم على المستويين التربوي والرياضي، كيف تصف رحلتك مع كرة اليد البحرينية؟
رحلتي مع كرة اليد بدأت أواخر السبعينيات، حين كنت شابا في المرحلة الثانوية، وهناك لفت أنظار المرحوم الأستاذ عبدالكريم الزيناتي الذي ضمني إلى منتخب المدرسة، ثم إلى نادي النسور. وبعد توقف الفريق، انتقلت إلى النادي العربي، الذي شكل نقطة الانطلاق الحقيقية لمسيرتي، ومع الدمج الناجح مع نادي اليرموك، تأسس نادي الوحدة الذي بدأت معه مسيرة البطولات والإنجازات.
وتابع: وفي فترة دراستي الجامعية في قطر خلال الثمانينيات، واصلت ممارسة اللعبة، ومثلت أندية العربي والسد والاتحاد (الغرافة)، وحققت مع السد بطولتي الدوري والكأس موسم 1981/1982، كما شاركت معه في البطولة العربية بالأردن. ومع بداية التسعينيات، أعلنت نهاية مشواري كلاعب لأدخل ميدان التحكيم وأصل إلى المستوى القاري، وبعد حصولي على وظيفة إدارية في عملي، تفرغت تدريجيا، حتى عدت عام 2008 إلى الاتحاد البحريني لكرة اليد، بتشجيع من الأخ عبدالرحمن بوعلي، لأتولى لاحقا منصب الأمين العام عام 2010 في عهد الرئيس الذهبي علي عيسى، واستمررت حتى عام 2023، إذ شهدت تلك الفترة إنجازات نوعية أبرزها التأهل إلى أولمبياد طوكيو 2020 وتحقيق نتائج مبهرة هناك.
2- ما أبرز محطة لا تزال عالقة في ذاكرتك خلال مسيرتك الطويلة؟
من أبرز المحطات كلاعب، الفوز بأول بطولة للبحرين في الألعاب الجماعية عام 1984، وهي كأس الأندية الخليجية، ثم تمثيل المنتخب الوطني الأول وتحقيق المركز الثاني في البطولة الخليجية الأولى بالكويت، كما أعتز بلقب ثاني هدافي الدوري القطري مع نادي الاتحاد موسم 1982/83.
أما إداريا، فتبقى في الذاكرة لحظات فوز الاتحاد بلقب أفضل اتحاد آسيوي لدورتين انتخابيتين، وتأهل المنتخب البحريني لأول مرة إلى كأس العالم 2011، وهو إنجاز تاريخي تلاه حضور متواصل في بطولات العالم بمختلف الفئات، إلى جانب انضمامي إلى عضوية اللجنة التنظيمية الخليجية.
3- من الأشخاص الذين كان لهم التأثير الأكبر في مسيرتك الرياضية والإدارية؟
على الصعيد الرياضي، أكن كل التقدير للمرحوم الأستاذ عبدالكريم الزيناتي، والمدرب الألماني ولف كينغ لواك، ورفيقي الدرب الكابتن أحمد سيف ونبيل طه. أما إداريا، فكان للأخ علي عيسى إسحاقي الفضل الكبير في مسيرتي، ومن قبله عبدالرحمن بوعلي الذي شجعني على خوض المجال الإداري.
4- لو عاد بك الزمن، هل هناك قرار أو موقف كنت ستتصرف فيه بطريقة مختلفة؟
القرار الذي ما زلت أتحسر عليه هو انسحابنا من المشاركة في كأس العالم 2015 رغم تأهلنا، فقد كانت تلك فرصة ثمينة لمواصلة حضورنا العالمي.
ما بعد الاعتزال الإداري
5- بعد اعتزالك العمل الإداري كأمين عام لاتحاد اليد، كيف تبدو علاقتك اليوم بالرياضة وكرة اليد خصوصا؟
ما زلت أتابع المشهد الرياضي من بعيد، سواء عبر شاشات التلفاز أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
6- هل لا تزال كرة اليد تعيش في دمك كما كانت؟
بالتأكيد، الشغف لم يخفت يوما، ما زالت اللعبة تسري في دمي، وأتابع مبارياتها بشغف كبير، لكنني اليوم أُكرس معظم وقتي لأسرتي الكريمة.
7- كيف كانت تجربتك في الانتقال من أجواء المسؤولية إلى حياة أكثر هدوءا؟
في البداية شعرت بفراغ كبير بعد سنوات من الانشغال اليومي، لكن مع مرور الوقت تلاشت الضغوط، وأصبحت أكثر تفرغا لأسرتي وأحفادي.
8- هل شعرت بفراغ بعد الابتعاد عن الاتحاد، أم وجدت أن الوقت حان للراحة؟
نعم، شعرت بفراغ واضح، لكنه كان الوقت المناسب للراحة والالتفات للأسرة والأصدقاء والواجبات الاجتماعية التي كنت أفتقدها.
9- هل لا تزال تتواصل مع الاتحاد أو الأندية وتستشار في بعض الملفات؟
التواصل موجود، ولا أتردد في تقديم أي استشارة تطلب مني، ما دام في العمر بقية.
نظرة على الواقع الحالي
10- كيف ترى واقع كرة اليد المحلية اليوم مقارنة بفترة عملك في الاتحاد؟
أعتقد أن فترة وجودي كانت الفترة الذهبية للعبة، بفضل العمل الجماعي بين الرئيس علي عيسى والفريق الإداري، ولا شك أن الجهود الحالية مستمرة للمحافظة على استمرارية النجاح.
11- ما تقييمك للعمل الإداري الحالي في الاتحاد؟
لا أستطيع التقييم الدقيق بسبب ابتعادي عن التفاصيل اليومية، لكنني أرى أنهم يبذلون جهدا كبيرا وأتمنى لهم كل التوفيق.
12- برأيك، ما أبرز نقاط القوة والضعف في المنتخبات الوطنية حاليا؟
من أبرز نقاط القوة وجود مواهب واعدة يمكن البناء عليها، إلى جانب الدعم الكبير من الهيئة العامة للرياضة واللجنة الأولمبية، أما نقاط الضعف، فتتمثل في ضعف الحضور الجماهيري وقلة الدعم المجتمعي للعبة.
13- كيف ترى مستوى الأندية البحرينية من حيث التطور والاحترافية؟
ناديا الأهلي والنجمة يظلان القوتين الرئيسيتين في ساحة اللعبة، يستقطبان المواهب ويغذيان المنتخبات، بينما تبذل بقية الأندية جهودا مشكورة ضمن إمكاناتها لتطوير فرقها ولاعبيها.
الرؤية والخبرة
14- ما الذي تحتاجه كرة اليد البحرينية لتستعيد حضورها العربي والآسيوي القوي؟
أعتقد أن الحضور ما زال قائما، سواء على الصعيد العربي أو الآسيوي، والاتحاد لا يزال يمد المنتخبات بالكفاءات الفنية والإدارية المتميزة.
15- كيف تنظر إلى واقع الاحتراف في اللعبة؟
الاحتراف لا يزال بعيد المنال، ليس فقط في كرة اليد بل في معظم الألعاب، بسبب شح الموارد المالية لدى الأندية، وهو ما يعيق الانتقال الفعلي إلى مرحلة الاحتراف.
16- ما أصعب التحديات التي واجهتكم أثناء العمل الإداري؟
أبرز التحديات كانت محدودية الكادر الإداري آنذاك، وتغلبنا عليها بتوزيع المهام الإضافية داخل الفريق، كما واجهنا صعوبة في تأمين ملاعب لتدريبات المنتخبات، وتم تجاوزها بالتعاون المثمر مع الأندية.
17- ما النصيحة التي تقدمها للإداريين الشباب؟
أنصحهم ببناء علاقات طيبة مع جميع الجهات المعنية باللعبة ممثلة في الهيئة العامة للرياضة، اللجنة الأولمبية، الأندية، الإعلام، والاتحادات المحلية، فهذه العلاقات تسهل الكثير من المهام وتفتح الأبواب للنجاح.
الجانب الإنساني والشخصي
18- ماذا علمتك الرياضة عن الحياة خارج الميدان والمكاتب؟
الرياضة علمتني نكران الذات، الصبر، التضحية من أجل الوطن، والتفاني في العمل، كما منحتني حب الناس، وهو أغلى ما يمكن أن يكسبه الإنسان.
19- كيف تقضي أوقاتك حاليا بعيدا عن ضغوط الإدارة والمنافسات؟
أمضي وقتي بين الأسرة والإخوة، ومتابعة الأحداث الرياضية عبر التلفاز ووسائل التواصل، إلى جانب المشاركة في المناسبات الاجتماعية والسفر بين الحين والآخر.
20- هل تفكر في العودة إلى المشهد الرياضي مستقبلا؟
أنا دائما في خدمة وطني ما دام في العمر بقية، ولن أبخل بخبرتي أو استشارتي على أحد، والبركة في الجيل الموجود الذي يحمل الراية الآن.
وفي الختام تظل مسيرة خالد الناجم هذا الإداري المخضرم تختصر تاريخا من الإخلاص والعطاء، جمع فيها بين موهبة اللاعب، ودقة الحكم، وحكمة الإداري. وبين الماضي الزاخر والواقع المتجدد، تبقى بصماته شاهدة على عصر ذهبي لكرة اليد البحرينية، وعنوانا للوفاء والانتماء الحقيقي للرياضة والوطن.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك