الشيخ عبدالله بن أحمد: المنتدى منصة استراتيجية لتأسيس منظومة فكرية عربية
كتبت: ياسمين العقيدات
تصوير - عبدالأمير السلاطنة
انطلقت مساء أمس أعمال المنتدى السنوي السابع لمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» تحت عنوان «مَجْمَع مراكز البحوث العربية للاستدامة والتنمية» الذي يُعقد بالشراكة مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بحضور أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، وبمشاركة واسعة من ممثلي الدول العربية ورؤساء مراكز الفكر والدبلوماسيين والخبراء.
بدأ حفل الافتتاح بكلمة الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة وزير المواصلات والاتصالات، رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات» أكد فيها اعتزاز مملكة البحرين باستضافة هذا المحفل الفكري، الذي يأتي تحقيقًا للرؤية الحكيمة من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، مثمنًا بأسمى آيات الشكر والتقدير الرعاية الملكية السامية الشاملة للبحث العلمي كمنظومة متكاملة، والتوجيهات الكريمة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في ظل الدعم المتواصل من أجل ترسيخ بيئة محفّزة للابتكار المؤسسي، بما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأوضح أن احتضان مركز «دراسات» للتوصية الصادرة عن القمة العربية الثالثة والثلاثين في عام 2024 «قمة البحرين»، بخصوص «إنشاء حاوية فكرية للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية» يشكل ترجمةً فعلية من أجل رسم مسار جديد للعمل العربي المشترك، منوهًا في هذا الصدد بالمواقف المشهودة، والاسهامات البناءة لمملكة البحرين، باعتبارها صوت الحكمة والاعتدال في المنطقة والعالم، وصاحبة الريادة في نصرة القضايا العربية.
وأكد الوزير أن المنتدى يمثل منصة استراتيجية، لتأسيس منظومة فكرية عربية، «قادرة على صياغة خارطة طريق لحاضر ناهض تصونه هويتنا، ومستقبل زاهر تحميه ثوابتنا في ظل التكامل بين الفكر وصناعة القرار، لإنتاج رؤى مبتكرة وواقعية لخدمة الأجندات التنموية، من خلال تبادل المعرفة، وتعزيز القدرات، وإطلاق مبادرات تُحدث فرقًا حقيقيا في حياة المواطن العربي»، مؤكداً أن هذا هو جوهر الشراكة مع جامعة الدول العربية، خاصة في ظل ما تُواجهه المنطقة من تحديات صعبة ومعقدة، مشيراً الى أهمية دور مراكز البحوث كمختبرات للأفكار، ومنابر للحوار، ومنارات للتنوير.
وأشار رئيس مجلس الأمناء إلى دلالات تدشين الكتاب التوثيقي (مملكة البحرين وجامعة الدول العربية: 1971–2025) والذي يُعد وثيقة للتاريخ وشهادة فكرية على أكثر من نصف قرن من الشراكة الاستراتيجية القائمة على وحدة الهدف والمصير، لافتًا إلى أن العلاقات المتميزة بين مملكة البحرين وجامعة الدول العربية اكتسبت زخمًا كبيرًا في ظل رؤية ملكية سامية بأن الجامعة العربية هي بيت العرب لا يغيب دورها في الحفاظ على الأمن القومي والاستقرار الإقليمي، ولا ينضب جهدها في تعزيز التعاون الشامل، ولا يتوقف تأثيرها كأداة بناء مستقبل يسوده الأمن والازدهار. مبينًا أن انخراط المملكة في العمل العربي المشترك، يعد برهانًا ساطعًا على مبادئ راسخة وحضور فاعل لجمع الصف والكلمة. مضيفًا: إن هذا الإصدار القيم يقدم مرجعًا أصيلاً للمكتبة العربية يتخطى حدود الرصد والمتابعة، ليجسد رسالة مفادها أن رباط العروبة سيظل قائمًا ومستمرًا نتوارثه جيلاً بعد جيل.
وفي ختام كلمته، أشاد رئيس مجلس الأمناء، بالمساعي الحثيثة التي تضطلع بها الأمانة العامة للجامعة العربية، بقيادة الأمين العام، وكذلك جهود فريق عمل مركز «دراسات»، داعيًا المثقفين والباحثين العرب إلى التفاعل مع فعاليات المنتدى، ومتابعة ما يتمخض عنه من نتائج وتوصيات متميزة، من أجل بناء غد أفضل للجميع.
وألقى أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، كلمةً ثمن فيها احتضان مملكة البحرين لهذا المنتدى الفكري المرموق، ومشيدًا بالرؤية السديدة لقيادتها الحكيمة، والمسيرة المباركة للمملكة مع سائر الدول العربية الشقيقة تحت قبة الجامعة، إذ يعد دور مملكة البحرين وقادتها الكرام على مر الزمن مثالاً يحتذى به للإخلاص لوحدة الكلمة والحرص على المصالح العربية العليا، كما أعرب عن تفاؤله بمستقبل العمل العربي المشترك في ظل الاهتمام بالبحث العلمي القائم على أسس عصرية وأهداف تنموية.
جرى بعد ذلك، تدشين الكتاب بفيلم قصير يقدم لمحة عن الجهد التوثيقي المبذول لرصد مسيرة الشراكة بين مملكة البحرين وجامعة الدول العربية، والذي يُعدّ أحد أبرز الإصدارات البحثية لهذا العام، بما يتضمنه من توثيق مسار هذه العلاقات منذ عام 1971، وتحليل مواقف ومبادرات المملكة في إطار العمل العربي المشترك، واستعراض خطابات صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، التي تؤكد مركزية القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. كما يغطّي الكتاب أبرز المحطات الحديثة، ومنها: قمة البحرين 2024، والقمة العربية غير العادية بالقاهرة 2025، مرفقًا بمجموعة من الوثائق والصور النادرة. وتلا ذلك تكريم نخبة من أبرز مسؤولي وباحثي المراكز الفكرية العربية المرموقة من المحيط إلى الخليج.
وتشهد جلسات المنتدى مناقشات رصينة تستعرض الدور المتنامي لمراكز الفكر والبحوث في دعم التنمية المستدامة، وكيفية إدماج الحلول الوطنية في الأجندة العالمية، بالإضافة إلى استعراض أدوات المستقبل في تحليل السياسات، مثل: البيانات الكبرى، الذكاء الاصطناعي، والاستشراف الاستراتيجي.
ومن المتوقع أن تسفر توصيات المنتدى عن إعلان خطوات عملية تمهّد لإطلاق «حاضنة عربية فكرية – تنموية» بمبادرة مشتركة بين مركز «دراسات» والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، لتعزيز التكامل البحثي بين مراكز الفكر العربية، ودعم بناء سياسات تنموية واقعية تستجيب للتحديات المستقبلية.
تحولات إقليمية متسارعة تبرز
الحاجة إلى منظومة بحثية عرفية فاعلة
أكد الدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، أن اللقاء يأتي في لحظة مفصلية يسعى من خلالها إلى تكريس تحول نوعي في البحث والمعرفة داخل المنظومة العربية عبر مجمع مراكز البحوث للاستدامة والتنمية، وهو تحول يستند إلى قرار عربي واضح ورد في إعلان جدة الصادر عن القمة العربية لعام 2023، وتحديدا في البند 11 الداعي إلى إنشاء حاوية فكرية عربية تعنى بتوجيهات التنمية المستدامة وتفعيل التعاون البحثي.
وأوضح أن هذا القرار لم يكن إجراء شكليا، بل اعترافا صريحا بأن التحدي التنموي في العالم العربي لا يرتبط بندرة الموارد بقدر ما يرتبط بالقدرة على تصميم السياسات وبناء الروابط المعرفية وتحويل البحث إلى أداة فاعلة لصنع القرار في الطريق نحو مستقبل أكثر رفاهية واستدامة.
وأشار إلى أن تحديات التنمية في المنطقة العربية لم تعد قطاعية أو ظرفية، بل باتت هيكلية مركبة ومتشابكة، وتشمل متطلبات التنوع الاقتصادي في ظل التحولات العالمية في الطاقة، ومهددات الأمن الغذائي والمائي، وتسارع التحول الرقمي الذي يسبق الأطر التنظيمية والمؤسسية، فضلا عن التساؤلات المتزايدة حول العدالة الاجتماعية وجودة التعليم واستدامة مسارات التنمية.
ومن جهة أخرى، أكد الدكتور أحمد عبدالله زايد حجاب، مدير مكتبة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، أن العالم دخل خلال العقدين الأخيرين مرحلة غير مسبوقة من التحولات، من بينها تحولات اقتصادية عميقة تعيق تشكيل أجندات وتجارة عالمية، وتحولات بيئية تتطلب إعادة صياغة الأمن الغذائي والطاقي والمائي، وتحولات تكنولوجية فائقة السرعة تفرض على الدول مراجعة نماذج التنمية وصقل قدرات القطاعين العام والخاص وربط الأجيال الجديدة بالاقتصاد المعرفي المرن القابل للتكيف.
وأضاف أن العالم يشهد أيضا تحولات بيولوجية تنقل البشرية إلى عوالم مختلفة وتضع الأفراد والمجتمعات أمام تحديات أخلاقية ناتجة عن الخوف والقلق من تفكك المجتمعات، إلى جانب تحولات اجتماعية وثقافية تثير تساؤلات حول المصير والهوية وتحديات متعددة تتعلق بالتفكك الأسري.
وأكد أن الحاجة تتزايد، وسط هذه التحولات، أكثر من أي وقت مضى إلى مؤسسات بحثية قادرة على إنتاج معرفة موثوقة، وتحليل الاتجاهات، وتقديم نماذج سياسات واقعية تستند إلى بيانات دقيقة وأدوات استشراف متقدمة.


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك