الدوحة - (د ب أ): لم تكن صافرة النهاية في استاد لوسيل مجرد إعلان عن بطل جديد، بل كانت تتويجا لرحلة رقمية مذهلة حبست أنفاس الملايين، فبينما كان «أسود الأطلس» يعانقون المجد بعد فوزهم المثير على «نشامى» الأردن، كانت لغة الأرقام تحكي قصة بطولة حطمت القيود وسكنت ذاكرة التاريخ الكروي العربي.
شهدت المباراة النهائية بين المغرب والأردن على ستاد لوسيل حضورا قياسيا تخطى كل التوقعات، حيث احتشد 84 ألفا و517 مشجعا، لمتابعة النهائي الكبير، وهو ما حطم الرقم القياسي السابق المسجل أيضا في مباراة المغرب والسعودية خلال دور المجموعات في نسخة 2025 من كأس العرب في قطر.
هذا الشغف الجماهيري واكبه انضباط تكتيكي مغربي مذهل، إذ صمد دفاع أسود الأطلس طوال 498 دقيقة دون أن تهتز شباكه بهدف سجله أحد لاعبي الفرق المنافسة، منذ الهدف العكسي في المباراة الأولى بكأس العرب أمام جزر القمر، قبل أن ينجح الأردني علي علوان في كسر هذا الصمود برأسيته في الدقيقة 48 من مواجهة النهائي.
لم يكن النهائي عاديا، بل استهل بلقطة ستبقى خالدة في الأذهان، حين أطلق أسامة طنان قذيفة عابرة للقارات من مسافة 64 ياردة، مباغتا الحارس الأردني بكرة ساقطة من داخل منتصف ملعبه بعد أربع دقائق فقط من البداية، وفي الجهة المقابلة، نصب علي علوان نفسه ملكا للأرقام القياسية؛ ليس فقط بإنهاء البطولة هدافا برصيد 6 أهداف، بل لكون 5 من هذه الأهداف جاءت من علامة الجزاء، وهو ما يعادل نصف ركلات الجزاء المسجلة في البطولة بأكملها.
شهدت الأدوار الإقصائية إثارة بلغت ذروتها في مواجهة الجزائر والإمارات بدور الثمانية، حيث سجلت البطولة رقما قياسيا جديدا في ماراثون ركلات الترجيح بواقع 18 ركلة، انتهت بتفوق الإمارات بنتيجة /7 6، ومن المفارقات العجيبة أن 5 من ركلات الإمارات الناجحة سجلها لاعبون دخلوا من مقاعد البدلاء، وهو ما يعكس القراءة الفنية الموفقة في اللحظات الحرجة.
وفي السياق ذاته، كان عبد الرزاق حمد الله المنقذ التاريخي للمغرب في النهائي، حيث شارك كبديل ليسجل ثنائية حاسمة (هدف التعادل في الدقيقة 88 وهدف الفوز في الأشواط الإضافية)، في مفارقة زمنية مدهشة تزامنت مع الذكرى الثالثة لنهائي مونديال قطر التاريخي بين الأرجنتيني ليونيل ميسي والفرنسي كيليان مبابي على ذات الملعب.
رغم خسارة الجزائر بركلات الترجيح، إلا أنها غادرت البطولة برقم فريد، حيث لم يتأخر «محاربو الصحراء» في النتيجة لأي دقيقة طوال مشوارهم في البطولة، تماما كما فعلوا في نسخة 2021.
وعلى صعيد السرعة، سجل عادل بولبينة للجزائر أسرع أهداف الشوط الثاني بعد 45 ثانية فقط من انطلاقه أمام الإمارات، مكررا سيناريو هدفهم المبكر في الشوط الثاني ضد العراق في دور المجموعات.
في سابقة هي الأولى من نوعها، تقاسم المنتخبان السعودي والإماراتي المركز الثالث على منصة التتويج، بعد أن حالت الظروف الجوية القاسية دون استكمال الشوط الثاني من مباراة تحديد المركز الثالث، ليتم الإعلان عن نهاية المباراة مع انتصافها وتشارك الفريقان الميدالية البرونزية.
ووجه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إشادة خاصة لبطولة كأس العرب، مؤكدا أن هذه البطولة، بأرقامها القياسية وأهدافها الخرافية ودراما اللحظات الأخيرة فيها، تأكيدا جديدا على أن كرة القدم العربية تعيش أبهى عصورها، محولة ملاعب المونديال إلى مسرح دائم للإبداع الذي لا يعرف الحدود.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك