إنشاء مواقع إلكترونية تحاكي منصات تجارية كبرى.. مع تصاميم احترافية وروابط قريبة جدًا من الأصل!
مع توسع ظاهرة «الجمعة البيضاء» عامًا بعد عام، بات هذا الموسم واحدًا من أكثر الفترات ازدحامًا في التجارة الإلكترونية عالميًا، ومع التنافس الشديد بين المتاجر لتقديم أفضل العروض، تشهد المنصات الرقمية موجة غير مسبوقة من الزيارات والعمليات الشرائية.
غير أن هذا الاندفاع الكبير يوازيه ارتفاع واضح في النشاط الإجرامي على الإنترنت، حيث يستغل القراصنة سلوك المتسوقين وحالة العجلة المصاحبة لاقتناص العروض، وفي ظل التحول الواسع نحو الدفع الإلكتروني، باتت سرقة البيانات والهجمات الاحتيالية جزءًا لا يمكن تجاهله من مشهد الجمعة البيضاء.
مبيعات قياسية.. وزيادة موازية
في الهجمات الرقمية
تشير البيانات العالمية إلى أن الإنفاق الإلكتروني خلال موسم الجمعة البيضاء 2025 بلغ مستويات قياسية، فبحسب تقارير دولية، سجلت المبيعات عبر الإنترنت في الولايات المتحدة وحدها ما يقارب 8.6 مليارات دولار في يوم واحد، مدفوعة بالتخفيضات الواسعة وانتشار الدفع عبر الهواتف الذكية. وفي المقابل، سجلت شركات الأمن السيبراني مستويات غير مسبوقة من الهجمات الإلكترونية المرافقة لهذه المناسبة.
فوفقًا لتقارير Kaspersky، تم رصد ما يقرب من 38 مليون محاولة تصيّد إلكتروني مرتبطة بالتجارة الإلكترونية والخدمات المصرفية خلال أشهر العروض في 2024 و2025، كما أظهرت بيانات Darktrace نموًا يفوق 620% في هجمات الاحتيال خلال نوفمبر، مقارنة بالفترات العادية، في مؤشر واضح على استغلال المجرمين للضغط الشرائي.
مواقع وهمية وتقنيات خداع
معزّزة بالذكاء الاصطناعي
تعتمد أساليب الاحتيال الحديثة على مزيج من الهندسة الاجتماعية والتقنيات المتقدمة. فبجانب رسائل البريد المزعجة التي تحمل عروضًا مزيفة، يتجه المهاجمون إلى إنشاء مواقع إلكترونية تُحاكي بالفعل منصات تجارية كبرى، مع تصميمات احترافية وروابط قريبة جدًا من الأصل.
التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي سهّل –لأول مرة– إنشاء محتوى إعلاني ورسائل تسويقية وهمية تبدو واقعية لدرجة يصعب معها اكتشاف الخدعة. وتشير دراسات بحثية حديثة إلى أن مجموعات إجرامية استخدمت أساليب تحسين محركات البحث «Black-hat SEO» لرفع ترتيب هذه المواقع الاحتيالية وجعلها تظهر في نتائج البحث خلال ذروة التسوّق.
كما ازداد اعتماد المجرمين على تقنيات مثل اختطاف الجلسات ومحاولات اعتراض بيانات الدفع عبر الأجهزة المحمولة، خصوصًا في ظل اعتماد شريحة واسعة من المستهلكين على الهواتف الذكية لإتمام عمليات الشراء.
سلوك المستهلك.. الحلقة الأضعف
رغم ازدياد الوعي الرقمي نسبيًا، لا يزال المستهلك يمثل الحلقة الأضعف في سلسلة الأمن السيبراني، فالعامل النفسي في موسم العروض –خصوصًا شعور «الخوف من ضياع الصفقة»– يجعل كثيرًا من المستخدمين يتخطون خطوات أساسية للتحقق.
وتُظهر البيانات أن نسبة كبيرة من عمليات الاحتيال تحدث خلال الدقائق الأولى من النقر على رابط «عرض محدود»، بينما تعتمد فئة واسعة على شبكات واي-فاي عامة للدفع، ما يزيد فرص التعرض للاختراق.
الأثر على الشركات والمتاجر الإلكترونية
لا تقتصر خسائر موسم الجمعة البيضاء على المستخدمين؛ فالشركات – خصوصًا الصغيرة منها – تتحمل أيضًا جزءًا من التكلفة الأمنية. فوسط ضغط عدد المعاملات، تواجه أنظمة الدفع وخوادم المواقع تحديات في الصمود أمام هجمات الحرمان من الخدمة «DDoS»، الساعية إلى تعطيل المنصات خلال ساعات الذروة.
كما سجلت منصات التجارة الإلكترونية ارتفاعًا ملحوظًا في محاولات الاحتيال الموازي خلال موسم التخفيضات، بما في ذلك انتحال هويات علامات تجارية كبرى، مما أدى إلى أضرار في السمعة وثقة العملاء.
كيف يتسوق المستخدم بأمان؟
لمواجهة هذا الواقع، ينصح الخبراء باتباع مجموعة من الخطوات الأساسية خلال موسم الجمعة البيضاء، أبرزها:
- التحقق من عنوان الموقع وشهادة الأمان قبل إدخال البيانات.
- عدم الضغط على الروابط الواردة من رسائل غير معروفة أو غير متوقعة.
- استخدام وسائل الدفع الرقمية التي لا تعرض رقم البطاقة كاملًا.
- تفعيل المصادقة الثنائية في الحسابات البنكية.
- تجنب استخدام شبكات عامة أثناء الدفع.
- مراقبة كشف الحساب بعد الشراء لرصد أي عمليات مشبوهة.
ختاماً، تؤكد المؤشرات أن الجمعة البيضاء أصبحت ساحة مزدوجة: صفقات كبيرة ومخاطر أكبر، ومع استمرار صعود التجارة الإلكترونية والدفع عبر الهاتف، يتوقع الخبراء أن تتطور تقنيات الاحتيال بوتيرة أسرع. لذا، فإن حماية المستهلك تتطلب شراكة متكاملة بين منصات التجارة، مزودي الدفع، والجهات الرقابية، بينما يبقى الوعي الرقمي سلاحًا لا يمكن الاستغناء عنه في مواجهة هذا النوع من الجرائم.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك