استخدام كل الصلاحيات بحزم وفاعلية في حماية المال العام
إشادة أممية بجهود البحرين وتطويرها لآليات مكافحة جرائم غسل الأموال
«الدراسات القضائية»: أكثر من 70% من عمليات الاحتيال عابرة للحدود
خســائـر الرســـائل الـمـزيــفــة scam تــجــاوزت الـتـريليـون دولار سـنـويـا
تغطية: إسلام محفوظ
تصوير- عبد الأمير السلاطنة
أكد النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين، أن التطور الإلكتروني السريع والمتنامي أثر في تنوع صور وأساليب ارتكاب جرائم الاحتيال الإلكتروني، مؤكداً مواصلة الجهود الكبيرة التي تبذلها النيابة العامة من خلال استخدام الأدوات والآليات القانونية والإجرائية المتاحة في التشريعات الوطنية لمكافحة هذه الجريمة.
جاء ذلك خلال ملتقى (تعزيز القدرات الوطنية لمكافحة الاحتيال المنظم) الذي تنظمه النيابة العامة بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات ومعهد الدراسات القضائية والقانونية، وبحضور الشيخ خالد بن علي آل خليفة نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء ـ رئيس محكمة التمييز، وقال النائب العام إن جرائم الاحتيال بدت ملحوظة وظاهرة لا سيما في صورتها المنظمة والعابرة للحدود وفي التقنيات المستخدمة في ارتكابها مشددا على خطورة تلك النوعية من الجرائم وحجم تأثيراتها الجسيمة في مقومات الدول الاقتصادية والاستثمارية وعلى مقدرات الأفراد المالية.
وأشار إلى أن النيابة العامة تبذل كل ما في طاقتها في مكافحة الجرائم المالية بوجه عام واضعة في الاعتبار الالتزام الدستوري المنوط بها لحماية المال العام وحقوق الأفراد كون أن للأموال العامة حُرمة وحمايتُها واجبٌ على الجميع كما أن الملكية الخاصة مصونة ولا تُمس إلا بحق يفرضه القانون، بالإضافة إلى ضرورة استعمال كل الصلاحيات بحزم وبكل فاعلية مع تطوير الأداء أولاً بأول لمواكبة آخر المستجدات في صور وطرائق الجريمة.
تنظيم قانوني شامل
وأشار النائب العام إلى أن المكافحة الجادة للجريمة تقتضي وجود تنظيم قانوني شامل ومحكم، كما تتطلب أيضاً التنسيق والتعاون فيما بين الأجهزة المعنية كافة وهو ما تهدف إليه النيابة العامة من خلال تنظيم مثل هذه الفعاليات لدراسة الظواهر الإجرامية وتطورها وتقييم الأداء في ظل ما بين أيدينا من الوسائل القانونية والصلاحيات المتاحة والنظر فيما يجب توفيره مما يسهم في الارتقاء بجهود المكافحة ونتائجها.
وأشار إلى أن نوعاً من الجرائم أصبح يشكل تهديداً للاقتصاد وللثقة في الاستثمار والمعاملات المالية محذرا «قد قارب الاستشراء في أوساط المجتمعات إن لم يكن كذلك بالفعل» مؤكدا أهمية استيعاب جرائم الاحتيال وبالأخص في صورتها المنظمة والإلكترونية وأن نحيط بأنماط هذه الجرائم وتأثيراتها في الاستقرار الاقتصادي وحجم الأضرار الناشئة عنها للتعرف على الآليات الدولية في مكافحتها وأحدث الوسائل والكيفيات في مجال البحث الأمني والتحقيق القضائي في شأن تحصيل الأدلة وملاحقة عناصر الجريمة في النطاق الوطني والدولي.
وقال النائب العام إن المكافحة من حيث المفهوم والغاية لا تقتصر فقط على التصدي للجريمة من بعد وقوعها وإنما توجب على القائمين على إنفاذ أحكام القانون العمل على توفير وسائل الوقاية منها سواء من خلال توعية الأفراد على غرار النشرات التوعوية والتحذيرية التي تصدرها وزارة الداخلية بين آن وآخر والتصريحات التي تصدر عن النيابة العامة بشأن ما تجريه من تحقيقات في قضايا الاحتيال والأحكام الصادرة فيها أو من خلال ما تملكه الأجهزة المعنية بالمكافحة من أدوات ووسائل كفيلة بتقويض الجريمة في مهدها والحيلولة دون إتمامها.
وختم النائب العام تأكيده على مسؤولية الجميع في حماية المقومات الاقتصادية للدولة ومقدرات الأفراد دعما لمسيرة التنمية، مشيرا أن من أبرز وسائل مواجهة الجريمة هو التواصل الدائم لرفع مستوى الأداء ولإيجاد الحلول المناسبة لما قد يَعْرِض لنا من إشكاليات وتحديات.
إشادة أممية
في الوقت ذاته استهل الدكتور حاتم علي مدير مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة في دول مجلس التعاون، الإشادة بالتعاون مع مملكة البحرين في مجالات مكافحة الجريمة بشكل عام، مؤكدا أن جريمة الاحتيال أصبحت تشكل خطورة وتحديا يواجه اغلب دول العالم وتتطلب التعاون والمكافحة المستمرة، كونها جريمة متطورة ولم تعد كالسابق جريمة بسيطة لها أركان مادية ومعنوية ويسهل التحقيق فيها أو كشفها، وتتراوح بين رسائل نصية هاتفية وإنما تخطت تلك المرحلة.
وأشار إلى أن الفترات القليلة الماضية شهدت عدة دول اختراقات خطيرة تهدد الأمن الداخلي لها، مشيرا إلى ان احدى الدول الأوروبية شهدت عملية تزوير للبصمة الصوتية لأحد الوزراء، ما سهل عملية اختراق حسابات بنكية سرية ومهمة والاستيلاء على أموال، فيما كانت الواقعة الثانية تتعلق بعقد اجتماع اونلاين وهمي مع رئيس فرع بنك شهير وأجرى عدة تحويلات وعمليات مالية في ذلك الاجتماع وتبين بعد ذلك تعرضه لعملية خداع عبر استخدام الذكاء الاصطناعي.
واوضح أن تلك الخطورة تستدعي التعاون وصناعة حائط صد من القدرات للتعامل مع تلك الجريمة التي تهدد اقتصادات الدول، مؤكدا أن المبالغ التي تتعرض لجرائم الاحتيال أصبحت بالملايين وأصبح الاحتيال سلاحا كبيرا يستخدم في يد عصابات منظمة للاتجار في المواد المخدرة وتجارة السلاح وتمويل الإرهاب، وأصبح الاحتيال المنظم ليس هدفا اجراميا ولكن وسيلة لتنفيذ جرائم أكبر وأخطر على المجتمعات.
تريليون دولار
من جانبه أشاد الدكتور خالد سري صيام رئيس معهد الدراسات القضائية والقانونية بجهود النيابة العامة الحثيثة لأجل فهم ودراسة مختلف صور الظاهرة الإجرامية محليا ودوليا تحقيقاً لدورها المنوط بها ليس فقط في مجال متابعة التحري والاستدلال وإجراء التحقيق وبناء الاتهام ومتابعة تنفيذ العقاب للحد من العود وحسب، ولكن في دراسة جذور الظاهرة الإجرامية وتتبع أسبابها وطبيعتها وتلمس خطورة نتائجها، وصولاً إلى لتوعية بشأنها والعمل على الحد من فرص وقوعها.
وأكد ان الاحتيال المنظم ظاهرة إجرامية خطيرة ومتنامية باطراد مقلق في سنوات العقد الأخير، تؤثر على حياتنا الشخصية وعلى ثقتنا بكل ما يدور من حولنا، نتيجة ما يمكن أن نتعرض له جميعاً وعلى اختلاف أعمارنا واعمالنا وأماكن معيشتنا من احتيال كمستهلكين أو مستثمرين أو كأصدقاء أو مواطنين يمارسون حقوقهم السياسية، حيث لا يختار هذا النمط ضحاياه.
وأشار إلى أن خطورة تلك الجريمة دفعت دولا أوروبية إلى الإقرار بأن هذا النمط من الجريمة أصبح يمثل 40% من حجم الجريمة في عام 2023 وأن خسائر الرسائل المزيفة scam وحدها تتجاوز التريليون دولار سنوياً، وبنسبة جريمة عابرة للحدود تتجاوز 70%.
وعدد رئيس معهد الدراسات القضائية أسباب تلك الظاهرة التي يأتي في صدارتها مساهمة التطور التكنولوجي وتغيير نمط السلوك المجتمعي في تهيئة بيئة خصبة لها، ما جعلها أكثر تعقيداً، وأكثر تأثيراً من حيث الكم والحجم ونطاق التأثير، بالإضافة إلى أن كلفة ارتكاب الجريمة مازالت أعلى بكثير من تكاليف المكافحة، كما أنها تحولها إلى ظاهرة يومية نتعرض لصورها المختلفة بشكل نمطي، وهو ما جعلها ظاهرة تهدد الأمن والاستقرار المجتمعي، بل تهدد النشاط الاقتصادي على مستوى العالم ومن ثم تخل بالإحساس بالثقة وبفكرة سيادة القانون.
وأشار إلى صعوبة رصد أنماط الارتكاب وعوامل الضعف ومناطق المخاطر نتيجة ارتكابها بطرق وأساليب تعتمد على إخفاء هويات الجناة عن الضحايا كما السلطات، واختلاف أنماط الجناة، وتردد الضحايا في الإبلاغ نتيجة الإحساس بالخجل أو رغبة في تجنب مخاطر السمعة، بالإضافة إلى التطور السريع والمستمر، بالإضافة إلى اتساع النطاق وتعدد معايير التعريف، حيث تشمل الاحتيال المالي والاحتيال الرقمي والاحتيال المنظم والاحتيال العام والخاص والاحتيال الضريبي أو الجمركي والاحتيال لأجل المال أو لأجل أصوات الناخبين أو لأجل تسخير العمالة أو الحصول على فدية.
وقد أدرك المجتمع الدولي التهديد المتطور والمتزايد للاحتيال المنظم الذي ينفذ على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم في القرار الأممي 12/2 بشأن «تنفيذ أحكام المساعدة الفنية في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود»، والذي يتضمن مجموعة من التوصيات بشأن الاحتيال المنظم، تؤكد ضرورة التحالف الدولي تجاه هذا النمط من الجرائم.


العميد الرحومي:
الإثراء السريع أبرز الأساليب لاستدراج الضحايا.. والتوعية المستمرة لازمة

أكد العميد الخبير الدكتور جمعة علي الرحومي أن جرائم الاحتيال المنظم متطورة ومتجددة، وتحتاج إلى مواكبة التشريعات والقوانين وتطوير القدرات لدى سلطات إنفاذ القانون والجهات الإشرافية والرقابية، والعمل كفريق واحد لمكافحة هذه الجريمة، مؤكدا أن النتيجة ستكون فاعلة في ضبط محصلات الجريمة وعدم استفادة المجرمين (الجريمة المنظمة) من هذه العوائد.
وأوضح الرحومي أن الخبراء في مكتب الأمم المتحدة لديهم تجارب دولية، مستشهدًا بتجربة شرطة دبي التي أنشأت مركزًا متخصصًا بخصوص الاحتيال، ينبثق منه مجموعة من الخبراء من المؤسسات البنكية يعملون في هذا المركز، إضافة إلى أفراد من المصرف المركزي لضبط محصلات الجريمة بسرعة وفعالية، بالإضافة إلى تجربة طُبِّقت في سنغافورة، حيث بلغت جرائم الاحتيال 500 مليار دولار خلال سنة واحدة، فاستُخدمت الجامعات الموجودة لحل هذه الظاهرة الإجرامية من خلال استحداث برنامج تقني يوضح وجود بريد إلكتروني مرفق برابط يبين ما إذا كان محتالًا (هاكرز)، فيعطي تحذيرًا منه.
وأضاف أن هذه الممارسات تساعد الأشخاص الضحايا على التعرف على الجريمة، وخصوصًا في ظل تطور العلم ودخول الذكاء الاصطناعي وتزييف الصوت، وهي من ضمن الأمور السلبية التي دخلت في مجال الجرائم والاحتيال، موضحًا في المقابل أنه يجب أن يوازي ذلك الحد من الجريمة من تمكين القدرات لدى جهات إنفاذ القانون، بالإضافة إلى زيادة وعي المجتمع لهذه الظواهر.
ولفت الرحومي إلى ضرورة التوعية المستمرة لأفراد المجتمع والبعد عن هوس الإثراء السريع أو الإعلانات المشبوهة، بالإضافة إلى مواقع تطلب تحديث المعلومات، مشيرا الى أن الإعلام شريك أساسي للحد من هذه الجريمة، ولكن يبقى الضحايا حائط الصد الأول للحد من الجريمة، كما نوه بالتعاون على مستوى مجلس التعاون الخليجي، وخاصة بين سلطات إنفاذ القانون والشرطة والإنتربول.
د. حاتم علي:
عقد أول قمة دولية لمناقشة جرائم
الاحتيال المنظم مارس المقبل
أشاد الدكتور حاتم علي مدير مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة في دول مجلس التعاون بالتعاون مع مملكة البحرين بتطوير منظومة العدالة الجنائية وإنفاذ القانون، مؤكدا أن ذلك التعاون تجاوز عقدا من الزمان، وانطلاقا من أمر جلالة الملك المعظم بالدخول في شراكة مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات لتطوير منظومة العدالة وإنفاذ القانون بالمملكة لتصل إلى النموذج المتماشي مع المعايير الدولية.
وقال في تصريح له على هامش الملتقى: إن الجريمة المنظمة أصبحت تحدث عن بعد وفي عدة دول في ذات الوقت، وتستهدف دول العالم باستخدام بيانات بنكية أو بدعم شركات التوريد وتطورت حتى أصبحت تهدد الدول، مؤكدا ان تطور الجريمة بهذا الشكل جعل لزاما علينا في مكتب الأمم المتحدة أن نبدأ في العمل مع دول العالم في وضع إطار لكشف وتقصي وملاحقة ومحاكمة مرتكبي هذه الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية نتيجة لخطورتها.
وأشار إلى ان جرائم الاحتيال موجودة في كل دول العالم ولكنها كانت تتم بشكل بسيط وعندما أصبحت بدرجة عالية من الخطورة والتنظيم بحيث تستهدف الدول في حد ذاتها ومقدرات الشعوب، كان لزاما علينا أن نتحرك لوضع حد لهذه الجرائم المنظمة .
فيما كشف عن عقد اجتماع في مقر رئاسة المنظمة بفيينا خلال مارس المقبل لتكون أول قمة دولية لمناقشة جرائم الاحتيال المنظم بالمشاركة مع المنظمة الدولية للإنتربول حتى نستطيع أن نعمل مع دول العالم على وضع إطار قانوني وإطار عمل لمكافحة هذه الجريمة.
رئيس قانونية جمعية مصارف البحرين:
التشريع البحريني قاعدة قانونية متكاملة لمكافحة الاحتيال المالي

أكد كابي الحكيم رئيس اللجنة القانونية بجمعية مصارف البحرين، أن مملكة البحرين دائمًا سباقة ومتقدمة بخطوة في وضع التشريعات لمكافحة الاحتيال وغسيل الأموال، مشيرا الى أن القانون البحريني جاءت نصوصه شاملة وعقوباته رادعة، حيث نصت بعض مواده على معاقبة من يستخدم الوسائل الاحتيالية للاستيلاء على الأموال أو الممتلكات، سواء كان ذلك بالاحتيال المباشر أو من خلال استخدام أسماء كاذبة أو صفات غير صحيحة، مع فرض العقوبات المناسبة كالحبس والغرامة على مرتكبي الجريمة.
بهذا يوفر التشريع البحريني قاعدة قانونية متكاملة لمكافحة الاحتيال المالي، بما يتوافق مع المعايير الدولية المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود لعام 2000، التي تعتبر الاحتيال المنظم أحد أشكال الجرائم المنظمة التي تتطلب تعاونًا قانونيًا ورقابيًا على الصعيدين الوطني والدولي.
وأشار الى أن الوقاية من الاحتيال المنظم تتطلب اعتماد نهج شامل يجمع بين الإجراءات القانونية، الرقابية، والتقنية، بهدف الحد من وقوع الجرائم قبل حدوثها وتقليل تأثيرها على المؤسسات والأفراد حيث على الصعيد القانوني، يتمثل أحد أهم عناصر الوقاية في وضع تشريعات صارمة تنظم الأنشطة المالية والتجارية، وتشمل العقوبات الرادعة على من يرتكب الاحتيال أو يشارك فيه، بالإضافة إلى سن قوانين مكافحة غسل الأموال والجرائم الإلكترونية لضمان عدم استغلال النظام المالي لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
أما على الصعيد المؤسسي، فتشمل الوقاية إنشاء أنظمة رقابية فعالة داخل المؤسسات المالية والشركات، مثل التدقيق الداخلي المستمر، إلزام الموظفين بالإفصاح عن أي تضارب مصالح، ومراقبة العمليات المالية الكبيرة أو غير الاعتيادية كما يلعب التدريب المستمر للعاملين في القطاع المالي دورا مهما.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك