مع تزايد الاهتمام بالاستدامة في منطقة الخليج، يشهد قطاع البناء في مملكة البحرين تحوّلاً هادئاً لكنّه مؤثّر، فالمطوّرون والمقاولون يتّجهون بشكل متزايد نحو استخدام مواد صديقة للبيئة تتوافق مع أهداف المملكة في كفاءة الطاقة وتقليل الأثر المناخي، ومن بين الابتكارات التي تكتسب زخماً متزايداً هي الخرسانة الخلويّة المعالجة بالبخار المضغوط (AAC)، والتي تعد خياراً خفيف الوزن وعالي الأداء يعيد صياغة الطريقة التي تشيَّد بها هياكل المباني الحديثة.
وتُصنَّع كتل الخرسانة الخلويّة المعالجة بالبخار المضغوط الآن محلياً في مملكة البحرين من قِبل الشركة الوطنيَّة للخرسانة، ويتم ذلك في مصنع آلي بالكامل يعتمد على تكنولوجيا ألمانيّة المنشأ وبتصنيع صيني، ويعمل وفق دورة إنتاج مغلقة بالكامل وبدون أي نفايات، وتبرز هذه الكتل كبديل أكثر كفاءة وأكثر ذكاءً مقارنة بالكتل الساندويتش والكتل المجوّفة، لما تتميز به من انخفاض الموصليّة الحراريّة ما يجعلها عازلاً ممتازاً للحرارة، فهي تساعد على إبقاء المساحات الداخليّة أكثر برودةً في الصيف وأكثر دفئاً في الشتاء، ما يقلّل بشكل كبير من استهلاك الطاقة المستخدمة في أجهزة التكييف والتدفئة.
كما يمنح التركيب الخلوي للمادّة قدرة عالية على عزل الصوت، وهي ميزة تحظى بتقدير متزايد في المشاريع العمرانيّة الحديثة داخل البحرين، حيث تُعد الراحة الصوتيّة عاملاً أساسيّاً، إضافة إلى ذلك، فإنّ مادّة الـAAC غير قابلة للاشتعال، ويمكنها تحمّل اختبار حريق معياري مدة أربع ساعات من دون أن تطلق أي أبخرة سامة.
إلى جانب أدائها المتميز، تُجسّد الخرسانة الخلويّة المعالجة بالبخار المضغوط مثالاً واضحاً للاستدامة من الألف إلى الياء، فهي تصنع من مواد خام طبيعية مثل الاسمنت والجير والرمل والماء، ثم تُعالَج تحت ضغطٍ عالِ داخل جهاز الأوتوكلاف، ما يخلق ملايين الفجوات الهوائيّة التي تحقّق ميزة فريدة تتمثّل في القوة مع خفّة الوزن، هذا الوزن الخفيف يقلّل من استهلاك الوقود أثناء النقل والمناولة، كما يقلّل من النفايات في موقع البناء إلى أدنى حد، إذ يمكن قطع الكتل بدقة لتناسب الحجم المطلوب باستخدام أدوات بسيطة، ويمكن إعادة استخدام وتدوير القطع المتبقّية، ما يضمن تركيباً يكاد يخلو من الهدر الى درجة الصفر.
ولا تقتصر مزايا الاستدامة على الاستخدام فحسب، بل تبدأ مُباشرةً من مرحلة التصنيع نفسها، حيث تتطلب الخرسانة الخلوية المعالجة بالبخار المضغوط جزءاً بسيطاً جدّاً من المواد الخام والطاقة مقارنةً بمنتجات البناء التقليديّة، ولا ينتج عن عمليّة التصنيع أي مياه صرف صحي أو بخار أو غازات ضارة، كما أن المادة قابلة لإعادة التدوير بالكامل. هذه الكفاءة تجعل من الخرسانة الخلويّة المعالجة بالبخار المضغوط خياراً مثالياً ضمن إطار البناء الأخضر المتطور في مملكة البحرين، والذي أصبح يفضّل المواد ذات الطاقة المختزنة المنخفضة مع توفير التكاليف التشغيليّة على المدى الطويل، ومع منح كل من الجهات الحكوميّة والمطورين في القطاع الخاص أهميّة متزايدة لمعايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG)، تتوافق الخرسانة الخلوية بسلاسة مع الأهداف الوطنيّة ورؤية البحرين الاقتصاديّة 2030، وتفخر الشركة الوطنيّة للخرسانة باستخدام كتل الخرسانة الخلويّة في مشاريع بارزة في جميع أنحاء المملكة، ما يعكس دور الشركة الوطنيّة للخرسانة في دعم الرؤية لبناء مستدام وموفّر للطاقة.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك