تسببت العقوبات في عزل سوريا عن النظام المالي الدولي لأكثر من عِقد، مما دفع شريحة واسعة من السكان للاعتماد على النظام النقدي التقليدي مع محدودية الوصول إلى الخدمات المصرفية. وأسهمت هذه القيود في إغلاق الاقتصاد السوري أمام العالم، وأضعفت إمكاناته في التواصل المالي عبر الحدود.
ودخل الاقتصاد السوري مرحلة جديدة مع قرار الولايات المتحدة مؤخراً بتخفيف بعض العقوبات وإصدار إعفاءات وتراخيص تسمح بإجراء معاملات مالية محددة وتسهيل وصول المساعدات. وقد جاء الأمر التنفيذي الصادر في يوليو برفع عدد من القيود المستمرة منذ سنوات ليشكل نقطة تحول مكّنت الاقتصاد السوري من الانفتاح مجدداً على الاقتصاد العالمي من خلال التمويل الرقمي والأصول الرقمية.
وقال بدر الكالوتي، رئيس النمو الإقليمي والعمليات في بينانس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وتركيا: "للمرة الأولى منذ أكثر من عِقد من الزمان، تتاح للشعب السوري فرصة حقيقية لإعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي، حيث يمكن للأصول الرقمية أن تكون جسراً راسخاً يمكّن هذه الخطوة".
ولا يُعد دخول بينانس إلى السوق السورية مجرّد خطوة توسعية، بل مؤشراً على بداية مرحلة جديدة. فهو اعتراف بأن البلوكشين يمكن أن يكون جسراً لمن حُرموا سابقاً من الأنظمة المالية التقليدية. وفي سوريا، حيث كان الوصول مقيداً، تُعدّ هذه الخطوة بمثابة تحوّل يتجاوز حدود التقنية.
وأضاف الكالوتي: "تمتلك سوريا جيلاً شاباً من رواد الأعمال. ومن خلال توفير الأصول الرقمية وأدوات Web3، نُتيح فرصاً أوسع للمعاملات ونمهد في الوقت ذاته الطريق أمام رواد الأعمال والمطورين والمبدعين للمشاركة في الاقتصاد الرقمي المتكامل".
وأصبح الآن بإمكان المستخدمين في سوريا الاستفادة من مجموعة واسعة من الأصول الرقمية وخدمات التداول الفوري والمستقبلي ومنتجات التخزين والعملات المستقرة، إلى جانب خدمة Binance Pay التي تتيح حلولاً للحوالات عبر الحدود. وتمثل هذه التطورات خطوة مهمة نحو توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية وتعزيز الشمول والمشاركة الفاعلة في النظام المالي العالمي بطرق لم تكن متاحة في السابق.
ومنذ انطلاق المنصة، شهدت أعداد التسجيل ارتفاعاً كبيراً بفضل خدمات التداول من نظير إلى نظير، وحلول الإيداع والسحب. كما ارتفعت أحجام التداول الشهرية بشكل ملحوظ، وسجّلت مبيعات “Fan Token” نمواً كبيراً. وتمثل هذه الأرقام أكثر من مجرد بيانات، إذ تعكس رغبة مجتمع طال انتظاره للانضمام إلى عالم العملات الرقمية وافتقاده سابقاً إلى القنوات الملائمة لذلك.
ما زالت تحديات التعليم وبناء الثقة تمثل عائقاً رئيسياً أمام انتشار هذه التقنيات، إذ لا تزال غير مألوفة لدى قطاعات واسعة من المستخدمين، الأمر الذي يجعل من تعزيز الثقة بها أمراً ضرورياً لتبنّيها على نطاق أوسع. وتُعدّ مبادرات مثل أكاديمية بينانس، بما تقدمه من أدوات تعليمية مجانية، ركيزة أساسية في تعزيز المعرفة وتمكين الأفراد من دخول عالم الأصول الرقمية.
تشكل هذه التطورات بداية لمرحلة جديدة، حيث أصبحت الأصول الرقمية في نظر السوريين أكثر من مجرد فرصة للاستثمار، لتغدو وسيلة حقيقية للتصدي للتحديات المالية والانفتاح مجدداً على الاقتصاد العالمي. ورغم استمرار بعض القيود، فإن الخطوات التي أُنجزت حتى الآن تمثل تقدماً ملموساً نحو المستقبل.
