آفــاق جـديـدة لـشـراكـة مـتـجـددة ورؤى اسـتـراتـيـجـيـة مـشـتـركـة
إيــطـالـيـا الـشـريـك الأوروبي الأول لـلـبـحـريـن فـي 2024
البحرين تحتضن أكثر من ١٣٠ شركة ومؤسسة إيطالية وشريكا تجاريا
تشكل الزيارة الرسمية التي يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء للجمهورية الإيطالية الصديقة استمراراً للعلاقات المتميزة التي تربط بين البلدين الصديقين وتعزيزاً لمساراتها الاستراتيجية استنادًا على طبيعة وعمق علاقات الصداقة القوية والمتميزة بين مملكة البحرين والجمهورية الإيطالية، التي ترتكز على تاريخ ممتد من التفاهم والاحترام والتنسيق المشترك.
وتأتي هذه الزيارة تجسيدًا لما توليه مملكة البحرين في ظل قيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم من اهتمامٍ لتنمية الشراكات وتوسيع مسارات التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة بما يحقق الأهداف والمصالح المشتركة، ويعزز جهود التنمية المستدامة التي تشهدها المملكة في شتى القطاعات، وبما ينسجم مع رسالتها النبيلة الهادفة إلى إعلاء قيم السلام والحوار والتلاقي الحضاري كقواسم إنسانية مشتركة تسهم في ترسيخ الأمن وتعزيز الاستقرار والتنمية.
وتكتسب زيارة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، أهمية متزايدة من حيث دلالاتها وتوقيتها، إذ إنها تعد فرصة مهمة لبحث سبل تطوير العلاقات الاستراتيجية في كل المجالات، ولا سيما الاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية، والتنموية، وذلك من خلال المباحثات واللقاءات التي من المقرر أن يعقدها سموه مع كبار المسؤولين في الجمهورية الإيطالية، التي سيكون محورها الأساسي هو آليات تعزيز التعاون الثنائي، والبناء على ما تحقق من إنجازات في مختلف أوجه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، فضلًا عن بحث مستجدات الأوضاع في المنطقة والعالم في ظل الظروف الدولية الراهنة، التي تتطلب مزيدًا من التنسيق والتشاور المستمر لضمان توحيد الجهود الدولية لإرساء السلام العالمي.
وتُعبّر زيارة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء عن حجم التقدير المتبادل لدى البلدين للأهمية الاستراتيجية لكل منهما على الصعيدين الإقليمي والدولي، بما تمثله الجمهورية الإيطالية من دولة محورية في صناعة القرار العالمي، وما لديها من إرث تاريخي حضاري عميق وممتد، وما تتبوأه من مكانة بارزة في المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، إلى جانب قوتها وتميزها كأحد أبرز أقطاب النظام الاقتصادي الدولي، بينما تحتل مملكة البحرين موقعًا استراتيجيًا محوريًا في منطقة الخليج العربي، وتمتلك نموذجًا فريدًا ومتميزًا في التنمية المستدامة، وتتبنى نهجًا سياسيًا ودبلوماسيًا يؤمن بأهمية ترسيخ قيم السلام والتعايش، ولذلك فإن رؤى البلدين تتلاقى تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
وخلال العقود الماضية شهدت العلاقات البحرينية الإيطالية زخمًا مستمرًا على المستويات كافة، وتجمع بينهما رؤية استراتيجية راسخة تقوم على الصداقة والاحترام المتبادل، كما أن هناك توافقًا كبيرًا في مواقفها تجاه العديد من القضايا المشتركة، من بينها أمن الخليج العربي، واستقرار الشرق الأوسط، ومكافحة الإرهاب، ومواجهة التغير المناخي، والحوار بين الحضارات والثقافات، وهو الأمر الذي أسهم في تحول وتيرة علاقات التعاون بين البلدين لتكون داعمة للتقارب ليس فقط على الصعيد الثنائي، وإنما أيضا على مستوى مسيرة التعاون الخليجي الأوروبي.
وتجسد الزيارات الرسمية المتبادلة بين مملكة البحرين والجمهورية الإيطالية علاقات الصداقة التاريخية الوثيقة بين البلدين والحرص المشترك على تنميتها، ولعل من أبرزها زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم للعاصمة الإيطالية روما في يوليو 2025، وزيارات جلالته في أكتوبر 2023، ويوليو 2008، التي شكلت جميعها مناسبة لبحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها ومستجدات القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وكذلك زيارات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء للجمهورية الإيطالية، آخرها في فبراير 2020، التي شهدت تفضل سموه بافتتاح مقر سفارة مملكة البحرين في العاصمة روما، تلا ذلك افتتاح السفارة الإيطالية في مملكة البحرين عام 2022، وزيارة سموه لإيطاليا عام 2015، التي حضر خلالها افتتاح جناح مملكة البحرين بمعرض «إكسبو ميلانو 2015»، وهو الجناح الذي نال الجائزة الفضيّة بعد أن اختارته لجنة التحكيم الدولية كثاني أفضل مبنى ضمن الشروط المعماريّة الموضوعة من قبل إدارة «إكسبو» من حيث خصوصية الاستدامة في البناء وجمال الشكل.
أما على الجانب الإيطالي فقد كانت الزيارة التي قامت بها دولة السيدة جورجيا ميلوني رئيسة وزراء الجمهورية الإيطالية لمملكة البحرين في يناير 2025 نقلة نوعية في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، ولا سيما أنها كانت أول زيارة رسمية لرئيس وزراء إيطالي لمملكة البحرين، وجاءت تلبية لدعوة كريمة من جلالة الملك المعظم، وضمن جولة لها لتعزيز التعاون بين الجمهورية الإيطالية ودول الخليج العربية ومناقشة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وأوضحت هذه الزيارة مدى تقدير الجمهورية الإيطالية لمملكة البحرين، فقد قالت دولة السيدة جورجيا ميلوني في تصريحات أدلت بها لوسائل الإعلام الإيطالية خلال الزيارة: «إن مملكة البحرين تُعد نموذجًا رائدًا لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات»، وأشادت بدور المملكة في ترسيخ مبادئ التعايش والحوار الحضاري، وأكدت أن العلاقات الثنائية بين مملكة البحرين والجمهورية الإيطالية شهدت تطورًا ملموسًا في إطار التعاون الاستراتيجي القائم، وبما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين.
ويعتبر التعاون الاقتصادي أحد أبرز أوجه العلاقات البحرينية - الإيطالية، انطلاقًا من الموقع الاقتصادي المهم للجمهورية الإيطالية في خريطة الاقتصاد الدولي، وما لديها من نهضة صناعية متطورة، وخاصة في قطاعات الصناعات الهندسية والتكنولوجية، والسيارات، فيما تمثل مملكة البحرين بيئة استثمارية واعدة للشركات الإيطالية، بفضل بنيتها التحتية الحديثة، ولموقعها في منطقة الخليج العربي، وتبنيها سياسات اقتصادية منفتحة.
ويجمع بين مملكة البحرين والجمهورية الإيطالية علاقات اقتصادية وتجارية يعود تاريخها إلى عام 1973، وشهدت التجارة بين البلدين نموًا مستمرًا على مدار السنوات الماضية، حيث بلغ إجمالي التجارة غير النفطية بين البحرين وإيطاليا 779 مليون دولار أمريكي عام 2024، ما جعل إيطاليا الشريك الأوروبي الأول للبحرين في ذلك العام. كما تم توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين في مجالات حماية الاستثمار، وتجنب الازدواج الضريبي في مجال المواصلات الجوية والبحرية، والتعاون في مجالات النفط والغاز والطاقة المتجددة، والقطاعات التجارية والاستثمارية والثقافية.
وتحتضن مملكة البحرين أكثر من 130 شركة ومؤسسة إيطالية وشريكًا تجاريًا، تستفيد مما تمثله المملكة من موقع استراتيجي، كان آخرها قيام شركة «باريلا» الإيطالية لإنتاج الباستا بافتتاح مكتب لها في مملكة البحرين خلال العام الجاري 2025، بالإضافة إلى إعلان شركة «ريسينغ فورس» المُصنّعة لمعدات سباقات السيارات توسعة مقرها الرئيسي في مملكة البحرين لمضاعفة إنتاجها من خوذات «بيل ريسينغ».
وفي فبراير 2020 أعلنت الوكالة الإيطالية للتجارة (ICE) افتتاح مقر لها في مملكة البحرين، وذلك في أعقاب توقيعها اتفاقية مع مجلس التنمية الاقتصادية، بهدف تطوير الروابط الاقتصادية والتجارية الثنائية، ودعم التعاون في استقطاب الاستثمارات في القطاعات الاستراتيجية ومنها التصنيع والخدمات اللوجستية، والخدمات المالية، وتكنولوجيا معلومات الاتصالات، والسياحة، والأعمال الإنشائية، والنفط والغاز.
وفي أبريل 2025 قام وفد رسمي من مملكة البحرين برئاسة الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة وزير المالية والاقتصاد الوطني وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين بزيارة للجمهورية الإيطالية شملت مدن روما وبارما وميلان، وعقد الوفد سلسلة من الفعاليات واللقاءات الرسمية التي ركزت على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والتعريف بالفرص الاستثمارية المتنوعة في القطاعات ذات الأولوية لمملكة البحرين، بما في ذلك الخدمات المالية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والصناعة، والخدمات اللوجستية، والسياحة.
ويربط بين مملكة البحرين والجمهورية الإيطالية تعاونٌ ثقافيٌ مميز يشمل مختلف مجالات الأدب والفنون والآثار والتراث والسياحة، وهناك فعاليات فنية وموسيقية متبادلة تجرى على مدار العام، فضلًا عن تعاون البلدين في إطلاق المبادرات الهادفة إلى خدمة قضايا السلام العالمي والحوار بين الأديان والثقافات، ومن هذا المنطلق جرى تحت رعاية جلالة الملك المعظم في نوفمبر 2018 تدشين «كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي» بجامعة سابينزا الإيطالية، الذي يعبر عن التزام مملكة البحرين بتعزيز التفاهم والتسامح والوئام بين المجتمعات الدينية والثقافية المتنوعة.
ويجمع بين مملكة البحرين والجمهورية الإيطالية عدد كبير من اللجان المشتركة التي تغطي العديد من مجالات التعاون، من بينها الاقتصاد والاستثمار والقطاع العسكري، وهناك لقاءات تعقد على مدار العام بين كبار المسؤولين من البلدين، ويجري تبادل زيارات الوفود من الجانبين لبحث أطر التعاون وتنميتها، وقد استضافت العاصمة روما في يونيو 2023 أعمال الاجتماع الأول للجنة البحرينية- الإيطالية المشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين، وبحثت مسار التعاون الثنائي في مختلف القطاعات.
إن زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أمس للجمهورية الإيطالية تحمل آفاقًا جديدة نحو الشراكة الوثيقة بين البلدين الصديقين، والدفع بمسارات التعاون الثنائي بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك