كشفت بطولة العالم للكرة الطائرة الجارية في الفلبين عن واقع صريح للمنتخبات العربية الخمسة المشاركة (مصر، تونس، الجزائر، ليبيا، وقطر)، إذ تكرر مشهد الخروج المبكر الذي بات مألوفا في المشاركات الكبرى، إذ أن الصورة العامة عكست حجم التحديات التي تواجه اللعبة عربيا، وهو ما أجمع عليه خبراء ومحللون عرب، في استطلاع أجريناه معهم على صفحات الملحق الرياضي في «أخبار الخليج» إذ اجتمعت كلمتهم على أن الأزمة أعمق من مجرد أداء داخل الملعب، بل ترتبط بضعف الإعداد، وغياب المشاريع طويلة المدى، وقصور المنظومات الإدارية والفنية في مجملها.
تخطيط واقتداء بالمدارس الرائدة
وعزا الخبير والمحاضر الدولي الشيباني (ليبيا) خروج المنتخبات العربية من الأدوار الأولى في بطولات العالم للكرة الطائرة إلى مجموعة عوامل مترابطة، لخصها في النقاط التالية:
1- ضعف الإعداد البدني والفني نتيجة الاقتصار على معسكرات قصيرة، مقابل الحاجة الى برامج طويلة المدى تشمل الجوانب البدنية والتكتيكية.
2- قلة الاحتكاك الدولي، إذ تفتقر المنتخبات الى مباريات قوية ومنتظمة أمام مدارس عالمية مختلفة.
3- الاعتماد على أساليب تقليدية بدلا من مواكبة تطورات الكرة الطائرة الحديثة القائمة على الإرسال القوي والهجوم المتنوع والدفاع المنظم.
4- فجوة في تطوير المواهب بسبب غياب برامج احترافية متكاملة منذ الفئات السنية.
5- قصور إداري وتنظيمي يتمثل في غياب الاستراتيجيات طويلة المدى والاكتفاء بالحلول المؤقتة.
ويرى الشيباني أن مشكلة المنتخبات العربية أعمق من قدرات اللاعبين، فهي أزمة منظومة تحتاج إلى رؤية شاملة واستثمار في الإعداد والاحتكاك والتكتيك والإدارة، مع الاستفادة من الخبرات العالمية.
الحاجة إلى مشروع طويل المدى
الكابتن زهير بلحاج (تونس) رأى أن مشاركة المنتخبات العربية في بطولة العالم بالفلبين لم تحمل مفاجآت، إذ كان خروج معظمها متوقعا لغياب المشاريع الطويلة، باستثناء المنتخب التونسي الذي تأهل بثقة إلى ثمن النهائي وقدم أداء مميزا بقيادة الإيطالي كاميلو بلاتشي، لكنه ضيع فرصة تاريخية أمام التشيك، مع بروز لاعبين شبان رغم الإقصاء يمنحون الطائرة التونسية مستقبلا واعداً، أمثال ابن رمضان، حمزة حفيظ، ابن طاهر، وأبو عزيز.
ويرى بلحاج أن الجانب النفسي ظل نقطة ضعف واضحة لدى منتخب نسور قرطاج، خصوصا في الشوط الثالث أمام التشيك، إذ غابت رغبة الفوز.
وعن مصر، أشار إلى أن فوزها على إيران أحد المرشحين كاد أن يجعلها أول العرب المتأهلين ، لكن الخسارة أمام الفلبين ثم تونس أطاحت بآمالها، مرجعاً ذلك إلى ضعف الاستقبال وغياب القائد داخل الملعب، مع إخفاق خيارات المدرب بونيتا.
وأشاد بلحاج بقطر التي حققت فوزا تاريخيا على رومانيا، مستفيدة من قوة الدوري المحلي ووجود محترفين عالميين، ما عزز مكانتها القارية والعالمية، ويحسب نجاحه للاعبين والجهاز الفني ورئيس الاتحاد القطري علي غانم الكواري الذي قاد عملية تطوير شاملة للمنتخبات.
ويرى بلحاج أنّ ليبيا لم تظهر بالصورة المرجوة، فرغم امتلاكها لاعبين مميزين مثل بولبابة المحترف في الدوري الإيطالي، فقد عانت من ضعف التحضيرات، بينما الجزائر واجهت أزمة استقبال وغياب جيل بديل بعد أسماء بارزة سابقة ما ضاعف من صعوبة المهمة.
واعتبر بلحاج أن البطولة كشفت عن مشكلات مشتركة عربيا كغياب مشاريع قاعدية، وضعف الاهتمام بالمدارس والدوريات، واستعجال النتائج من دون صبر على المدربين، وختم بتأكيد أن المستقبل لن يتحقق إلا بعمل مؤسساتي طويل المدى يضع اللاعب محور المشروع ويمنح المدرب الثقة لبناء منتخب منافس.
قصور في المراكز الحاسمة
وأوضح المحلل الفني لقناة الكأس الرياضية القطرية الكابتن ناصر الموسى (قطر) أنه على صعيد اللاعبين، تبدو معظم المنتخبات العربية المشاركة في البطولة متقاربة من حيث نقاط الضعف، خصوصا في مركز الضارب كروس صانع الألعاب (Opposite)، هذا المركز الذي يفترض أن يكون مفتاح الحلول الهجومية وأحد أهم مصادر النقاط، يعاني من قصور واضح، إذ لا يتوافر في التشكيلات العربية لاعب قادر على إحداث الفارق عند التبديل أو الدخول من مقاعد البدلاء، ما يجعل الاعتماد شبه كلي على ستة أو سبعة لاعبين أساسيين فقط طوال مجريات المباريات، على حد قوله.
وعلى المستوى الفني أشار الموسى إلى ضعف الاستقبال كأحد أبرز المعضلات المشتركة، وهو ما ينعكس مباشرة على أسلوب اللعب، مؤكدا أن غياب الاستقبال الجيد يحرم الفرق من بناء الهجوم السريع والتشكيلات المتنوعة، كما يضعف قدرة المعدين على تشغيل جميع المراكز بمرونة، وبالتالي تصبح الخيارات الهجومية محدودة ومكشوفة، وهذا النمط السائد من اللعب لا يخدم المنتخبات العربية كثيرا، خاصة مع محدودية الإمكانات في مركز 2، الذي يعد من أهم المراكز لإنهاء الكرات الصعبة.
وتطرق الموسى إلى الإرسال، وقال إن الوضع لا يختلف كثيرا، فأغلب اللاعبين لا يمتلكون القوة والسرعة الكافية في الإرسالات الحديثة التي باتت اليوم سلاحا رئيسيا لكسر تنظيم الخصم، إذا ما استثنينا بعض الأسماء القليلة التي تمتلك هذه المهارة، فإن الغالبية تفتقد القدرة على خلق الفارق من الخط الخلفي، ما يجعل الضغط على المنافسين أقل ويمنحهم فرصة بناء الهجوم براحة أكبر.
باختصار، يمكن القول إن التحديات التي تواجه المنتخبات العربية تتوزع بين غياب البدائل المؤثرة، ضعف الاستقبال، محدودية الحلول الهجومية، وتواضع مستوى الإرسالات، وهي عوامل تضعف القدرة على مجاراة المنتخبات المتقدمة في هذا المستوى.
غياب مفهوم الاحتراف الحقيقي
وقال المدرب الكابتن رضا علي (البحرين): إن المنافسة في معظم الدوريات المحلية العربية تتميز بالضعف، وكثيرا ما تكون المنافسة محصورة بين فريقين، في ظل استحواذ الأندية الكبرى على أغلب اللاعبين المميزين، ما يجعل المنافسة محصورة بين فريقين فقط طوال الموسم الذي يمتد لتسعة أشهر، وهذا بطبيعة الحال ينعكس سلبا على مستوى اللعبة عربيا ودوليا.
ولفت الكابتن رضا إلى وجود قصور في الجاهزية البدنية والفنية، فيرى أن اللاعب العربي يفتقد في كثير من الأحيان إلى برامج الإعداد الشاملة التي تضمن له مستوى بدنيا وفنيا مرتفعا.
وتابع قائلا: تفتقد المنافسات العربية إلى مفهوم الاحتراف الحقيقي، إذ أن معظم الدول العربية لا ينظر اللاعب فيها إلى الكرة الطائرة كمهنة كاملة، بينما الاحتراف يتطلب أن تكون الرياضة هي «الوظيفة الأساسية» مع الخضوع للتدريبات الصباحية والمسائية المنتظمة.
وأكد أن الفرق العربية تعاني من نقص الكوادر الفنية المساندة، إذ تفتقر غالبا إلى الطواقم الفنية المتكاملة، التي تشمل مديرا فنيا، مدربين مساعدين، معدّا بدنيا، محللا إحصائيا، معالجين وأخصائيين في العلاج الطبيعي والتأهيل.
ويرى في محدودية الموارد المالية أنها تشكل عائقا أمام تطوير اللعبة سواء على مستويي الأندية أو المنتخبات، مؤكدا في الوقت ذاته أن اللاعبين والأجهزة الفنية في الدول العربية يعانون من تأخر الرواتب أو عدم انتظام صرفها، بخلاف ما يحدث في الدول المتقدمة رياضيا إذ تدفع الرواتب منتظمة شهريا من دون استثناء.
وختم تحليله بالقول إن البطولات عربية تفتقد القيمة الفنية الحقيقية، إذ أن غالبية البطولات العربية التي ينظمها الاتحاد العربي للعلة تفتقد المنتخبات الكبرى دفعة واحدة، فإذا شارك المنتخب التونسي يغيب المنتخب المصري، والعكس، بينما تقل مشاركة منتخبات الجزائر والمغرب وليبيا، وهو ما يفقد هذه البطولات قوتها.
غياب الإعداد النفسي وتذبذب الروح القتالية
وصف الخبير والمحاضر الدولي الكابتن شريف الشمرلي (مصر) المشاركة العربية في بطولة العالم للكرة الطائرة بأنها استثنائية، إذ خاضت خمسة منتخبات عربية منافساتها لأول مرة معا، في خطوة تاريخية رغم تباين الأهداف وتفاوت النتائج.
وتحدث عن أداء المنتخب المصري وقال: لقد بدأ بقوة بالفوز على إيران بتألق أحمد سعيد وعبدالرحمن الحسيني، لكنه خسر أمام الفلبين بشكل مفاجئ، ما كشف ضعف الاستقبال والهجوم من الوسط، فضلا عن إدارة فنية لم تكن في مستوى الحدث العالمي حرمتها من فرصة ذهبية للتأهل، لتنهي في المركز 25 رغم ما تملكه من مواهب، ومع عدم ضم عناصر بارزة الى صفوف الفريق لأسباب غير مبررة، وغياب إعداد قوي قبل البطولة.
وتطرق إلى الحديث عن المنتخب التونسي، الذي قدم أداء مميزا بحسب وصفه في الدور الأول أمام مصر والفلبين، وتأهل مستحق إلى دور الـ16 قبل أن يتراجع أمام التشيك، متأثرا بضعف الإعداد النفسي والبدلاء، لكن نسور قرطاج حققوا المركز 12 ويرى فيه أنه إنجاز مهم، مع بروز أسامة بن رمضان واستمرار تألق المعد خالد بن سليمان، رغم قصور فترة الإعداد التي اقتصرت على خوض مباراتين إعداديتين مع كوريا الجنوبية. وغابت عن صفوفه أسماء ثقيلة مثل حمزة نقة وأيمن بوقرة ومحمد بن يوسف.
وقال الشمرلي: إنّ المنتخب الليبي قد أظهر شخصية قوية رغم نقص الخبرة، خاصة أمام كندا، وبرز الأخوان بولبابة وأنس الوداني والليبرو فؤاد المعروق. أنهى في المركز 28 لكنه كسب الاحترام العام، لكن ما قدمه الفريق يضع «فهود ليبيا» في طريق منافسة حقيقية على الساحة الإفريقية والعالمية مستقبلا.
وتحدث عن المنتخب الجزائري وقال عنه إنه لعب بروح عالية، إلا أن الفوارق الفنية والبدنية حالت دون قدرته على مجاراة المستويات العالمية، ومع ذلك، أظهر الفريق ملامح جيل واعد يمكن البناء عليه في قادم المنافسات.
ويرى في المنتخب القطري للكرة الطائرة أنه قدم مشاركة مميزة في البطولة، إذ حقق أول فوز تاريخي له على رومانيا، وكاد أن يخطف الانتصار أمام هولندا بعد أداء قوي، رغم غياب ضارب مركز 4 الأساسي رحيمي لإصابة الركبة والمعد الأساسي.
وأضاف بأنّ الفريق استعد جيدا عبر الفوز ببطولة غرب آسيا وخوض 7 مباريات تجريبية أمام منتخبات مصر، إيران، وأوكرانيا، ما منح اللاعبين الجدد خبرة إضافية، يقوده المدرب الأرجنتيني كاميلو سوتو، بطل العالم للشباب 2017، والذي يتولى المهمة منذ 7 سنوات.
قطر تحتل المركز 21 عالميا وتنافس منتخبات عريقة كـهولندا وبلجيكا وفنلندا، وتبنى خططها على الاحتكاك الدائم مع المدارس العالمية، ما يمنحها أداء مشرفا. أنهى المنتخب البطولة في المركز 22، وكان مرشحا لمركز أفضل لولا صعوبة المجموعة.
وقدم الكابتن الشمرلي في ختام رؤيته التحليلية ملاحظاته الفنية بشأن المنتخبات العربية المشاركة والتي اختزلها في معاناة بعض لاعبيها من ضعف بدني ونفس، وقصور في الاستقبال والسرعة بالهجوم، غياب الفعالية في الإرسال وحائط الصد، وتذبذب الروح القتالية في اللحظات الحاسمة، ويرى بأنه رغم الخروج المبكر لبعض منتخباتنا، إلا أنّ المشاركة بحد ذاتها مكسب وخطوة نحو منافسة أقوى مستقبلا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك