كيف تحول مشروع واعد بقيمة 750 مليون دولار إلى مجرد أطلال؟!
تعثـر المشروع تاركا مستثمرين من 32 جنسية ينتظرون حقوقهم منذ 15 عاما
مستثمرون ماتوا.. وآخرون غادروا.. وغيرهم مازالوا ينتظرون الفرج
المتضررون: حل المشكلة وإعادة الملايين التي دفعناها يعزز من سمعة البحرين كبيئة آمنة للاستثمار
تحكى الأساطير القديمة أن ساحل البديع كان يوما على موعد لأن يصبح واحدا من أهم المناطق الاستثمارية والسياحية في البحرين؛ فهذا الساحل اختير لاحتضان أحد أكبر المشاريع العقارية الاستثمارية العملاقة والفخمة بالمملكة هو «مارينا ويست»، لتكون منطقة سياحية استثمارية واعدة تمتد على مساحة تتجاوز 74 ألف متر مربع، بقيمة بلغت آنذاك 750 مليون دولار.
طرح المشروع الواعد على الملأ، ووضع حجر الأساس في مارس 2007، وفتح باب البيع على الخارطة على مصراعيه، ليتهافت المستثمرون والحالمون بامتلاك عقار مميز للشراء في هذه المنطقة الجميلة. أكثر من 400 مستثمر ومشتر من 32 جنسية دفعوا الملايين. بعضهم وضع تحويشة عمره، والبعض الآخر استنزف مخصصاتهم التقاعدية، وآخرون اقترضوا، وغيرهم خصص جزءا من مدخراته للاستثمار في المشروع الذي تنقش مخططاته صورة جميلة لعشرة أبراج سكنية وفندقا من فئة الخمس نجوم، وأكثر من 1200 شقة سكنية فاخرة إلى جانب أجنحة (بنتهاوس) علوية، يضاف إليها مرافق متكاملة للترفيه والمجمعات التجارية والمراكز الرياضية، إلى جانب شاطئ ومرسى للقوارب.
وبالفعل.. ابتدأ العمل بالمشروع عام 2007، وصبت الخرسانة، وارتفعت الأعمدة، وتدريجيا بدأت الملامح الجميلة للمشروع تتضح. وكلما تقدم سير العمل زاد ترقب المستثمرين والملاك للحظة تسلم ما انتظروه طويلا. وكان من المقرر ان ينتهي العمل في المشروع بحلول عام 2010.
اليوم.. عندما نذهب إلى موقع هذا المشروع الحالم، لا نجد سوى أطلال ومبان مهجورة متهالكة متآكلة، غلب عليها الصدأ، وباتت أشبه بمدينة أشباح لا تحوي سوى بقايا أحلام تبددت وآمال تحطمت، وملايين استنزفت، وحقوق تبخرت.
فما الذي حدث؟ وما هي فصول الرواية؟
الفصل الأول
نعود في السيناريو إلى نقطة البداية، حيث ابتدأ العمل في المشروع منذ عام 2007 واستمر على قدم وساق. وبذلت الشركة المالكة جهودا كبيرة للترويج له، ليس في البحرين فحسب، بل في الكثير من دول العالم من خلال المعارض والمكاتب العقارية. وبالفعل حقق المشروع منذ اللحظات الأولى نجاحا كبيرا في البيع على الخارطة، واستقطب أكثر من 400 مشتر ومستثمر من 32 دولة، 20% منهم بحرينيون، و33 مستثمرًا سعوديًا، و13 بريطانيًا، بالإضافة إلى جنسيات أخرى من الدول الخليجية والعربية والهند وإفريقيا ودول الكاريبي وأستراليا وقبرص ودول أوروبية والولايات المتحدة ودول من أمريكا الجنوبية وغيرها. وكلهم وثقوا بالسوق العقاري المحلي كأرض خصبة للاستثمار توفر ملاذا آمنا وخيارا ذكيا لهم.
وبالفعل، كانت الأمور تسير على ما يرام، وأنجز حوالي 50% من المشروع، ونصت العقود على أن يكون تسليم الوحدات السكنية عام 2010، مع وجود شرط جزائي يتم بموجبه إلغاء القسط الأخير إذا ما حصل أي تأخير في التسليم، على ألا تتجاوز مدة التأخير ستة أشهر.
ولكن.. فجأة توقف العمل بالمشروع في مارس 2010. والسبب المعلن هو أزمة في التمويل والميزانية بسبب الأزمة المالية العالمية آنذاك. وأكد المطور أن التوقف سيكون مؤقتًا. ومع أجواء القلق لدى المستثمرين تسلموا في 2011 خطابات تطمئنهم بأن العمل سيبدأ مرة أخرى في المشروع.
تنفس الملاك والمستثمرون الصعداء، وعاد الأمل لديهم من جديد، وصاروا يرصدون ويترقبون عودة العمل. ومرت الأيام.. والأشهر.. والسنوات، تخللتها الكثير من التطمينات والوعود، ولكن عودة العمل في المشروع بدت أشبه بخيال.
ثم.. فجأة، أعلن أن «مارينا ويست» بات من المشاريع المتعثرة.
الفصل الثاني
هنا ابتدأ الفصل الثاني من الرواية.. أو الكابوس. حيث استمر المستثمرون يترقبون وهم قلقون على الملايين التي دفعوها. وفي عام 2015 تم إنشاء اللجنة القضائية لتسوية المشاريع العقارية المتعثرة، وهو ما بعث بعض الأمل لدى ضحايا المشروع، حيث ابتدأت سلسلة من الاتصالات والاجتماعات مع اللجنة. وفي نهاية مارس 2015 ابتدأت لجنة تسوية المشاريع العقارية المتعثرة في تلقي طلبات أصحاب الحقوق والمتضررين.
وبعد دراسة الوضع أعلنت اللجنة أن قيمة تثمين المشروع شاملا الأرض والبناء تبلغ حوالي 86.5 مليون دينار (230 مليون دولار)، فيما قدرت حجم مديونيات المشروع بنحو 32.5 مليون دينار.
وأعلنت لجنة تسوية المشاريع العقارية المتعثرة نقاشات لدخول مطورين آخرين مع المطور الرئيسي للمشروع من اجل استكمال العمل. وفي ديسمبر من العام نفسه أعلن بدء استقبال العطاءات لمزاد شراء وإكمال عملية تطوير المشروع المتعثر. وبذلت اللجنة جهودًا حثيثة لحل الملف. وكان من الحلول المقترحة هو طرح المشروع للمزاد العلني، ولكن استمر الوضع على ما هو عليه.
وفي خط مواز كانت هناك جهود ودية للوصول إلى تسويات، منها اجتماع عقدته جمعية البحرين العقارية مع مطوري شركة «مارينا ويست» والممولين لاستعراض السبل الكفيلة لإنقاذ المشروع ومواصلة العمل فيه.
وفي أوائل عام 2019، عينت مجموعة من حوالي 200 مشتري فريق اتصال يضم ستة اشخاص لتمثيلهم أمام الجهات المعنية، واجتمع الفريق مع لجنة التسوية في مايو 2019، وحصلوا على تطمينات بحل المشكلة. ولكن مرة أخرى استمر الوضع على ما هو عليه.
كما حدثت محاولات من مستثمرين من عدة دول مثل الصين ودبي وبريطانيا وغيرها لشراء المشروع، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق، ومن ذلك محاولة من شركة تطوير عقاري في الإمارات أجريت معهم اجتماعات ومباحثات، ولكن في الأخير لم يتم التوصل إلى اتفاق حيث انسحب المطور بعد أن وجد أن هناك مخاطرة في شراء المشروع.
وفي فبراير 2024 أعلن في وسائل الإعلام بذل جهود لاستئناف العمل في المشروع المتوقف منذ عام 2010، وشملت الجهود التواصل مع عدد من المقاولين لتسلم واستكمال تطوير مشروع «مارينا ويست». وأيضا استمر الوضع على ما هو عليه.
الفصل الثالث
طوال السنوات الماضية، ومنذ توقف المشروع عام 2010، لم تفتأ الصحافة المحلية تتابع القضية. ولم يفتأ المستثمرون المتضررون من الجأر بالشكوى وخيبة الأمل على مصير أموالهم التي ذهبت هباء.
واليوم عاد المتضررون الذين باتوا أشبه بعائلة واحدة منكوبة، ليطرحوا الموضوع مرة أخرى، ولكن مناشدتهم هذه المرة للقيادة الحكيمة وهم يحملون شعار «نناشدكم لإنهاء معاناتنا».
المتضررون من المستثمرين والملاك من البحرين والخليج وأوروبا وغيرها تواصلوا مع «أخبار الخليج» مرة أخرى، وعبروا عن خيبة أملهم مما وصل إليه حال المشروع، حيث أكدوا أنهم ينتظرون أكثر من عقد ونصف العقد، وقد خسروا كل ما يملكون، وحتى بعض الأجانب الذين كانوا يخططون للإقامة في البحرين عادوا إلى دولهم.
المستثمرون والملاك أكدوا أن الكثير منهم عاش في البحرين وأحبها، أو سمع عنها الكثير مما تتميز به من بنية تحتية طيبة وقوانين متطورة، ما يجعلها أرضا خصبة للإقامة والاستثمار، فقرروا شراء عقارات والاستثمار فيها.
وقالوا: الكثير منا كان ينوي بعد تقاعده الإقامة في البحرين، ونظرا إلى الترويج الذي حظي به المشروع وثقنا بالأمر، ودفع بعضنا معاشاتهم التقاعدية ومدخرات الحياة، وبعضنا أخذ قروضًا من البنوك. وفي حين دفع البعض أقساطا تصل إلى 50% من قيمة الوحدات، فإن آخرين دفعوا 100% من القيمة.
وأضافوا: نتفهم أن تحدث تعثرات أو عوائق لبعض المشاريع، ولكننا في الواقع مصدومون من مرور أكثر من 15 عاما من دون حلحلة هذا الملف، ومن ضياع الملايين التي دفعناها أملا بالإقامة أو الاستثمار في البحرين. فاستمرار المشكلة عقودا كفيل بأن يعطي صورة سلبية عن الاستثمار في البحرين.
وقال مستثمرون من البحرين إنهم دفعوا كل ما يملكون من أموال ومدخرات، ومع شعورهم بضياع كل ذلك لا يلمسون جهودا تناسب حجم الكارثة التي حلت بهم لإعادة الحقوق إلى أصحابها، وخاصة مع عدم إمكانية التواصل مع اللجان أو الجهات المعنية.
وأكدوا أن استمرار هذا الوضع لا يخدم سمعة المملكة كبيئة جاذبة للاستثمار، وخاصة أن المتضررين يمثلون أكثر من 30 دولة حول العالم. وعدم حل الموضوع يعني أن كل منهم سيحمل رسالة سلبية عن الاستثمار في البحرين، وهو أمر لا يقبله الجميع لهذا الوطن العزيز. كما أن حل الموضوع من شأنه أن يؤكد ما تتمتع به البحرين من أمان للاستثمارات، الأمر الذي يضاعف من ثقة المستثمرين محليا وإقليميا ودوليا، في حين أن استمرار المشكلة قد يعيق حتى لتلك الجهود الجبارة والناجحة لجذب المستثمرين.
وتستمر المعاناة
أحد المستثمرين الخليجيين أكد أنه دفع 70% من أصل المبلغ الإجمالي للعقار الذي اشتراه وهو 222 ألف دينار، أي أنه دفع 166 ألف دينار، والبعض دفع المبلغ كامل، وبعضهم 50% وآخرون 70%. وكل هذه الأموال ذهبت. ولم يتسلم أي متضرر دينارا واحدا.
وأضاف: بين فترة وأخرى نجد جهودا وتصريحات حول الموضوع، ويتجدد الأمل ولكن سرعان ما يتبدد الأمر ويبقى الموضوع على ما هو عليه، ومنذ سنوات طويلة لم تحرك المياه الراكدة. وآخر لقاء لنا كان مع لجنة المشاريع المتعثرة قبل أكثر من ست سنوات، وبعدها صرنا نطلب مواعيد ولا نحصل عليها، علما أن الكثير من المستثمرين غادروا المنطقة، وعدة أشخاص ماتوا من دون أن يحصلوا على حقوقهم. وكثير منهم أجانب.
مستثمر خليجي آخر قال: دفعت 60 ألف دينار تعادل 90% من قيمة العقار أملا في الاستقرار بعد التقاعد، وأعرف أشخاصا دفعوا 300 ألف دينار. وليتنا لم نفعل، وليتني استثمرت هذا المبلغ في مشروع آخر؛ فحتى لو لم أحقق أرباحا، كنت سأحتفظ برأس المال على الأقل.
وفي حديثها حول معاناتهم، قالت سيدة من النمسا: في البداية كانت هناك اجتماعات مع الجهات المعنية، وحصلنا على تأكيدات بأن حقوق المستثمرين محفوظة، وأن الجهود ستتواصل لحل المشكلة. وكنا نلمس جهودا لحلحلة مشاريع أخرى متعثرة، ولكن بقي هذا المشروع كونه أكبر المشاريع المتعثرة. كما أن اجتماعاتنا مع الجهات الرسمية توقفت، وآخر اجتماع كان في 2023. ثم قيل إن المشروع سيطرح في المزاد العلني في عام 2023، ولكن أيضا لم يحدث.
ويتواصل الحديث للمستثمرين المتضررين، وهذه المرة مع مستثمر خليجي آخر أكد أنه ممن يعشق البحرين ويعتبرها بلده الثاني الذي يقضي فيها إجازاته ويشعر خلالها بالاسترخاء والراحة النفسية. لذلك حرص على امتلاك عقار فاخر. ودفع جزءا من المبلغ هو 220 ألف دينار بحريني، على أن يدفع المتبقي (25%) عند التسلم. ولكن كل ذلك ضاع هباء.
مستثمر عربي مقيم في ألمانيا ولديه استثمارات في البحرين أكد أن آخر لقاء لهم مع جهة رسمية كان في عام 2023، وبعدها أبلغوا أن المشروع سيطرح للمزاد. ولكن في 2025 أبلغوا من خلال الايميلات أن ذلك لا يمكن إلا بقرار من المحكمة، وبرر الرد بأنه لم يتم الحصول على قرار من المحكمة لبيع المشروع.
وتابع: الكثير منا يريد التقاعد في البحرين، وشخصيا، أعرف أربعة أشخاص دفع كل منهم 190 ألف دينار، ما يعني 760 ألف دينار مجتمعين. وكلها تبددت.
الفصل الأخير
يبقى التساؤل قائما في سيناريو «مارينا ويست»، كيف ستكون نهاية الفصل الأخير؟ هل ستبقى حقوق أكثر من 400 شخص ضائعة.. أم سنجد جهودا جادة وناجعة لحلحلة الموضوع، الأمر الذي يعزز ما تتمتع به البحرين من سمعة محلية وإقليمية ودولية، ويدعم تلك الجهود الملموسة لجذب المستثمرين والاستثمارات الأجنبية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك