العدد : ١٧٣٣٥ - الاثنين ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٥ - الاثنين ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

المال و الاقتصاد

موسكو ردت بسياسات إحلال الواردات واستخدام الطاقة سلاحا مضادا:
20 ألف عقوبة خلال عقد.. هل عززت مناعة اقتصاد روسيا؟

الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

لم‭ ‬يكن‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬عادياً‭ ‬في‭ ‬تاريخ روسيا الحديث،‭ ‬حيث‭ ‬شهد‭ ‬انتزاعها‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬من أوكرانيا،‭ ‬في‭ ‬خطوةٍ‭ ‬شكّلت‭ ‬منعطفاً‭ ‬لعلاقة‭ ‬أكبر‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المساحة‭ ‬مع‭ ‬الغرب،‭ ‬وأسفرت‭ ‬عن‭ ‬وابل‭ ‬من‭ ‬العقوبات،‭ ‬بما‭ ‬أثقل‭ ‬كاهل‭ ‬اقتصاد‭ ‬البلاد‭.‬

لكن‭ ‬الغرب‭ ‬عند‭ ‬فرضه‭ ‬لهذه‭ ‬العقوبات،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬تطبيقها‭ ‬بفعالية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مدركاً‭ ‬أنه‭ ‬هيّأ‭ ‬بذلك‭ ‬موسكو‭ ‬مسبقاً‭ ‬لمواجهة‭ ‬موجة‭ ‬العقوبات‭ ‬الثانية‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬عندما‭ ‬شنّت‭ ‬حرباً‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وسيطرت‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬شاسعة‭ ‬فيها‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الجديدة‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬شدّةً‭ ‬وتطبيقاً،‭ ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬حافظ‭ ‬على‭ ‬تماسكه‭.‬

بدأت‭ ‬رحلة‭ ‬روسيا‭ ‬مع‭ ‬العقوبات،‭ ‬التي‭ ‬تجاوز‭ ‬عددها‭ ‬حالياً‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬عقوبة،‭ ‬عندما‭ ‬شنّت‭ ‬حملتها‭ ‬لضم‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬في‭ ‬2014،‭ ‬إثر‭ ‬احتجاجات‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أدّت‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬الرئيس‭ ‬فيكتور‭ ‬يانوكوفيتش‭ ‬الموالي‭ ‬لموسكو‭.‬

رأت‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬تهديداً‭ ‬استراتيجياً،‭ ‬ورد‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬بإرسال‭ ‬قوات‭ ‬لشبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬استفتاء‭ ‬على‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬روسيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬الغرب‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭.‬‮ ‬ثم ضمت‭ ‬موسكو‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬مارس‭ ‬2014‭.‬

لم‭ ‬تتأخر‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬كثيراً‭ ‬للرد،‭ ‬ففي‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬أعلنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وقف‭ ‬محادثات‭ ‬التجارة‭ ‬والاستثمار‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬كما‭ ‬جمّدت‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭.‬

بعد‭ ‬أيام،‭ ‬وقّع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬أوامر‭ ‬تنفيذية‭ ‬لحظر‭ ‬ممتلكات‭ ‬أشخاص‭ ‬‮«‬يسهمون‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ويهددون‭ ‬وحدة‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوكرانية‮»‬‭. ‬كما‭ ‬بدأ‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بالتحرك،‭ ‬إذ‭ ‬أعلن‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬مارس‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬21‭ ‬مسؤولاً‭ ‬روسياً‭ ‬وأوكرانياً‭ ‬داعماً‭ ‬للانفصال‭.‬

بدأت‭ ‬لائحة‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬بالتوسع‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الأيام،‭ ‬وأصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬تركزاً‭ ‬واستهدافاً‭. ‬ففي‭ ‬27‭ ‬مارس‭ ‬أقدمت‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬حظر‭ ‬رخص‭ ‬التصدير‭ ‬لأي‭ ‬معدات‭ ‬أو‭ ‬منتجات‭ ‬أو‭ ‬خدمات‭ ‬دفاعية‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أوقف‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬يونيو،‭ ‬دخول‭ ‬البضائع‭ ‬المنتجة‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬إلى‭ ‬أراضيه‭.‬

ونظراً‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬تراجع‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬خطوتها،‭ ‬بدأ‭ ‬الغرب‭ ‬باستهداف‭ ‬كيانات‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬رئيسية،‭ ‬ففرضت‭ ‬واشنطن‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬بنوك‭ ‬البلاد‭ ‬وهما‭ ‬‮«‬غازبروم‭ ‬بنك‮»‬‭ ‬و«في‭ ‬إيه‭ ‬بي‮»‬،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬شركتي‭ ‬‮«‬نوفاتيك‮»‬‭ ‬و«روسنفت‮»‬‭ ‬للطاقة‭.‬

يوم‭ ‬17‭ ‬يوليو‭ ‬2014‭ ‬كان‭ ‬مفصلياً‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬العقوبات،‭ ‬بعدما‭ ‬تمّ‭ ‬إسقاط‭ ‬طائرة‭ ‬مدنية‭ ‬تابعة‭ ‬للخطوط‭ ‬الماليزية‭ ‬قرب‭ ‬مناطق‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬دوناتسك‭. ‬واتُهمت‭ ‬روسيا‭ ‬بمسؤوليتها‭ ‬عن‭ ‬إسقاط‭ ‬الطائرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬متوجهة‭ ‬من‭ ‬أمستردام‭ ‬إلى‭ ‬كوالالمبور‭.‬

دفعت‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬النفط‭ ‬الروسي‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭. ‬وفي‭ ‬29‭ ‬يوليو‭ ‬فرضت‭ ‬عقوبات‭ ‬إضافية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بقطاعات‭ ‬التسليح‭ ‬والتمويل‭ ‬والطاقة‭. ‬كما‭ ‬وسعت‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أغسطس‭ ‬بفرضها‭ ‬قيوداً‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬عدة‭ ‬تكنولوجيات‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالنفط‭ ‬والغاز‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭.‬

منذ‭ ‬بداية‭ ‬الأزمة،‭ ‬كان‭ ‬الرد‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬‮«‬رمزياً‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬حظر‭ ‬9‭ ‬مسؤولين‭ ‬أمريكيين‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬روسيا،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬مسؤولان‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬ونواب‭ ‬وأعضاء‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬شيوخ‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬استهدفت‭ ‬فيه‭ ‬واشنطن‭ ‬تكنولوجيات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬عدّلت‭ ‬موسكو‭ ‬طريقة‭ ‬تجاوبها،‭ ‬فحظرت‭ ‬استيراد‭ ‬معظم‭ ‬منتجات‭ ‬الغذاء‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬عقوبات‭ ‬عليها‭.‬‮ ‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬الحظر‭ ‬بمثابة‭ ‬عقوبة‭ ‬مضادة،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬أيضاً‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬أوسع‭ ‬وأكثر‭ ‬استراتيجية‭ ‬لاستبدال‭ ‬الواردات‭ ‬عبر‭ ‬تعزيز‭ ‬الإنتاج‭ ‬المحلي‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬الزراعي‭ ‬والغذائي،‭ ‬وإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬وتقليل‭ ‬اعتماده‭ ‬على‭ ‬الغرب،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬عليها‭ ‬مستقبلاً‭.‬

ولتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف،‭ ‬أنشأت‭ ‬الحكومة‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬التنمية‭ ‬الصناعية‮»‬‭ ‬لتمويل‭ ‬المشاريع‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الإنتاج‭.‬

تابعت‭ ‬واشنطن‭ ‬مسيرة‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬قطاعي‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬ولو‭ ‬أنها‭ ‬اتسمت‭ ‬بالتقنية‭ ‬وليس‭ ‬العملية‭ ‬التجارية‭. ‬في‭ ‬12‭ ‬سبتمبر‭ ‬2014‭ ‬منعت‭ ‬وزارة‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الشركات‭ ‬من‭ ‬تزويد‭ ‬المنتجات‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬لشركات‭ ‬‮«‬غاز‭ ‬بروم‮»‬،‭ ‬و«لوك‭ ‬أويل‮»‬،‭ ‬و«ترانسنفت‮»‬،‭ ‬و«سورغوت‮»‬،‭ ‬و«نوفاتيك‮»‬،‭ ‬و‮«‬روسنفت‮»‬‭.‬

بحلول‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬ذاته،‭ ‬كان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬قد‭ ‬وسّع‭ ‬أيضاً‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬الشخصيات‭ ‬الروسية‭ ‬والأوكرانية‭ ‬الداعمة‭ ‬للانفصال‭ ‬إلى‭ ‬132‭ ‬شخصاً،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تجميد‭ ‬ممتلكات‭ ‬28‭ ‬كياناً‭.‬

تواصلت‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬انطلاق‭ ‬محادثات‭ ‬‮«‬مينسك‭ ‬2‮»‬‭ ‬لحل‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬فبراير‭ ‬2015‭. ‬وبين‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬وديسمبر‭ ‬2016،‭ ‬عاقب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬89‭ ‬شخصاً‭ ‬وكياناً،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تمديد‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬وفُرضت‭.‬‮ ‬

التداعيات‭ ‬المباشرة‭ ‬لتلك‭ ‬العقوبات‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وانخفاض‭ ‬الاستهلاك‭ ‬بصورة‭ ‬ملحوظة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬قيمة‭ ‬الروبل‭. ‬وللمرة‭ ‬الأولى‭ ‬منذ‭ ‬2003،‭ ‬انخفضت‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬الإجمالية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الخدمات‭ ‬المالية،‭ ‬ولم‭ ‬يُسهم‭ ‬قطاعا‭ ‬الزراعة‭ ‬والتعدين‭ ‬والمحاجر‭ ‬إسهاماً‭ ‬إيجابياً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬نمو‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬وفق البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الروسي‭.‬

كما‭ ‬سجلت‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬ارتفاعاً‭ ‬سريعاً‭ ‬للتضخم‭ ‬ليبلغ‭ ‬ذروته‭ ‬عند‭ ‬16‭.‬9‭%‬‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2015،‭ ‬ما‭ ‬استدعى‭ ‬رفع‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬إلى‭ ‬17‭%‬‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لوقف‭ ‬انهيار‭ ‬قيمة‭ ‬العملة‭ ‬الروسية‭.‬

أما‭ ‬الأثر‭ ‬المالي،‭ ‬فعبّر‭ ‬عنه‭ ‬بوضوح‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ -‬آنذاك‭- ‬أنطون‭ ‬سيلوانوف،‭ ‬بتصريحه‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬أدّت‭ ‬إلى‭ ‬خسارة‭ ‬روسيا‭ ‬نحو‭ ‬40‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2014،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أدّى‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬إلى‭ ‬خسارة‭ ‬البلاد‭ ‬نحو‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

العملة‭ ‬الروسية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بمنأى‭ ‬أيضاً‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التأثيرات،‭ ‬ففي‭ ‬2013‭ ‬كان‭ ‬سعر‭ ‬صرف‭ ‬الدولار‭ ‬يساوي‭ ‬نحو‭ ‬35‭ ‬روبلاً،‭ ‬لتبدأ‭ ‬العملة‭ ‬الروسية‭ ‬مسيرة‭ ‬الانحدار‭ ‬ليتراوح‭ ‬سعر‭ ‬صرفها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬60‭ ‬و70‭ ‬روبلاً‭ ‬للدولار‭ ‬بين‭ ‬2015‭ ‬و2019‭.‬

رغم‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬روسيا‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬نمو‭ ‬ضخم‭ ‬بنسبة‭ ‬5‭.‬9‭%‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬الآثار‭ ‬المباشرة‭ ‬للعقوبات‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مرحلي‭.‬

الموجة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬العقوبات

النمو‭ ‬الذي‭ ‬حققته‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬2021،‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬انكماش‭ ‬بنسبة‭ ‬1‭.‬4‭%‬‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬التالي،‭ ‬وذلك‭ ‬بعدما‭ ‬أطلقت‭ ‬موسكو‭ ‬حربها‭ ‬الشاملة‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬الموجة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭.‬

الموجة‭ ‬الثانية‭ ‬كانت‭ ‬أشد‭ ‬عنفاً‭ ‬وأكثر‭ ‬تنسيقاً،‭ ‬وطالت‭ ‬قطاعات‭ ‬محددة‭ ‬وأساسية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬مثل‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭.‬

هدفت‭ ‬الموجة‭ ‬الجديدة‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬عزل‭ ‬روسيا‭ ‬فعلياً‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬العالمي،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬تدفقات‭ ‬الخام‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لـ«وقف‭ ‬تمويل‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‮»‬‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬جمّد‭ ‬الغرب‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬330‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬احتياطيات‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتوسع‭ ‬العقوبات‭ ‬لتشمل‭ ‬فصل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬الروسية‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬المدفوعات‭ ‬‮«‬سويفت‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬عزلها‭ ‬فعلياً‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬المصرفي‭ ‬العالمي‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أشارت‭ ‬وزارة‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والدولية‭ ‬شملت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭%‬‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬الروسي‭.‬

العقوبات‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬بل‭ ‬شملت‭ ‬تصدير‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬الصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬والمدنية‭ ‬في‭ ‬آن،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬‮«‬مزدوجة‭ ‬الاستخدام‮»‬‭.‬

باقي‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬لاسيما‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وسعت‭ ‬لائحة‭ ‬العقوبات‭ ‬أيضاً،‭ ‬لتطال‭ ‬شركات‭ ‬وكيانات‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬ثالثة‭ ‬تتعامل‭ ‬تجارياً‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬أو‭ ‬تساعدها‭ ‬على‭ ‬التهرب‭ ‬من‭ ‬العقوبات،‭ ‬كما‭ ‬تمّ‭ ‬استهداف‭ ‬آلاف‭ ‬الشخصيات‭ ‬والكيانات‭ ‬الروسية،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‮ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين ووزير‭ ‬الخارجية‭ ‬سيرغي‭ ‬لافروف‭.‬

قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬الهدف‭ ‬الأهم‭ ‬للعقوبات

لكن‭ ‬الهدف‭ ‬الأهم‭ ‬لموجة‭ ‬العقوبات‭ ‬الجديدة‭ ‬كان‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة،‭ ‬إذ‭ ‬فرضت‭ ‬واشنطن‭ ‬حظراً‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬الخام‭ ‬والفحم‭ ‬الروسي،‭ ‬وقامت‭ ‬بهندسة‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬السقف‭ ‬السعري‮»‬‭ ‬للخام‭ ‬مع‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬السبع‮»‬‭.‬

ويمنع‭ ‬السقف‭ ‬السعري‭ ‬للخام‭ ‬الروسي‭ ‬المشغلين‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬السبع‮»‬‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬خدمات‭ ‬النقل‭ ‬والتأمين‭ ‬للخام‭ ‬الروسي‭ ‬الذي‭ ‬يباع‭ ‬فوق‭ ‬السعر‭ ‬المحدد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المجموعة‭.‬

ذهب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬متعهداً‭ ‬بإنهاء‭ ‬واردات‭ ‬الغاز‭ ‬الروسي‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬2027،‭ ‬كما‭ ‬ناقش‭ ‬عملية‭ ‬مصادرة‭ ‬أصول‭ ‬المركزي‭ ‬الروسي‭ ‬لإعادة‭ ‬إعمار‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بعد‭ ‬الحرب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬غضب‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬فعلياً‭ ‬أكثر‭ ‬دولة‭ ‬تم‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

إجراءات‭ ‬روسية‭ ‬لتخفيف‭ ‬أثر‭ ‬العقوبات

الموجة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬حدّة‭ ‬من‭ ‬سابقتها،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬موسكو‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬رئيسية‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬أضرارها‭.‬

عززت‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬لم‭ ‬تفرض‭ ‬عليها‭ ‬عقوبات،‭ ‬وحاولت‭ ‬الترويج‭ ‬لشبكة‭ ‬بديلة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬سويفت‮»‬‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬انعزالها‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬المصرفي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا