العدد : ١٧٣٤٦ - الجمعة ١٩ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٤٦ - الجمعة ١٩ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

الرياضة

في الكرة الطائرة العصرية
المدربون بين فخ الطول وسحر المهارة

كتب: علي ميرزا 

الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬عالم‭ ‬الكرة‭ ‬الطائرة‭ ‬الحالية،‭ ‬بات‭ ‬الطول‭ ‬معيارا‭ ‬ومطلبا‭ ‬رئيسيا‭ ‬لدى‭ ‬المدربين‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الانتقاء‭ ‬والاصطفاء‭ ‬والتشكيل،‭ ‬ولا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬عشاق‭ ‬ومتابعي‭ ‬اللعبة‭ ‬أن‭ ‬طول‭ ‬القامة‭ ‬يوفر‭ ‬ميزات‭ ‬طبيعية‭ ‬مهمة‭ ‬لا‭ ‬يوفرها‭ ‬قصار‭ ‬القامة،‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬حوائط‭ ‬الصد‭ ‬والهجوم،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬المدربين‭ ‬يتجهون‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬نحو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬اللاعبين‭ ‬الأطول‭ ‬باعتبارهم‭ ‬‮«‬المادة‭ ‬الخام‮»‬‭ ‬القابلة‭ ‬للتطوير‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬قد‭ ‬أثار‭ ‬عدة‭ ‬تساؤلات‭ ‬وجيهة‭: ‬هل‭ ‬الطول‭ ‬وحده‭ ‬يكفي‭ ‬لصناعة‭ ‬لاعب‭ ‬متكامل؟‭ ‬وأين‭ ‬موقع‭ ‬المهارة‭ ‬المكتسبة‭ ‬عبر‭ ‬التدريب‭ ‬من‭ ‬الإعراب‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬النجاح؟‭ ‬سنحاول‭ ‬نناقش‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬التحليل‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬التنظير‭.‬

 

أولا‭: ‬مكاسب‭ ‬الطول

لا‭ ‬يختلف‭ ‬أهل‭ ‬الفهم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬طول‭ ‬القامة‭ ‬يمثل‭ ‬تفوقا‭ ‬بدنيا‭ ‬واضحا،‭ ‬ويمنح‭ ‬اللاعب‭ ‬نقطة‭ ‬ارتكاز‭ ‬أعلى‭ ‬عند‭ ‬تنفيذ‭ ‬الضرب‭ ‬الهجومي‭ ‬أو‭ ‬تشكيل‭ ‬حوائط‭ ‬الصد،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬التفوق‭ ‬على‭ ‬الخصم‭.‬

ولا‭ ‬يتوقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬اللاعب‭ ‬الذي‭ ‬يتوافر‭ ‬على‭ ‬قامة‭ ‬طويلة،‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬نفسي‭ ‬على‭ ‬المنافس،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فرض‭ ‬هيبته‭ ‬على‭ ‬الشبكة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬هز‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬لاعبي‭ ‬الفريق‭ ‬المقابل‭.‬

واتجاه‭ ‬الكشافين‭ ‬الفنيين‭ ‬والمدربين‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬اللاعب‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬أولوياتهم،‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بدعة‭ ‬أو‭ ‬موضة‭ ‬تأخذ‭ ‬وقتها‭ ‬وتزول،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬اتجاه‭ ‬عالمي،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬الغرابة‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬منتخبات‭ ‬عالمية كروسيا‭ ‬وبولندا‭ ‬وصربيا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التمثيل‭ ‬تشتهر‭ ‬بإنتاج‭ ‬لاعبين‭ ‬طوال‭ ‬القامة،‭ ‬ويعد‭ ‬ذلك‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬تفوقها‭ ‬في‭ ‬مهارتي‭ ‬حوائط‭ ‬الصد‭ ‬والضرب‭ ‬الهجومي‭ ‬الساحق‭.‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬الميزة‭ ‬الطبيعية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬وجود‭ (‬طول‭ ‬القامة‭) ‬تتحول‭ ‬أحيانا‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬ناقص‭ ‬المفعول‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تدعم‭ ‬بالمهارات‭ ‬المطلوبة‭.‬

 

ثانيا‭: ‬حدود‭ ‬الطول‭ ‬ومخاطره

وعندما‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬طول‭ ‬القامة‭ ‬من‭ ‬امتيازات،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أصحابها‭ ‬لا‭ ‬يخلون‭ ‬من‭ ‬نواقص،‭ ‬بل‭ ‬نجد‭ ‬بعض‭ ‬لاعبي‭ ‬متوسط‭ ‬الشبكة‭ ‬أنهم‭ ‬يفتقرون‭ ‬إلى‭ ‬المرونة،‭ ‬وهذا‭ ‬يجعلهم‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬التغطية‭ ‬الدفاعية‭ ‬أو‭ ‬التحركات‭ ‬السريعة،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬يجعلهم‭ ‬مستهدفين‭ ‬من‭ ‬المنافسين‭.‬

ومن‭ ‬اللافت‭ ‬أننا‭ ‬نجد‭ ‬اللاعبين‭ ‬الذين‭ ‬يتوافرون‭ ‬على‭ ‬قامة‭ ‬طويلة،‭ ‬يعولون‭ ‬بشكل‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬البدنية،‭ ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬الضاربين‭ ‬الأوربيين‭ ‬أمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يتراجعون‭ ‬عندما‭ ‬يصطدمون‭ ‬بدفاعات‭ ‬منظمة‭ ‬وذكية‭.‬

وربما‭ ‬نرى‭ ‬تفاوتا‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬اللعب‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الأطوال،‭ ‬ففي‭ ‬مركز‭ ‬صانع‭ ‬الألعاب‭ ‬والمدافع‭ ‬الحر‭ (‬الليبرو‭) ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الطول‭ ‬هنا‭ ‬ثانويا،‭ ‬بينما‭ ‬المهارة‭ ‬والذكاء‭ ‬التكتيكي‭ ‬هما‭ ‬الأساس‭.‬

ثالثا‭: ‬المهارة‭ ‬كعامل‭ ‬حاسم

المنتخب‭ ‬الياباني‭ ‬يمثل‭ ‬هنا‭ ‬نموذجا،‭ ‬إذ‭ ‬يعد‭ ‬منتخبهم‭ ‬من‭ ‬أقصر‭ ‬المنتخبات‭ ‬في‭ ‬معدل‭ ‬الطول،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ينافس‭ ‬بفضل‭ ‬المهارة‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬لاعبوه‭ ‬في‭ ‬الاستقبال‭ ‬والدفاع،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬سرعة‭ ‬اللعب،‭ ‬اللاعب‭ ‬يوكي‭ ‬إيشيكاوا‭ ‬مثلا‭ (‬طوله‭ ‬نحو‭ ‬1‭.‬91م‭) ‬ولكنه‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المهاجمين‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬طوله‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬المعدل‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬مركزه‭.‬

والمنتخب‭ ‬البرازيلي‭ ‬نموذج‭ ‬للمنتخب‭ ‬المتكامل،‭ ‬إذ‭ ‬لطالما‭ ‬عرف‭ ‬المنتخب‭ ‬البرازيلي‭ ‬بتركيزه‭ ‬على‭ ‬المهارة،‭ ‬إذ‭ ‬يبلغ‭ ‬طول‭ ‬نجمه‭ ‬لاعب‭ ‬مركز‭ ‬4‭ ‬السابق‭ ‬جيبا‭ (‬1.92م‭) ‬وصانع‭ ‬ألعابه‭ ‬المخضرم‭ ‬برونو‭ ‬ريزيندي‭ (‬1.90م‭) ‬إذ‭ ‬يتميز‭ ‬هذا‭ ‬الثنائي‭ ‬بذكاء‭ ‬تكتيكي‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬صنع‭ ‬الفارق‭ ‬حتى‭ ‬أمام‭ ‬فرق‭ ‬أطول‭ ‬قامة‭.‬

وهناك‭ ‬ليبروات‭ ‬قصار‭ ‬أمثال‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬أريك‭ ‬شوجي‮»‬‭ ‬يثبتون‭ ‬أن‭ ‬المهارة‭ ‬والدفاع‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمنحا‭ ‬الفريق‭ ‬بعدا‭ ‬مختلفا‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالطول‭.‬

 

رابعا‭: ‬المعادلة‭ ‬المتوازنة

ويمثل‭ ‬المنتخب‭ ‬الإيطالي‭ ‬مثالا‭ ‬حيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬‮«‬التوازن‮»‬‭ ‬بوجود‭ ‬مهاجم‭ ‬مثل‭ ‬إيفان‭ ‬زايستيف‭ (‬2.04م‭) ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬صانع‭ ‬ألعاب‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬المهارة‭ ‬العالية،‭ ‬فالمنتخب‭ ‬الإيطالي‭ ‬يوازن‭ ‬بين‭ ‬الطول‭ ‬والمهارة،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬المنافسة‭ ‬الكبرى‭.‬

المنتخبات‭ ‬الناجحة‭ ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الطول‭ ‬وحده،‭ ‬بل‭ ‬تبني‭ ‬فلسفتها‭ ‬على‭ ‬الدمج‭ ‬بين‭ ‬العنصرين،‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬استثمار‭ ‬الطول‭ ‬كقاعدة،‭ ‬وتطوير‭ ‬المهارة‭ ‬كشرط‭ ‬للتفوق‭.‬

 

خامسا‭: ‬اقتراحات

‭- ‬المدربون‭: ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬المدربين‭ ‬أن‭ ‬يتجاوزوا‭ ‬التركيز‭ ‬الأحادي‭ ‬على‭ ‬الطول‭ ‬وحده،‭ ‬وأن‭ ‬يخصصوا‭ ‬برامج‭ ‬لصقل‭ ‬المهارات‭ ‬منذ‭ ‬المراحل‭ ‬المبكرة‭ ‬خلال‭ ‬فرق‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭.‬

‭- ‬المواهب‭ ‬الصغيرة‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬يتعرضوا‭ ‬للإحباط‭ ‬بسبب‭ ‬قصر‭ ‬قامتهم،‭ ‬بل‭ ‬يحفزوا‭ ‬على‭ ‬تعويض‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تناسبهم‭.‬

‭- ‬على‭ ‬الاتحادات‭ ‬والأندية‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬متوازنة‭ ‬لاختيار‭ ‬المواهب‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬مزدوجة‭ (‬بدنية‭ + ‬فنية‭)‬،‭ ‬بدل‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬واحد‭.‬

وفي‭ ‬الختام‭ ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬ننظر‭ ‬الى‭ ‬الكرة‭ ‬الطائرة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬لعبة‭ ‬قامات‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لعبة‭ ‬تكامل‭ ‬أدوار،‭ ‬فالطول‭ ‬يفتح‭ ‬الأبواب،‭ ‬لكن‭ ‬المهارة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقرر‭ ‬من‭ ‬يعبر‭ ‬منها‭ ‬بجدارة،‭ ‬والفرق‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬الدمج‭ ‬بينهما‭ ‬‭ ‬مثل‭ ‬البرازيل‭ ‬وإيطاليا‭ ‬‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬البطولات‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬المزج‭ ‬الذكي‭ ‬بين‭ ‬القامة‭ ‬والمهارة،‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يعطى‭ ‬وما‭ ‬يكتسب‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا