في عالم يتغير بوتيرة متسارعة تظل الرياضة واحدة من أقوى المنصات لاكتشاف القدرات الكامنة وصقلها، ولا يمكن الحديث عن التميز الرياضي من دون التطرق إلى الإبداع بوصفه جوهر الأداء الفارق، وسر النجاح الحقيقي، في هذا الحوار مع الأستاذ صالح عبد الرضا صالح استشاري رعاية الموهوبين والمتفوقين والمبدعين نتطرق إلى العلاقة المتينة بين التفكير الإبداعي والموهبة الرياضية، ودور البيئة الحاضنة والمدرب الملهم في صناعة أبطال المستقبل، كما نناقش التحديات، ونستعرض التجارب الناجحة، ونطرح رؤى وطنية لدعم الإبداع الرياضي في مملكتنا والوطن العربي.
1. كيف تعرف الإبداع من زاويتك بعيدا عن المفاهيم والنظريات؟ وهل له خصوصية عندما نربطه بالرياضة؟
الإبداع مفهوم تتعدد رؤاه بين الأفراد والمجتمعات، لكن جوهره يظل واحدا، ويتمثل في تقديم شيء جديد ومختلف، وعند ربطه بالرياضة يتجسد في انسيابية الحركة، وابتكار أداء جديد، أو اتخاذ قرار مفاجئ أثناء التمارين والمنافسات.
.2 ما العلاقة بين التفكير الإبداعي والأداء الرياضي؟ وهل يمكن تدريب الرياضي على التفكير كما يدرب على المهارات البدنية؟
يسهم التفكير الإبداعي في تطوير الأداء الرياضي، من خلال توفير حلول متعددة ومتنوعة للموقف نفسه، ما يمنح اللاعب تميزا عن أقرانه، ومن الممكن تدريب الرياضي على هذا النوع من التفكير عبر جلسات تطوير مهارات تشمل: الإبداع، التفكير الناقد، حل المشكلات، واتخاذ القرار، إضافة إلى مهارة «المخاطرة» التي تدفعه إلى الأداء خارج المتوقع، ويمكن تضمين برامج عالمية تعليمية ضمن أنشطة رياضية مخصصة لغرس ثقافة الإبداع.
3. هل ترى أن الرياضي الموهوب بالضرورة مبدع؟ أم أن هناك فاصلا بين الموهبة والإبداع؟
يمكن التعرف على الرياضي الموهوب من المدرسة أو الأكاديميات من خلال أدوات رصد تتوافق مع طبيعة اللعبة وثقافة المجتمع، مع ضرورة مقارنة أدائه بأقرانه، يأتي بعد ذلك دور المدرب في صقل هذه الموهبة وتطويرها.
4. ما هي مكونات البيئة الحاضنة للإبداع الرياضي؟ وهل تتوافر لدينا حاليا؟
الإبداع لا ينمو في فراغ، بل يحتاج إلى بيئة حاضنة تشمل: إدارة عليا واعية، مدرب متميز ومتقبل للأخطاء، ملهمين من نجوم اللعبة السابقين، تحليل علمي للمباريات، رعاية نفسية واجتماعية، تغذية صحية، معسكرات تدريبية داخلية وخارجية، ملاعب متطورة، دور إعلامي داعم، وأسرة مشجعة. ومن المهم تأسيس أكاديميات متخصصة للمبدعين، تقودهم من المدرسة إلى المنتخبات الوطنية، ضمن خطة وطنية تتولاها لجنة عليا مختصة.
5. هل تشجع البنية الإدارية والتنظيمية في أنديتنا ومؤسساتنا الرياضية على الابتكار والإبداع؟
رغم غياب التشجيع في كثير من المؤسسات فإن هناك تجارب ناجحة مثل «جيل الذهب» بقيادة سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة، ومبادرات سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة في سباقات القدرة، وبعض الأكاديميات المنتشرة. كما تستحق الإشارة تجربة اتحاد كرة الطاولة في الثمانينيات عندما تم استقدام مدربين عالميين لتوزيعهم على المحافظات لاكتشاف المواهب.
6. ما دور المدرب في رعاية الإبداع؟ وهل مدربونا مهيؤون لذلك فكريا وتربويا؟
المدرب لا يختلف عن المعلم داخل الفصل، فهو من يترجم النظريات إلى واقع عملي، ويحتاج بدوره إلى إعداد داخلي وخارجي مستمر. وكما أن اللاعب الموهوب يحتاج إلى اكتشاف فإن المدرب المميز أيضا يحتاج إلى من يكتشفه ويضعه في مساره الصحيح.
7. يقول إينشتاين: «الخيال أكثر أهمية من المعرفة» كيف تفسر هذه العلاقة بين الخيال والإبداع الرياضي؟
الخيال عنصر أساسي في تكوين المبدع، فهو يرى ما لا يراه الآخرون، في الرياضة يساعد الخيال على اتخاذ قرارات غير متوقعة؛ مثل تمريرة ساحرة أو حركة مدهشة، خذ مثالا ميسي، فهو يتخيل السيناريوهات مسبقا وينفذ الأفضل منها بإتقان.
8. ما هي أبرز الأخطاء التي نقع فيها عندما نتعامل مع المواهب الرياضية؟
من الأخطاء الشائعة والمتكررة تتمثل في التعامل مع الطفل الموهوب كأنه نجم جاهز، التوقعات المبالغ فيها، التركيز على النتائج بدل تطور المهارات، المقارنة بالنجوم والأقران، إهمال الجانب النفسي والاجتماعي، التغذية، وضعف التواصل بين الأسرة والنادي، وغياب خطة مستقبلية واضحة.
9. هل تؤمن بضرورة وجود برامج لصقل التفكير الإبداعي عند الرياضيين الناشئين بجانب برامج الإعداد البدني؟
الأكاديميات ضرورة لا خيار، فالجوانب الأكاديمية والذهنية تلعب دورا أساسيا في تعزيز التوازن والتركيز لدى الرياضي، ما يجعل التعليم عنصرا لا غنى عنه في تطوير الشخصية الرياضية.
10. كيف يمكن للمناهج التربوية أن تسهم في غرس التفكير الرياضي المبدع منذ المراحل المبكرة؟
من الضروري بناء مناهج دراسية متخصصة، تراعي الفروق الفردية، وتعنى بكشف الموهبة الرياضية منذ المراحل المبكرة، ويمكن أن تنفذ عبر حصص خاصة، برامج إثرائية مسائية، أو أنشطة خلال العطل.
11. هل ترى أن الإعلام الرياضي يقوم بدور محفز على الإبداع، أم أنه يكرس النمطية؟
غالبا ما يسلط الإعلام الضوء على المبدع بعد تحقيق النتائج، متجاهلا مسيرته المبكرة، ينبغي أن يكون الإعلام شريكا في صناعة الإبداع، يبرز المواهب الصغيرة، يناقش التحديات، ويقترح الحلول.
12. ما هو مستقبل الإبداع في الرياضة العربية؟ وما التحديات الأبرز؟
يمر الإبداع الرياضي العربي بخطوات بطيئة، وتجارب واعدة، ورغم البطء في التطوير فإن هناك تجارب عربية ناجحة مثل: البحرين في سباقات القدرة وكرة اليد، المغرب في كرة القدم، ومصر في كرة اليد، لكن المستقبل يتطلب خططا مدروسة، وخاصة في ظل التحديات القائمة مثل: ضعف المنشآت، غياب الاستشاريين، قلة المعسكرات، والنقد السلبي غير البناء من المجتمع.
13. هل يمكن للإبداع أن يكون معيارا في تقييم الرياضي، لا فقط النتائج؟
من أبرز دلائل الإبداع تقديم أداء غير تقليدي، النتائج المبهرة، والملاحظات الإيجابية من الكشافين والمختصين.
.14أخيرا، ما رسالتك للرياضيين الناشئين؟ وكيف تدعوهم إلى اكتشاف «الرياضي المبدع» بداخلهم؟
اهتموا بصحتكم، ووازنوا بين التغذية، النوم، والتفكير، ولا تتعجلوا النتائج، شاهدوا مباريات نجوم لعبتكم وسجلوا ملاحظاتكم، تحلوا بالصبر، الشغف المصحوب بالمتعة أثناء التدريبات والمباريات وليس من أجل الفوز فقط وخاصة في البدايات.
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نلفت النظر إلى أنه في زمن تتسارع فيه المتغيرات وتشتد فيه المنافسات، يبقى الإبداع الرياضي حجر الزاوية في صناعة التميز، وعمادا لبناء أجيال قادرة على تجاوز المألوف وتحقيق البطولات، وحديث الأستاذ صالح عبد الرضا صالح فتح نوافذ عميقة نحو فهم أوسع للإبداع الرياضي، ودور البيئة والمدرب والإعلام في احتضانه، كما ألقى الضوء على ضرورة إدماج الفكر التربوي في المنظومة الرياضية منذ المراحل الأولى، إذ إن الاستثمار في العقول لا يقل أهمية عن الاستثمار في العضلات، والإبداع لا ينمو صدفة، بل يحتاج إلى رؤية وطنية شاملة، ترعى الموهبة وتحفز الخيال، لتكتب قصص نجاح جديدة في ملاعبنا المحلية والعربية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك