الصمود الأسطوري للمدنيين العزل في غزة ألهب الضمائر حول العالم، فصرنا اليوم نشهد ما لم يكن متصورًا قبل سنوات في معركة طويلة الأجل ولكنها بدأت بالفعل.
ففي فيينا، انطلق الشهر الماضي المؤتمر اليهودي الأول المعادي للصهيونية الذي جمع عشرات المنظمات اليهودية المعادية للصهيونية من شتى بقاع الأرض، فضلا عن شخصيات عامة يهودية معادية للصهيونية وفلسطينيين وحاملي جنسيات أخرى.
وقد أدان البيان، الذي صدر عن المؤتمر، حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ودول الاتحاد الأوروبي لتقديمها العون الدبلوماسي والمادي لإسرائيل للاستمرار في سياسات الإبادة والأبارتيد.
ولعل أهم ما جاء في المؤتمر هو لغة الخطاب التي استخدمها. فقد رفض الموقعون على البيان شرعية إسرائيل في تمثيل يهود العالم والحديث باسمهم، ودعا لانسحاب إسرائيل من كل الأرض التي احتلتها منذ عام 1948، أي من كل فلسطين، وقال إن الصهيونية أيديولوجية عنصرية تهدد حياة الفلسطينيين واليهود معا. وتلعب منظمات اليهود الرافضين للصهيونية أدوارا مهمة تضامنا مع غزة. فهي مثلا تنخرط أمام المحاكم ضد مساواة اليهودية بالصهيونية وتتقدم بوثائق قانونية ضد إسرائيل.
وحملة مقاطعة إسرائيل تحقق نجاحًا كل يوم. ففي فرنسا، وعندما تبين مؤخرًا أن الحكومة تستخدم مطار شارل ديجول لشحن أجزاء من الطائرة الأمريكية المقاتلة إف- 35 لإسرائيل وبعض المعدات العسكرية على متن طائرات شركة إير فرانس، قاد اتحاد العاملين بالطيران الفرنسي حملة أصدر خلالها بيانا أعلن فيه أن أعضاءه لن يشاركوا في التعامل مع أي مواد عسكرية متجهة لإسرائيل.
وفي كندا، حملة حقوقية تتهم الحكومة بتضليل الرأي العام، إذ تزعم زورا وقف صادرات السلاح لإسرائيل، وتطالب بفرض حظر شامل على بيع السلاح لإسرائيل. وفي ولاية إلينوي، الأمريكية، تشن خمسون منظمة حملة تطالب الولاية بسحب استثماراتها بالكامل من السندات الإسرائيلية، والتي تقدر بعشرات الملايين من الدولارات. والحملة كتبت أيضًا التماسا ليوقع عليه أبناء الولاية يدعو لتحويل استثمارات الولاية من «الإبادة والأبارتيد والحرب» إلى برامج الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية التي يحتاجها الملايين بالولاية.
وفي أمريكا عموما، تطال الحملة منظمة شهيرة، إذ تشكلت حملة قوية ضد جمعية «مكافحة التشهير» اليهودية. فبعد أن كانت الجمعية طوال عقود ترسم لنفسها صورة المدافعة عن حقوق كل الأمريكيين، انفضح دورها كبوق لإسرائيل وصل إلى التعاون مع السلطات وتحريضها لملاحقة طلاب الجامعات وأساتذتها بحجة «العداء للسامية».
وقد أدرك معلمو المدارس المشاركون في الدورات التدريبية حول «العداء للسامية»، التي تنفذها الجمعية بالاشتراك مع الحكومات المحلية، أن الجمعية تخلط الأوراق وتعادي منتقدي إسرائيل، لا أعداء السامية، فقام أعضاء أهم وأكبر اتحادات للمدرسين الأمريكيين بالتصويت بأغلبية ساحقة على وقف كل أشكال التعاون مع الجمعية في مجال التدريب وتطوير المناهج.
ورغم أن الضغوط الشديدة أجبرت الهيئة التنفيذية للاتحاد على رفض قرار أغلبية أعضائها، يظل الأهم هو أن وعي أعضاء الاتحاد بمآرب الجمعية، ثم الضغوط التي مورست لوأد إرادتهم الحرة داخل اتحادهم، يعني ببساطة أن «تدريب» الجمعية لن يحقق هدفه!
الأهم من هذا كله، أن الكثير من الحركات العالمية الكبرى صارت اليوم تتحد من أجل غزة. ففي المؤتمر اليهودي المعادي للصهيونية عبر المؤتمرين عن نيتهم التحالف مع الفلسطينيين والمعادين للصهيونية شرقا وغربا.
وفي إلينوي وقفت الحركة المناهضة للحروب صفا واحدا وراء الحركة المطالبة بسحب الاستثمارات من إسرائيل. وحركة البيئة العالمية هي الأخرى صارت ترفع شعار «إبادة البشر وإبادة البيئة وجهان لعملة واحدة». وهنا نقول لقد سقطت حملات غسل العقول مثلما سقطت الدعاية الصهيونية!
{ باحثة في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك