كتب: حسين فتح الله
شهدت مملكة البحرين تنظيمًا استثنائيًا فاق التوقعات في النسخة الـ26 من البطولة العربية لمنتخبات الرجال لكرة السلة، حيث نالت الاستضافة البحرينية إشادات واسعة من كافة الوفود المشاركة، من بينهم رؤساء الاتحادات العربية ومسؤولون بارزون في الساحة السلاوية.
وقد عكست هذه الإشادات مدى قدرة المملكة على تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى بكفاءة عالية واحترافية شهد بها الجميع.
ويعود هذا النجاح التنظيمي إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها اللجان العاملة في البطولة، من إعلامية وطبية وفنية وأمنية، إضافة إلى الدعم اللامحدود من القيادة الرياضية، الذي كان له الأثر البارز في إخراج الحدث بأفضل صورة ممكنة.
حضور ملهم
لعب سمو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، نائب رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية، دورًا محوريًا في نجاح النسخة الاستثنائية من البطولة، من خلال حضوره اليومي والمستمر لمختلف مباريات وأحداث البطولة، ما شكّل دعمًا كبيرًا للمنظمين واللاعبين على حد سواء.
ويعكس هذا الحضور الميداني الحثيث حرص سموه على دعم الرياضة البحرينية وتطويرها عبر استضافة أبرز البطولات، إضافة إلى متابعته الدقيقة لمجريات الحدث من قلب الصالة الرياضية، وهو ما ساهم في تقديم نسخة مميزة بكل المقاييس.
كما تجلت إنسانيته في لفتة نبيلة تجاه لاعب المنتخب الكويتي حسين أشكناني، الذي تعرض لإصابة قوية في الكتف استدعت تدخلًا جراحيًا عاجلًا، حيث تكفل سموه بكافة إجراءات العملية وتكاليفها، حتى غادر اللاعب المستشفى سالمًا، وسط إشادة واسعة من الوفود المشاركة بهذه المبادرة الإنسانية.
الجندي الخفي
مع إسدال الستار على منافسات النسخة الـ26 من البطولة العربية لمنتخبات الرجال لكرة السلة، يبرز اسم محمد أحمد مدير البطولة كأحد أبرز الجنود المجهولين الذين ساهموا في إنجاح هذا الحدث العربي الكبير، بفضل جهوده الحثيثة وحضوره المتواصل طوال أيام البطولة.
وأثبت محمد أحمد كفاءة تنظيمية عالية من خلال تحركاته المستمرة داخل أروقة الصالة الرياضية، وتنسيقه الدقيق مع مختلف اللجان العاملة، سواء الإعلامية أو الطبية أو الفنية أو الأمنية، إلى جانب تنظيم دخول وخروج المنتخبات بسلاسة، ما ساعد على تقديم بطولة راقية أشاد بها جميع المتابعين والمسؤولين.
ويعكس هذا العمل الاحترافي مدى قدرة مملكة البحرين على استضافة كبرى الفعاليات الرياضية، بفضل ما تملكه من كوادر وطنية مميزة قادرة على إخراج البطولة بأفضل صورة ممكنة.
ماكينة التهديف
قدّم ديماركو ديكرسون، نجم منتخب الإمارات الأول لكرة السلة، واحدة من أقوى العروض الفردية في البطولة العربية، وكان العامل الأبرز في قيادة منتخب بلاده نحو المركز الثالث والتواجد على منصة التتويج.
وحصد ديكرسون جائزة هداف البطولة بعد تسجيله 149 نقطة بمعدل 24.8 نقطة في المباراة الواحدة، حيث لعب دور المنقذ في العديد من المواجهات المصيرية، أبرزها أمام منتخبنا، حين تحمّل المسؤولية في الربع الرابع وسجّل عدة نقاط حاسمة، لا سيما من خارج القوس، ليخطف منتخب الإمارات نقطتين ثمينتين في اللحظات الأخيرة وسط دهشة الجماهير.
ولم يتوقف تألق ديكرسون عند هذا الحد، بل واصل عروضه المذهلة أمام المنتخب المصري، مسجلاً 33 نقطة في مواجهة شديدة التنافس، كانت كفيلة بضمان الإمارات التقدم في جدول الترتيب والتتويج بالميدالية البرونزية.
تواجد جماهيري خجول
رغم أهمية الحدث واحتضانه على أرض الوطن، إلا أن المدرجات في مباريات منتخبنا الوطني الأول لكرة السلة شهدت حضورًا جماهيريًا خجولًا، حيث غاب الدعم الجماهيري المنتظر خلال أيام البطولة، وسط تواجد محدود من الجماهير الوفية التي ساندت منتخبنا بكل ما تملك من تشجيع وحماس.
وكان من الممكن أن يُشكّل الحضور الجماهيري عاملاً مؤثرًا في رفع معنويات اللاعبين وتحفيزهم داخل الملعب، إلى جانب دوره في تعزيز الصورة العامة للبطولة، خاصة أن الجمهور البحريني معروف خليجيًا بتميّزه في التشجيع وأهازيجه الحماسية، إلى جانب امتلاكه ثقافة رياضية عالية في فهم مجريات اللعبة وقوانينها.
ضغط المباريات
دخل منتخبنا الوطني الأول لكرة السلة منافسات البطولة العربية وهو يجر خلفه إرهاقًا بدنيًا وذهنيًا، نتيجة مشاركته المكثفة قبل أيام قليلة في بطولة وليام جونز الدولية في تايوان، التي خاض خلالها 8 مباريات متتالية أمام منتخبات وفرق آسيوية قوية وبإيقاع عالٍ من دون فترات راحة كافية.
هذا الجدول المكثف، إلى جانب قصر المدة بين نهاية البطولة الآسيوية وبداية العربية، ساهم في الحد من جاهزية اللاعبين، خاصة في ظل قوة المنتخبات المشاركة في البطولة العربية واستعدادها المثالي مسبقًا.
ورغم ذلك، لا يمكن إغفال الفائدة الفنية الكبيرة التي جناها المنتخب من الاحتكاك القوي في وليام جونز، إلا أن الضغط البدني وتعاقب المواجهات وفارق التوقيت الزمني بين تايوان والبحرين، كلها عوامل أثّرت بشكل واضح على عملية الاستشفاء، ما جعل اللاعبين يخوضون منافسات البطولة العربية بطاقة غير مكتملة بعد 20 يومًا مزدحمًا بالمباريات.
ثنائي خطف الأضواء
خطف الثنائي مصطفى حسين وجاكار سامبسون الأضواء خلال مشوار منتخبنا الوطني في البطولة العربية، بعد أن قدما مستويات هجومية لافتة ساهمت في بقاء المنتخب في دائرة المنافسة حتى الأدوار الأخيرة.
فقد تمكن مصطفى حسين من تسجيل 129 نقطة بمعدل 21.5 نقطة في المباراة الواحدة، وكان حاسمًا في عدة مواجهات، أبرزها لقاء مصر الذي تألق فيه بثلاثياته الحاسمة. بينما أبدع جاكار سامبسون بتسجيل 127 نقطة بمعدل 25.4 نقطة في المباراة، رغم غيابه عن اللقاء الأخير أمام الكويت بقرار فني لإراحته.
هذه الأرقام المميزة توّجت مصطفى حسين بلقب هداف التصويبات الثلاثية، بينما نال جاكار سامبسون جائزة أفضل لاعب في البطولة، في تأكيد واضح على الانسجام الكبير بينهما في الجانب الهجومي، رغم محاولات الفرق المنافسة الحد من خطورتهما طوال البطولة.
الـعــقـل الـمــدبــر
استحق علي بوزيان، المدير الفني للمنتخب الجزائري، أن يُوصف بأنه أفضل مدرب في النسخة الـ26 من البطولة العربية، بعد أن قاد منتخب بلاده إلى اللقب بجدارة، معتمدًا على منظومة جماعية متماسكة تضم عناصر شابة بمعدلات أعمار صغيرة، تشكّل نواة لمستقبل مشرق لكرة السلة الجزائرية.
نجح بوزيان في تحقيق العلامة الكاملة، حيث فاز في جميع المباريات الست التي خاضها، مستعرضًا قدرته الفنية العالية في إدارة المباريات وتوزيع الدقائق بذكاء بين جميع لاعبيه الـ12، وهو ما يعكس عمق تشكيلته وتنوع خياراته الدفاعية والهجومية.
وقدّم المنتخب الجزائري تحت قيادته نموذجًا يُحتذى به في اللعب الجماعي والروح القتالية، حيث تفوق تكتيكيًا ومعنويًا على أبرز المنافسين، ليؤكد أن المشروع الجزائري الشاب قادم بقوة ليس فقط على الصعيد العربي، بل على الساحة الإفريقية أيضًا.
المنتخب الأجدر
لا شك أن المنتخب الجزائري كان الأفضل والأكثر استحقاقًا للتتويج في النسخة الـ26 من البطولة العربية، بعدما نجح في الفوز بجميع مواجهاته الست بأداء ثابت ومميز. واستهل مشواره القوي بانتصار ثمين على المنتخب التونسي، أحد أبرز المرشحين للقب إلى جانب المنتخب المصري، حيث قدّم مستوى راقيًا وروحًا قتالية عالية في الجانبين الدفاعي والهجومي، ليرسل رسالة واضحة بأن الجزائر قادمة بقوة.
هذا الفوز الافتتاحي منحهم دفعة معنوية هائلة، فجعلوا التتويج نصب أعينهم، واستمروا في تحقيق الانتصار تلو الآخر، بفضل أداء جماعي منظم ومشاركة فعالة من جميع اللاعبين. وكان اللقاء الأصعب أمام منتخب البحرين، حين تأخر المنتخب الجزائري بفارق 15 نقطة، لكنه أظهر صلابته ونجح في العودة تدريجيًا ليخطف فوزًا ثمينًا كان مفتاحًا نحو منصة التتويج. واختتم الجزائريون مشوارهم بانتصارات متتالية، تُوّجت برفع الكأس العربية عن جدارة واستحقاق، في نسخة أظهرت قوة المشروع الجزائري الشاب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك