في فضاء التعليق الرياضي الخليجي، لمع اسم بات رمزا للشغف والتميز، وارتبط صوته بجماليات كرتي اليد والطائرة. المعلق السعودي ابن منطقة «السنابس» زهير الضامن، الذي بزغ من أحياء القطيف لينير شاشات الرياضة الخليجية، بات اليوم أحد أبرز الأصوات المتخصصة في نقل لحظات الإثارة، وتحويل المباريات إلى لوحات سردية حية.
ولأن الحديث معه لا يمل، بل يكتشف فيه عمق المعرفة وصدق الانتماء، نقترب اليوم من تجربته الثرية، نغوص فيها في تفاصيل التشابه والاختلاف بين اللعبتين الأقرب إلى قلبه «اليد والطائرة»، ونتعرف على ذائقته الخاصة، ورؤيته الفنية، وتجربته الفريدة التي صنعت له هذا البريق.
1- ما أبرز أوجه التشابه بين كرتي اليد والطائرة من حيث النسق الفني والحماسي؟
كلتا اللعبتين تمارسان باستخدام اليد، وتشتركان في الطابع الحماسي والإثارة في الجانبين سواء الهجومي أو الدفاعي، إذ يظهر اللاعبون في كرتي الطائرة واليد مهاراتهم الفنية والتكتيكية على أرض الملعب.
2- كيف تختلف كرة اليد عن الكرة الطائرة من حيث متعة المشاهدة والتعليق؟
لكل لعبة رياضية طابعها الخاص وميزاتها الفريدة، فعندما تعلق على الكرة الطائرة، تشعر وكأنك قبطان يحلق بطائرته بين الغيوم، تلامس السحاب مع كل كرة تخترق الأجواء، أما كرة اليد، فتمتلئ بالإثارة والاندفاع، إذ تحتدم المواجهات وتبرز المهارات على أرض تبدو كأنها ساحة معركة، فلكل رياضة مفرداتها الخاصة، وقاموسها التعبيري، وتقاليدها التي تشكل هويتها، ولهذا فإن المعلق الرياضي لا يكتفي بنقل الحدث، بل يغوص في أعماق كل لعبة، ليتقن لغتها ويفهم أسرارها، فينقلها الى المشاهد بروحها الحقيقية.
3- ما الجوانب التكتيكية التي تراها مميزة في كل لعبة وتؤثر على أداء الفريق؟
كل لعبة جماعية لا تكتمل إلا بروح الجماعة، وفي الكرة الطائرة تبرز أهمية الانسجام بين اللاعبين من خلال الثنائيات بين المعد والضاربين، والهجوم الخلفي، وتنوع الإرسالات، فهذه التفاصيل التكتيكية والمهارية تشكل جوهر اللعبة ومصدر متعتها، أما الليبرو، فأراه شخصيا المقاتل الحقيقي في الملعب، بما يقدمه من تضحيات وجهود دفاعية متواصلة، وفي كرة اليد، نجد جماليات أخرى: من تسديدات قوية، ومراوغات ذكية، إلى إبداع حارس المرمى في التصدي للهجمات، ويبقى صانع اللعب، في كلتا اللعبتين، هو العقل المدبر وقائد الأوركسترا الذي يوجه الإيقاع، ويرجح كفة فريقه في لحظات الحسم.
4- أي الرياضتين ترى أنها أسرع نسقا داخل الملعب؟ ولماذا؟
أصبحت الرياضة اليوم في سباق محموم مع الزمن، ولم تعد أي لعبة رياضية تستغني عن هذا الثالوث الإبداعي: القوة، السرعة، والذكاء، فهي مفاتيح التميز والتفوق في الميدان.
5- هل ترى أن جمهور كرة اليد يختلف في طبيعته عن جمهور الكرة الطائرة؟ وكيف؟
نعم هناك فرق واضح، لاعبو كرة اليد بحاجة دائمة إلى المؤازرة طوال مجريات المباراة، بينما تعتمد كرة الطائرة بشكل أكبر على دعم الجمهور في لحظات الهجوم. الجماهير في الكرة الطائرة تدرك جيدا متى يجب أن ترفع وتيرة التشجيع لتضغط على الفريق المنافس وتؤثر في أدائه.
6- كيف تستعد نفسيا وفنيا قبل التعليق على مباراة كرة يد مقارنة بمباراة الكرة الطائرة؟
بحكم أنني كنت لاعب كرة يد سابق، فإن معرفتي بهذه اللعبة أعمق، رغم أنني مارست أيضا الكرة الطائرة، ومع ذلك أحرص دائما على التحضير الجيد لكلا اللعبتين قبل التغطية، سواء من خلال البحث أو الاستعانة بالمدربين والفنيين وحتى اللاعبين. أسعى لتقديم وجبة رياضية دسمة في تعليقي، لا تقتصر على مجريات المباراة فقط، بل تمتد لتشمل معلومات معرفية وثقافية تثري المتابع وتجعله أقرب لفهم تفاصيل اللعبة وسياقاتها.
7- أي اللعبتين تتطلب حضورا ذهنيا أكبر أثناء التعليق؟ ولماذا؟
إيقاع اللعبتين سريع، ما يفرض على المعلق مواكبة هذا النسق العالي ومهارات اللاعبين المتنوعة. كلا اللعبتين تتطلبان ذهنية حاضرة، وخاصة في المواجهات التنافسية الحاسمة، إذ تظهر اللمحات الفنية في لحظات خاطفة تحتاج إلى نقلها بذكاء ووضوح للمشاهد وسط سرعة الأحداث.
9- ما الفرق بين المعلق الناجح في كرة اليد والمعلق في الطائرة من وجهة نظرك؟
تشترك هذه العناصر في قدرتها على نقل لحظات المباراة بصوت واضح وجذاب، مع إبراز اللقطات الإبداعية وتقديمها بأسلوب جمالي يضفي عليها طابعا فنيا مميزا.
10- كيف توازن بين الفصحى واللهجة المحلية أثناء التعليق من دون الإخلال بجمالية الوصف؟
من الأمور الجميلة في عالم التعليق الرياضي أن المعلقين ابتكروا ما يشبه «اللغة البيضاء»، وهي مزيج متناغم بين الفصحى والعامية، ينبع من قناعة أن لكل أرض نغمتها الخاصة، فحتى عندما يبدع المعلق بالفصحى، يظل في صوته صدى الأرض التي ينتمي إليها. لذا، يصبح من المطلوب إيجاد توازن فني بين الفصحى والعامية، ينتج لغة قريبة من القلب، وأصيلة في الإحساس.
11- ما المنتخب الذي يطربك في كرة اليد ولماذا؟
بكل تأكيد، المنتخب الفرنسي لكرة اليد يبقى مصدر إلهام ومتعة لعشاق اللعبة، فقد أنجب أسماء خالدة مثل فرناندو منديار، وجاكسون ريتشاردسون، والحارس العملاق تيري أومير، والجناح الطائر لوك أبالو، الذين شكلوا معا جيلا ذهبيا لا ينسى، وقد سجل هذا المنتخب إنجازات مذهلة، أبرزها حصد ستة ألقاب كبرى، بينها سلسلة أسطورية بين 2008 و2011 لم يعرف خلالها طعم الخسارة، لا في بطولة ولا حتى في مباراة واحدة، هذا السجل الذهبي يؤكد مكانة فرنسا كأحد أعظم المنتخبات في تاريخ كرة اليد العالمية.
12- ومن هو المنتخب الذي يستهويك في كرة الطائرة؟ وما الذي يميزه في رأيك؟
يعجبني منتخب البرازيل للكرة الطائرة، ذلك الفريق العريق الذي يعد واحدا من أعظم المنتخبات في تاريخ اللعبة، أنجب أسماء لامعة في سماء الكرة الطائرة، أبرزها الأسطورة جيبا، ودون اسمه بأحرف من ذهب في سجلات البطولات العالمية، وعلى رأسها كأس العالم. ورغم فترات التراجع التي مر بها، فإنه سرعان ما يستعيد بريقه، محافظا على هيبته وحضوره القوي، وما يميز البرازيل حقا هو قدرته الدائمة على إنجاب النجوم، وأداؤه الذي لا ينفصل عن روح الإبداع، ولهذا السبب كان ولا يزال هذا المنتخب الأقرب إلى قلبي.
13- هل هناك نادٍ في كرة اليد تتمنى دائما أن تعلق على مبارياته؟ ولماذا؟
يعشق قلبي التعليق على مباريات ناديي مضر من «القديح» والنور من «السنابس»، فهما ليسا مجرد ناديين رياضيين، بل مصدر فرح وفخر لأبناء المنطقتين، من بين جدرانهما خرجت نجوم لامعة، سطعت في سماء كرة اليد، ليس محليا فقط بل على امتداد القارة. ورغم محدودية الإمكانات، نجحا بإصرارهما وإبداعهما في أن يصنعا من كرة اليد قصة نجاح ملهمة، عنوانها التحدي والإرادة.
14- وناد في الكرة الطائرة تطرب حين يظهر على أرضية الصالة؟ ولماذا؟
بالطبع، نادي دار كليب يشبه في طابعه فريقي النور ومضر في منطقتي «السنابس والقديح»، فبرغم الإمكانات المحدودة، يواصل إنتاج المواهب والنجوم واحدا تلو الآخر، نجوما يتألقون في سماء الإبداع.، هذه الأندية تستهويني متابعتها والتعليق على مبارياتها، لأنها تمثل النموذج الملهم والقدوة الحقيقية في الرياضة.
15- هل ترى أن كرتي اليد والطائرة مظلومتان إعلاميا؟ كيف؟
بالطبع، رغم الدور الكبير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي، لا تزال كرتا اليد والطائرة تعانيان من نقص في الاهتمام الإعلامي مقارنة بالإنجازات التي حققتهما. اليوم، منتخبا البحرين والسعودية لكرة اليد تحت 21 عاما يشاركان في بطولة كأس العالم، إلا أننا لم نشهد التغطية الإعلامية التي تتناسب مع أهمية هذا الحدث العالمي. دعم هذا الحضور، وتسليط الضوء على المواهب، كلها عوامل تساهم في تعزيز زخم اللعبة وشعبيتها، للأسف، لا يوجد انتظام في النقل التلفزيوني المحلي، وهذا يؤثر سلبا على متابعة الجماهير وسمعة الرياضتين. لذلك، تظل كرتا اليد والطائرة مظلومتين إعلاميا، رغم الجهود التي تبذلها وسائل التواصل الاجتماعي لمحاولة تعويض هذا النقص.
16- ما الدور الذي يمكن أن يلعبه المعلق في رفع شعبية اللعبتين؟
دور المعلّق الرياضي أكثر من مجرد وصف للعب داخل الملعب.
من خلال الأداء الجميل والجاذبية في التعليق، يستطيع المعلق أن يسهم بشكل مباشر في إبراز جمال المباريات وتسليط الضوء على المواهب، خصوصا عبر المنصات المختلفة التي أصبحت اليوم نافذة تأثير واسعة.
أرى أن هناك أدوارا بسيطة في ظاهرها لكنها مهمة في جوهرها، ينبغي أن يحرص عليها كل معلق، ومنها: التغطية من أرضية الملعب قبل انطلاق المباراة وبعد انتهائها، لتقديم انطباعات مباشرة من قلب الحدث، وإعداد قراءة تحليلية أسبوعية للجولة، تسلط الضوء على أبرز اللحظات واللاعبين، وتربط بين الجولات بخيط فني ممتع.
وبطبيعة الحال، تختلف القدرات، بل الميول من معلق لآخر، لكن المبدأ المشترك هو السعي الدائم لتطوير أدوات التأثير والاقتراب من المتابع بشغف وحرفية.
17- ما أبرز مباراة لا تنسى علقت عليهما في كرة اليد وأخرى في الكرة الطائرة؟
في كرة اليد هناك أكثر من مباراة لازالت عالقة في الذهن، وتبقى مباراة فرنسا والدنمارك التي أقيمت في قطر 2015 ضمن منافسات كأس العالم هي الأكثر حضورا، وفازت فرنسا باللقب بعد تغلبها على المنتخب القطري، وكنت حينها ضمن كادر العمل مع قناة الكأس القطرية، وعلى مستوى الكرة الطائرة هناك مباراة المنتخبين البحريني والسعودي تحت 18 عاما في نهائي غرب آسيا خلال النسخة الأولى التي أقيمت في المنطقة الشرقية، وفاز المنتخب السعودي.
18- ما الحلم الذي تتمنى أن يتحقق لك في عالم التعليق على هاتين اللعبتين؟
نصف الحلم قد تحقق، إذ علقت على كأسين عالميين لكرة اليد، النسخة التي أقيمت في قطر 2015 الذي وصل فيها منتخب قطر كأول منتخب عربي للنهائي وخسر بفارق هدفين من الديوك الفرنسية 26-2، والنسخة الثانية التي أقيمت في بولندا 2023 وفاز بها المنتخب الدنماركي للمرة الرابعة على التوالي، والنصف الآخر الذي لم يتحقق ولا زلت أنتظره يتمثل في التعليق على الكرة الطائرة في كأس العالم أو الأولمبياد وكذلك كرة اليد في الأولمبياد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك