العدد : ١٧٢٩٨ - السبت ٠٢ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩٨ - السبت ٠٢ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ صفر ١٤٤٧هـ

ألوان

رحيل زياد الرحباني وحزن السيدة فيروز حديث الإعلام
صوت الحرّية والسلام يترجّل تاركًا إبداعاته خالدة في العالم

الجمعة ٠١ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

كتبت‭: ‬فاطمة‭ ‬اليوسف

في‭ ‬صباح‭ ‬يوم‭ ‬السبت،‭ ‬عمّ‭ ‬الحزن‭ ‬أرجاء‭ ‬لبنان‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬الفنان‭ ‬الكبير‭ ‬زياد‭ ‬الرحباني،‭ ‬ليترك‭ ‬وراءه‭ ‬أثرًا‭ ‬عميقًا‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬محبيه‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الرحباني‭ ‬فناًنا‭ ‬عاديًا،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬صوتًا‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬آلام‭ ‬وآمال‭ ‬الشعب،‭ ‬ورمزًا‭ ‬للحرية‭ ‬والفن‭ ‬والإبداع‭.‬

زياد‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا،‭ ‬بِفقدِه‭ ‬تداخلت‭ ‬الدموع‭ ‬مع‭ ‬الذكريات‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬بألحانه‭ ‬وكلماته‭ ‬بل‭ ‬توحدت‭ ‬القلوب‭ ‬في‭ ‬حزنها‭ ‬حدادا‭ ‬عليه،‭ ‬مستذكرة‭ ‬إبداعاته‭ ‬التي‭ ‬ستبقى‭ ‬خالدة،‭ ‬وحياته‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الفن‭ ‬العربي‭.‬

فمنذ‭ ‬إعلان‭ ‬رحيل‭ ‬الفنان‭ ‬اللبناني‭ ‬زياد‭ ‬الرحباني،‭ ‬وظهور‭ ‬السيدة‭ ‬فيروز،‭ ‬تسارعت‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬من‭ ‬عشاقه‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬ليترك‭ ‬أثرًا‭ ‬عميقًا‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬محبيه‭. ‬ونعاه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفنّانين‭ ‬بوصفه‭ ‬‮«‬عبقريًا‮»‬‭ ‬و«ثائرًا‮»‬،‭ ‬مؤكدين‭ ‬بصمته‭ ‬الفريدة‭ ‬التي‭ ‬تركها‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬الفنّية‭.‬

وُلِد‭ ‬زياد‭ ‬في‭ ‬1‭ ‬يناير‭ ‬1956‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬أنطلياس،‭ ‬لأبوين‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬الفن‭ ‬اللبناني‭ ‬والعربي،‭ ‬هما‭ ‬الموسيقار‭ ‬الراحل‭ ‬عاصي‭ ‬الرحباني‭ ‬والفنّانة‭ ‬اللبنانية‭ ‬فيروز‭. ‬ترعرع‭ ‬في‭ ‬عائلة‭ ‬‮«‬الرحباني‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تُعتبر‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬العائلات‭ ‬الموسيقية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬ورغم‭ ‬إمكانية‭ ‬بقائه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عائلته‭ ‬الفنية‭ ‬العريقة،‭ ‬اختار‭ ‬نهجًا‭ ‬مختلفًا‭ ‬منذ‭ ‬صغره،‭ ‬ليترك‭ ‬بصمة‭ ‬خاصة‭ ‬به‭.‬

تأثر‭ ‬زياد‭ ‬بأصوله‭ ‬الفنية،‭ ‬لكنه‭ ‬مزج‭ ‬بين‭ ‬الموسيقى‭ ‬التراثية‭ ‬الأصيلة‭ ‬والجاز،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬رافدًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬للفن‭ ‬اللبناني‭ ‬والعربي‭. ‬قدم‭ ‬الرحباني‭ ‬فنًا‭ ‬يحمل‭ ‬بصمته‭ ‬الخاصة،‭ ‬فجمعت‭ ‬أعماله‭ ‬بين‭ ‬الإنسانية‭ ‬والواقعية‭ ‬والجرأة،‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬واقع‭ ‬وطنه‭ ‬لبنان‭ ‬الذي‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1975‭ ‬و1990‭.‬

في‭ ‬أواخر‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أصدر‭ ‬زياد‭ ‬ديوانه‭ ‬الشعري‭ ‬‮«‬صديقي‭ ‬الله‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬ثم‭ ‬لحن‭ ‬أول‭ ‬أغنية‭ ‬لوالدته‭ ‬فيروز،‭ ‬‮«‬سألوني‭ ‬الناس‮»‬،‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬المحطة‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1973‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬توالت‭ ‬أعماله‭ ‬المسرحية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬نزل‭ ‬السرور‮»‬‭ ‬و«فيلم‭ ‬أمريكي‭ ‬طويل‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬رصدت‭ ‬ملامح‭ ‬الحرب‭ ‬وآثارها‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني،‭ ‬وحققت‭ ‬شهرة‭ ‬واسعة‭.‬

لم‭ ‬تقتصر‭ ‬إسهاماته‭ ‬على‭ ‬المسرح،‭ ‬بل‭ ‬قدم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬الإذاعية‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬بعدنا‭ ‬طيبين‭.. ‬قول‭ ‬الله‮»‬‭ ‬و«العقل‭ ‬زينة‮»‬‭. ‬كما‭ ‬ألف‭ ‬الموسيقى‭ ‬التصويرية‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬اللبنانية‭ ‬والعربية،‭ ‬ما‭ ‬أضاف‭ ‬إلى‭ ‬رصيده‭ ‬الفني‭.‬

تعاون‭ ‬زياد‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفنانين،‭ ‬أبرزهم‭ ‬والدته‭ ‬فيروز،‭ ‬حيث‭ ‬قدّم‭ ‬لها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأغاني‭ ‬الشهيرة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬عِ‭ ‬هدير‭ ‬البوسطة‮»‬‭ ‬و«كيفك‭ ‬إنت‮»‬‭. ‬كما‭ ‬شكل‭ ‬ثنائية‭ ‬مميزة‭ ‬مع‭ ‬المغني‭ ‬الراحل‭ ‬جوزيف‭ ‬صقر،‭ ‬وكتب‭ ‬للفنّانة‭ ‬كارمن‭ ‬لبّس،‭ ‬وأصدر‭ ‬ألبومات‭ ‬غنائية‭ ‬شهيرة‭ ‬تعكس‭ ‬إبداعه‭.‬

‏‎وربمّا‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتذكره‭ ‬وسط‭ ‬الحزن‭ ‬العميق‭ ‬على‭ ‬رحيل‭ ‬‮«‬العبقري‮»‬‭ ‬زياد‭ ‬الرحباني،‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬الوداع‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لحنّها‭ ‬لفيروز،‭ ‬وبصوتها‭ ‬الملائكي‭ ‬غنّت‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬صار‭ ‬لازم‭ ‬ودّعكم‭.. ‬وخبركم‭ ‬عنّي‮»‬‭.‬

وبعد‭ ‬غياب‭ ‬طويل‭ ‬ظهرت‭ ‬السيدة‭ ‬فيروز‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬90‭ ‬عامًا‭ ‬وابنتها‭ ‬ريما‭ ‬في‭ ‬تأبين‭ ‬ابنها‭.  ‬

ويُعد‭ ‬اتجاه‭ ‬الأنظار‭ ‬إلى‭ ‬السيدة‭ ‬فيروز،‭ ‬ليس‭ ‬بوصفها‭ ‬الفنّانة‭ ‬اللبنانية‭ ‬الأيقونية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لكونها‭ ‬نهاد‭ ‬وديع‭ ‬حدّاد،‭ ‬‮«‬أم‭ ‬زياد‮»‬،‭ ‬‮«‬الأم‭ ‬الحزينة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬فُجعت‭ ‬بنجلها‭ ‬زياد‭ ‬الرحباني‭.‬

وحقّق‭ ‬حضور‭ ‬فيروز‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬‮«‬رقاد‭ ‬السيدة‮»‬‭ ‬لإلقاء‭ ‬النظرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬نجلها‭ ‬تفاعلًا‭ ‬واسعًا‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬‮«‬السيدة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يعتبر‭ ‬ظهورها‭ ‬النادر‭ ‬مناسبة‭ ‬سعيدة‭ ‬لعشاقها،‭ ‬كسرت‭ ‬قلوب‭ ‬محبيّها‭ ‬بنظرتها‭ ‬الحزينة‭ ‬أمام‭ ‬نعش‭ ‬نجلها‭.‬

ومنح‭ ‬الرئيس‭ ‬اللبناني‭ ‬جوزاف‭ ‬عون،‭ ‬زياد‭ ‬الرحباني‭ ‬‮«‬وسام‭ ‬الأرز‮»‬‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬رتبة‭ ‬‮«‬كومندور‮»‬،‭ ‬ووضع‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬نواف‭ ‬سلام‭ ‬الوسام‭ ‬على‭ ‬نعش‭ ‬الراحل‭ ‬خلال‭ ‬جنازته،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬إسهاماته‭ ‬الفنية‭. ‬وشارك‭ ‬سلام‭ ‬صورًا‭ ‬من‭ ‬المراسم‭ ‬عبر‭ ‬حسابه‭ ‬الرسمي،‭ ‬ما‭ ‬عكس‭ ‬عمق‭ ‬الحدث‭.‬

كما‭ ‬استحوذ‭ ‬أسلوب‭ ‬عزاء‭ ‬الفنّانة‭ ‬ماجدة‭ ‬الرومي‭ ‬على‭ ‬تفاعل‭ ‬واسع،‭ ‬حيث‭ ‬رصدت‭ ‬الكاميرات‭ ‬مشهدًا‭ ‬مؤثرًا‭ ‬أثناء‭ ‬تأدية‭ ‬واجب‭ ‬العزاء،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬مشاعر‭ ‬الحاضرين،‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬مؤثرة،‭ ‬ركعت‭ ‬ماجدة‭ ‬الرومي‭ ‬أمام‭ ‬فيروز،‭ ‬وهو‭ ‬مشهد‭ ‬يعكس‭ ‬عمق‭ ‬العلاقة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بين‭ ‬الفنانين‭.‬

وانطلقت‭ ‬مراسم‭ ‬جنازة‭ ‬زياد‭ ‬من‭ ‬شارع‭ ‬الحمراء‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬اللبنانية‭ ‬بيروت،‭ ‬حيث‭ ‬غادر‭ ‬جثمانه‭ ‬مشفى‭ ‬‮«‬خوري‮»‬،‭ ‬وشق‭ ‬طريقه‭ ‬بين‭ ‬جموع‭ ‬محبيه‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يحملون‭ ‬صوره‭ ‬والورود‭ ‬والأعلام‭ ‬اللبنانية‭ ‬وعُزفت‭ ‬أغانيه‭ ‬وقرعت‭ ‬أجراس‭ ‬الكنائس‭ ‬بينما‭ ‬شق‭ ‬موكب‭ ‬جنازته‭ ‬طريقه‭ ‬وسط‭ ‬الحشود‭.‬

توجه‭ ‬الموكب‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الصنائع،‭ ‬مرورًا‭ ‬بشارع‭ ‬سبيرز‭ ‬وحي‭ ‬الأشرفية،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬بلدة‭ ‬المحيدثة‭ ‬في‭ ‬بكفيا،‭ ‬حيث‭ ‬ووري‭ ‬الثرى‭ ‬بعد‭ ‬الصلاة‭ ‬في‭ ‬كنسية‭ ‬‮«‬رقاد‭ ‬السيدة‮»‬‭.‬

برحيل‭ ‬زياد‭ ‬الرحباني،‭ ‬فقدت‭ ‬الساحة‭ ‬الفنية‭ ‬جبلاً‭ ‬من‭ ‬جبال‭ ‬لبنان،‭ ‬حيث‭ ‬ترك‭ ‬بصمته‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الفن‭ ‬ورحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬69‭ ‬عامًا،‭ ‬صباح‭ ‬السبت‭ ‬26‭ ‬يوليو،‭ ‬بعد‭ ‬معاناة‭ ‬طويلة‭ ‬مع‭ ‬مرض‭ ‬تليف‭ ‬الكبد‭. ‬ستظل‭ ‬ذكرى‭ ‬زياد‭ ‬حية‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬محبيه،‭ ‬مع‭ ‬إبداعاته‭ ‬التي‭ ‬ستبقى‭ ‬خالدة‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الفن‭ ‬العربي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا