طولكرم - (أ ف ب): تبدلت ملامح مدينة طولكرم في شمال الضفة الغربية المحتلة بعدما هدمت جرافات الجيش الإسرائيلي المنازل في مخيمي اللاجئين هناك، ضمن ما تقول الدولة العبرية إنها حملة للبحث عن مسلحين فلسطينيين. وسمح الجيش الإسرائيلي لآلاف السكان الذين شّردوا من منازلهم باسترجاع ما يمكنهم من ممتلكات لساعات قبل أن يبدأ بهدم المباني وفتح طرق واسعة بين الأنقاض التي تراكمت.
ويخشى السكان أن يؤدي هذا الهدم إلى محو المباني لا بل محو وضعهم كلاجئين أيضا وهو الوضع الذي فرض عليهم في أعقاب النكبة التي حدثت في عام 1948 إبان قيام دولة إسرائيل، عندما تم تهجير نحو 700 ألف فلسطيني. ويتمسك الفلسطينيون بـ«حق العودة» إلى أراضيهم ومنازلهم التي هجروا منها وهو أحد أبرز القضايا الشائكة في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. وقال الجيش الإسرائيلي إنه سيهدم 104 مبان إضافية في مخيم طولكرم هذا الأسبوع في مرحلة جديدة للعملية العسكرية التي أعلنها في يناير الماضي. ووصف الجيش العملية بأنها حملة قمع مكثفة تستهدف المخيمات التي تعتبر معاقل للفصائل الفلسطينية المسلحة التي تقاتل ضد إسرائيل. الأربعاء، عاد عبدالرحمن عجاج (62 عاما) إلى المخيم لأخذ بعض مقتنيات منزله. ويقول: «جئنا إلى المخيم، وجدنا الدار مهدومة، كومة حجارة». وبحسب عجاج فإن الهدم تم «بدون تنسيق، بدون أي إبلاغ». ولد عجاج في مخيم طولكرم بعد أن فر والده من القرية التي عرفت قبل النكبة باسم «أم خالد» والتي أصبحت اليوم مدينة نتانيا الإسرائيلية على بعد 12 كيلومترا إلى الغرب. ويقول إنه لم يتوقع أن يكون حجم العملية بهذا القدر.
وبدأت إسرائيل عمليتها في شمال الضفة الغربية من مدينة جنين، التي لطالما اعتبرت معقلا للمسلحين الفلسطينيين، لكنها سرعان ما امتدت إلى عدة مدن أخرى من بينها طولكرم، الأمر الذي أدى إلى تهجير ما لا يقل عن 40 ألف شخص وفق أرقام الأمم المتحدة. ويوضح عجاج لوكالة فرانس برس: «كانوا (الجيش الإسرائيلي) يجتاحون المخيم، ننام في الخارج، ونعود بعد يومين أو ثلاثة». اما اليوم وبعد أن فقد منزله، فيعيش تجربة مماثلة لتلك التي عايشها والداه عندما ظنا أن خروجهما من قريتهما في عام 1948 كان مؤقتا. ويضيف «آخر مرة، خرجنا بدون عودة». وخسر عجاج منزله المؤلف من طابقين والذي كان يقطنه 14 فردا، كما خسر محلا تجاريا كان يمثل مصدر رزق له بعد أن خسر عمله داخل إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023. وشقت الجرافات الإسرائيلية طريقها في طولكرم عبر الأزقة الضيقة في المخيمين، طولكرم ونور شمس. وفي مخيم طولكرم، تم شق ثلاثة شوارع عريضة لتسهيل وصول الجيش إليه، وتراكمت أكوام الحجارة والخرسانة على جوانبها. ويشير عجاج إلى أن عمليات الهدم منذ أن شنت إسرائيل عملية «السور الحديدي» كانت تدريجية وعلى دفعات. وبعيدا من الأهمية العسكرية للطرقات الواسعة التي شقتها الجرافات، يرى كثير من السكان أن إسرائيل تسعى إلى تدمير فكرة المخيمات نفسها وتحويلها إلى أحياء عادية وجزء من المدن الموجودة فيها. ويخشى السكان أن يؤدي ذلك إلى تهديد وضعهم كلاجئين وتقويض «حق العودة» إلى أراضيهم التي كانوا فيها قبل النكبة. وتعارض الحكومة الإسرائيلية الحالية ووزراؤها من اليمين المتطرف والذين يطالبون بضم الضفة الغربية كاملة، هذا الحق ويعتبرونه تهديدا ديموغرافيا لبقاء إسرائيل كدولة يهودية. ويقول الباحث سليمان زهيري من مخيم نور شمس القريب: إن «المقصود هو تغيير أو شطب رمزية المخيم الوطنية وشطب قضية اللاجئين وحق العودة». ويستذكر الزهيري هدم الجرافات الإسرائيلية الأسبوع الماضي لمنزل شقيقه. ويقول بينما كان يقف على تلة مقابلة للمخيم «كان مشهدا مأسويا، لا يمكن وصفه، البيت ليس جدرانا وأسقفا فقط، هناك ذكريات، أحلام، مقتنيات». وبحسب الزهيري فإن المبنى الذي هدم كان يتألف من ثلاث طبقات تعيش فيها ست عائلات. ولطالما اضطر سكان المخيمات الفلسطينية إلى التوسع عموديا بسبب ضيق المساحة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك