من اللحظة الأولى لوصوله، أدرك المدرب الفرنسي أرنود جوسرند أن هذه التجربة ليست مجرد مهمة مؤقتة، بل فرصة لترك بصمة حقيقية في سجل الكرة الطائرة البحرينية. بثقة وشغف، قاد المنتخب الوطني في واحدة من أنجح حملاته القارية، متسلحا بفلسفة تدريبية مرنة، وإيمان عميق بقدرات لاعبيه. في هذا الحوار الحصري مع «أخبار الخليج الرياضي»، يفتح قلبه للحديث عن كواليس الإعداد، أسرار النجاح، التحديات، واللحظات التي ستبقى محفورة في ذاكرته... ويكشف عن طموحاته المقبلة مع «منتخبنا الوطني».
{ كيف بدأت علاقتك مع الكرة الطائرة البحرينية؟ وما الذي شجعك على قبول قيادة المنتخب الوطني؟
- تواصل معي وكيلاي، هاريث آلوشي ورافا فينهدو، وأبلغاني أن القائمين على اتحاد الكرة الطائرة البحريني يبحثون عن مدرب للمنتخب الوطني، على الفور، تحدثت مع اثنين من أصدقائي المقربين ممن لديهم خبرة طويلة في العمل بالدول العربية، فنصحاني قائلين: «اذهب دون تردد، اللاعبون البحرينيون يتمتعون بمهارات فنية عالية، والكرة الطائرة في البحرين تشهد تطورا ملحوظا، فلم أحتج وقتا طويلا لاتخاذ قراري، إذ خلال يوم واحد كنت قد حسمت أمري.
{ ما انطباعاتك الأولى حين بدأت مراقبة اللاعبين في المسابقات المحلية؟
- كانت انطباعاتي الأولى إيجابية للغاية، فقد بدا المستوى العام للفريق جيدا بالفعل، ولأكون صريحا، كان من المفاجئ جدا رؤية هذا الأداء في بلد صغير مثل البحرين، خاصة مع قلة عدد اللاعبين المرخصين (المحترفين).
وما لفت انتباهي أيضا هو الجودة التقنية العالية التي يتمتع بها اللاعبون، إلى جانب الروح القتالية الاستثنائية التي أظهرتها الفرق كانت مذهلة بحق بحسب وصفه.
ومنذ اليوم الأول، شعرت أن هذه البيئة تمنحني فرصة حقيقية لتطبيق الفلسفة التدريبية التي أؤمن بها مع هذا الفريق.
{ هل كان هناك لاعب لفت نظرك منذ البداية وقلت: «هذا سيكون ركيزة أساسية للفريق»؟
- بالطبع، كان قرار اختيار الكابتن ناصر عنان منطقيا تماما، يتمتع هذا اللاعب بطاقة هائلة، ومن الواضح أنه يشكل عنصر تواصل فعال داخل الفريق.
وواصل قائلا: وكنت أعرف محمد يعقوب من السعودية مسبقا، لذا لم يكن مفاجئا بالنسبة لي أن يكون لاعبا مميزا، أما باقي اللاعبين فقد تعرفت عليهم خلال الفترة الأخيرة، وقد أدهشني عدد اللاعبين الموهوبين الذين اكتشفتهم، كانت مفاجأة سارة بالفعل، عندها أدركت أن عملية الاختيار لن تكون سهلة أبدا.
{ ما المعايير التي اعتمدت عليها في اختيار التشكيلة النهائية للبطولة؟
- لم تكن هناك معايير محددة التزمت بها، ولم أكن أبحث عن معيار واحد بعينه، فلسفتي في اللعبة كانت دائما تتمثل في الحصول على «الضارب الجانبي» أي اللحظة التي نكون فيها في حالة الاستقبال، وننفذ سلسلة: استقبال، ثم الإعداد، ثم الضرب الهجومي الناجح.
لذلك، كان أحد أساسياتي هو بناء استقبال جيد، لكن أحيانا، تكون لديك فلسفة معينة، غير أن نوعية اللاعبين المتاحة لا تتيح لك تطبيقها كما تتمنى.
هنا، ومنذ البداية، رأيت أن تطبيق هذه الفلسفة ممكن، إذ كان استقبالنا مستقرا جدا طوال البطولة، وهذا منح محمود العافية الفرصة ليقدم مستواه الكامل وينفذ خطتنا كما أردنا تماما.
وأيضا، أحببت أن يمتلك الفريق بديلا جيدا في جانب الإرسال، وقد توفر ذلك، إذ كانت جودة إرساله مثيرة للاهتمام فعلا وأسهمت بشكل واضح في الأداء العام.
{ حدثنا عن المعسكر القصير في مصر.. كيف استثمرته رغم محدودية الوقت؟
- حين اقترح علي الاتحاد السفر إلى مصر، لم أكن مقتنعا تماما بأن ذلك سيكون الخيار الأفضل، لأنني كنت أرغب في مواصلة التدريبات محليا، ولكن في الوقت نفسه، راودني الحماس للعب أمام المنتخب المصري، فهو فريق قوي، ودائما ما يكون من الممتع والمفيد أن تواجه من هو أقوى منك.
وقد وفر لنا الاتحادان البحريني والمصري ظروفا ممتازة، من حيث الإقامة في فندق مميز، واستخدام صالة المنتخب المصري للتدريبات، إضافة إلى توفير جميع المعدات اللازمة، في النهاية كانت التجربة إيجابية حقا، خاصة أننا تمكنا من الفوز عليهم في اليوم السابق للمغادرة، وهو ما منح الفريق دفعة كبيرة من الثقة، في رأيي.
{ هل شعرت بالقلق من قصر فترة التحضير مقارنة بحجم البطولة؟
- ليس حقا، لأنني معتاد على ذلك، بل وحتى على فترات أقصر، مع المنتخب الفرنسي، حدث في بعض السنوات أن نحظى بأقل من أسبوع لتحضير الفريق، أما هنا فقد كانت لدينا خمسة أسابيع، وهو أمر جيد نوعا ما، حتى وإن استقبلنا لاعبين كانوا مرهقين جدا من موسم طويل، من ضمنهم لاعبو المحرق الذين انضموا في اللحظة الأخيرة أيضا.
لكن تلك الأيام الاثني عشر في مصر ساعدتنا كثيرا في جعل المجموعة تفهم الاتجاه الذي نريده.
{ كيف عملت على بناء الانسجام بين اللاعبين في وقت قياسي؟
- لا أعرف حقا كيف أجيب عن هذا السؤال… ربما عليك أن تسأل اللاعبين؟ بشكل جدي أكثر، أعتقد أنني شخص هادئ كمدرب، أقصد خارج نطاق الكرة الطائرة.
لست من النوع الذي يلاحق كل لاعب ليراقب ما يأكله أو كم ينام، إنهم بالغون، وأنا أضع جدولا يسمح بأن يكونوا في حالة جيدة للعب بمستوى عال، لكنه يتيح لهم أيضا وقتا للخروج لتناول قهوة إذا أرادوا.
وأمنح اللاعبين المسؤولية، والعلاقة قائمة على الأخذ والعطاء.
الشيء الوحيد الذي أكون صارما فيه هو القواعد خلال المباريات والتدريبات، هذا هو الأهم.
وإذا احترم الجميع ذلك، فالجميع يسير في الاتجاه نفسه.
واللاعبون البحرينيون مسؤولون، لذلك سارت الأمور بشكل جيد على ما أظن، ومرة أخرى اسأل اللاعبين.
{ ما أصعب لحظة واجهتك أثناء مشوارك في البطولة؟
- شعرت بالخوف فعلا في مباراة نصف النهائي ضد كوريا، عندما كنا متقدمين 2-0، ثم عادوا ليدركوا نتيجة التعادل 2-2 لم أكن أفهم ما الذي يحدث، أعتقد أن اللاعبين مروا بحالة نفسية خلال المباراة، وكانوا فيها مرهقين بدنيا بعض الشيء، لكن أعتقد أننا تعاملنا مع الأمر جيدا بمساعدة الطاقم لإعادة الطاقة لهم في الشوط الخامس، وتمكنا من الفوز.
{ هل كان هناك قرار تكتيكي أو فني اتخذته وغير مجرى مباراة معينة؟
- قرار فني؟ بالتأكيد لا، وخلال المباراة، يكون الوقت متأخرا جدا لإعطاء تعليمات فنية للاعبين، لأن التوتر لا يمنحهم القدرة أو الطاقة لتطبيقها، أما تكتيكيا، فأعتقد أننا حضرنا المباريات بشكل جيد جدا مع الطاقم الفني: مشعل تركي، أنيس الشايب، مارسيل نداكي، محمد رجب، وسيد علي، باستخدام الكثير من تقنية الفيديو والتحليل.
بعض النصائح الدقيقة التي قدمتها للاعبين تساعدهم، في رأيي، على الدخول في أجواء المباراة من الناحية العملية، كما أنني، وبما أنني أحب التواصل، أستمع أحيانا للاعبين الذين يعرفون لاعبي الفريق الخصم أفضل مني، عندما يقولون لي: «كوتش، ربما علينا أن نفعل كذا، في النهاية، أنا صاحب القرار، أنا من يقرر، لكن أول شيء أفعله هو أنني أستمع دائما.
كما أن الشيخ علي حضر كل الاجتماعات الأخيرة ليتحدث مع اللاعبين ويعبر لهم عن مدى إيمانه بهذه المجموعة، ولكن دون أي ضغط، وهذا كان أمرا إيجابيا للغاية أيضا.
{ كيف تعاملت مع الضغط النفسي في الأدوار الإقصائية؟
{ هل تقصد اللاعبين البدلاء؟
- من الصعب دائمًا أن ترى الفريق يفوز وأنت غير قادر على مساعدته داخل الملعب، لذا نحاول أن نحافظ على اللاعبين الذين لم يشاركوا كثيرا في حالة نفسية إيجابية وثقة بالنفس، وأعتقد أن هذا ما سمح لـ«محمد عنان وعباس الخباز» بالدخول إلى الملعب في النهائي بثقة عالية لدرجة أن لا أحد لاحظ الفرق.
أنا دائمًا أقول إن «المجموعة» بالنسبة لي هي الأهم!
لذا حاولت، مع الجهاز الفني أن نولي الاهتمام لكل التفاصيل ولكل لاعب، من الذي يشارك دائما والذي نادرا ما يشارك.
{ هل كان هناك حديث خاص بينك وبين اللاعبين قبل النهائي؟
- الهدف الأول للاتحاد كان الوصول إلى المربع الذهبي «نصف النهائي» لكن بالطبع، كما قلت للاعبين، أيا كانت المباراة التي سندخلها، هدفنا الأول سيكون دائما الفوز، قد نلعب ضد البطل الأولمبي أو ضد باكستان في نهائي هذه البطولة، وأعتقد أن أسهل طريقة لتحضير المجموعة هي ببناء روح جماعية تمنحهم كل الأدوات اللازمة قبل المباراة، ليكونوا قادرين على الفوز، أنا أحتفظ ببعض الأسلحة للبطولة القادمة.
{ من اللاعب الذي فاجأك بمستواه خلال البطولة؟
- أولا ، أود أن أقول: ربما اللاعبان في مركز «متوسط الشبكة» محمد جاسم وحسن الورقاء لقد كانا ثابتين في الأداء بشكل كبير، وأيضا لأن حسن شاب جدا، يبلغ من العمر 20 عاما فقط، لكنه يمتلك إمكانات كبيرة ليصبح أحد أعمدة هذا المنتخب مستقبلا.
ثم، بالطبع، رغم أنني كنت أعرفه، ما فعله محمد يعقوب بعد شهرين تقريبا من التوقف عن اللعب كان رائعا جدا، وقد فاجأني المستوى الذي قدمه طوال البطولة.
ولا بد أن أذكر أيضا القائد ناصر، لأن دوره لا يقتصر فقط على داخل الملعب، إنه القائد المثالي لأي مدرب، وأيضا ثبات أداء علي إبراهيم أسعدني كثيرا، ولا يمكن نسيان أداء محمد عنان في النهائي، لم يلعب أي مباراة منذ بداية البطولة، وما فعله في النهائي كان مذهلًا بحسب الوصف، بصفة عامة.
من الصعب أن تستثني أي لاعب من الفريق، وعموما، جميع اللاعبين قدموا ما لديهم، من النقطة الأولى في المباراة الأولى إلى اللحظة الأخيرة في المباراة الأخيرة، هذا الأداء هو أداء جماعي، وليس فقط أداء فرديا.
{ كيف تقيم مستوى الكرة الطائرة البحرينية مقارنة بنظيراتها الآسيوية؟
- أعتقد أننا من خلال فوزنا بهذه البطولة، أثبتنا للدول الآسيوية أن الكرة الطائرة البحرينية أصبحت قوة يجب أن تحسب لها حساب، ربما كانت الدول الأخرى تدرك أن البحرين يمكن أن تلعب بشكل جيد، لكننا أثبتنا لهم أننا قادرون على تقديم أداء ثابت طوال البطولة.
{ ما الذي تعلمته من هذه التجربة على الصعيد الشخصي والمهني؟
- على المستوى الشخصي، كما قلت لرئيس الاتحاد، أنا فخور جدا باختياري لتدريب هذا الفريق.
هذا فريق ممتع جدًا للتدريب، وسهل التعامل معه، أحب روح اللاعبين البحرينيين، أشعر براحة كبيرة هنا.
{ كيف تصف اللاعب البحريني من حيث العقلية والانضباط والطموح؟
- الجميع يجب أن يفهم أن هؤلاء اللاعبين يمتلكون قدرا كبيرا جدا من الشجاعة، والصلابة، والانضباط، وأهم من ذلك، أنهم يعملون في وظائف إلى جانب ممارستهم للكرة الطائرة، لذلك كانت التحضيرات صعبة جدا بالنسبة لي، لأنني لم أكن أعرف إلى أي مدى يمكنهم تحمل التدريبات بعد يوم عمل طويل، لكنهم لم يشتكوا أبدا، ودائما ما تدربوا بقوة، بكل طاقتهم، لأن لديهم قلوبا كبيرة جدا، ويريدون الفوز من أجل وطنهم، وهذه نقطة أساسية ومهمة جدا!
{ هل ترى أن للبحرين فرصة للتألق على مستوى عالمي إذا استمر هذا المشروع؟
- آمل ذلك، أؤمن حقا بأن الكرة الطائرة يمكن أن تتألق أكثر على الساحة الدولية، لكنني أعتقد أنه إذا أردنا ذلك، فعلينا أن نستعد جيدا، لأنه هناك أيضا لاعبين شباب قادمون، وإذا أردنا لهم أن يحافظوا على المستوى الذي قدّمه اللاعبون في هذه البطولة، فيجب أن نعد المستقبل لرفعهم إلى مستوى احترافي ربما لم يقتربوا منه من قبل، وهو المستوى الذي تستحقه الكرة الطائرة البحرينية.
{ ما أول خطوة ستتخذها لو منحت صلاحية تخطيط طويل الأمد للمنتخب؟
- كما تعلم، في المنتخب الوطني، يعيش اللاعبون نفس جدول المحترفين في أي فريق أوروبي، لكنني أعتقد أن هذا ليس الحال في الأندية، التي أحيانا تفتقر إلى المال والفرص لتوفير الظروف نفسها التي يحصل عليها اللاعبون في المنتخب، هناك العديد من التفاصيل الصغيرة، لكنها ليست صغيرة عند التفكير بها جيدا، يمكن أن ندخلها إلى الأندية، مثل الإعداد البدني، والتعافي، والتحضير التكتيكي، وبعض التفاصيل الأخرى، كما تعلم، أنا لا آتي إلى هنا كأستاذ، لأني أريد أن أتأقلم مع البلد وخصوصياته، لكنني أعتقد أنني أعرف الكرة الطائرة جيدا، فقد أمضيت 40 سنة ألعب هذه اللعبة، وكأي طباخ جيد، أعرف ما المكونات الجيدة التي يجب إضافتها لتحضير وصفة ناجحة.
{ كيف كانت علاقتك باللاعبين خارج الملعب؟ وهل وجدت صعوبة في التواصل الثقافي؟
- على الإطلاق، أعتقد أنهم ودودون للغاية، وقد وجدت احتراما كبيرا عند وصولي إلى البحرين، وكما قلت لك في أمور أخرى، المسألة قائمة على مبدأ «العطاء المتبادل».
إذا أظهرت للاعبين الاحترام، فإنهم سيبادلونك الاحترام، سواء داخل الملعب أو خارجه، ولن تكون هناك أي مشاكل أبدا، وإن وجدت مشكلة، فالتواصل كفيل بحلها.
{ ما الذكريات أو اللحظات التي ستبقى محفورة في قلبك من هذه التجربة؟
- ربما بداية البطولة ومباراتنا الأولى، إذ كنت متوترا جدا، والمباراة الافتتاحية دائما ما تكون مميزة لدرجة أنها أحيانا تحدد ملامح البطولة بأكملها، لكن اللاعبين طمأنوني وطبعا، بعد النقطة الأخيرة، كان الجميع يعانق بعضه البعض لأننا كنا سعداء للغاية، ولقد رأيت تقريبا دموعا في عيون أحد الأشخاص في رئاسة الاتحاد، لن أذكر اسمه.... كانت هناك مشاعر كثيرة متدفقة، لكن السعادة كانت طاغية بشكل لا يصدق.
{ أخيرا، هل تنوي الاستمرار في قيادة المنتخب؟ وما هو الحلم الذي تطمح لتحقيقه مع البحرين؟
- لدي عقد مدة سنة مع الاتحاد، لذا بالتأكيد سأواصل قيادة المنتخب في البطولة القادمة، وأيضا في البطولة العربية في ديسمبر، أحب هذا الفريق، وأقدر التزام اللاعبين، وسأسعى أن أظهر لهم التزامي أيضا، الحلم الذي أطمح لتحقيقه مع البحرين هو الفوز بكل بطولة نشارك فيها، ولكن كما قال لي الشيخ علي: وكان محقا تماما «كل بطولة تختلف عن الأخرى!»
الأهم هو أن نظهر التزام الفريق في كل مباراة، وكل شوط، وكل نقطة، أما النتائج، فهي تأتي بعد ذلك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك