90% انخفاضا في الشكاوى الواردة منذ تأسيس الوحدة
تحقيقات مهنية وشاملة وفق بروتوكول إسطنبول والمعايير الدولية
توجه نحو «الذكاء الاصطناعي».. التكنولوجيا ليست بديلاً عن الإنسان
أجرى الحوار: إسلام محفوظ
تصوير- رضا جميل
تؤمن مملكة البحرين ببحقوق الإنسان وحمايتها من الثوابت الوطنية، لذلك تشارك بنشاط في المبادرات المؤثرة التي تؤكد تفانيها في ضمان وحرية مواطنيها والمقيمين فيها، ما جعلها نموذجا للتسامح.
وتحرص المملكة على ضمان بيئة شاملة وحاضنة لجميع مكونات المجتمع، وتعزيز المساواة وسيادة القانون في مختلف الجوانب من دون تمييز وانطلاقاً من ذلك النهج الوطني، لذا عملت على تعزيز إنشاء آليات مستقلة في مجال حماية واحترام وتعزيز حقوق الإنسان، كان منها وحدة التحقيق الخاصة.
أنشئت الوحدة بموجب قرار النائب العام في 2012م بهدف التحقيق والتصرف في ادعاءات التعذيب والإيذاء، وتحديد المسؤولية الجنائية ضد المسؤولين في هذه الوقائع في ظل مبدأ مسؤولية القيادة، وكذلك الإحالة إلى الجهة الإدارية المختصة إذا ما خلصت تحقيقات الوحدة إلى قيام مسؤولية تأديبية، لتتخذ تلك الجهة إجراءاتها بشأن توقيع الجزاء التأديبي.وبمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب الذي يُصادف 26 يونيو من كل عام، وقد أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة وفقاً لقرارها رقم 52/149 بتاريخ 12 ديسمبر 1997، التقت «أخبار الخليج» القائم بأعمال المحامي العام محمد خالد الهزاع رئيس وحدة التحقيق الخاصة، متحدثا عن طبيعة عمل الوحدة وتشكيلها واختصاصاتها. مؤكدا أنها جهة قضائية مستقلة ضمن النظام القضائي بالمملكة، وتمثل الضمانة الرئيسية لحماية حقوق الإنسان في منظومة العدالة الجنائية.
كما تعتبر فريدة من نوعها إقليمياً، وإحدى الأجهزة القليلة في العالم التي تباشر التحقيق في مثل تلك الادعاءات، كما سلّط الضوء على الجهود الوطنية لتعزيز العدالة وحماية الكرامة الإنسانية، كون الوحدة تمثل أحد أبرز أوجه التزام مملكة البحرين بمناهضة التعذيب وضمان المساءلة.. وهذا نص الحوار:
في البدايةً ما هو اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، وما الهدف من تخصيص هذا اليوم؟
اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب يُصادف 26 يونيو من كل عام، وقد أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة وفقاً لقرارها رقم 52/149 بتاريخ 12 ديسمبر 1997، ليكون مناسبة سنوية تهدف إلى القضاء التام على التعذيب، والتعبير عن التضامن مع الضحايا، والتأكيد على أن التعذيب جريمة لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف، ويعزز من جانب آخر تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي دخلت حيز التنفيذ في مثل ذلك اليوم من عام 1987، وصدقت مملكة البحرين على الاتفاقية في عام 1998 بموجب المرسوم بقانون رقم 4 لسنة 1998.
وما دور وحدة التحقيق الخاصة؟
وحدة التحقيق الخاصة هي جهة قضائية مستقلة، أُنشئت بقرار من النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين بتاريخ 27 فبراير 2012، وتعنى بالتحقيق والتصرف ومباشرة الدعاوى الجنائية في جرائم التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، التي ترتكب أو تقع من الموظفين العموميين أو المكلفين بالخدمة العامة أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأديتهم لأعمال وظيفتهم، وملاحقتهم جنائياً أو تأديبياً بعد تحديد المسؤولية الجنائية.
وتُباشر الوحدة اختصاصاتها وفق أطر قانونية ترتكز على التشريعات الوطنية والصكوك والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، فهي لا تكتفي بتلقي الشكاوى، بل تتابعها بدقة، وتجري تحقيقات مهنية ومحايدة وشاملة، بغرض الوصول الى الحقيقة وضمان المساءلة التي تمثل عنصرا رئيسيا لتحقيق العدالة، ونعمل باستمرار على مراجعة الأداء والاهتمام بالتدريب لضمان التطوير المستمر.
كيف تسهم في الجهود الوطنية لحماية حقوق الإنسان بمملكة البحرين؟
مملكة البحرين نموذج رائد في احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، من خلال ما أوجدته من أطر قانونية ومؤسسات متخصصة تكفل حقوق الإنسان وتحفظ كرامته، وهو نهج راسخ نابع من قيمها الحضارية العريقة، وإنشاء وحدة التحقيق الخاصة هو أحد صور تجسيد التزام مملكة البحرين بحقوق الإنسان، وبطبيعة الحال يتمثل اسهام الوحدة الأساسي في حماية حقوق الإنسان في منظومة العدالة الجنائية من خلال القيام بدورها ومباشرة التحقيقات في الشكاوى التي تختص بها على النحو السالف عرضه، علاوة على ذلك فهي تسهم في إعداد ومناقشة التقارير الإقليمية والدولية لمملكة البحرين الخاصة بحقوق الإنسان، وذلك في إطار عضويتها في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان منذ عام 2017 وحتى الآن.
وما المعايير الدولية التي تتبعها الوحدة في أعمالها؟
نصت المادة الثالثة من قرار إنشاء وحدة التحقيق الخاصة على أن تقوم الوحدة بالأعمال المناطة بها وفقاً للمعايير الدولية شاملة كعنصر أهم بروتوكول إسطنبول لتقصي وتوثيق حالات التعذيب، لذا فيشكل هذا البروتوكول مرجعاً أساسياً للوحدة، وهو عبارة عن وثيقة دولية اعتمد من قبل الأمم المتحدة في عام 1999 ويتناول مبادئ تفصيلية للتحقيق في حالات التعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة، ويتضمن قواعد وإرشادات وآليات للكشف عن تلك الحالات وتجميع أدلتها ومواجهة المسؤولين عن ارتكابها.
وقد صدرت نسخة منقحة عن ذلك البروتوكول في عام 2022 بعد عملية تنقيح استمرت 6 سنوات شارك فيها 180 خبيرا من 51 دولة، وتقدم النسخة المنقحة مبادئ توجيهية إضافية للمحترفين الصحيين بشأن توثيق التعذيب وسوء المعاملة في سياقات مختلفة، وتعرض دليلاً مفصّلاً للدول حول كيفية تنفيذ البروتوكول تنفيذاً فعالاً، كما تسلّط النسخة المنقحة عامةً الضوء على آخر السوابق القضائية المتعلقة بمنع التعذيب والمساءلة والإنصاف، فضلاً عن الدروس المستفادة من استخدام البروتوكول على مدار العشرين عاماً الماضية، ولم تُنشر النسخة العربية منه إلا مؤخراً في أبريل 2025، وتعكف الوحدة حالياً على دراسة البروتوكول الجديد لبحث المعايير المستحدثة به وتطبيقها في أعمال الوحدة.
كما تستند الوحدة في مباشرتها لأعمالها إلى عدة مراجع قانونية أساسية أخرى، من بينها تعليمات أعمالها الصادرة عام 2013، والتي تعتبر وثيقة إرشادية وعملية متكاملة أعدت في ضوء أحكام القانون واستناداً الى المبادئ المقررة ببروتوكول إسطنبول، كما تضع في اعتبارها المدونات والقواعد السلوكية والمهنية الوطنية والدولية والاتفاقيات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة، مثل مدونة سلوك رجال الشرطة، ومدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، والمبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية، وإعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ما الذي يميز استقلالية الوحدة عن غيرها من الجهات؟
الاستقلالية ليست مجرد صفة إدارية، بل هي ضمانة رئيسية للوحدة للقيام بأعمالها، فالوحدة لا تتبع أي جهة أخرى، وتباشر اختصاصاتها القانونية تحت السلطة الكاملة لرئيسها، ويشرف النائب العام على أعمالها إشرافاً إدارياً، ولها مقر مستقل ومحققون متفرغون وشعب متخصصة لتباشر المهام المنوطة بها، وهذا الاستقلال يضمن أن التحقيقات تُجرى دون تأثير أو ضغط، وبسرعة ونزاهة، ويمنح المجتمع ثقة بأن العدالة تُطبق على الجميع دون استثناء.
بما أننا نتحدث بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، ما دور الوحدة تجاه المجني عليهم؟
تولي الوحدة أهمية خاصة بالمجني عليهم والشهود في القضايا التي تحقق فيها، نظراً إلى دورهم المهم في الدعوى الجنائية، فقامت بتطوير هيكلها الداخلي في عام 2021 بإنشاء شعبة متخصصة تحت مسمى (شعبة شؤون المجني عليهم والشهود) والتي تختص بالتواصل مع المجني عليهم وذويهم والشهود وكل من يدلي بمعلومات في القضايا التي تختص بها الوحدة، وذلك لتعريفهم بالإجراءات القانونية المتخذة ومجريات سير التحقيق والتصرف النهائي فيها، فضلاً عن تلقي ودراسة طلبات فرض تدابير الحماية المنصوص عليها قانوناً وتنفيذ الأوامر الصادرة بالحماية، وذلك على النحو الذي يضمن تحقيق سلامة الفئات المذكورة من أي مخاطر قد تحدق بهم، مع المساهمة في رفع الأضرار النفسية والمادية التي قد تلحق بهم؛ عن طريق تقديم الدعم النفسي اللازم لهم وإرشادهم عن سبل التعويض القانونية.
من خلال متابعة أنشطة الوحدة، لاحظنا الاهتمام المستمر بالتدريب والحرص على تنظيم فعاليات تدريبية بصورة سنوية، هل لك أن تحدثنا عن ذلك؟
لا شك أن التدريب عامل مهم ورئيسي لاستمرار تطور أي منظومة عمل، وحرصت الوحدة منذ إنشائها على الاهتمام بالتدريب عبر تنظيم مختلف الفعاليات التدريبية وتفعيل شراكاتها مع عدة جهات وطنية ودولية، وخصوصاً شراكتها مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بهدف بناء وتنمية القدرات وتعزيز الكفاءة، الأمر الذي نتج عنه تنفيذ 34 فعالية تدريبية خلال 13 عاما، تنوعت ما بين ورش عمل تخصصية، ومؤتمرات إقليمية ودولية، وبرامج متنوعة، وزيارات لخبراء دوليين، وسنسعى جاهدين إلى مواصلة هذا النهج لتعزيز الضمانات وإعلاء شأن العدالة.
بعد أكثر من عقد على تأسيس وحدة التحقيق الخاصة، كيف تقيّمون أدائها؟
منذ تأسيس الوحدة، شهدنا تطوراً ملحوظاً في آليات العمل، وخصوصاً مع كون الوحدة جهة لا مثيل لها على مستوى المنطقة وذات اختصاص دقيق ومحدد، وبفضلٍ من الله قطعنا شوطاً كبيراً في ترسيخ ثقافة المساءلة وتعزيز ثقة المجتمع في منظومة العدالة، وهذا ما أثمر عن انخفاض نسبة الشكاوى التي تختص بها الوحدة إلى ما يقارب 90% وهو مؤشر إيجابي للغاية على فاعلية الإجراءات المتبعة ويعكس جهود الوحدة في تأكيد سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.
ما دور التكنولوجيا في تطوير عمل الوحدة؟
نؤمن بأهمية التحول الرقمي في تعزيز الشفافية والكفاءة، وهذا ما تنتهجه الوحدة من خلال إعلان الأخبار ونشر تقاريرها الدورية والسنوية عبر موقعها الإلكتروني siu.gov.bh ومنصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، كما يمكن استخدام الوسائل التكنولوجية للتواصل مع الوحدة وتقديم الشكاوى، سواء عبر البريد الإلكتروني أو من خلال الموقع الإلكتروني، وتستخدم الوحدة أنظمة خاصة تساعد في حفظ المعلومات بسرية تامة وتحليل بيانات، كما تدرس إدخال أدوات الذكاء الاصطناعي في تصنيف الشكاوى وتحليل الأنماط، والتكنولوجيا بشكل عام ليست بديلاً عن الإنسان، لكنها أداة تعزز من الإجراءات وسرعة الإنجاز.
هل من كلمة أخيرة؟
أنتهز الفرصة لأتقدم بخالص الشكر والتقدير للنائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين على ما يوليه من اهتمام ودعم مستمر للوحدة أسهم بشكل رئيسي في نجاحها وتحقيق أهدافها، ونؤكد بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، على الحق المطلق وغير القابل للتغيير في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وتجدد الوحدة التزامها بمواصلة أداء مهامها باستقلالية وشفافية، وفقاً للمعايير الدولية، بما يضمن الانتصاف والمساءلة، وترسيخ الثقة في منظومة العدالة الجنائية، فصون الكرامة الإنسانية هو حجر الأساس في بناء دولة القانون، ومملكة البحرين ماضية في هذا المسار بثبات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك