العدد : ١٧٢٦٤ - الأحد ٢٩ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦٤ - الأحد ٢٩ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ محرّم ١٤٤٧هـ

أخبار البحرين

بعد 15 عاما من العطاء.. السفير الفلسطيني يختار البحرين بيتا له
السفير الفلسطيني لـ«أخبار الخليج»: الدبلوماسية بين البحرين وفلسطين.. علاقة تجاوزت البروتوكول

السبت ٢٨ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

من المجالس الشعبية إلى القمم العربية.. البحرين صوت فلسطين في كل مكان

أحمل معي من هذه التجربة ذكريات كثيرة ومواقف ستظل راسخة في ذهني

دموع البحرينيين على غزة.. مشهد لا يـنـســى من ذاكرتي


أجرت‭ ‬الحوار‭: ‬ياسمين‭ ‬العقيدات‭ ‬

تصوير‭- ‬رضا‭ ‬جميل‭ ‬

في‭ ‬رصيد‭ ‬مسيرته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬بالبحرين،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬سنوات‭ ‬عابرة،‭ ‬بل‭ ‬فصلًا‭ ‬إنسانيًّا‭ ‬وسياسيًّا‭ ‬حافلًا‭ ‬بالمعاني‭.‬

منذ‭ ‬أن‭ ‬وطئت‭ ‬قدماه‭ ‬البحرين،‭ ‬لم‭ ‬يشعر‭ ‬السفير‭ ‬الفلسطيني‭ ‬طه‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬بالغربة‭ ‬بل‭ ‬وجد‭ ‬فيها‭ ‬وطنًا‭ ‬ثانيًا،‭ ‬وشعبًا‭ ‬احتضنه‭ ‬كأحد‭ ‬أبنائه،‭ ‬وقيادة‭ ‬بادلت‭ ‬قضيته‭ ‬احترامًا‭ ‬ومحبة‭ ‬ودعمًا‭ ‬بلا‭ ‬شروط‭. ‬

في‭ ‬البحرين،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬سفير،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬بلدين‭ ‬جمعتهما‭ ‬قضايا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬السياسة،‭ ‬ووجدان‭ ‬شعبي‭ ‬لا‭ ‬ينسى‭ ‬فلسطين‭ ‬واليوم،‭ ‬ومع‭ ‬نهاية‭ ‬مهامه‭ ‬الرسمية،‭ ‬يختار‭ ‬أن‭ ‬يبقى‮…‬‭ ‬لا‭ ‬لشيء،‭ ‬سوى‭ ‬لأن‭ ‬البحرين‭ ‬أصبحت‭ ‬بيته،‭ ‬وأهله،‭ ‬وذاكرته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يغادرها‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬الخاص،‭ ‬يفتح‭ ‬لنا‭ ‬السفير‭ ‬قلبه‭ ‬وذاكرته‮…‬‭ ‬عن‭ ‬مواقف‭ ‬لا‭ ‬تُنسى،‭ ‬وتفاصيل‭ ‬من‭ ‬كواليس‭ ‬السياسة،‭ ‬ودموع‭ ‬بحرينيين‭ ‬ذرفوها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬غزة‮…‬‭ ‬وعن‭ ‬حبٍ‭ ‬صادقٍ‭ ‬لفلسطين،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يومًا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬كاميرات‭ ‬أو‭ ‬شعارات‭.‬

 

{‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬فترة‭ ‬عملكم‭ ‬كسفير‭ ‬لدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬كيف‭ ‬تقيمون‭ ‬تجربتكم‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬هنا،‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬مواقف‭ ‬ستظل‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬ذهنكم؟

‭- ‬يمكنني‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬تجربتي‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬كانت‭ ‬تجربة‭ ‬استثنائية‭ ‬ومميزة‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة،‭ ‬امتدت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬والتفاعل‭ ‬الإيجابي‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬البحريني‭. ‬منذ‭ ‬لحظة‭ ‬وصولي‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬عبر‭ ‬مطارها‭ ‬الدولي،‭ ‬شعرت‭ ‬وكأنني‭ ‬في‭ ‬وطني،‭ ‬فلم‭ ‬أشعر‭ ‬بالغربة‭ ‬قط،‭ ‬وهو‭ ‬شعور‭ ‬مشترك‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يزور‭ ‬هذه‭ ‬المملكة‭ ‬ذات‭ ‬الروح‭ ‬الأصيلة‭.‬

العلاقات‭ ‬مع‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬البحرينية‭ ‬كانت‭ ‬وثيقة‭ ‬ومحورية،‭ ‬وبدأت‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬تقديم‭ ‬أوراق‭ ‬اعتمادي،‭ ‬حيث‭ ‬لمست‭ ‬دعمًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬وتعاونًا‭ ‬راقيًا‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السابق،‭ ‬معالي‭ ‬الشيخ‭ ‬خالد‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬والوزير‭ ‬الحالي،‭ ‬معالي‭ ‬الدكتور‭ ‬عبداللطيف‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬الزياني،‭ ‬ومن‭ ‬جميع‭ ‬الكوادر،‭ ‬مما‭ ‬سهل‭ ‬انخراطي‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬بسرعة‭ ‬وسلاسة‭ ‬كما‭ ‬جمعتني‭ ‬علاقات‭ ‬بناءة‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬السفراء‭ ‬المقيمين،‭ ‬تعلمت‭ ‬من‭ ‬تجاربهم‭ ‬واستفدت‭ ‬من‭ ‬خبراتهم،‭ ‬مما‭ ‬أضاف‭ ‬بعدًا‭ ‬مهمًا‭ ‬لمسيرتي‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أبهرتني‭ ‬المجالس‭ ‬البحرينية،‭ ‬التي‭ ‬أراها‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬مميزات‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬فهي‭ ‬مساحة‭ ‬مفتوحة‭ ‬للحوار‭ ‬والتعليم‭ ‬والتواصل‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتُعد‭ ‬بحق‭ ‬مدارس‭ ‬حقيقية‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬الجميع‭.‬

كما‭ ‬تعرفت‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬رسمية‭ ‬وشعبية،‭ ‬جمعيات‭ ‬ثقافية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬وشخصيات‭ ‬عامة،‭ ‬وكان‭ ‬لي‭ ‬شرف‭ ‬لقاء‭ ‬القيادة‭ ‬البحرينية‭ ‬الرشيدة‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بالحكمة،‭ ‬والصبر،‭ ‬والتواضع،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬المعظم‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬وصاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬حفظهُ‭ ‬الله،‭ ‬الداعمين‭ ‬الدائمين‭ ‬لفلسطين‭ ‬وقضيتها‭ ‬العادلة‭.‬

أحمل‭ ‬معي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬ذكريات‭ ‬كثيرة‭ ‬ومواقف‭ ‬ستظل‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬ذهني،‭ ‬وأشعر‭ ‬بالامتنان‭ ‬لما‭ ‬تعلمته‭ ‬واكتسبته‭ ‬خلالها،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المهني‭ ‬أو‭ ‬الإنساني،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬الدبلوماسية‭.‬‮ ‬

{‮ ‬خلال‭ ‬وجودكم‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬مواقف‭ ‬شخصية‭ ‬جمعتكم‭ ‬بجلالة‭ ‬الملك‭ ‬أو‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬ذاكرتكم،‭ ‬مواقف‭ ‬تركت‭ ‬أثرا‭ ‬لا‭ ‬ينسى؟

اللقاء‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬جمعني‭ ‬بصاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬وسمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬ترك‭ ‬لدى‭ ‬انطباعا‭ ‬بدفء‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬يطمئن‭ ‬الضيف‭ ‬أو‭ ‬الزائر،‭ ‬رغم‭ ‬الهيبة‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬جلالته‭ ‬وسموه‭ ‬ناهيكم‭ ‬عن‭ ‬هيبة‭ ‬المكان،‭ ‬فإنك‭ ‬تشعر‭ ‬بالألفة‭ ‬والدفء‭.‬

لقد‭ ‬قابلت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬السياسية‭ ‬والقيادية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬أو‭ ‬سوريا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اللقاءات‭ ‬الرسمية‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬تختلف‭ ‬كونها‭ ‬تتسم‭ ‬بالدفء‭ ‬والتواضع‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الشخصية‭ ‬البحرينية‭ ‬الأصيلة‭.‬

كما‭ ‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬لمحبته‭ ‬لفلسطين‭ ‬قد‭ ‬تجاوز‭ ‬البروتوكول‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬المعمول‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬اللقاء‭ ‬الأول‭ ‬مع‭ ‬السفير‭ ‬خلال‭ ‬مراسم‭ ‬تقديم‭ ‬أوراق‭ ‬اعتماده،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ولكرم‭ ‬جلالته‭ ‬ومحبته‭ ‬لفلسطين‭ ‬قام‭ ‬باستقبالي‭ ‬قبل‭ ‬تقديم‭ ‬أوراق‭ ‬اعتمادي‭ ‬حيث‭ ‬كنت‭ ‬برفقة‭ ‬فخامة‭ ‬الرئيس‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬خلال‭ ‬زيارته‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬‮ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الاستقبال‭ ‬بتوجيهات‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬جلالته،‭ ‬ولاحقاً‭ ‬تشرفت‭ ‬باللقاء‭ ‬مع‭ ‬جلالته‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬كانت‭ ‬تسود‭ ‬أجواء‭ ‬المودة‭ ‬والمحبة‭ ‬وأدركت‭ ‬أن‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬ملم‭ ‬بأدق‭ ‬التفاصيل‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬العربية‭ ‬خاصة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬قلبه‭.‬

كما‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬يتمتع‭ ‬بديناميكية‭ ‬كبيرة‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬إلمامه‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬التي‭ ‬يهتم‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬قضية‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوزاري‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العام‭ ‬البحريني‭ ‬للمواطنين‭ ‬خاصة‭ ‬أثناء‭ ‬زياراته‭ ‬لمجالس‭ ‬البحرين‭ ‬حيث‭ ‬كنت‭ ‬أستمع‭ ‬من‭ ‬سموه‭ ‬متابعات‭ ‬لتفاصيل‭ ‬القضايا‭ ‬الحياتية‭ ‬وتطورات‭ ‬مشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬التطويرية‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬كل‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬وتسهل‭ ‬عليهم‭ ‬حياتهم‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬ورفعة‭ ‬المملكة‭.‬

كما‭ ‬اكتشفت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللقاءات‭ ‬أن‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬يحمل‭ ‬محبة‭ ‬خاصة‭ ‬للتراث‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬للمأكولات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التقليدية‭ ‬مثل‭ ‬زيت‭ ‬الزيتون‭ ‬والزعتر،‭ ‬والتي‭ ‬تُعدّ‭ ‬رموزًا‭ ‬وطنية‭ ‬تحمل‭ ‬بُعدًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬في‭ ‬ثقافتنا‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬أطعمة،‭ ‬بل‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬ارتباط‭ ‬الأرض‭ ‬والهوية‭ ‬والصمود‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬الدفء‭ ‬والعلاقة‭ ‬المتميزة‭ ‬التي‭ ‬لمستها‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬إلا‭ ‬امتدادًا‭ ‬صادقًا‭ ‬لتاريخ‭ ‬مشرق‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬المتينة‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬فلسطين‭ ‬والبحرين‭.. ‬علاقات‭ ‬رسّخها‭ ‬الموقف‭ ‬البحريني‭ ‬الثابت‭ ‬والأصيل‭ ‬من‭ ‬قضيتنا،‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬النكبة‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬فارقة‭ ‬مرّ‭ ‬بها‭ ‬شعبنا،‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬سندًا‭ ‬حقيقيًا،‭ ‬وصوتًا‭ ‬عربيًا‭ ‬نقيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تجلى‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬صوره‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬الوثيقة‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬الشهيد‭ ‬القائد‭ ‬‮«‬ياسر‭ ‬عرفات‮»‬،‭ ‬بسمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬الشيخ‭ ‬‮«‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‮»‬‭ -‬رحمهما‭ ‬الله‭- ‬واستمرار‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬الأصيل‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬فخامة‭ ‬الأخ‭ ‬الرئيس‭ ‬‮«‬محمود‭ ‬عباس‮»‬،‭ ‬وأخيه‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬‮«‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‮»‬‭ ‬المعظم‭ -‬حفظهما‭ ‬الله‭.‬

‮ ‬{‭ ‬كيف‭ ‬أثرت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬شخصيتكم‭ ‬ومسيرتكم‭ ‬المهنية؟

‭- ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي،‭ ‬يمكنني‭ ‬القول‭ ‬بكل‭ ‬صدق‭ ‬إنني‭ ‬تعلمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭. ‬تعلمت‭ ‬الصبر،‭ ‬وتعلمت‭ ‬الحكمة،‭ ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬كلمات‭ ‬إنشائية،‭ ‬بل‭ ‬صفات‭ ‬وجدتها‭ ‬متجسدة‭ ‬في‭ ‬الشخصية‭ ‬البحرينية،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القيادة‭ ‬أو‭ ‬الشعب‭. ‬فالبحرين‭ ‬مدرسة‭ ‬في‭ ‬الهدوء‭ ‬والتعامل‭ ‬بالحكمة‭ ‬والرصانة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ساعدني‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬أدائي،‭ ‬وضبط‭ ‬إيقاع‭ ‬عملي‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬دقة‭ ‬وهدوءا‭.‬

كما‭ ‬أنني‭ ‬تأثرت‭ ‬كثيرًا‭ ‬بالتواضع‭ ‬والطيبة‭ ‬التي‭ ‬تميّز‭ ‬بها‭ ‬البحرينيون‭. ‬وجدت‭ ‬فيهم‭ ‬الاحترام،‭ ‬والكرم،‭ ‬وحب‭ ‬الآخر،‭ ‬وهي‭ ‬قيم‭ ‬إنسانية‭ ‬تترك‭ ‬بصمتها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المهني،‭ ‬فقد‭ ‬وسّعت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬من‭ ‬آفاقي‭ ‬كثيرًا،‭ ‬خصوصًا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بفهم‭ ‬النموذج‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬الإدارة،‭ ‬والتنمية،‭ ‬والتعليم،‭ ‬والتعايش‭. ‬فقد‭ ‬لمست‭ ‬من‭ ‬قرب‭ ‬التقدم‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬أحرزته‭ ‬البحرين،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬أو‭ ‬الخدمات،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الفكر،‭ ‬والتعليم،‭ ‬والانفتاح‭ ‬الثقافي‭. ‬البحرين‭ ‬أصبحت‭ ‬منصة‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬لحوار‭ ‬الحضارات،‭ ‬ومركزًا‭ ‬لمؤتمرات‭ ‬السلام‭ ‬والتعايش،‭ ‬وهذا‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬أرساه‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬بات‭ ‬يُحتذى‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

كما‭ ‬لفتني‭ ‬المستوى‭ ‬التعليمي‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬والتقدم‭ ‬العلمي‭ ‬والأكاديمي‭ ‬الذي‭ ‬يُعد‭ ‬مصدر‭ ‬فخر‭ ‬للبلد،‭ ‬وعدد‭ ‬الجامعات‭ ‬وطلاب‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬ومن‭ ‬خارجها‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬أصبحت‭ ‬مرجعية‭ ‬تعليمية‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

{‭ ‬كيف‭ ‬شعرتم‭ ‬وأنتم‭ ‬تتابعون‭ ‬التفاعل‭ ‬الشعبي‭ ‬البحريني‭ ‬مع‭ ‬معاناة‭ ‬أهل‭ ‬غزة؟‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حملات‭ ‬التبرع‭ ‬أو‭ ‬الدعاء‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الكلمات‭ ‬الصادقة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬العاديين؟

‭- ‬التفاعل‭ ‬الشعبي‭ ‬البحريني‭ ‬مع‭ ‬معاناة‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجئًا‭ ‬لي،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬امتدادًا‭ ‬طبيعيًا‭ ‬لتاريخ‭ ‬طويل‭ ‬ومشرف‭ ‬من‭ ‬التضامن‭ ‬الصادق‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬وقضيتها،‭ ‬فمن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬نكبة‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يومًا‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬فلسطين،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬الشعبي،‭ ‬ففي‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كانت‭ ‬النساء‭ ‬البحرينيات‭ ‬يجمعن‭ ‬التبرعات‭ ‬لفلسطين،‭ ‬وكانت‭ ‬المظاهرات‭ ‬تخرج‭ ‬دعمًا‭ ‬لشعبنا‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬استقلال‭ ‬البحرين،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬عمق‭ ‬هذا‭ ‬الارتباط‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي‭ ‬البحريني‭.‬

لقد‭ ‬عشت‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الأصيل‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬خلال‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬المملكة،‭ ‬وشهدت‭ ‬مواقف‭ ‬إنسانية‭ ‬صادقة‭ ‬يصعب‭ ‬حصرها،‭ ‬قبل‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬كانت‭ ‬المجالس‭ ‬البحرينية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬تقيم‭ ‬فعاليات‭ ‬تضامنية‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬بشكل‭ ‬دوري،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬البحرينيين‭.‬

ولعل‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬التناغم‭ ‬النادر‭ ‬بين‭ ‬نبض‭ ‬الشارع‭ ‬والموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬فلا‭ ‬فجوة‭ ‬هنا‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والشعب،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬وحدة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لمسته‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لقاءاتي‭ ‬ومناسباتي‭ ‬داخل‭ ‬البحرين،‭ ‬وأشهد‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬قرأته‭ ‬وما‭ ‬عايشته‭.‬

وهنا‭ ‬أستحضر‭ ‬أيضًا،‭ ‬بتقدير‭ ‬بالغ،‭ ‬المواقف‭ ‬المشرفة‭ ‬لسمو‭ ‬الشيخ‭ ‬ناصر‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ممثل‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬للأعمال‭ ‬الإنسانية‭ ‬وشؤون‭ ‬الشباب،‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬دعمًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬للشباب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المحنة‭ ‬الحالية،‭ ‬وكان‭ ‬لذلك‭ ‬بالغ‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬أهلنا‭.‬‮ ‬

{‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬تهجير‭ ‬وقصف‭ ‬ومعاناة،‭ ‬هل‭ ‬تشعرون‭ ‬أحياناً‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خطرا‭ ‬أن‭ ‬تُنسى‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬أو‭ ‬تهمش؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬نبض‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬حاضراً‭ ‬بقوة؟

‭- ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬وضمير‭ ‬كل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أطفاله‭ ‬ونسائه‭ ‬وشيوخه‭ ‬وشبابه‭ ‬وتتوارثها‭ ‬الأجيال‭ ‬جيلاً‭ ‬بعد‭ ‬جيل،‭ ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬قضيتنا‭ ‬تمر‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬منعطف‭ ‬خطير‭ ‬جداً‭ ‬وظروف‭ ‬صعبة‭ ‬ودقيقة‭ ‬جدا،‭ ‬وقد‭ ‬عاصر‭ ‬شعبنا‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬منذ‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭  ‬في‭ ‬عام‭ ‬1917‭ ‬مروراً‭ ‬بثورة‭ ‬1936،‭ ‬ونكبة‭ ‬الـ48،‭ ‬ونكسة‭ ‬الـ1967،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬المحطات‭ ‬التالية،‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬وشعبنا‭ ‬يتعرض‭ ‬فيه‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬المنظم،‭ ‬ولكن‭ ‬شعبنا‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وقيادته‭ ‬كانوا‭ ‬باستمرار‭ ‬يتجاوزون‭ ‬كل‭ ‬المحطات‭ ‬الصعبة‭ ‬لأن‭ ‬شعبنا‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬جولدا‭ ‬مائير‭: ‬‮«‬أن‭ ‬الكبار‭ ‬يموتون‭ ‬والصغار‭ ‬ينسون‮»‬‭ ‬والحقيقة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬مات‭ ‬الكبار‭ ‬فإن‭ ‬صغارنا‭ ‬لن‭ ‬ينسوا‭ ‬فلا‭ ‬مكان‭ ‬لشعبنا‭ ‬إلا‭ ‬فوق‭ ‬أرضه،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬أهلنا‭ ‬العزل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يمرون‭ ‬الآن‭ ‬بويلات‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الطاحنة‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬القصف‭ ‬والقتل‭ ‬والدمار‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬يرفضون‭ ‬الهجرة‭ ‬أو‭ ‬الانكسار‭ ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬شعبنا‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬المحتلة،‭ ‬فلا‭ ‬مكان‭ ‬لشعبنا‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬التي‭ ‬تعرفهم‭ ‬ويعرفونها‭ ‬لأنهم‭ ‬أصحاب‭ ‬الأرض‭ ‬الحقيقيين‭ ‬وسيدافعون‭ ‬عنها‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتوا‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬وصبر‭ ‬وتحد‭.‬

{‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المصالحة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يبعث‭ ‬الأمل‭ ‬أحياناً‭ ‬ويخبو‭ ‬أحياناً‭ ‬أخرى‭... ‬برأيكم،‭ ‬هل‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬أمل‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬المصالحة‭ ‬النور‭ ‬قريباً؟

‭- ‬حتى‭ ‬نتحدث‭ ‬بصراحة‭ ‬عن‭ ‬المصالحة‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬الراهنة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬غزة‭ ‬الآن‭ ‬يعد‭ ‬أمراً‭ ‬ملحاً‭ ‬وضرورة‭ ‬وطنية‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‮ ‬‭ ‬أثبتت‭ ‬لقاءات‭ ‬المصالحة‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والقاهرة‭ ‬والسعودية‭ ‬وبكين‭ ‬وروسيا‭ ‬لمعالجة‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬أنه‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬تفردها‭ ‬بمصير‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وأن‭ ‬تعترف‭ ‬بمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ممثلاً‭ ‬شرعياً‭ ‬ووحيداً‭ ‬لشعبنا‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬لأن‭ ‬لشعبنا‭ ‬حكومة‭ ‬واحدة‭ ‬وجيشا‭ ‬وسلاحاً‭ ‬واحدا‭ ‬ويحتكم‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬واحد،‭ ‬وعندما‭ ‬يلتزم‭ ‬الجميع‭ ‬بقرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬وبالتوافق‭ ‬والتنسيق‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الأشقاء‭ ‬العرب‭ ‬لأن‭ ‬واجبنا‭ ‬ومصلحتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬تتوجب‭ ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬نتخلى‭ ‬عن‭ ‬عمقنا‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭.‬

{‮ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المتغيرات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬كيف‭ ‬تقيمون‭ ‬الموقف‭ ‬العربي‭ ‬الحالي‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية؟

‭- ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬القمم‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬هي‭ ‬القضية‭ ‬المركزية‭ ‬الأولى‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬والشعبي‭ ‬لجميع‭ ‬دولنا،‭ ‬وتربطنا‭ ‬علاقات‭ ‬أخوية‭ ‬صادقة‭ ‬ومميزة‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬أسس‭ ‬لها‭ ‬الرئيس‭ ‬الخالد‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات،‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬متانة‭ ‬وقوة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬محمود‭ ‬عباس،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الداخلي‭ ‬العربي،‭ ‬ولكون‭ ‬شعبنا‭ ‬يمر‭ ‬بظروف‭ ‬صعبة‭ ‬ومعقدة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬وغزة‭ ‬والقدس‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬الشتات‭ ‬فنحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬عربي‭ ‬وإسلامي‭ ‬للوقوف‭ ‬معنا‭ ‬ومساندتنا‭ ‬سياسياً‭ ‬واقتصاديا،‭ ‬وأن‭ ‬استقرار‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬هي‭ ‬قوة‭ ‬ومتانة‭ ‬وسند‭ ‬لقضيتنا‭.‬

‮ ‬ونلتمس‭ ‬الموقف‭ ‬العربي‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المجموعة‭ ‬العربية‭ ‬السداسية‭ ‬بقيادة‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬والتي‭ ‬تضم‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬عضويتها‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬ومصر‭ ‬والأردن‭ ‬والإمارات‭ ‬وقطر،‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬لنا‭ ‬الغطاء‭ ‬السياسي‭ ‬الضاغط‭ ‬دوليا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وقف‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬على‭ ‬شعبنا‭. ‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الغطاء‭ ‬السياسي‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬لفتة‭ ‬لتوفير‭ ‬الغطاء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لدعم‭ ‬صمود‭ ‬شعبنا‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬مالية‭ ‬صعبة‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬بسرقة‭ ‬أموالنا‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمقاصة‭ ‬والتي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

‮ ‬{‭ ‬ما‭ ‬وجهتكم‭ ‬القادمة‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬والسياسي؟‭ ‬وما‭ ‬الأولويات‭ ‬التي‭ ‬تعملون‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الحساسة؟

‭- ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬مهامي‭ ‬الرسمية‭ ‬سفيرًا‭ ‬لدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬لدى‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬سأبقى‭ ‬مقيمًا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬بمثابة‭ ‬بيت‭ ‬ثانٍ‭ ‬لي،‭ ‬وسأعيش‭ ‬فيها‭ ‬بعد‭ ‬التقاعد،‭ ‬لما‭ ‬لمسته‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬وأصالة‭ ‬ومحبة‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬شعبها‭ ‬وقيادتها‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي،‭ ‬فسأواصل‭ ‬عملي‭ ‬الوطني‭ ‬كعضو‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وهو‭ ‬الهيئة‭ ‬التشريعية‭ ‬العليا‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وكعضو‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬المركزي،‭ ‬الذي‭ ‬يُعد‭ ‬حلقة‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬سأكون‭ ‬دائم‭ ‬الجاهزية‭ ‬لأي‭ ‬مهام‭ ‬تُوكل‭ ‬إليّ‭ ‬مستقبلًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬فلسطين‭ ‬أو‭ ‬خارجها،‭ ‬وإن‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬فسيكون‭ ‬ذلك‭ ‬بتكليف‭ ‬رسمي،‭ ‬أما‭ ‬حاليًا‭ ‬فإن‭ ‬عملي‭ ‬السياسي‭ ‬سيستمر‭ ‬ضمن‭ ‬الإطار‭ ‬الوطني‭ ‬العام‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬البحرين‭ ‬محطة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬مسيرتي،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مهنية‭ ‬بل‭ ‬إنسانية‭ ‬أيضًا‭. ‬عشت‭ ‬مع‭ ‬عائلتي‭ ‬هنا‭ ‬أجمل‭ ‬سنوات‭ ‬حياتي،‭ ‬بعد‭ ‬مسيرة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬النضال‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬وفلسطين‭. ‬البحرين‭ ‬منحتني‭ ‬شعورًا‭ ‬بالدفء‭ ‬والانتماء،‭ ‬ومنحت‭ ‬عائلتي‭ ‬الأمان‭ ‬والسكينة‭. ‬لذلك،‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬أقول‭ ‬لشعب‭ ‬البحرين‭ ‬وقيادته‭ ‬الحكيمة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭: ‬‮«‬شكرًا‭ ‬من‭ ‬الأعماق‭. ‬لقد‭ ‬أحببنا‭ ‬البحرين،‭ ‬وسنظل‭ ‬أوفياء‭ ‬لها،‭ ‬وللعلاقات‭ ‬الأصيلة‭ ‬التي‭ ‬تجمعها‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‮»‬‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا