في قلب صيفنا الحار، تألقت قلوب اللاعبين والمشجعين بشغف آسيوي لا يضاهى، حين تحولت صالة عيسى بن راشد في الرفاع إلى موطن لملحمة رياضية استثنائية، جسدتها بطولة كأس الأمم الآسيوية للكرة الطائرة بنسختها الجديدة، التي لم تكن مجرد بطولة عابرة في روزنامة القارة، بل كانت لوحة نابضة بالتحديات، المواقف المفاجئة، والانتصارات التي كتبت تاريخا جديدا للكرة الطائرة البحرينية. بين كواليس التنظيم الدقيقة، ومفاجآت النتائج، وبطولة وطنية لا تنسى، تولدت هذه الأسطر التي تروي شيئا من تفاصيل ثمانية أيام من الإثارة والإنجاز.
ملحمة آسيوية في البحرين
على امتداد ثمانية أيام، من 17 وحتى 24 يونيو الجاري، تحولت صالة عيسى بن راشد في الرفاع إلى مسرح آسيوي صاخب، احتضن النسخة الحديثة من بطولة كأس الأمم الآسيوية للكرة الطائرة، والتي استضافتها المملكة بنظامها الجديد، وسط تحديات تنظيمية ورياضية متعددة، انتهت بإنجاز تاريخي لا ينسى للكرة الطائرة البحرينية، يستحق التوقف عنده.
انسحاب مبكر.. وسيناريو سهل
قبل أن تنطلق أول ضربة إرسال، سجل أول حدث مؤثر في البطولة، تمثل في انسحاب منتخب كازاخستان لأسباب الخاصة من المجموعة الثانية، وهو منتخب كان مجهول المستوى بالنسبة للمتابعين، إلا أن غيابه سهل من مهمة منتخبي قطر وأستراليا للعبور معا إلى الدور الثاني دون الدخول في حسابات معقدة.
الجاليات تنقذ المشهد
رغم الترقب المحلي، فإن الحضور الجماهيري لم يكن على قدر الطموح، باستثناء مباراتي نصف النهائي والنهائي، في المقابل، برزت الجاليات الآسيوية المقيمة في المملكة، خاصة التايلاندية والفلبينية والإندونيسية والباكستانية والكورية، التي شكلت مشهدا فريدا من التفاعل والحماس، فأنقذت صورة المدرجات وحفظت ماء وجه البطولة من ناحية الحضور.
غياب غير متوقع
من كان يتوقع أن تغيب القوى التقليدية من شرق آسيا عن مشهد نصف النهائي؟ شخصيًا، كنت أتوقع رؤية منتخبات كالصين تايبيه أو تايلاند أو إندونيسيا أو فيتنام في المربع الذهبي، إلا أن المنتخب الكوري الجنوبي وحده حمل راية الشرق، وهو ما يثير التساؤلات ويضع علامات استفهام كثيرة حول مستوى تلك المنتخبات في النسخة الحالية، وتطلعاتها المستقبلية.
أستراليا نموذجا
المنتخب الأسترالي الذي يضم في صفوفه عشرة لاعبين تتجاوز أطوالهم حاجز المترين، خرج من البطولة مكتفيا بالمركز الخامس، في نتيجة تؤكد أن الكرة الطائرة الحديثة لم تعد تلعب بالطول وحده، فالارتقاء العالي والضرب الساحق بلا دقة ومهارة أشبه بمحارب يلوح بسيف ثقيل لا يجيد استخدامه، وبهذا تبرز الحقيقة: المهارة واللياقة الذهنية والتكتيك لا تقل أهمية عن العوامل البدنية.
اللجان.. بطولة خلف الكواليس
بعيدا عن نتائج المنتخبات، فإن من حق اللجان العاملة في البطولة أن ترفع لها القبعة، فقد كانت شعلة من النشاط والانضباط، بدءا من لجنة الملاعب التي بدأت مهامها قبل انطلاق البطولة واستمرت حتى ما بعد النهاية، إلى بقية اللجان التنظيمية والإدارية. وإن كان للبطولة من نجاح تنظيمي، فإن الفضل يعود لهؤلاء الجنود اللا مجهولين الذين عملوا بصمت وجدارة، والبحرين بالفعل تستحق الإشادة.
التوقعات تنقلب رأسا على عقب
كل المؤشرات كانت تشير إلى أن المنتخب الباكستاني سيكون المنافس الأشرس لمنتخبنا الوطني في المباراة النهائية، خاصة بعد فوزه الساحق على قطر حامل اللقب بثلاثة أشواط دون مقاومة تذكر، وبجهد بدني محفوظ، في المقابل كان منتخبنا قد خاض معركة طاحنة في نصف النهائي ضد كوريا الجنوبية، امتدت إلى خمسة أشواط أنهكت اللاعبين. هذا السيناريو جعلنا نضع أيدينا على قلوبنا قبيل النهائي، لكن الواقع كان مفاجئًا للجميع، إذ ظهر الباكستانيون، رغم دعم جماهيرهم الكبير الذين احتلوا الجهة اليمنى من المنصة الرئيسية، بصورة باهتة ومتوترة، خاصة في استقبال الكرة الأولى، في حين أن لاعبي منتخبنا دخلوا اللقاء بثقة وروح قتالية جعلتهم يتفوقون في جميع فترات المباراة، ويتحكمون في تفاصيلها.
البديل عنان يصنع الفارق
مدرب المنتخب، الفرنسي أرنود جوسرند، التزم بتشكيلة شبه ثابتة خلال البطولة، وكنت أتساءل: ماذا لو تراجع مستوى أحد اللاعبين في مباراة حاسمة؟ هل نملك البديل الجاهز؟ وجاء الجواب في نهائي البطولة، عندما تعرّض النجم علي إبراهيم لإصابة، ليحل محله محمد عنان، الذي قدم مستوى مبهرا أربك به حسابات باكستان، وكان واحدا من نجوم اللقاء.
جوائز الأفضلية
بطبيعة الحال، لا تكتمل فرحة التتويج دون اعتراف رسمي بالكفاءة الفردية، وقد حصد لاعبونا نصيب الأسد من جوائز الأفضل في مراكزهم: أيمن هرونة، علي إبراهيم، محمود العافية، ومحمد يعقوب الذي توّج بجائزة أفضل لاعب في البطولة، عن جدارة واستحقاق.
ابتسامة وطنية خالدة
الثلاثاء 24 يونيو 2025، سيكون يوما محفورا في ذاكرة الكرة الطائرة البحرينية الجمعية، يوم كتب فيه منتخب الرجال ملحمة وطنية، صعدت بالكرة البحرينية إلى المجد الآسيوي. فشكرا من القلب لكل من ساهم، من لاعب ومدرب وإداري ومشجع، في صناعة هذا الإنجاز، والشكر موصول لكل من سيواصل الإيمان بحلمنا الأكبر.. لأن القادم أجمل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك