شراكة مستمرة مع «تعافي» لدعم المتعافين وعودتهم إلى المجتمع كأشخاص فاعلين
في خطوة نوعية تعكس مدى التزام مملكة البحرين بمواكبة تطورات الجريمة وأساليبها، أصدر النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين قراراً بإنشاء نيابة متخصصة في جرائم المخدرات، لتحل محل وحدة المخدرات السابقة، وذلك بالتزامن اللافت مع اليوم العالمي لمكافحة المخدرات الذي يصادف السادس والعشرين من يونيو سنوياً.
هذا القرار يرتقي بالبنية التنظيمية إلى مستوى النيابة المتخصصة، بعد أن كانت وحدة تابعة للنيابة العامة، بغرض تعزيز القدرات وتحقيق الملاحقة القضائية الفعالة على الصعيدين المحلي والدولي، وبما يسهم في حماية الأسر والمجتمع من هذه الآفة.
ويأتي هذا القرار كاستجابة عملية لتطور الجريمة المرتبطة بالمواد المخدرة، سواء في أساليب الترويج أو التهريب، لا سيما في ظل لجوء الشبكات الإجرامية إلى استخدام وسائل إلكترونية متقدمة، وتقنيات رقمية معقدة تعقّد مهمة المكافحة والتعقّب. وقد حمل هذا التحول أبعاداً تشريعية وإنسانية وتنظيمية، أكدت خلالها النيابة العامة أن التطوير لم يعد خياراً بل ضرورة.
وفي هذا السياق كانت النيابة العامة، سبق وأن أنشأت في عام 2022 «وحدة جرائم المخدرات» بقرار من النائب العام، وقد قامت تلك الوحدة خلال السنوات الماضية بدور محوري في التصدي لقضايا المخدرات، حيث تعاملت مع مئات القضايا، وأسهمت في جمع وتحليل البيانات الإجرامية ذات الصلة. لكن حجم التحديات، وتشابك الجرائم ذات الصلة كغسل الأموال والاتجار بالأشخاص، دفع باتجاه ترقية هذه الوحدة إلى نيابة متخصصة تمتلك الاستقلال الإداري والاختصاص الحصري في هذه القضايا.
وتضم النيابة المستحدثة كوادر قضائية مدربة ومتخصصة، كما يُنتظر أن تُسهم في تسريع وتيرة إنجاز التحقيقات، وتعزيز التنسيق مع الأجهزة الأمنية الوطنية والدولية، وإعداد الدراسات والتقارير الدورية حول أنماط الجريمة وأساليبها الحديثة، مما سيساعد في تطوير السياسة الجنائية الوطنية في هذا المجال.
ووفقًا للإحصائيات الرسمية، فقد تعاملت وحدة المخدرات خلال الفترة منذ بداية عام 2024 وحتى الشهر الجاري مع 1902 قضية تنوعت ما بين تعاطي المواد المخدرة وجلبها والاتجار فيها، وكان من بين هذه القضايا (296) جناية، وقد أحيل من هذه القضايا عدد (1212) قضية للمحاكمة الجنائية
ومن ناحية أخرى فإن إنشاء نيابة متخصصة، قادرة على مواكبة المستجدات وتطبيق المعايير الدولية في العمل القضائي ضمن شبكة تعاون دولية تتنامى باستمرار. وقد أبرمت النيابة العامة مذكرات تفاهم وتعاون قضائي مع عدة دول لتبادل المعلومات وإنفاذ القانون عبر الحدود، ما يعزز الجهود الوطنية في مطاردة شبكات التهريب والمنظمات الإجرامية، وإلى جانب البعد القانوني والأمني، تتبنى النيابة العامة بمملكة البحرين نهجًا إنسانيًا متقدمًا في التعامل مع المتعاطين، حيث تنظر إليهم على أنهم مرضى بحاجة إلى علاج، لا مجرمون بحاجة إلى عقاب.
وفي هذا السياق، فإن النيابة العامة في شراكة مستمرة ومدروسة مع إدارة مكافحة المخدرات في الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية بوزارة الداخلية في برنامج «تعافي» وهو أحد برامج الشراكة المجتمعية للإقلاع عن الإدمان الذي يتيح لأي شخص يتعاطى المخدرات - سواء بادر بنفسه أو عن طريق ذويه- التوجه للعلاج دون أي مساءلة قانونية، ما دام ذلك قبل ضبطه في حالة تعاطٍ. ويجري علاج الحالات في مستشفى الطب النفسي من خلال برامج تأهيلية متكاملة تشمل الدعم النفسي والاجتماعي والمهني. كما يعمل البرنامج على توفير الدعم المستدام للمتعافين، وتمكينهم من العودة إلى المجتمع كأشخاص فاعلين.
إن قرار إنشاء نيابة جرائم المخدرات هو توجه الجاد للنيابة العامة في البحرين نحو التخصص والتحديث والتكامل مع منظومة العدالة الجنائية الحديثة، خصوصاً أنه جاء في توقيت رمزي يتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، ما يبعث برسالة واضحة مفادها أن المملكة تُعلن التزامها مجدداً بمسؤولياتها الوطنية والدولية في مكافحة هذه الآفة. وأن مكافحة المخدرات ليست مجرد مسألة قانونية أو إجرائية، بل قضية وطنية متكاملة تمس الأمن والصحة والأسرة والمستقبل. وبين يد العدالة القوية، ويد الرحمة الحانية، تتشكل صورة نموذجية لدولة تعرف كيف توازن بين الحزم والإنصاف، وبين الردع والعلاج.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك