في عالم الرياضة، هناك أسماء تكتب سيرتها، ليس فقط بما قدمته داخل الملاعب، بل بما عانته وتحدته خارجها، الكابتن صادق إبراهيم، أحد أبرز نجوم الكرة الطائرة البحرينية، لم يكن مجرد لاعب مميز، بل كان مشروعا للروح القتالية والإصرار، قصة كفاح بدأت من ملاعب الجفير الشعبية، وانتهت بمحطات لا تزال محفورة في ذاكرة الجماهير.
في هذا الحوار الخاص، يفتح الكابتن صادق قلبه ليروي تفاصيل رحلته، من الطفولة الحالمة إلى الوقوف على منصات التتويج، ثم لحظة الانكسار مع الإصابة، وما بين كل ذلك، الكثير من الشغف، التحديات، الخذلان، والرسائل الصريحة التي يوجهها للجيل الجديد ولصناع القرار في الرياضة.
رحلة نادرة، تحمل في طياتها الدروس والعبر، يرويها صاحبها بصراحة ووجع، فكونوا معنا في قراءة حوار استثنائي مع أحد رموز الكرة الطائرة البحرينية.
{ كابتن صادق.. ما الذي كانت تمثل لك الملاعب الشعبية في منطقة الجفير؟ ومن كان له الفضل في اكتشاف موهبتك؟
الملاعب الشعبية في منطقة الجفير شكلت انطلاقتي، وحببتني في اللعبة، وعلمتني المهارة والفكر والحماسة، وثقافة الفوز حتى الرمق الأخير.
وهناك أكثر من مدرب ترك بصمته على صادق إبراهيم ابتداء من الكابتن حسن عبد الله مرورا بالكابتن يوسف خليفة ثم الكابتن رضا علي.
{ هل كنت تتوقع أن تصل إلى هذه المكانة في الرياضة، أم أن الأمر جاء بمحض الصدفة؟
بصراحة، عندما كنت صغيرا كان حلم حياتي أن أكون لاعبا مميزا، وكنت أراقب نجوم النصر الكبار، وكانت لدي مذكرة صغيرة أسجل فيها ملاحظاتي، وإذا كان المتابعون يرون في شخصي كلاعب أنني كنت مميزا، فهذا حققته بالاجتهاد، والمدربون آمنوا بإمكاناتي، حتى اتحاد الطائرة هو الآخر كان يضع آمالا علي أن أعود للملاعب في أي لحظة بعد الإصابة اللعينة في الكتف التي ألمت بي.
{ ما اللحظة التي شعرت فيها أنك أصبحت لاعبا لا يستهان به على المستوى المحلي والدولي؟
بصراحة لم أستشعر يوما في نفسي أن لدي إمكانات، ولكن كنت أمتلك ثقة كبيرة في نفسي تدفعني إلى القدرة على عمل أي شيء، وكنت أسمع الكثير يتكلم عني بالخير ويشجعونني، ولم أكن ألتفت إلى المدح والإطراء، وكنت راض عن نفسي، لأني حققت ما كنت أسعى إليه.
{ ما الذي يميز تجربة اللعب مع نادي النصر؟ وكيف ساهم النادي في صقل مهاراتك؟
بطبيعة الحال نادي النصر منحني الدافع، وكانت الانطلاقة منه، وقادني إلى المنتخب الوطني، وكنا مجموعة من الشباب وبقيادة الكابتن رضا علي نجحنا في إرجاع هيبة ومكانة النادي، فالنصر صنع من صادق إبراهيم اسما يتردد على ألسنة محبي الكرة الطائرة، بصفة عامة النصر كان يخرج لاعبين «سوبر» وأبطال ومهاريين، وكانوا في فترة ما عناصر أساس في تشكيلات المنتخبات.
{ ما أبرز الذكريات أو المباريات التي لا تزال عالقة في ذهنك خلال مسيرتك مع المنتخب الوطني؟
من ذكرياتي مع المنتخب، أنني كنت أحب اللعب أمام المنتخب السعودي على وجه التحديد، لأنه كان في قمة تميزه ومستواه نظرا لوجود كوكبة استثنائية من النجوم المتميزة، وعندما نفوز عليه، فكان الفوز بمثابة بطولة قائمة بذاتها.
{ هل كانت هناك لحظات تحد أو مواقف صعبة واجهتها أثناء ممارستك للعبة؟
نعم، في البداية كان الجميع في موقف رفض أن أكون ضاربا في مركز 4، والسبب يعود لقصر قامتي، فكان هذا يضعني أمام التحدي إذ كيف لي أن أقنع وأثبت للمدربين بأني أهل لهذا المركز في النادي أو المنتخب؟ لذلك عندما لا ألعب كنت أعاني، ولا أستطيع النوم، ولم يكن أمامي إلا العمل على تطوير نفسي في ناحيتين: الارتقاء والذكاء الفكري المتمثل في كيفية التعامل مع حوائط الصد العالية حتى أتمكن من التفوق عليها، فلذلك كنت أشاهد المباريات كثيرا حتى أتعلم.
{ الإصابة كانت نقطة تحول في حياتك.. هل لك أن تحدثنا عن تفاصيلها؟ وكيف أثرت على مسيرتك؟
الإصابة في الكتف، قد أتعبتني نفسيا، خاصة أنها جاءت وأنا في عز عطائي وطموحاتي، كان حينها عمري لم يتجاوز 29 عاما، واليوم عندما أتذكر أحس بالخطأ الكبير، كان أمامي مشوار لأحترف، وتحقيق النجاح، وبعد الإصابة حاولت أن أعيد صادق الذي كان المتابعون يعرفونه خاصة على المستوى الهجومي، ولكن بصراحة لم أستطع، بقية المهارات كلها كانت موجودة باستثناء الضرب الهجومي، وقالوا لي خلال العلاج في ألمانيا بأنني لن أستطيع العودة إلى ما كنت عليه، فالإصابة شكلت لي نقطة سوداء في حياتي، وذكريات سيئة.
{ هل شعرت بالخذلان بعد إصابتك؟
نعم، شعرت بهذا الإحساس خاصة من المقربين.
{ كيف تعاملت نفسيًا مع قرار الاعتزال؟ وهل كنت تفكر في خيارات بديلة قبل اتخاذه؟
لم يكن أمامي بعد الإصابة إلا خيار الاعتزال، رغم إصرار الكثيرين ومنهم الكابتن يوسف خليفة أن أستمر للاستفادة مني في بقية المهارات، غير أني لم أكن راض عن نفسي، كانت الإصابة أكبر مني، وغلطتي الكبيرة التي ارتكبتها، أني رجعت بعد الإصابة ألعب، وقد أخطأت في حق نفسي، وكان علي أن أولي العلاج الأهمية الأولى على حساب اللعب، غير أن هذا لم يحصل، وكان الثمن غاليا.
{ هل حظي صادق إبراهيم بالتقدير الكافي من الإعلام، الأندية، الجماهير؟
حظيت ببعض التقدير، والجميع يقدرك فقط عندما تكون في مستواك، ولكني تعرضت لخذلان كبير من الكثيرين.
{ هل ترى أن هناك فجوة في تكريم النجوم السابقين مقارنةً بالجيل الحالي؟
هناك فجوة كبيرة، في السابق كان هناك التفات وتقدير وتكريم للنجوم، أما الآن وبدون استثناء لا تجد حتى من يسأل عنك.
{ كيف تقارن بين مستوى الكرة الطائرة في جيلك ومستواها اليوم؟ هل ترى أن هناك تراجعا أم تطورا؟
الكرة الطائرة الآن تحتضر، لأن الأندية لم تعد تفرخ وتخرج عناصر ذات نوعية وكيفية، والدليل على ذلك أن أفضل اللاعبين حاليا هم المتقدمون في الأعمار، لأن اللاعبين الصغار ليسوا بالجودة التي يتميز بها الكبار، نظرا لأن الأندية تفتقد نوعية المدربين القادرين على ترسيخ المهارة الصحيحة في الصغير، فكيف بمدرب أن يعلم المهارة وهو أساسا لا يجيدها؟ والأندية هي من تتحمل المسؤولية، فليس كل لاعب يحمل شهادة تدريب قادر على أن يؤسس وينتج، فالشهادة ليست كل شيء.
{ لو كنت في موقع اتخاذ القرار، ما الأمور التي ستغيرها في رياضة الكرة الطائرة؟
لو كنت مسؤولا، وصاحب قرار، فلن أسمح بمنح أي شخص شهادة تدريب إن لم يكن لاعبا، إذ الأهم أن يكون المدرب مؤهلا ميدانيا، إذ المدرب الذي لم يمارس اللعبة فإنه لا يستطيع إيصال المعلومة بطريقة صحيحة، وفي نهاية الطواف، تكون اللعبة هي الضحية، وكذلك المتابع الذي يبحث عن الاستمتاع.
{ رأيناك محللا رياضيا في إحدى البطولات التي استضافتها المملكة مؤخرا، فهل يستهويك التحليل الرياضي؟ ولماذا؟
أحببت التحليل الرياضي، ولكنه يحتاج إلى متابعة للمباريات باستمرار وبدقة، ولابد من الإحصائيات، والإلمام بكل صغيرة وكبيرة.
{ ما الرسالة التي توجهها لمحبي الكرة الطائرة؟
أقول لهم: التفتوا لأنديتكم، واهتموا لأمورها، ولا تمارسوا الصمت وتتفرجوا على الأخطاء، أوصلوا أصواتكم إلى مسؤولي الأندية بالتي هي أحسن، لأن سكوتكم على الأخطاء يجعلكم مشاركين فيها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك