يقول الشيخ مشاري العثمان: «لن نُمكن حتي نبتلى .. وأول التمكين ابتلاء»
نعم، البلاء المقدر قد يتحول إلى منحة تدفع عجلة التغيير والتمكين داخل الإنسان، وذلك متى أيقن تماما بأنها عطية ربانية، فما الحياة التي نعيشها إلا مد وجزر، وفرح وحزن، فقد يهوي المرء إلى القاع من دون سابق إنذار ويبقى المطلوب حينئذ التأمل بصمت، وتعلم الدروس العظيمة، وهنا تولد القوة من رحم الألم لتدفع صاحبها إلى التمرد على واقعه ولتخلق في داخله الإرادة والإصرار على مواصلة المشوار بكل ثبات ومن ثم تخطي العقبات وتحقيق الإنجازات.
ولاء محمد الفرساني، فتاة ابتلاها الخالق سبحانه وتعالى بفقد البصر منذ ولادتها فرددت بداخلها: «نعم أنا إيجابية مهما يحدث في الحياة»، وكأنها تطبق نظرية الفيلسوف اليوناني سقراط حين أكد أنه بالفكر يستطيع المرء أن يجعل عالمه من الورد أو من الشوك.
بالفعل استطاعت أن تحول عالمها إلى بستان من الزهور، يشتمُّ المتجول في أرجائه عبق الأمل، ورحيق التفاؤل وكأنه يطل على أبواب الفرج الذي يعقب كل ضيق، ليدرك أن الحياة بقدر ما فيها من ألم فهناك نوافذ يفتحها أصحاب الهمم القوية تجعلهم مقبلين عليها وبكل حب وإرادة.
هي أول بحرينية كفيفة تحتل المركز الأول في المسابقة الوطنية لحقوق الطفل بالتعاون مع معهد البحرين للتنمية السياسية ووزارة التربية والتعليم، تصدرت أقرانها في مسابقة القصة المقروءة لمؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وذوي الاحتياجات الخاصة على صعيد الوطن العربي، حصدت جائزة الكفيف المثالي من المعهد السعودي البحريني، احتلت المرتبة الأولى في مسابقة حفظ جزء عم للقرآن الكريم لعامين متتاليين.
حول هذه التجربة النموذجية والإنسانية بامتياز كان الحوار التالي:
حدثينا عن طفولتك؟
- أكاد أزعم بأنني لم أشعر قط بإعاقتي أو بأي نقص أو بأن هناك شيئا غريبا في حياتي، فقد ولدت كفيفة وتدربت وتأقلمت منذ نعومة أظافري على ظروفي، وعند عمر ثماني سنوات التحقت بالمعهد السعودي البحريني للمكفوفين علما بأنني فقدت والدتي عند عمر خمس سنوات وبعدها بعامين توفي والدي.
ما هو تعريفك للإعاقة؟
- أنا أرى أن الابتلاء عطاء، وراءه حكمة يعلمها فقط الخالق سبحانه وتعالى، ومن ثم لا أشعر بأن إعاقتي حرمتني من شيء، بل منحتني الكثير من الأشياء منها القوة والثبات والإرادة، وهذا هو سر نجاحي في الحياة والعزيمة على مواصلة المشوار برغم أي عثرات، لا شك أن تدبر القرآن الذي بدأته مع اندلاع أزمة كورونا وتعليمه للأطفال وحتى الكبار مصدر سعادتي وسلاحي في الخروج من أي لحظات ضعف أو إحباط أو ألم قد تمر بي، فقد تعلمت عبر ذلك الكثير من العبر والدروس والمعاني.
كيف تعاملت مع قسوة اليتم؟
- تجربة اليتم كانت من أقسى الأزمات التي مرت بي خاصة وأنني فقدت الوالدين في عمر مبكر للغاية، ولا شك أنني عانيت الكثير بسبب غيابهما، ولكنني في المقابل تعلمت كيفية الاعتماد على نفسي بشكل تام، الأمر الذي أعانني على مواصلة مشواري بكل قوة رغم ما تعرضت له من أزمات شديدة، وذلك في ظل دعم باقي أفراد أسرتي وبصفة خاصة أخي جاسم الذي أدين له بالكثير.
أشد أزمة؟
- عند عمر 14 عاما أصبت بوعكة صحية سافرت على أثرها إلى سنغافورة للعلاج، وقضيت هناك حوالي أربعة أشهر، الأمر الذي تسبب في انقطاعي عن الدراسة مدة عام تقريبا، وكانت تجربة غاية في الصعوبة تعلمت منها أهمية التحلي بالقوة والثقة في الله سبحانه وتعالى وفي النفس عند مواجهة الأزمات، ويمكن القول إنني في العموم أتمتع بشخصية إيجابية تحمل بداخلها الكثير من الأمل والتفاؤل مهما واجهت من صعوبات وهذا ما سهل علي الأمر حين اندمجت في المجتمع.
ما أهم الصعوبات في تجربة الدمج؟
- لقد تم إدماجي في المدارس الحكومية عند الصف الخامس الابتدائي، ومن المؤكد أنني شعرت في البداية بخوف وبتوتر وبفرق كبير في كل أمور حياتي، ووجدت نفسي محقة في ذلك حين اكتشفت عدم تأهيل من حولي لكيفية التعامل مع الكفيف بشكل عام سواء من قبل الكوادر التعليمية أو زميلاتي الطالبات، ولكني حرصت على أن أكون شخصية مرنة إلى أبعد الحدود لا تترك نفسها فريسة لأي مضايقات أو عقبات، ولذلك واصلت مشواري بكل أريحية وأمل وتفاؤل خاصة في ظل ممارستي للعديد من الهوايات التي تخفف عني وطأة أي ضغوطات قد أتعرض لها.
هوايات مثل ماذا؟
- تعلقت منذ طفولتي بهواية الإنشاد، وقد اكتشفت هذه الملكة بداخلي أستاذتي أمينة المرشدي عند عمر ثماني سنوات حين التحقت بالمعهد، ودعمتني كثيرا لتنميتها وممارستها على أسسها الصحيحة، كما كنت بارعة كذلك في إلقاء الشعر، وأحرزت المركز الأول في مسابقة مدرسة الدير..
أكثر ما يؤلمك؟
- بصفة عامة أنا لا أسمح لنفسي أن تصبح ضحية لأي مضايقات أو معاناة مهما واجهت من مواقف صعبة ، ولعل المشكلة الكبرى التي عانيت منها ومازلت هي عدم الوعي بكيفية التعامل مع المكفوفين من قبل البعض، ومع ذلك دائما أعطي الأعذار للآخرين، ولا أتوقف عند سلوكياتهم السلبية، ومن هنا أطالب بالتركيز على أهمية توعية المجتمع بهذه القضية وكذلك فئة المكفوفين أنفسهم حيث يفتقد البعض منهم الثقة في النفس، ومن ثم هناك حاجة لتأهيل الطرفين في هذا الجانب وهذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه تلك الفئة ولذلك اخترت هذا الموضوع ليكون محور بحث تخرجي في الجامعة.
ماذا وراء اختيار تخصص الإعلام؟
- لقد وجدت نفسي وشغفي كثيرا في مجال الإعلام والعلاقات العامة، وذلك لتمتعي بملكة التحدث والتعبير بالكلام، لذلك التحقت بالجامعة الأهلية لدراسة هذا التخصص وحدث ذلك أثناء أزمة كورونا، ولله الحمد وجدت كل الدعم والتشجيع والتسهيلات هناك سواء من قبل الكوادر التعليمية أو الزملاء، ومع الوقت نمت بداخلي الرغبة في تحقيق الكثير من الأحلام والطموحات.
أهم الإنجازات؟
- من أهم الإنجازات التي حققتها عبر مسيرتي حصولي كأول بحرينية كفيفة على المركز الأول في مسابقة حقوق الطفل للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان عن أنشودة تعبر عن الصعوبات التي يواجهها ذوو الإعاقة وكانت من تأليف الأستاذة الفاضلة رانيا يوسف التي لقيت منها كل الدعم والتشجيع، وكذلك احتلالي المرتبة الأولى في مسابقة القصة المقروءة لمؤسسة زايد العليا للأعمال الإنسانية وذوي الاحتياجات الخاصة، وفي مسابقة حفظ جزء عم للقرآن الكريم لعامين متتالين بتنظيم من جمعية الصداقة للمكفوفين، فضلا عن نيل جائزة العضو الكفيف المثالي بالجمعية، كما قمت خلال أزمة كورونا بإعداد تقارير مكتوبة وصوتية وتقديم برامج فضائية منها برنامج تلاوة بلا تعثر.
نشاطك الحالي؟
- أعمل حاليا في سلك التدريس للقرآن الكريم سواء للأطفال أو الكبار، كما أقوم بتعليم المكفوفين المبتدئين كيفية استخدام الحاسب الآلي مع تدريبهم على برامج تحرير النصوص والقراءة والكتابة بطريقة «برايل» ولا يفوتني هنا تقديم كل الامتنان والشكر للأستاذة إيمان نوري رضا التي كانت ولا تزال تمثل داعما وسندا كبيرين لي في تعلم القرآن ومن ثم تعليمه للآخرين.
هل يراودك حلم تكوين أسرة؟
- نعم يراودني حلم تكوين أسرة، ولم لا؟ فإذا تهيأت الظروف والفرص لتحقيق هذا الطموح سوف أقدم على هذه الخطوة دون تردد، وهناك نماذج كثيرة مماثلة نجحت في هذا الشيء، وعموما أنا لا أشعر بأن هناك أي نقص في حياتي، فعلاقتي بالله سبحانه وتعالي قوية للغاية وهذا ما يمدني دوما بالمشاعر الإيجابية وبالأمل في مستقبل أجمل.
مبدأ تسيرين عليه؟
- مبدأي في الحياة هو «التألق»، وذلك في أي شيء أقوم به، وهو أمر يتحقق بالتعلم المستمر من الآخرين حتى من الأطفال الذين أدرسهم القرآن، وكذلك بالإرادة وبمشورة من حولي.
طموحك القادم؟
- كم أتمنى امتلاك مؤسسة إنسانية تخدم ذوي الإعاقة بشكل عام، وكذلك إنشاء مشروع مقهى علمي لكل فئات المجتمع، وهي فكرة تسلمتها أثناء دراستي بمدرسة غازي القصيبي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك