عندما يدور الحوار مع عضو من أعضاء أسرة العنزور، فأنت على موعد مع الثقافة والحضور الفكري والانغماس الرياضي الأكاديمي، والكابتن علي العنزور اللاعب والمدرب والمحاضر الرياضي غصن من أغصان هذه الأسرة الجميلة، شدّني إليه دماثة خلقه قبل أيّ شيء آخر، كنت شخصيا أتحيّن الفرصة المناسبة تلو الأخرى كي أحاوره على صفحات الملحق الرياضي في «أخبار الخليج» الذي تربطه به وبكتابه علاقة استثنائية إن صحّ التعبير، نمني النفس أن يخرج الحوار إلى القراء والمتابعين بما يليق بقامة وقيمة ضيفنا الكريم.
1/ الكابتن علي العنزور ينتمي إلى أسرة رياضية ومثقفة، معادلة صعبة كيف تفسرها للقراء والمتابعين؟
بالفعل نشأت في البيت (العود) وسط عائلة مولعة بالرياضة من أبناء وبنات العم والعمة وأبناء المنطقة (المنامة)،وكان التشجيع حاضرا لممارسة كل الرياضات تقريباً، وكان عمي المرحوم حبيب العنزور يمثل حينها مصدر إلهام لنا من الناحية الرياضية، إذ كان حارسا سابقا للمرمى، ولازالت ذاكرتي حاضرة عندما يفوز فريق النسور سابقاً يتم دعوة بعض نجومه لوليمة العشاء في البيت العود، وكانت ابنته ليلى العنزور (أخصائية مناهج رياضية في وزارة التربية) لاعبة كرة طائرة سابقة، ومعظم بنات وشباب العائلة كانوا يزاولون رياضة معينة في النادي الأهلي (لاحقا)، إذ كنت صغيرا عندما أخذت بنت عمي أزهار العنزور بيدي وهي لاعبة كرة سلة في النادي الأهلي مع أختها كفاية لممارسة كرة السلة، وكان الموسم على مشارف الانتهاء.
2/ هل زاولت كرة اليد بالوراثة أم وراء ذلك أسباب أخرى؟
كانت بدايتي 1977 مع كرة السلة التي مارستها فترة قصيرة، وكان الأهلي حينها يزخر بنجوم شابة، ولكن بعد اندماج الأهلي مع نادي الجزائر في عام 1978 تغيرت ميولي إلى ممارسة كرة اليد أسوة بأصدقاء المنطقة.
3/ الكرة الطائرة الحديثة تعتمد على القوة والسرعة، ما جديد كرة اليد؟
إذا تكلمنا عن القدرات البدنية فكرة الطائرة مماثلة لكرة اليد من حيث القدرة، وهي القوة المتميزة بالسرعة والقوة الانفجارية، إذ تعدّ القوة سمة اللعبتين (اليد والطائرة) وذلك في عملية التصويب بالذات والحركات الانفجارية الأخرى المستخدمة في اللعبتين، فاللعبتان متشابهتان من ناحية القدرات، وهذا ما يلاحظ في اللقاءات ذات المستوى العالي الحديث في اللعبتين من قوة وسرعة مطلوبتين في الأداء فضلا عن باقي القدرات من تحمل ومرونة ورشاقة.
4/ لو لم تزاول لعبة كرة اليد فأي لعبة كانت قريبة إليك؟ ولماذا؟
طبعا لو لم أتجه لمزاولة كرة اليد لواصلت مسيرتي مع كرة السلة، فكنت أهواها منذ كنت في مرحلة الدراسة الإعدادية، إذ لعبت في دوري الفصول في مدرسة السلمانية، وفترة قصيرة كما أسلفت في النادي الأهلي، فأنا بشكل عام رياضي، وأحب جميع الألعاب الرياضية وتأتي كرة السلة على مستوى الميل بعد كرة اليد.
5/ هل هناك لعبة رياضية معينة تستهويك مشاهدتها؟ إن وجدت فما الأسباب؟
كما قلت سابقا، إذ أحب جميع الألعاب الرياضية، ومن هذا المنطلق عندما أشاهد الأولمبياد أستمتع بالجميع، وأوفر الوقت لنفسي حتى يتسنى لي مشاهدة جميع الألعاب بقدر المستطاع، وأحاول أن أستفيد كمدرب من الألعاب الجماعية ومتطلباتها البدنية والنفسية والفكرية المتشابهة مع رياضتي والسعي إلى المقارنة للخروج بالفائدة.
6/ كيف ترى مستقبل كرة اليد محليا؟
من خلال تخصصي وعملي في كرة اليد وقربي من الزملاء المدربين واللاعبين والأندية أرى أن اللعبة من الممكن الاستمرار في الإنجازات والتطور للأفضل، ولكن بشروط يشعر بها أصحاب القرار سواء في الأندية أو الاتحاد أو الجهات المسؤولة عن العمل الرياضي في البلد، إذ هناك جيل واعد من صغار السن تتوفر فيه مواصفات كرة اليد الحديثة على مستويي الطول والبنية الجسمانية المثالية تقريباً فضلا عن باقي القدرات، والأندية تتوفر لديها البنية التحتية من صالات رياضية وكفاءات فنية وإدارية، غير أنّ العملية تحتاج إلى الدعم المادي الكبير لتسيير عملية التطوير لدى اللاعبين والتخطيط الاستراتيجي الطويل المدى لتكوين وبناء لاعبين إنجازيين على النسق العلمي الدقيق الممنهج والمخطط، وتتطلب العملية قرابة عشر سنوات من العمل المخطط لمواكبة التطورات المستقبلية في الحداثة الرياضية لكرة اليد، وبغير ذلك أعتقد بأننا نعمل وننتظر الصدف.
7/ ما أسباب سيطرة الدول الأوروبية الشرقية على اللعبة خلال الفترة المنصرمة؟ وهل تغيرت خارطة المنافسة خلال السنوات الأخیرة؟
سيطرة الدول الإسكندنافية مثل الدنمارك وفرنسا والسويد والنرويج بالإضافة إلى إسبانيا وباقي الدول الأوربية في اعتقادي يعود إلى اتباع الأسس الحديثة من قوة وسرعة وبنية جسمانية فضلا عن المهارات الفردية، فالطابع الاستراتيجي المستخدم للعب الحديث هذا لا يأتي من فراغ بل هو نتيجة تخطيط مسبق طويل المدى للبناء بصورة علمية دقيقة، ومن هذا المنطلق اتّبعت بعض دول أمريكا اللاتينية مثل البرتغال والبرازيل والأرجنتين هذه السياسات التطويرية، واستطاعت أن تثبت تطوّرها على بعض الدول العريقة في كرة اليد، ونرى في المنتخب العربي المصري أنه يسير في هذا الاتجاه، فهو يقدم كرة يد حديثة وفق النسق الصحيح، وهذا مطلوب للعمل به سعيا إلى التطوير الرياضي المستمر.
8/ لقد توحدت مدارس الكرة الطائرة وبات هناك مدرسة عالمية واحدة، ماذا عن كرة اليد؟
في اعتقادي الشخصي لا يمكن أن نطلق مصطلح توحيد المدارس في المجال الرياضي، على اعتبار أنه لكل بلد أو مدرسة أفكار وبرامج تطويرية مختلفة عن وجهات نظر الفرق والمدارس الأخرى، فهم دائماً في مجال للبحث عن التنافس والاكتشافات عن تطوير الاستراتيجيات التي تخدم كيفية التفوق على المنافسين والخصوم الأخرى، ولذلك نرى حالياً الجانب البدني يستخدم كعنصر استراتيجي للتغلب على ضعف بعض الجوانب المهارية والخبرات لدى فرقهم وضرب الخصوم بأساليب غير تكتيكية وإنما باستراتيجية مغايرة.
9/ اللعب والتدريب والمحاضرة.. كلها اجتمعت في شخصية الكابتن علي العنزور أين تجد نفسك أكثر؟ ولماذا؟
كل مرحلة من العمر ولها صفاتها وطموحاتها ووقتها، لذلك مرحلتا الصبا والشباب كان فيهما اللعب يستهويني بطبيعة المرحلة التي جذبني خلالها أيضا تدريب الصغار، وفي الوقت الذي كنت فيه لاعبا بفئة الشباب كنت أستثمر فترة العصر لأكون مساعدا للأستاذ سلمان الجشي مدرب فريق الأشبال في النادي الأهلي، ولا أنسى أستاذي وأخي الأستاذ فيصل حميدان الذي أخذ بيدي وشجعني كثيراً على سلوك هذا الدرب، ومن الطبيعي بعد تركي اللعب أن يكون توجهي نحو سلك التدريب ومراحله ودروبه.
بعد ترك اللعب صار الاتجاه بشكل طبيعي نحو التدريب ومراحله الذي واصلت معه دراسة التدريب العام بالإضافة للدراسة التخصصية في كرة اليد، وكنت في هذه المرحلة أمارس مهنة التدريب والمحاضرات في أكاديمية اللجنة الأولمبية كمحاضر للمستوى الأول والثاني والثالث للبرنامج الوطني للتدريب، وحالياً أنا أحب هذه المرحلة، وأستمتع كثيرا بالتدريب والمحاضرات وخدمة الرياضة والرياضيين المحليين ومن دول المنطقة الخليجية وأسعد أكثر بخدمة الأجيال القادمة من المدربين واللاعبين.
10/ كانت لك تجارب تدريبية خارجية.. حدثنا عن إيجابياتها وسلبياتها ومكاسبها؟
التجربة الخارجية كانت جميلة جداً بحلوها ومرها مع ناديين، إذ أعطيت كل ما أملك من خبرات وعلوم ومهارات في مجال التدريب والحياة، وبدورها أكسبتني الكثير من الخبرة والتعامل مع الرياضيين كلاعبين وفنيين وإداريين، وكانت محطة لكسب المزيد من العلاقات الطيبة مع الجميع، وشخصيا راض عن التجربة كل الرضا عما قدمته، وفي نهاية الطواف مهنة التدريب مهنة شاقة وينبغي عليك كمدرب ومدير فني مسؤول عن التخطيط للفرق والعمل على التطوير الدائم لهذه الفرق أن تتقبل آراء الجميع بشأن نوعية العمل الذي تقوم به سواء كان محل قبول أو خلافه، والحمد لله أعتقد شخصيا بأنني قمت بعملي وحصلت على النتائج المرجوة للناديين اللذين عملت معهما، وكنت أتمنى مضاعفة الإضافة لهذه التجربة ولكن قصر الوقت والاستعجال في طلب بعض الأمور عجل بالرحيل.
11/ هناك من يردد أن ألعابنا الرياضية تفتقد إلى التحليل الفني والنقد الفكري.. ما رأيك في هذا الكلام؟
التحليل والنقد هما عمليتان تنتجان من الخبرات الميدانية المكتسبة والجانب العلمي المعزز بالطرح كفكر نقدي أو تحليل لبعض الأمور التدريبية أو النقدية لتوضيح ما يجب أن يعمل به للتطوير أو لتصحيح بعض المواقف مثلا، وفي رأيي أنه كلما كانت الخبرات الميدانية والعلمية حاضرتين لدى الشخص المحلل أو الناقد لبعض الحالات الفنية وبإضافة كيفية و نوعية الطرح السليم للأفكار سيكون التحليل والنقد أكثر دقة، وفي الوقت نفسه ينبغي تقبل جميع وجهات النظر من قبل الآخرين.
12/ هل المكتبة العربية تشبع نهم مدربي كرة اليد؟
للأسف النظريات والأبحاث الحديثة في علوم التدريب الحديث تكاد تخلو منها المكتبات العربية، نظرا لقلة الأبحاث والدراسات العلمية في الوطن العربي إلا ما ندر منها، وتكاد تكون معدومة، فنحن حالياً نعتمد غالبا على النظريات والأبحاث والأساليب والاستراتيجيات الغربية بصورة مطلقة من خلال الدراسات الدولية، أو تبادل الخبرات مع الطاقات الأجنبية، أو بعض الإصدارات للمجلات العالمية الأجنبية، وإن وجدت بعض الإصدارات العربية في بعض المكتبات غالباً ما تكون مترجمة لبعض الدراسات والأبحاث الأجنبية خارج النطاق العربي.
13/ نعرف أنك ترتبط بعلاقات أخوية مع بعض مدربي الألعاب الرياضية الأخرى.. كيف ترى أهمية مثل هذه العلاقة؟
علاقاتي مع بعض الأصدقاء والأخوة والأخوات في مختلف الرياضات سواء محلياً أو في دول الجوار هي محل الاعتزاز الكثير، وتسعدني كثيرا لما لها من طابع التبادل المعرفي، إذ من خلال البرنامج الوطني للمدربين والذي أحاضر فيه تعرفت من قرب على الكثير من المدربين المحليين والخليجيين بالذات، وعندما أحاضر لهم في البرنامج فأنا أستمع لهم ولتجاربهم الميدانية وخبراتهم وأستفيد منهم بطبيعة الحال، فالعملية عكسية متبادلة (وفوق كل ذي علم عليم) فنحن غالباً ما تربطنا علاقات أخوية ممتازة لتبادل الخبرات.
14/ ثلاث رسائل خاصة تريد أن توجهها لثلاث شخصيات رياضية أو إدارية فماذا تريد أن تقول لهم فيها؟
الرسالة الأولى أوجهها إلى أخي وصديقي د. نبيل طه وأقول له فيها: إننا لن نوفيك حقك بشأن ما تقوم به مع المدربين والرياضيين البحرينيين والخليجين جمعاء، فأنت موسوعة رياضية مسخَّرة لخدمة جميع الرياضيين في الوطن فلك منا الشكر الجزيل على ما تبذله وتقدمه للجميع.
الرسالة الثانية لأخي وصديقي الأستاذ علي عيسى إسحاقي رئيس الاتحاد البحريني لكرة اليد وأقول له فيها: أنت دينامو كرة اليد حالياً والعقل المخطط والمدبر للعبة، ومنذ أن عرفتك لاعباً وإداريا محنكا في اتخاذ القرارات السليمة لرسم المشاريع الريادية دائما، فلك منا كل الدعم والشكر على ما تقدمه.
الرسالة الثالثة إلى أخي وأستاذي الكبير الأستاذ فيصل حميدان مشرف كرة اليد سابقاً في النادي الأهلي، وأقول له: «أنت من أخذت بيدنا كلاعبين صغار وشباب، ولك الفضل بعد الله علينا وعلى كرة اليد في النادي الأهلي فيما وصلنا إليه وما وصلت إليه كرة اليد الأهلاوية من إنجازات فلك جزيل الشكر والتقدير على ما بذلته من جهود ووقت لن ننساهما لك أبدا».
15/ قرار ندمت على اتخاذه وآخر غير مسار حياتك؟
لم أندم في حياتي على أي قرار اتخذته سواء كان قرارا صائبا أو خاطئا، لأنه لم يأت إلا بإذن الله، وأنا راض عن كل ما اتخذته من قرارات، وتعلمت من الفشل، واستفدت من القرارات السليمة، وهذه طبيعة الحياة يجب الاستفادة والتعلم المستمر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك