تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة «تصفية للقضية»
الانقسام أضر قضيتنا.. ويجب تداول السلطة من دون استقواء بالخارج ومن دون شق للصف الوطني
نصرُّ على ارتباط غزة بشكل كامل بالضفة الغربية في إطار دولة واحدة
أجرت الحوار: ياسمين العقيدات
تصوير- رضا جميل
أكد الدكتور محمود الهباش، قاضي قضاة دولة فلسطين، رئيس مجلس القضاة الشرعي، ومستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، أن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة مرفوض تحت موقف عربي إسلامي دولي موحد، والقبول فيه يعد «تصفية للقضية الفلسطينية».
وأضاف مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية لــ«أخبار الخليج» أن الخطة المصرية الفلسطينية لإعادة إعمار قطاع غزة ستتم دون خروج أي فلسطيني من قطاع غزة ونستطيع إعمارها والفلسطينيون بداخلها حيث عرضت الخطة، مشددا على رفض إخراج الفلسطينيين من قطاع غزة.
وشدد الهباش في حديثة على أهمية أن تعيد حركة حماس إدارة قطاع غزة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، أولا من أجل توحيد الوطن، وثانيا، من أجل سحب الذرائع من يد الاحتلال، ومن أجل عدم تقديم خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي لكي يستمر في عدوانه تحت شعار كاذب القضاء على حركة حماس، والحقيقة أن الاحتلال يريد القضاء على الشعب الفلسطيني، وها هي الأمور تنكشف اليوم للجميع. وهذا نص الحوار:
*كيف تنظرون إلى الموقف العربي بشأن خطة الرئيس الأمريكي حول قطاع غزة؟
- خطة التهجير هي خطة إسرائيلية في المقام الأول طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي من بداية العدوان عندما دعا سكان قطاع غزة إلى الخروج، حيث أخذ العرب يومها موقفًا واحدًا ضد هذه الخطة خاصةً مصر والأردن لأنهما الدولتان المرشحتان لاستقبال الفلسطينيين المهجرين وكان موقفهما صارما وحاسما حول هذه الخطة، ما جعل جميع الدول العربية والإسلامية تلتف في قمة الرياض التي عقدت في شهر نوفمبر 2023 ضد تهجير الفلسطينيين والعدوان وهذا الموقف العربي الواحد استقطب موقفا دوليا كاملا مما جعل الإدارة الأمريكية السابقة تعلن رفضها لهذا التهجير.
حيث عادت هذه الفكرة لتطرح من جديد وواجهت ردة فعل فلسطيني عربي إسلامي دولي رافض جعلنا جميعًا على قلبٍ واحد ضد فكرة تهجير الفلسطينيين عن أرضهم حيث إنهم يدركون مخاطر هذه الفكرة على الأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية لأنها تعد «تصفية للقضية الفلسطينية»، فالحديث عن التهجير في قطاع غزة اليوم سيكون دور الضفة الغربية بعدها ومن ثم يكون تهجير كلي للفلسطينيين وللأراضي التي احتلت عام 1948م وبالتالي يتم تنفيذ الشعار الصهيوني القديم «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، حيث إن الموقف العربي أفشل هذه الخطة التي لن تمر إطلاقًا ولن يخرج الفلسطينيون من فلسطين مهما كانت الظروف والتضحيات والمعاناة، بالإضافة إلى أنه لن يكون هناك صفقة قرن لإخراج الفلسطينيين كما أفشلناها سابقًا سنفشلها لاحقا حيث إن فلسطين ليست للبيع ولا للمبادلة ولا للمساومة.
أما بخصوص القمة العربية فإن الموقف العربي مستند إلى رؤية عربية وإلى شرعية دولية، وإلى رؤية إسلامية وإلى قبول وإصرار فلسطيني على الاستمرار إلى حين قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وتحرير أرضها من الاحتلال بشعوبنا العربية والإسلامية.
*ماذا عن خطة إعادة إعمار غزة؟
- إن الخطة المصرية الفلسطينية لإعادة إعمار غزة تتضمن الرؤية الفلسطينية للإغاثة في قطاع غزة وللتعافي ومن ثم للإعمار وتعد خطة متدرجة، دون خروج أي فلسطيني من قطاع غزة حيث نستطيع إعمار غزة والفلسطينيون بداخل القطاع، حيث عرضت هذه الخطة على الأشقاء في مصر وجاهزون للمناقشة وللتعديلات عليها، ولكن الأمر الوحيد الذي نرفض فيه المناقشة مع أي جهة كانت هو إخراج الفلسطينيين من قطاع غزة، إنما في جوانب الأمور الفنية وكيف نديرها نسمح بالنقاش فيها.
*ما رؤية السلطة الفلسطينية للمشهد في غزة في المستقبل، وهل مازلتم تطالبون بابتعاد حماس عن إدارة القطاع؟
- نحن نرى أن قطاع غزة جزء من إقليم الدولة الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية ووفق قرارات الشرعية الدولية وبرنامج السلام الفلسطيني الذي اعتمدته منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 إبان المؤتمر الوطني المجلس الوطني الذي عقد في الجزائر ومنذ عام 1988 حتى اليوم، هذا هو برنامج السلام الفلسطيني وهي دولة فلسطينية على حدود عام 1976م والقدس الشرقية عاصمة لها وفق قرارات الشرعية الدولية حيث إن قطاع غزة جزء من هذه الدولة، وجزء من إقليم الدولة.
وفي عام 2007 حماس قامت بانقلاب واستولت على هذا الإقليم وعلى جزء من قطاع غزة لكن بقي قطاع غزة جزءا من أرض الدولة الفلسطينية، وبقيت السلطة الوطنية الفلسطينية تقوم بواجباتها المدنية تجاه الأهالي في قطاع غزة من التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، والماء والكهرباء والخدمات جميعها كانت تقدمها وتمولها السلطة الوطنية الفلسطينية طوال تلك السنوات الماضية وعندما اندلعت الحرب العدوانية الأخيرة عدنا وأكدنا ذات المبادئ فقطاع غزة جزء من الدولة الفلسطينية وجزء من إقليم الدولة الفلسطينية والذي يريد أن يفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية يعد إسرائيليا كونه لا يريد قيام دولة فلسطينية، حيث تحدث نتنياهو علناً ومن دون مواربة أنه غذى الانقسام الفلسطيني وغذى سيطرة حماس في فترة ما على قطاع غزة قبل 7 أكتوبر من أجل منع قيام دولة فلسطينية.
أما الآن وبعد الحرب نحن لا نزال نصر على أن قطاع غزة، يجب أن يرتبط عضويا قانونيا وإداريا وسياسيا وأمنيا بشكل كامل بالضفة الغربية في إطار دولة واحدة ونظام سياسي واحد للفلسطينيين وقانون وطني واحد، وهو سلاح شرعي واحد، مظلة سياسية واحدة، وهذا هو تصورنا للأمر في قطاع غزة.
أما بخصوص إبعاد حماس عن إدارة القطاع فحماس تعد جزءا من الشعب الفلسطيني ونحن لا نريد إقصاء حماس من المشهد السياسي لكن ليس من حق حماس أن تدير قطاع غزة أو أن تحكم قطاع غزة، فجميع الدول العربية أو الأجنبية هناك دولة وهناك أحزاب والذي يدير المشهد العام هو الدولة مع احترام وجود الأحزاب في فلسطين، والأمر الذي لا خلاف فيه أن النظام السياسي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، وهناك أحزاب وفصائل، ليس من حق أي فصيل أن يستأثر بإدارة جزء من الدولة، فالإدارة فقط حق حصري للدولة وللنظام السياسي.
ولهذا نعم، نطالب حماس بأن تعيد تسليم قطاع غزة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، أولا من أجل توحيد الوطن، وثانيا، من أجل سحب الذرائع من يد الاحتلال، ومن أجل عدم تقديم خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي لكي يستمر في عدوانه تحت شعار كاذب القضاء على حركة حماس، والحقيقة أن الاحتلال يريد القضاء على الشعب الفلسطيني، وها هي الأمور تنكشف اليوم للجميع.
*ماذا عن خطوات رأب الصدع الفلسطيني، ألم يحن الوقت لإنهاء هذه المشكلة؟
- بكل تأكيد فالانقسام أضر كثيرا بالقضية الفلسطينية ويعد جريمة يتحمل مسؤوليتها من ارتكبها ونحن منذ أن وقع الانقسام عام 2007 نمد أيدينا للكل الفلسطيني، حيث إن فلسطين أكبر من جميع الفصائل ولهذا يجب أن نجتمع جميعا تحت مظلة فلسطين الواحدة، وهي مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ونتداول السلطة بالطرق الديمقراطية البحتة دون استقواء بالخارج ودون شق الصف الوطني الفلسطيني والآن نحن مازلنا نمد أيدينا للمصالحة، ولكن على أسس واضحة أولا الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني فكيف سندير شؤوننا إذا كان لنا رأسان؟ ولهذا لا بد أن تكون هناك رأس واحد، هذه الرأس هو منظمة التحرير الفلسطينية الأمر الثاني الالتزام بالشرعية الدولية.
فالشرعية الدولية هي المظلة التي نحارب تحتها ضد الاحتلال وحقنا في مواجهة الاحتلال ضمنته الشرعية الدولية بالإضافة إلى أن حقنا في الدولة ضمنته الشرعية، وحقنا في ملاحقة الاحتلال قانونيا في محكمة العدل الدولية وفي المحكمة الجنائية الدولية وفي منظمة اليونسكو، وفي مجلس حقوق الإنسان، وفي كل المنظمات الدولية العامة تكفله، لأن الشرعية الدولية ناضلنا لعقود من أجل أن نصبح جزءا منها وبالتالي ولهذا يجب أن تحترم هذه الشرعية الدولية وقراراتها التي التزمت بها منظمة التحرير، في احترام وحدانية تمثيل منظمة التحرير، واحترام الشرعية الدولية، واحترام التزامات منظمة التحرير الفلسطينية الدولية أيا كانت هذه الالتزامات، لأنها هي من تمثل البيت السياسي والإطار السياسي الرسمي التمثيلي الذي تعترف به المجموعة العربية والمجموعة الإسلامية وكل المجموعات الدولية.
والأمر الآخر إنهاء جميع إفرازات ونتائج الانقلاب الذي وقع عام 2007 عبر التصالح وأن نتوحد، أما فكرة أن حماس تسيطر في قطاع غزة، والسلطة تسيطر في الضفة الغربية، فهذا مرفوض نحن لسنا دولتين بل دولة واحدة ولذلك المصالحة تقتضي إعادة تسليم الأمور في قطاع غزة للسلطة الوطنية الفلسطينية فالانقسام ضار جدًا للقضية الفلسطينية.
يقولون إنه ولكي نعيد السير بمساره الصحيح يجب أن نتراجع عن الخطوة الخطأ التي وقعت عام 2007، وهو خطأ الانقسام والذي يتطلب التراجع عن هذا الخطأ والعودة إلى النقطة التي كنا متفقين فيها نقطة أن هناك سلطة واحدة، حكومة واحدة، وأجهزة أمن واحدة، وسلاحا شرعيا واحدا، وقانونا واحدا هذه هي الأسس التي تضعها القيادة الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة.
ففي شهر يوليو 2023 التقى الرئيس محمود عباس كل الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس في مدينة العالمين بمصر ووضع هذه الأسس على الطاولة واتفقنا في ذلك الاجتماع على أنه وبعد أسبوع ستلتقي لجان عملية فنية لوضع هذا الأمر موضع التنفيذ على هذي الأسس في مصر حيث رحبت باستضافة هذه الاجتماعات الفلسطينية الفلسطينية للفرق المختلفة، لكن فوجئنا بأن حركة حماس ترفض أن تستكمل هذا المشروع.
*هل حل الدولتين بات مهددا، خاصة في ظل ما يجري في الضفة الغربية؟
- الذي يهدد حل الدولتين هو الإجراءات الإسرائيلية واستمرار الاحتلال والاستيطان والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، والاعتداءات اليومية في قطاع غزة والضفة الغربية هو الذي يهدد حل الدولتين ولكي نصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية أمامنا خياران، لا ثالث لهما الخيار الأول هو حل الدولتين وفق ما قررت الشرعية الدولية إذا لم يكن هذا ممكنا، يمكن أن نذهب إلى خيار الدولة الواحدة دولة لكل مواطنيها فلسطينيين وإسرائيليين، مسلمين، يهود، مسيحيين، درزييين مهما كانت أجناسهم وأديانهم على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات على قاعدة المواطنة ودولة يتمتع فيها الجميع بحقوقهم.
فإما أن نكون دولتين، كل شعب في دولة ونتقاسم الأرض أو دولة واحدة في كل الأرض لكل المواطنين إذا لم توافق إسرائيل على هذا ولا على هذا، فماذا تريد؟! التهجير؟ ونحن لن نخرج من فلسطين أبدا، فهذا الضرب من الخيال والوهم، وواهم من كان يظن أن بإمكانه تصفية القضية الفلسطينية فهذه القضية الفلسطينية اليوم يمثلها 15 مليونَ فلسطيني، نصفهم داخل فلسطين ونصفهم خارج فلسطين لاجئون بالإضافة إلى الأمة العربية والإسلامية و2 مليار عربي ومسلم، والمجتمع الإنساني المؤمن بالشرعية الدولية وحقوق الإنسان وبالتالي من المستحيل أن ينجح أحد في تصفية القضية الفلسطينية، على مدى مئة سنة من وعد بلفور إلى اليوم لم تنجح إسرائيل في تصفية الوجود الفلسطيني، حيث إن عدد الفلسطينيين اليوم في الأراضي الفلسطينية أكبر من عدد اليهود وبالتالي، نحن باقون في أرضنا، وفلسطين لن تكون إلا للفلسطينيين نعيش فيها، نموت فيها، فيها قبور آبائنا وأجدادنا وعمقنا التاريخي.
*هل الجانب الأمريكي يتعمد تجاهل السلطة الفلسطينية في الحديث عن مستقبل القضية الفلسطينية، وهل القيادة الفلسطينية الحالية تمثل كل تطلعات الشعب الفلسطيني؟
- لا أحد يستطيع أن يتجاهل القيادة الفلسطينية لأنها تمثل الشعب الفلسطيني، والفلسطينيون يجمعون تقريبا على أن الذي يمثلهم هو منظمة التحرير الفلسطينية، وحتى حماس تقر بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وهي تريد أن تدخل إلى منظمة التحرير. إذا لم تكن تقر بأن منظمة التحرير هي من يمثل الفلسطينيين فلماذا تريد أن تدخل فيها، ولهذا هناك اجتهادات واختلافات وآراء مختلفة في الساحة الفلسطينية، بالإضافة إلى وجود ديمقراطية فلسطينية، ونحن نتقبل كل الآراء لكن عند الحديث عن التمثيل السياسي الذي يمثل الفلسطينيين سياسيا فهذه القيادة الفلسطينية التي تقف على رأس منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية وذراعها المحلي الداخلي هو السلطة الوطنية الفلسطينية، والحكومة الفلسطينية، ولهذا نستطيع القول بأنه نعم، هذه المنظمة تمثل كل تطلعات الفلسطينيين، وتمثل كل الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الخارج.
*ما رأيكم في الموقف البحريني من القضية الفلسطينية؟
تشرفت بلقاء جلالة الملك المعظم حيث أكد جلالته أن مملكة البحرين تدعم القضية الفلسطينية ومع فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية وبأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
ونحن في فلسطين نؤكد أن مملكة البحرين جزء من الإجماع العربي الذي يدعم قيام الدولة الفلسطينية ويدعم حقوق الشعب الفلسطيني، ويرفض العدوان على الشعب الفلسطيني، ويتضامن بشكل أخوي مع الشعب الفلسطيني ومع القضية الفلسطينية حيث كانت مملكة البحرين كذلك سابقا وهي الآن على هذا الموقف، وسوف تستمر كذلك والموقف البحريني مع فلسطين ومع منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، اليوم وغدا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك