العدد : ١٧٢١٤ - السبت ١٠ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٤ - السبت ١٠ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

أخبار البحرين

مبارك العماري رائد التراث البحريني والخليجي ومرآة الزمن الجميل:
كرس جهوده لخدمة الأدب والتراث والتاريخ والفنون في البحرين

الثلاثاء ١٨ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

أصدر 55 كتاباً وديواناً لشعراء وفنانين من البحرين والخليج العربي

أصدر مؤخراً موسوعة في ثلاثة مجلدات وألف صفحة عن الفنان الكبير محمد زويد

يحفل سجله بما يقارب المائة من الجوائز والدروع التكريمية وشهادات التقدير


 

ذاتَ‭ ‬يومٍ‭ ‬جميلٍ،‭ ‬مباركٍ،‭ ‬من‭ ‬أيامِ‭ ‬عام‭ ‬1948م،‭ ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬منازلِ‭ ‬مدينة‭ ‬المُحرّق‭ ‬العريقة،‭ ‬في‭ ‬الأطرافِ‭ ‬الشماليَّة‭ ‬الشرقيَّة‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬الغالية،‭ ‬وُلد‭ ‬لأحد‭ ‬‮«‬آلاد‭ ‬عمّار‮»‬‭ ‬فتى بهيُّ‭ ‬الملامح،‭ ‬استبشر‭ ‬والدُه؛‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬العماري‭ ‬الدوسري،‭ ‬بمولدِه‭ ‬خيرًا،‭ ‬فسماه‭ ‬‮«‬مبارك‮»‬،‭ ‬وأراد‭ ‬الله،‭ ‬جلَّ‭ ‬وعلا،‭ ‬أن‭ ‬يكونَ‭ ‬هذا‭ ‬الفتى‭ ‬مباركًا‭ ‬بالفعل،‭ ‬في‭ ‬خُلقِه،‭ ‬وعطائه،‭ ‬وإنجازِه‭.‬‮ ‬

ففي‭ ‬صفحةٍ‭ ‬ناصعةِ‭ ‬البياض،‭ ‬ومفعمةٍ‭ ‬بالنورِ‭ ‬من‭ ‬سجل‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬التراثيِّ‭ ‬والثقافيِّ،‭ ‬دوَّن‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬العماري‭ ‬اسمَه‭ ‬مع‭ ‬شخصياتٍ‭ ‬حفظت‭ ‬هويةَ‭ ‬هذا‭ ‬الوطن،‭ ‬ودوَّنت‭ ‬ذاكرتَه‭ ‬التراثيَّة،‭ ‬وحققت‭ ‬جوانبَ‭ ‬من‭ ‬تاريخِ‭ ‬فنونِه‭ ‬وآدابِه،‭ ‬وأضاءت،‭ ‬بكلماتِها وأفعالِها،‭ ‬جوانبَ‭ ‬الفخرِ‭ ‬والبهجةِ‭ ‬والانتماءِ‭ ‬فيه‭.‬

لقد‭ ‬كشفت‭ ‬السنون‭ ‬أن‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬العماري‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شاعرًا‭ ‬فصيحًا،‭ ‬ولا‭ ‬شاعرًا‭ ‬نبطيًّا،‭ ‬ولا‭ ‬باحثًا‭ ‬في‭ ‬التراثِ‭ ‬الشعبيِّ،‭ ‬ولا‭ ‬مُحققًا‭ ‬لتاريخِ‭ ‬الفنون،‭ ‬ولا‭ ‬دارسًا‭ ‬لأبرزِ‭ ‬الشخصياتِ‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬البحرين‭ ‬وبلدان‭ ‬الخليج،‭ ‬ولا‭ ‬مُبرِزًا‭ ‬لما‭ ‬خفي‭ ‬من‭ ‬روائعِ‭ ‬مواهبِها‭ ‬وعطاءتِها‭ ‬التراثيَّة،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬كلَّ‭ ‬هذه‭ ‬الصفاتِ‭ ‬مُجتمعةً،‭ ‬ببهاءٍ‭ ‬وروعةٍ،‭ ‬في‭ ‬شخصٍ‭ ‬توّجَ‮ ‬حُسنَ‭ ‬خَلقه‭ ‬بحُسنِ‭ ‬دينه‭ ‬وخُلقه،‭ ‬وجمع‭ ‬إلى‭ ‬روعةِ‭ ‬وغزارةِ‭ ‬العطاء‭ ‬تواضعًا‭ ‬جمّا،‭ ‬ولينَ‭ ‬جانبٍ،‭ ‬ولطفَ‭ ‬شمائل‭ ‬لا‭ ‬تكادُ‭ ‬تجتمعُ‭ ‬في‭ ‬شخصٍ‭ ‬إلا‭ ‬عُدَّ‭ ‬من‭ ‬خيرةِ‭ ‬الناسِ‭ ‬وأجوادهم‭.‬

 

كرَّس‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬عمرو‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬يُحب‭ ‬أن‭ ‬يُكنّى،‭ ‬حياتَه‭ ‬لخدمةِ‭ ‬الأدبِ‮ ‬والتراثِ‭ ‬والتاريخِ‭ ‬والفنون‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وطنه‭ ‬الذي‭ ‬ينبضُ‭ ‬كلُّ‭ ‬حرفٍ‭ ‬من‭ ‬كلماتِه‭ ‬وفكرِه‭ ‬بحبه‭ ‬والولاء‭ ‬له،‭ ‬وفي‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وطنه‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬يشعرُ‭ ‬أنه‭ ‬الشجرةُ‭ ‬الطيبةُ‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭ ‬الفرعُ‭ ‬الوارفُ‭ ‬الذي‭ ‬يعيشُ‭ ‬في‭ ‬ظلِّه‭.‬

ولأكثر‭ ‬من‭ ‬خمسةِ‭ ‬عقود،‭ ‬ظل‭ ‬الأستاذُ‭ ‬مبارك‭ ‬العماري‭ ‬مرآةً‭ ‬تعكسُ‭ ‬تراثَ‭ ‬البحرين‭ ‬ومنطقةِ‭ ‬الخليج‭ ‬وثقافتها،‭ ‬ومصدرًا‭ ‬موثوقًا‭ ‬به،‭ ‬يستقي‭ ‬منه‭ ‬الباحثون‭ ‬والمهتمون‭ ‬ما‭ ‬يحتاجونه‭ ‬من‭ ‬معلوماتٍ‭ ‬وحقائق،‭ ‬ويُصوبون‭ ‬بآرائه‭ ‬ومعلوماته‭ ‬ما‭ ‬اختلط‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬أوهام‭.‬‮ ‬

مسيرةٌ‭ ‬غنيَّة

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مسيرتَه‭ ‬المهنيَّة‭ ‬والوظيفيَّة‭ ‬الصرفة‭ ‬لا‭ ‬تُشيرُ‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬توحي‭ ‬بطبيعةِ‭ ‬وحجمِ‭ ‬وتنوع‭ ‬عطائه‭ ‬الرائع،‭ ‬حيث‭ ‬التحق‭ ‬بالعملِ‭ ‬في‭ ‬إدارةِ‭ ‬الجمارك‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬من‭ ‬عام1965م،‭ ‬وبقي‭ ‬يعملُ‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬تقاعده‭ ‬مبكرًا‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2003م،‭ ‬فقد‭ ‬عُرف‭ ‬الأستاذُ‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬العماري‮ ‬بإنتاجِه الثقافيِّ‭ ‬والتراثيِّ‮ ‬الغزيرِ‭ ‬والمتنوع،‭ ‬الذي‭ ‬يجعلُ‭ ‬من‭ ‬العسير،‭ ‬في‭ ‬مقالة‭ ‬كهذه،‭ ‬سرده‭ ‬أو‭ ‬الإحاطة‭ ‬به‭ ‬تفصيلاً‭.‬

فقد‭ ‬أصدر‭ ‬خمسةً‭ ‬وخمسين‭ ‬كتابًا،‭ ‬شملت‭ ‬دواوينَ‭ ‬لشعراء‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬والخليج،‭ ‬وتأريخًا‭ ‬لفنانين‭ ‬متميزين،‭ ‬ولمواقعَ‭ ‬ومؤسساتٍ‭ ‬مهمة،‭ ‬ودراسةً‭ ‬لموضوعاتٍ‭ ‬تراثية‭ ‬مختلفة،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬يعكفُ‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬تجهيز‭ ‬خمسة‭ ‬كتب‭ ‬للطباعة،‭ ‬وإعداد‭ ‬مواد أدبية أخرى،‭ ‬لا‭ ‬تخرجُ‭ ‬عن‭ ‬موضوعات‭ ‬إصداراته‭ ‬السابقة‭.‬

وقد‭ ‬حصل‭ ‬كتابُه،‭ ‬عن‭ ‬سيرةِ‭ ‬المطرب‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬فارس،‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬للبحوث‭ ‬والدراسات،‭ ‬وانتشر‭ ‬هذا‭ ‬الكتابُ‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬الجزيرةِ‭ ‬العربيَّة‭ ‬والخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وأصبح‭ ‬مرجعًا‭ ‬مهمًا‭ ‬للكتّاب‭ ‬والباحثين،‭ ‬الذين‭ ‬اقتبس‭ ‬كثيرٌ‭ ‬منهم‭ ‬أجزاءً‭ ‬منه‭ ‬واستفادوا‭ ‬من‭ ‬محتواه‭. ‬كما‭ ‬أصدر‭ ‬مؤخرًا‭ ‬موسوعة،‭ ‬في‭ ‬ثلاثةِ‭ ‬مجلداتٍ‭ ‬وألف‭ ‬صفحة،‭ ‬عن‭ ‬الفنان‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬زويد،‭ ‬وله‭ ‬كذلك‭ ‬كتابٌ‭ ‬عن‭ ‬الشريف‭ ‬هاشم؛‭ ‬من‭ ‬أهالي‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬الذين‭ ‬برزت‭ ‬أسماؤهم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الغناء‭ ‬الشعبي،‭ ‬يُعد‭ ‬مصدرًا‭ ‬موثوقًا‭ ‬ومرجعًا‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬مجاله‭.‬

وعدا‭ ‬عما‭ ‬أصدره،‭ ‬أو‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إصداره،‭ ‬من‭ ‬كتب،‭ ‬أعد‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬العماري‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬بحثًا،‮ ‬نُشر‭ ‬بعضها‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬بعضها‭ ‬ينتظر‭ ‬النشر‭. ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬قرابة‭ ‬أربعين‭ ‬محاضرة‭ ‬أو‭ ‬ندوة‭ ‬أو‭ ‬أمسية‭ ‬شعرية،‭ ‬شملت‭ ‬الحديثَ‭ ‬عن‭ ‬نتاج‭ ‬وشخصياتِ‭ ‬التراثِ‭ ‬الأدبيِّ‭ ‬والفنون‭ ‬الشعبيَّة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وفي‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬وإلقاء‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬روائع‭ ‬شعره‭ ‬أو‭ ‬شعر‭ ‬المتميزين‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬المنطقة‭.‬

كما‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬مُشاركاتٌ‭ ‬فاعلة‭ ‬وثريةٌ‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاثين‭ ‬مهرجانًا،‭ ‬أو‭ ‬مسابقةً،‭ ‬أو‭ ‬ملتقىً‭ ‬للشعراء،‭ ‬أو‭ ‬أسبوعاً‭ ‬ثقافيًّا في‭ ‬البحرين،‭ ‬وفي‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭. ‬كما‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬قرابة‭ ‬عشرين‭ ‬مناسبةً‭ ‬وطنية‭ ‬بحرينية‭ ‬بقصائد‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬روائع‭ ‬شعره‭.‬

أما‭ ‬اللقاءات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬والإذاعية‭ ‬التي‭ ‬أُجريت‭ ‬معه،‭ ‬أو‭ ‬البرامج‭ ‬التي‭ ‬أعدها‭ ‬وقدمها،‭ ‬أو‭ ‬شارك‭ ‬فيها،‭ ‬فإن‭ ‬عددَها‭ ‬وتنوعها‭ ‬وانتشارها‭ ‬في‭ ‬قنوات‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬يكاد‭ ‬يُعيي‭ ‬الباحث‭ ‬عدّاً‭ ‬وتفصيلا‭.‬

الكاتب،‭ ‬الباحث،‭ ‬الشاعر،‭ ‬

المؤرخ،‭ ‬الموثِّق،‭ ‬الإنسان

على‭ ‬الرغمِ‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬سردَ‭ ‬كلِّ‭ ‬ما‭ ‬أنجزه‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬العماري،‭ ‬هنا،‭ ‬غير‭ ‬ممكنٍ‭ ‬لأن‭ ‬الحيِّزَ‭ ‬لا‭ ‬يسمحُ‭ ‬به،‭ ‬فإنني‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬القارئ‭ ‬الكريم‭ ‬يمكنُه‭ ‬أن‭ ‬يلحظَ‭ ‬أن‭ ‬أعمالَه‭ ‬تنوعت‭ ‬بين‭ ‬الشعرِ‭ ‬الفصيحِ‭ ‬والنبطي،‭ ‬والأدب،‭ ‬والتاريخ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬توثيق‭ ‬الفنون‭ ‬البحرينية‭ ‬والخليجية‭ ‬ومسيرة‭ ‬المتميزين‭ ‬من‭ ‬أهلها‭. ‬وقد‭ ‬استطاع،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إصداراته،‭ ‬وبحوثه،‭ ‬ومحاضراته،‭ ‬أن‭ ‬يحفظَ‭ ‬التراثَ‭ ‬وتاريخَ‭ ‬الأشخاص‭ ‬والفنون،‭ ‬ويعيد‭ ‬إحياءَ‭ ‬ذكر‭ ‬شخصيات‭ ‬فنية‭ ‬وأدبية‭ ‬غابت‭ ‬عن‭ ‬الذاكرة‭ ‬العامة،‭ ‬ويُصحح‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬الخاطئة‭ ‬حولها،‭ ‬باذلاً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬جهودًا‭ ‬كبيرة‭ ‬لتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬إرثها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعله،‭ ‬بلا‭ ‬شك،‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬حرَّاس‭ ‬الثقافة‭ ‬الخليجية‭ ‬وتراثها‭ ‬الشعبي‭ ‬الغني‭.‬‮ ‬

وقد‭ ‬عُرف‭ ‬عن‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬العماري‭ ‬التزامه‭ ‬الأمانة‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬النشر،‭ ‬حيث‭ ‬يحرص،‭ ‬دائمًا،‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬المعلومة،‭ ‬ويتحرى‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬الدقة‭ ‬في‭ ‬بحوثه‭ ‬وكتاباته‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يتميز‭ ‬بحرصه‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬والكتابة‭ ‬عن‮ «‬الجندي‭ ‬المجهول‮»‬،‭ ‬إذا‭ ‬صح‭ ‬التعبير،‭ ‬حيث‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬إبراز شخصياتٍ‭ ‬انقطع‭ ‬ذكرها،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬لها‭ ‬ذريةٌ‭ ‬أو‭ ‬متابعون‭ ‬يحفظون‭ ‬ذكرها‭ ‬وعطاءها،‭ ‬ليبقى‭ ‬إرثها‭ ‬محفوظًا‭ ‬للأجيال القادمة‭.‬

كذلك،‭ ‬تميز‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬العماري‭ ‬بتوثيق‭ ‬أحداثٍ‭ ‬وشخصيات‭ ‬مهمةٍ‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬المجاورة،‭ ‬وكان‭ ‬صوته،‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬حاضرًا‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬التلفزيونية‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬وحكامها‭ ‬الكرام،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشعراء والأدباء‭ ‬البحرينيين‭ ‬والخليجيين،‭ ‬المعروفين‭ ‬مثل‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬والشيخ‭ ‬راكان‭ ‬بن‭ ‬حثلين،‭ ‬وخالد‭ ‬الفرج،‭ ‬ومحمد‭ ‬بن‭ ‬لعبون،‭ ‬وشاهين‭ ‬بن‭ ‬سعد‭ ‬العماري‭ ‬وغيرهم‭ ‬الكثير،‭ ‬ولم‭ ‬يكتفِ‭ ‬مبارك‭ ‬العماري‭ ‬بالتأليف‭ ‬والتوثيق،‭ ‬بل‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬إيصال‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المحاضرات‭ ‬والندوات‭ ‬والأحاديث‭ ‬التلفزيونية‭ ‬ونشر‭ ‬البحوث،‭ ‬ليكون‭ ‬ما‭ ‬جمعه‭ ‬ودققه‭ ‬مرجعًا‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭.‬‮ ‬

إسهاماتٌ‮ ‬تراثية‭ ‬اجتماعية‭ ‬ومشروعات‭ ‬ثقافية‭ ‬رائدة‭ ‬ومعطاءة

منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظفاره،‭ ‬وفي‭ ‬جهدٍ‭ ‬سابقٍ‭ ‬لأقرانه،‮ ‬تعددت‭ ‬إسهامات‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬العماري‭ ‬في‮ ‬رعاية‭ ‬الإرث‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتميّز‭ ‬للمجتمع‭ ‬المترابط‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬فيه،‮ ‬حيث‭ ‬ظل‭ ‬قيّما‭ ‬على‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬العمامرة‮»‬،‮ ‬الذي‭ ‬أطلقه العم‭ ‬جبر العماري‭ ‬في‮ ‬عام‭ ‬1921م،‮ ‬في‮ ‬المحرّق‭ ‬الغالية‭ ‬على‭ ‬قلبه‭ ‬وعقله،‮ ‬وبقي‭ ‬يُديره ويقوم‭ ‬على‭ ‬شؤونه‭ ‬وشؤون‭ ‬قاصديه طوال‭ ‬العقود‭ ‬الخمسة‭ ‬الماضية‭.‬

كما‭ ‬أنه أسهمَ‭ ‬بفكرِه،‭ ‬وآرائه،‭ ‬ومتابعته‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬العمامرة‮»‬‭ ‬في‮ ‬مدينةِ‭ ‬الدمام،‮ ‬على‭ ‬ساحل‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬الذي‭ ‬أسسه،‭ ‬وافتتحه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017م،‭ ‬الدكتور‭ ‬سعود‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ ‬العماري،‭ ‬ليكونَ‭ ‬ملتقى لأهل مدينة‭ ‬الدمام،‮ ‬ومن‭ ‬يزورهم‭ ‬أو‭ ‬يزورها،‭ ‬وليكون‭ ‬معلمًا‭ ‬يحفظُ‮ ‬ملامحَ‭ ‬التراثِ‭ ‬العمرانيِّ‭ ‬الخليجيِّ‮ ‬ولمساته وروحه الجميلة‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

وإيمانًا‭ ‬منه‭ ‬بأهمية‭ ‬بذل‭ ‬كل‭ ‬جهدٍ‭ ‬لنشر‭ ‬المعرفة‭ ‬وإتاحة‭ ‬التراث‭ ‬للجميع،‭ ‬أسس‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬العماري‮ «‬دار‭ ‬العمامرة‭ ‬للنشر‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬أصدرت،‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬ثمانية‭ ‬كتب،‭ ‬كان‭ ‬أبرزها‭ ‬الموسوعة،‮ ‬التي‭ ‬أشرت‭ ‬إليها،‮ ‬عن‭ ‬الفنان‭ ‬البحريني‭ ‬المعروف؛‭ ‬محمد‭ ‬زويد‭. ‬كما‭ ‬أطلق،‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‮ ‬معرضه‭ ‬الأول‭ ‬للكتب‭ ‬والمخطوطات،‭ ‬في‭ ‬مدينته‭ ‬المحرق،‭ ‬والذي‭ ‬لاقى‭ ‬اهتمامًا‭ ‬واسعًا‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬بالثقافة‭ ‬والتراث‭. ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬مشروعه‭ ‬الكبير‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬ترميم‭ ‬أحد‭ ‬البيوت‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬‮«‬فريج‭ ‬العمامرة‮»‬‭ ‬ليحوله‭ ‬إلى‭ ‬مكتبة‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬كنوز‭ ‬معرفية‭ ‬نادرة‭ ‬متاحة‭ ‬للجمهور‭ ‬والباحثين‭.‬‮ ‬

وهنا،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬العماري‭ ‬يمتلك‭ ‬مجموعة‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والمخطوطات،‭ ‬التي‭ ‬توثِّق‭ ‬مراحل‭ ‬مختلفةً‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬ودول‭ ‬الجوار،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يضعه‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬أعلام‭ ‬الحفظ‭ ‬والتوثيق،‭ ‬ويؤكّد‭ ‬أن‭ ‬مكتبته،‭ ‬التي‭ ‬يُزمع‭ ‬افتتاحها،‭ ‬ستكون‭ ‬مقصداً‭ ‬للباحثين‭ ‬والمهتمين‭.‬

الدعم‭ ‬الملكي‭ ‬عنوان‭ ‬الثقة‭.. ‬والأوسمة‭ ‬والجوائز‭ ‬والتكريم‭ ‬دليل‭ ‬الإنجاز

تقديراً‭ ‬لجهوده‭ ‬المتميزة،‭ ‬حظي‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬العماري‭ ‬بدعم‭ ‬متواصل‭ ‬من‭ ‬حكام‭ ‬البحرين،‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين،‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬طيَّب‭ ‬الله‭ ‬ثراه،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬جلالة‭ ‬الملك حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬وولي‭ ‬عهده‭ ‬الأمين؛‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬حيث‭ ‬عبّروا‭ ‬عن‭ ‬تقديرهم‭ ‬لما‭ ‬بذله،‭ ‬ودعموه‭ ‬لمواصلة‭ ‬مشروعاته‭ ‬الثقافية‭. ‬فقد‭ ‬منحه‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‮ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬‮«‬وسام‭ ‬الكفـاءة‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‮»‬،‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2002م‭ ‬بمناسبة‭ ‬‮«‬يوم‭ ‬الوفاء‮»‬‭.‬‮ ‬

كما‭ ‬كرّمه‭ ‬وزراء‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‮ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2023م‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬العمانية‭ ‬مسقط،‮ ‬بحضور‭ ‬ولي‭ ‬عهد‭ ‬عمان؛‭ ‬السيد‭ ‬ذي‭ ‬يزن‭ ‬بن‭ ‬هيثم،‭ ‬ووزراء الثقافة،‭ ‬والأمين‭ ‬العام‭ ‬لمجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭. ‬وكان‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬العماري،‭ ‬كما‭ ‬ذكرت،‭ ‬قد‭ ‬فاز‭ ‬بجائزة ولي‭ ‬العهد‭ ‬للبحوث‭ ‬العلمية،‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬مركز‭ ‬البحرين‮ ‬للدراسات‭ ‬والبحوث،‭ ‬عام‭ ‬1990م،‭ ‬عن‭ ‬بحثه‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬بن‭ ‬فارس‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬غنى‭ ‬الصوت‭ ‬في‭ ‬الخليج‮»‬،‭ ‬ونال‭ ‬جائزة الدولة‭ ‬للعمل‭ ‬الوطني‭ ‬عام‭ ‬1992م،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تكريمه‭ ‬ضمن الرواد‭ ‬المبدعين‭ ‬بجزيرة‭ ‬المحرق‭ ‬عام‭ ‬1996م،‭ ‬تحت‭ ‬رعاية صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭.‬

وإضافةً‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الجوائز‭ ‬والتقديرات،‭ ‬يحفل‭ ‬سجل‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬العماري‭ ‬بما‭ ‬يقارب‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬والدروع‭ ‬التكريمية‭ ‬وشهادات‭ ‬التقدير،‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬ما‭ ‬يحظى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬احترام‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الثقافية،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البحرين،‭ ‬ودول‭ ‬الخليج،‭ ‬بل‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭.‬

إرثٌ‭ ‬خالد‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة

تُمثل‭ ‬مسيرةُ‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬العماري،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نحيط‭ ‬بكل،‭ ‬ولا‭ ‬بجُل‭ ‬محتواها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقالة،‭ ‬نموذجًا‭ ‬يُحتذى‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الإخلاص‭ ‬للثقافة‭ ‬والوطن،‭ ‬والعطاء‮ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬الحقة،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬وسلامة‭ ‬المعلومة،‭ ‬والوفاء‭ ‬للمنجزين‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬جهوده‭ ‬الحثيثة‭ ‬في‭ ‬توثيق‭ ‬التاريخ،‭ ‬وإحياء‭ ‬التراث،‭ ‬وحفظه‭ ‬وتصحيح‭ ‬معلوماته،‭ ‬وكذلك‭ ‬دعمه‭ ‬للفنون‭ ‬والأدب،‭ ‬ووفائه‭ ‬لتاريخ‭ ‬مدينته‭ ‬الحبيبة؛ المحرّق،‭ ‬تجعله‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الشخصيات‭ ‬البحرينية‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬ليس‭ ‬للبحرين‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬لمنطقة‭ ‬الخليج‭ ‬بأسرها‭.‬‮ ‬

ومع‭ ‬هذا‭ ‬الإرثِ‭ ‬الثري‭ ‬والعطاءِ‭ ‬المتميِّز،‭ ‬والمشروعاتِ‭ ‬المستقبليَّة،‭ ‬يواصلُ‭ ‬الأستاذُ‭ ‬مبارك‭ ‬العماري‭ ‬دورَه‭ ‬كمصدرِ‭ ‬إلهام‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬ليبقى‭ ‬اسمه‭ ‬محفورًا‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬البحرين‭ ‬والخليج،‭ ‬أديبا‭ ‬ومؤرخا‭ ‬ومثقفا‭ ‬حمل‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬أمانة‭ ‬حفظ‭ ‬التاريخ‭ ‬وإثراء‭ ‬الثقافة‭.‬‮ ‬

بارك‭ ‬اللهُ‭ ‬في‭ ‬الأستاذ‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬العماري،‭ ‬وأمدَّ‭ ‬في‭ ‬عمره‭ ‬على‭ ‬طاعته‭ ‬وفي‭ ‬عافيته،‭ ‬ونفع‭ ‬به‭ ‬وبعلمه،‭ ‬وجزاه‭ ‬خير‭ ‬الجزاء‭ ‬على‭ ‬جهوده‭ ‬المخلصة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬دينه،‭ ‬ومليكه،‭ ‬ووطنه،‭ ‬وثقافته،‭ ‬وهويته‭ ‬العربية‭ ‬الأصيلة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا