محامون: استغلال البعض للثغرات عرقل حقوق المنفذ لهم
رجال أعمال: منفذ ضدهم شعروا بالأمان وتوقفوا عن سداد المستحقات!
مع صدور المرسوم بقانون رقم 22 لسنة 2021 بإصدار قانون التنفيذ، حدثت نقلة نوعية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام في محاكم البحرين، حيث تم تجاوز كثير من التحديات التي كان المتقاضون يشكون منها. كما أسهم تطوير الإجراءات مثل تطبيق قانون الإفصاح، ومنح الصلاحيات للمنفذ الخاص تحت إشراف قاضي محكمة التنفيذ، واعتماد النظام الإلكتروني، كل ذلك أسهم في تسهيل إجراءات المتقاضين وتقليص مدد التقاضي والتنفيذ.
ولكن في خط مواز، من الطبيعي أن تبرز بعض التحديات الجديدة التي تستوجب التوقف عندها ومراجعتها، سعيا إلى إحداث تطوير أكبر في المنظومة القضائية. فحسب الكثير من المتقاضين والمحامين، في الوقت الذي شهدت إجراءات التقاضي تطورات نوعية مشهودة، ظهرت بعض الإشكالات التي من شأنها أن تعطل الحصول أحيانا على الحقوق. بل وحسب دراسة أعدتها المحامية جنة المأوى محمد جواد -استعرضناها في موضوع سابق-، وجدت أن بعض الإجراءات القديمة كانت أكثر قدرة على حماية الحقوق ومن ذلك حبس المدين المتخلف عن سداد المستحقات. وهي إجراءات تم الاستغناء عنها في القانون الجديد. وحتى منع السفر وضعت له قيود وشروط كثيرة في المادة (40)، بحيث لا تتجاوز المدة 90 يوما.
٢٥٪ فقط!
في نقاشات أجريناها مع عدد من المحامين ورجال الأعمال ممن لديهم قضايا في المحاكم، ركزنا على أبرز الإيجابيات وبعض الثغرات التي تتطلب التركيز عليها في إجراءات التنفيذ بمحاكم البحرين، وبدايتنا مع المستشار القانوني المحامي فريد غازي الذي سألناه عن إذا كان تنفيذ الأحكام مازال يمثل مشكلة للمتقاضين. هذا ما أجاب عليه بقوله:
في الواقع لا تزال بعض الإجراءات في تنفيذ الأحكام تشكل مشكلة في البحرين، ولكنها مشكلة طبيعية لأنه لا يوجد نظام متكامل ومنزه، خاصة وإننا نتعامل بنظام إلكتروني قابل للخطأ أو التعطل. والتجربة أثبتت أن أي صعوبات أو ثغرات فإنه يتم العمل على إصلاحها، كما أن المحاكم مفتوحة لتلقي طلبات تصحيح الأحكام. كما أن النظام الإلكتروني سهَّل وسرَّع الإجراءات بشكل كبير. وبنفس الوقت فإن المنفذ الخاص يعد أحد أبرز الإيجابيات التي وضعها القانون لاسيما مع امتلاكه صلاحيات جيدة تصل إلى اتخاذ إجراءات عملية عن طريق الشرطة عند عدم تجاوب المنفذ ضده. في حين كان عدد مأموري التنفيذ في السابق محدودا ويمثل مشكلة.
ولكن هناك جوانب إجرائية يفترض أن يعاد النظر فيها. فمثلا النص على انتظار 45 يوما من صدور الحكم ثم سبعة أيام لإشعار أطراف القضية، هي مدد مبررة. ولكن من غير المبرر أن تكون هناك مدة انتظار أخرى 21 يوما بعد السبعة أيام خاصة بالنسبة إلى السجلات التجارية.
الأمر الآخر، إنه وفقا لقانون التنفيذ الجديد، والاتفاقيات الدولية التي أبرمتها البحرين، ألغيت عقوبة القبض والحبس على أي شخص لسبب اقتصادي، على الرغم من أن هذه العقوبة منصوص عليها في قانون المرافعات. كما تم إعادة تنظيم منع السفر ليكون على مراحل ثلاث وبحد أقصى90 يوما. نتيجة لذلك، انخفضت نسبة تحصيل المستحقات من 100% إلى 25%. ما يعني أن تخفيف العقوبات في التنفيذ أضر بمصالح الكثيرين. ولكنه يبقى في الأخير التزام دولي.
أضف إلى ذلك إن إقرار مبلغ 400 دينار كحد أدنى للدخل للحجز على الممتلكات، وعلى الرغم من أنه هدف سامٍ، إلا أنه شجع كثيرا من المنفذ ضدهم على إيقاف سداد المستحقات بعد التلاعب واستغلال المساحة الممنوحة لهم بالقانون.
معضلة التنفيذ
حول هذا الموضوع، يحدثنا المحامي الدكتور محمد الكوهجي، لافتا إلى أن من أبرز المشكلات التي تواجه المتقاضين هي معضلة تنفيذ الأحكام. وأوضح ذلك بقوله: ثمرة الدعاوى والمطالبات هي التنفيذ، ولكن للأسف الشديد نواجه العديد من المشكلات مما يسبب الحرج الشديد بين المحامين وموكليهم.
وفي اعتقادي الشخصي، أن القانون القديم كان في بعض الجوانب أنجع وأقوى. حيث كان المنفذ ضدهم ينكبون على تنفيذ الأحكام طوعاً وكرها، خوفا من حضور سيارة الشرطة لمنازلهم. كما أن إيقاف منع السفر على هذا النحو جعل الكثير من المنفذ ضدهم يستهينون بالأمر.
ومن الإشكاليات التي نواجهها:
- تبدأ المشكلة منذ اللحظة الأولى وهي مرحلة الإخطار التي تسبق فتح ملف التنفيذ والاشتراطات التي تتفاوت حسب كل موظف، سواء في الدعاوى المدنية أو الشرعية. فلا توجد آلية واضحة بموجبها يمكن الحديث عن شكل هذا الإخطار، خاصة عندما يكون التوكيل الخاص بالمنفذ لصالحه صادراً من الخارج.
- استصدار شهادة من التنفيذ تفيد بعدم إفصاح المنفذ ضدهم عن الممتلكات والحسابات وغيرها تستغرق شهرا كاملا، وهذا ما يعني تعطل المصالح والحقوق.
- انعدام آلية التواصل مع قضاة التنفيذ، حيث يطلب من القاضي في بعض الملفات التواصل معه وتحديد موعد للتشاور أو عرض مستندات مهمة يترتب عليها تغيير رأي قاضي التنفيذ على الفور. إلا أنهم دائماً يرفضون هذا التواصل إلا عبر النظام الإلكتروني.
- مشكلة قبول الإجراءات المتخذة. كانت محكمة التنفيذ ترفض طلب القطع من الراتب بحجة تحديد مكان عمل المنفذ ضده. وكثيرا ما لا يعرف أصحاب الحقوق مكان دوام خصومهم، ويفاجأون برفض الطلب. على الرغم من أن مخاطبة جهاز الخدمة المدنية أو هيئة التأمينات الاجتماعية كفيل بتحديد جهة العمل سواء لموظف القطاع العام أو الخاص.
- إشكالية تتعلق بمأموري التنفيذ الذين للأسف الشديد في كثير من الأحيان لا ينقلون الصورة الصحيحة لقاضي التنفيذ، مثل تحديد ملاءمة مسكن الحضانة أو الزوجية لسكن الزوجة أو المطلقة.
- ضرورة توفير الأيبان واشتراطه لكل الملفات بما في ذلك أصحاب الحقوق. فمن الممكن هروب المنفذ لصالحه دون سداد أتعاب المحامي. وبنفس الوقت توفير الجزاءات التأديبية لصالح المحامي بحيث يمكن استخدامها في حال عدم إعادة أموال المنفذ ضده.
وأمام ذلك، ومن أجل تطوير منظومة التنفيذ، نقترح:
-إعادة أوامر القبض ولو لمدة عام كامل، مما يترتب عليه حسم عدد كبير جداً من ملفات التنفيذ.
- إعادة تنظيم منع السفر، مثل سقوطه بعد سنتين أو بعد سداد نصف المديونيات.
- تحديد ثلاثة أو أربع قضاة موجودين بشكل كامل ترفع إليهم اعتراضات وشكاوى المتقاضين من الأخطاء والقرارات المتخذة بملف التنفيذ.
- تعديل وتقليص سلطات وصلاحيات مأموري التنفيذ وخاصة في التقارير التي تصدر عنهم حيث وجدنا في العمل خروقات كبيرة ورفع صور غير صحيحة عن مجريات المعاينات التي يقومون بها.
مطلوب دراسة مستفيضة
من جانبه يؤكد المحامي محمد الذوادي أن قانون التنفيذ الجديد حدد اختصاص محاكم التنفيذ بتنفيذ السندات تحت إشراف القاضي الذي يقوم بإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ، وأعطاه الحق في التفويض باستعمال القوة الجبرية عند الاقتضاء.
كما استحدث القانون عددا من الإجراءات ومنها الاستعانة بالمنفذين الخاصين، واستمارة الإفصاح، والغرامة التهديدية، والترقب، والإرشاد، والتأشير على السجل الائتماني، وغيرها من إجراءات أخرى بهدف ضمان سرعة إجراءات التنفيذ.
وأضاف الذوادي: إلا أنه ومما يؤسف له أن فاعلية القانون الجديد لم تظهر في الواقع العملي لحسم عدد كبير من ملفات التنفيذ. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها الإجراءات الروتينية المتعلقة بانتظار مدة الاستئناف وإخطار المنفذ ضده، فضلاً عن إلغاء بعض الإجراءات ومنها القبض على المنفذ ضده وحبسه وتقليص مدة المنع من السفر وتحديد الحد الأدنى لإيقاع الحجز التحفظي على الحسابات البنكية وحظر الحجز على عدد من الأموال والأملاك، والبطء في التعامل مع استمارة الإفصاح.
لذا من المهم أن يتم معالجة مشاكل قانون التنفيذ الجديد، بعد مرور ما يزيد على 3 سنوات على تطبيقه، خصوصاً وأنها أحدثت فجوة ساعدت البعض من المنفذ ضدهم على المماطلة في تنفيذ الأحكام القضائية، وذلك من خلال دراسة مستفيضة لكل العوائق الإجرائية ووضع الحلول المناسبة لضمان جدية التنفيذ ورعاية حقوق ومصالح المتقاضين.
تحصيل الحقوق وليس العقوبات
ربما يختلف رأي المحامي محمد العثمان بعض الشيء عن الآراء السابقة، حيث يلفت إلى أن الغاية في قانون التنفيذ الجديد ربما تختلف عن السابق فقد كان التنفيذ يتم على المنفذ ضده سواء في أمواله أو الجانب البدني كالحبس. في حين أن القانون الجديد لا يركز على العقوبة بقدر التركيز على تحصيل الحقوق.
ويشرح ذلك بقوله: هناك تحسن كبير في حسم القضايا بعد أن كان بعضها يصل إلى سنوات. ويبقى السؤال: هل إجراءات التنفيذ حاليا أفضل من السابق؟
هنا نقول إننا ضد المماطلة والتسويف في تسوية الحقوق، ولكن بنفس الوقت فإن الاتجاه السائد في أغلب قوانين الدول المتقدمة والمجاورة هو التركيز على تحصيل هذه الحقوق أكثر من إلحاق العقوبة بالمنفذ ضده، لأن التوقيف مثلا ليس حلا، بل قد يخلق مشاكل اجتماعية أكبر خاصة إذا كان للشخص عائلة تعتمد عليه. وبالتالي فإن القانون الجديد لا يلحق إجراء بدنيا على شخص لديه مشكلة تتعلق بالجانب التجاري مثلا. وعندما تصدر الحكومة قانونا فإنها تنطلق من المصلحة العليا الشاملة وليس المصلحة الفردية الخاصة. كما أن الإكراه البدني أثبت أنه لا يحل المشكلة بل قد يزيدها.
ولكن المشكلة أن هناك من تساهل بالأمر وعرف الطرق واستغل الثغرات مثل إلغاء منع السفر أو الحبس واعتبر أنه لا توجد عقوبة تأديبية، والبعض. وبنفس الوقت يثبت أنه ليس لديه أموال يدفعها، وهنا لا يستطيع القاضي أن يحكم عليه إذا لم يمتلك الحد الأدنى من الدخل وهو 400 دينار.
بالمقابل لا يمكن هنا أن نلقي كل اللوم على قانون التنفيذ، لأن كل فرد يتحمل مسؤولية كبيرة أيضا عند التعامل مع أي طرف أو شخص. فمثلا عندما تتعامل مع مقاول، هل تأكدت من تاريخه ومصداقيته والملاءمة المالية لديه؟ أم سعيت إلى السعر الأرخص فحسب؟ قبل أن تقبل مستأجرا، هل تحققت من وضعه المادي وتاريخه قبل الوقوع في مشاكل مالية واتخاذ إجراءات قانونية. وتزداد المشكلة إذا كان المقاول مثلا لديه شركاء. لذلك يمكن القول إن عدم وجود أموال لدى المحكوم ضده يمثل أبرز تحديات تنفيذ الأحكام لدينا.
وفي اعتقادي من الضروري هنا تفعيل اشتراط ذكر الملاءة المالية لأي جهة في كل المراسلات والأوراق التعاقدية. وهذا ما يساعد الأشخاص على التعامل مع الجهات الأكثر موثوقية.
تطور ملحوظ
المحامي تقي حسين تقي يشاطر العثمان إلى حد ما في وجهة النظر، حيث يعتبر أن المشكلة ليست في المحاكم أو قانون التنفيذ بقدر ما هي في عدم اتخاذ الإجراءات الصحيحة من قبل المنفذ له وصاحب الحق في تنفيذ الأحكام. ويسوق على ذلك مثالا بأن القانون القديم كان يجيز أمر القبض على شخص مطلوب بـ 20 دينارا! وهذا ما يعني تحمل الدولة تكاليف التوقيف التي تفوق هذا المبلغ بكثير. ولكن القانون الجديد ألغى القبض ووضع غرامة تهديدية عن كل تأخر في التنفيذ. وهنا تستفيد جميع الأطراف. كما وضع إجراء الإفصاح. وفي حال لم يفصح المنفذ ضده عن أي معلومة بشكل صحيح فإنه يواجه عقوبة السجن التي تصل إلى عشر سنوات، وغرامة تصل الى 100 ألف دينار. وإلى جانب ذلك، منح القانون المنفذ له حق الموافقة على التسوية من عدمه.
ويضيف المحامي تقي: لذلك في رأيي إن إجراءات التنفيذ والتقاضي تطورت بشكل أفضل. فماذا أستفيد أنا الدائن إذا ما تم إيقاف المدين؟ وهذا التطور ملحوظ سواء في القضايا الشرعية أو المدنية.
إيقاف الخدمات
من حقل المحامين، ننتقل إلى تجارب بعض رجال الأعمال الذين لديهم قضايا ومطالبات سابقة وحالية مع منفذ ضدهم. وهذا ما يحدثنا عنه رجل الأعمال جاسم الموسوي لافتا إلى أنه لديه الكثير من الأحكام المعطلة في التنفيذ لسبب بسيط وهو استغلال المنفذ ضدهم بعض الثغرات القانونية خاصة بعد صدور قانون التنفيذ الجديد. ويضرب على ذلك مثالا بقوله: في إحدى القضايا التي أطالب فيها طرفا آخر بمبلغ 22 ألف دينار، تم الوصول إلى تسوية بدفع مبلغ 100 دينار شهريا. وكان المنفذ ضده ملتزما بذلك. ولكن مع صدور القانون الجديد توقف تماما. وكأنه شعر بالأمان!. وحالات بادرت بإثبات أن دخلها أقل من 400 دينار، ونحن على يقين بأنه أضعاف ذلك.
وهذا الوضع خلق نوعا من القلق وعدم الأمان لدى رجال الأعمال في أي معاملة يقومون بها. وبالتالي يمكن القول إن القانون السابق كان أكثر صرامة وقدرة على تحصيل الحقوق.
ويضيف الموسوي: لا ننكر أن القانون الجديد أحدث تطورا كبيرا خاصة في الخدمات الإلكترونية وسرعة الإجراءات والردود، ولكن ماذا عن الحقوق؟
وفي رأيي يمكن هنا اللجوء إلى حلول وسطى مطبقة في كثير من الدول وهي عدم إلغاء القبض أو منع السفر، ولكن بنفس الوقت إيقاف الخدمات على المنفذ ضده حتى يسدد ما عليه من مستحقات. ويشمل ذلك المعاملات الرسمية وإصدار الهوية وغيرها. حيث نكون قد راعينا الجانب الإنساني، وبنفس الوقت أوجدنا عامل ضغط لدفع المستحقات.
إيجابيات.. ولكن
محطة أخيرة نقف عندها، وهي رجل أعمال (فضل عدم ذكر اسمه)، حيث أكد أن إجراءات التنفيذ الجديدة تتميز بالكثير من الإيجابيات والإضافات، خاصة مع قانون الإفصاح وآليات تعقب أموال المنفذ ضده ومنعه من إخفاء أو تهريب أمواله أثناء النظر في الدعوى. ولكن برزت إشكاليات إجرائية عديدة، منها أن مسؤولية إثبات التحايل تقع على صاحب الحق. كما أن الكثير ممن لديهم عقارات وسيارات باتوا يسجلونها بأسماء ذويهم، ويفرغون حساباتهم البنكية. وهذا ما يواجهه محدثنا كما يؤكد في عدة حالات رفع فيها دعاوى بالمحاكم.
ويضيف: من الإشكاليات الأخرى عدم تحديد مدد زمنية واضحة للتنفيذ. لذلك قد يصدر الحكم ثم يتعرض لمماطلات من المنفذ ضده ويتأخر التنفيذ أشهراً طويلة. وبالتالي فإننا في الوقت الذي راعينا الجانب الإنساني بإلغاء عقوبة الحبس، فإننا بحاجة إلى وضع رادع قوي بديل، مثل تقوية صلاحيات المنفذ الخاص لاسيما فيما يتعلق بالتعقب والتتبع لممتلكات المنفذ ضدهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك