تأثيرات كبيرة على الأسواق المالية وتحديات جديدة أمام الدول والشركات
خبراء: نقطة تحول جوهرية لكل من المستهلكين والذكاء الاصطناعي
في ظل التحولات التقنية السريعة التي يشهدها العالم اليوم يبرز نموذج الذكاء الاصطناعي «ديب سيك» كأحد الابتكارات التي قد تغير قواعد اللعبة في العديد من الصناعات. وتعتبر «ديب سيك» هي شركة ذكاء اصطناعي صينية تعمل على تطوير نماذج لغوية كبيرة مفتوحة المصدر.
ومع تقدم هذه التقنيات نشهد تأثيرات واضحة على الأسواق المالية، وتحديات جديدة أمام الدول والشركات. (كما هو موضح في إنفوجراف النافذة التكنولوجية).
في هذا السياق يحدثنا الخبراء عن التأثيرات المحتملة لهذا النموذج على مجالات الذكاء الاصطناعي، وكذلك على أسواق التكنولوجيا العالمية، بالإضافة إلى كيفية تأثيره على الاستراتيجيات الاستثمارية في المنطقة.
يقول أندرياس هاسيلوف الرئيس التنفيذي لشركة أومبوري: تشكل التطورات التي تقدمها «ديب سيك» نقطة تحول جوهرية لكلٍّ من المستهلكين وقطاع الذكاء الاصطناعي، إذ تتيح هذه النماذج إمكانيات متقدمة بكلفة أقل بكثير، ما يسرّع من وتيرة اعتماد الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات التطبيقية، بدءاً من المدن الذكية وتجارة التجزئة وصولاً إلى الرعاية الصحية وغيرها.
ويضيف: تكتسب هذه الكفاءة أهمية بالغة في ظل الظروف الراهنة، حيث فرضت التعديلات الأخيرة على ضوابط التصدير الأمريكية قيوداً على وصول بعض الدول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، ما أدى إلى تصنيف الدول وفق مستويات متفاوتة من القدرة على الوصول إلى هذه الموارد. وباعتبار الإمارات العربية المتحدة من الدول المصنفة ضمن الفئة الثانية، فإنها تواجه تحديات في الحصول على المعدات المتقدمة اللازمة.
ويلفت أن تقنيات مثل «ديب سيك» تقلل الحاجة إلى وحدات معالجة رسومية (GPU) متطورة لتحقيق نتائج تضاهي، بل قد تفوق ما كان يتطلب سابقاً موارد أكبر، ما يخفف من الاعتماد على العتاد المتقدم. وهذا من شأنه أن يفتح المجال أمام دول أكثر للاستفادة من هذه التقنيات، ما يعزز التعاون الدولي ويسهم في بناء منظومة ذكاء اصطناعي أكثر تكاملاً على مستوى العالم. كما أن طبيعة «ديب سيك» المفتوحة المصدر تضاعف من تأثيره، إذ تتيح للمطورين في مختلف الدول فرصة البناء على هذا الأساس ودفع عجلة الابتكار بوتيرة غير مسبوقة.
ورغم أن ردود الفعل في وول ستريت بدت مبالغاً فيها فإن دروس التاريخ تؤكد أن انخفاض التكاليف وزيادة الكفاءة غالباً ما يؤديان إلى ارتفاع الطلب بمرور الزمن، فيما يُعرف بمفارقة جيفونز في علم الاقتصاد. نحن اليوم أمام لحظة فارقة في مسيرة الذكاء الاصطناعي، تحمل معها آفاقاً جديدة، وتعزز التعاون العالمي، وتسهم في الارتقاء بحياة الأفراد في شتى أنحاء العالم.
من جانبه، يقول فيجاي فاليشا الرئيس التنفيذي للاستثمار في سنشري فاينانشال: شهدت الأسواق العالمية اضطراباً حاداً عقب إعلان التطورات الأخيرة في نموذج الذكاء الاصطناعي «ديب سيك»، ما أدى إلى موجة بيع مكثفة طالت أسهم كبرى شركات التكنولوجيا، على رأسها إنفيديا، التي فقدت ما يقارب 20% من قيمتها في إحدى الجلسات. في يوم الاثنين وحده تكبدت السوق الأمريكية خسائر تجاوزت تريليون دولار، إلا أن القطاعات غير التكنولوجية، مثل الصناعات والمرافق، تمكنت من الصمود، ما يشير إلى أن موجة البيع كانت محدودة النطاق ولم تمتد إلى جميع الأسهم.
وأضاف: لكن الأسواق سرعان ما أظهرت بعض الاستقرار، حيث استعادت شركات التكنولوجيا الكبرى جزءاً من خسائرها، فارتفع سهم إنفيديا بنسبة 9%، بينما سجلت شركات مثل ميتا وأمازن ومايكروسوفت مكاسب تراوحت بين 3% و5%. ورغم أن مؤشر ناسداك 100 لم يستعد مستوياته السابقة بعد، فإن ذلك يدل على أن الأسواق بدأت تستوعب تأثير «ديب سيك» بشكل تدريجي.
وأوضح: لا تتوافر بيانات دقيقة عن حجم البيع الذي قام به المستثمرون من الشرق الأوسط، لكن بالنظر إلى أن إجمالي خسائر كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية بلغ 900 مليار دولار، فمن المرجح أن بعض المستثمرين في المنطقة أعادوا النظر في محافظهم الاستثمارية.
ولفت قائلا: يبدو أن المستثمرين باتوا يركزون على شركات البرمجيات والخدمات التقنية التي قد تستفيد من التحولات الجديدة في الذكاء الاصطناعي. كما أن شركات تصنيع المعالجات والرقائق قد تحقق مكاسب مع توجه الذكاء الاصطناعي نحو العمل محلياً على الأجهزة بدلاً من الاعتماد على مراكز البيانات الضخمة.
وفي هذا السياق، قد تكون «آبل» من أكبر المستفيدين، نظراً إلى استراتيجيتها التي تركز على تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي على أجهزة آي فون مباشرة، من دون الحاجة إلى الحوسبة السحابية.
ورغم القلق الذي أثارته «ديب سيك» فإن التسرع في البيع قد لا يكون القرار الأمثل؛ فلا تزال شركات التكنولوجيا الأميركية تتمتع بميزة تنافسية قوية بفضل اقتصاديات الحجم والتكامل العميق مع الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من أن تراجع كلفة تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على إنفيديا، فإن السوق بحاجة إلى وقت أطول لتقييم الأداء الفعلي لـ«ديب سيك» ومدى قابليته للتوسع.
لذلك، يُنصح المستثمرون بتنويع محافظهم والتركيز على الشركات ذات النماذج المستدامة في قطاعي البرمجيات وأشباه الموصلات، حيث من المرجح أن تلعب هذه القطاعات دوراً رئيسياً في المرحلة المقبلة من تطور الذكاء الاصطناعي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك