العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

أخبار البحرين

زواج ذوي الإعاقة.. عندما يكون المجتمع في قفص الاتهام!

تحقيق: محمد الساعي

الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

تصوير‭ - ‬عبدالأمير‭ ‬السلاطنة

 

كم‭ ‬هو‭ ‬مؤلم‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬المرء‭ ‬تبعات‭ ‬ذنب‭ ‬لم‭ ‬يقترفه،‭ ‬ويعاني‭ ‬مرارة‭ ‬صعوبات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬يد‭ ‬فيها،‭ ‬وإنما‭ ‬شاءت‭ ‬الأقدار‭ ‬أن‭ ‬تجعله‭ ‬يكابد‭ ‬دون‭ ‬سواه،‭ ‬ويتحمل‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬مشقات‭ ‬فرضتها‭ ‬حكمة‭ ‬الخالق‭.‬

ولكن‭ ‬الأكثر‭ ‬ألما‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الزمان‭ ‬والمجتمع‭ ‬صفا‭ ‬واحدا‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬المتألم،‭ ‬فيجد‭ ‬نفسه‭ ‬يجاهد‭ ‬منفردا‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يحظى‭ ‬بأبرز‭ ‬حقوقه‭ ‬كإنسان‭ ‬ذكرا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬أنثى‭.‬

باختصار،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬وضع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬والتسهيلات‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬تتوافر‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المجمعات،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬جانبا‭ ‬وحقا‭ ‬مازال‭ ‬مهضوما‭ ‬وهو‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬وتكوين‭ ‬الأسرة‭. ‬فللأسف‭ ‬مازال‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬يمثل‭ ‬تحديا‭ ‬حقيقيا‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬والعزيمة‭ ‬والهمة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قدرتهم‭ ‬العقلية‭ ‬والجسدية‭. ‬

الإشكالية‭ ‬الأخرى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬اقل‭ ‬المواضيع‭ ‬مناقشة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاعلام‭ ‬والمجتمع‭. ‬فوفقا‭ ‬لدراسة‭ ‬كويتية،‭ ‬يعتبر‭ ‬زواج‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬من‭ ‬أقل‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تناولتها‭ ‬الصحافة‭ ‬العربية‭ ‬بمعدل‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬1%‭.‬

وأكدت‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬أعدها‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬أصول‭ ‬التربية‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬حسن‭ ‬البلوشي،‭ ‬ونشرتها‭ ‬صحيفة‭ ‬القبس‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80%‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬الكفاءة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬وتلبية‭ ‬احتياجاته،‭ ‬فيما‭ ‬أكد‭ ‬30%‭ ‬أن‭ ‬النظرة‭ ‬السلبية‭ ‬للمجتمع‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬معوقات‭ ‬زواجهم‭. ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬أبرزها‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬للمعاق‭ ‬وتفكيره‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬منتج‭ ‬وغير‭ ‬صالح‭ ‬للمجتمع،‭ ‬والمشاكل‭ ‬المادية‭ ‬عند‭ ‬الشخص‭ ‬المعاق‭ ‬مثل‭ ‬عدم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬مناسبة‭ ‬مع‭ ‬احتياجه‭ ‬إلى‭ ‬أجهزة‭ ‬تعويضية‭ ‬مكلفة،‭ ‬وعدم‭ ‬قدرة‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬الإعاقة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأسباب‭ ‬الصحية‭.‬

وبالطبع‭ ‬لهذا‭ ‬انعكاساته‭ ‬النفسية‭ ‬السيئة‭ ‬على‭ ‬الشخص،‭ ‬وكما‭ ‬يؤكد‭ ‬الاختصاصيون،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الحرمان‭ ‬كفيل‭ ‬بأن‭ ‬يتسبب‭ ‬لدى‭ ‬الشخص‭ ‬ذي‭ ‬الإعاقة‭ ‬بكبت‭ ‬عاطفته‭ ‬وحاجاته‭ ‬الشخصية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يتطور‭ ‬الى‭ ‬عقد‭ ‬نفسية،‭ ‬وقد‭ ‬يصل‭ ‬الامر‭ ‬الى‭ ‬حنق‭ ‬ونقمة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬مع‭ ‬انخفاض‭ ‬مفهوم‭ ‬الذات‭ ‬لديه،‭ ‬وتراجع‭ ‬القدرات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والتحفيزية‭ ‬والإرادة‭.‬

في‭ ‬البحرين،‭ ‬تشير‭ ‬الأرقام‭ ‬الرسمية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬المسجلين‭ ‬رسميا‭ ‬يبلغ‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬14762‭ ‬حالة‭. ‬وتؤكد‭ ‬تصريحات‭ ‬المختصين‭ ‬أن‭ ‬90%‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬عاطلون‭ ‬عن‭ ‬العمل‭. ‬فيما‭ ‬أشارت‭ ‬ورقة‭ ‬بحثية‭ ‬نشرت‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬المتزوجين‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬5374‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نفتح‭ ‬ملفا‭ ‬ربما‭ ‬يرفض‭ ‬الكثيرون‭ ‬الخوض‭ ‬فيه،‭ ‬وهو‭ ‬كيف‭ ‬ينظر‭ ‬ذوو‭ ‬الإعاقة‭ ‬أنفسهم‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة؟‭ ‬وكيف‭ ‬يصفون‭ ‬معاناتهم‭ ‬مع‭ ‬رفض‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاسر‭ ‬تزويجهم؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬حالات‭ ‬تمثل‭ ‬نماذج‭ ‬ناجحة‭ ‬لزواج‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬غير‭ ‬معاقين؟

لجأوا‭ ‬إلى‭ ‬الخارج

تساؤلات‭ ‬ناقشناها‭ ‬بداية‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬المركز‭ ‬البحريني‭ ‬للحراك‭ ‬الدولي‭ ‬عادل‭ ‬سلطان‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬حديثه‭ ‬أن‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬يواجهون‭ ‬مشاكل‭ ‬عدة‭ ‬لاسيما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالزواج،‭ ‬ويضيف‭: ‬الزواج‭ ‬توفيق‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬مثلي‭ ‬من‭ ‬وفقوا‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬تيسرت‭ ‬أموري‭ ‬وتزوجت‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة،‭ ‬وأبنائي‭ ‬تخرجوا‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬وهناك‭ ‬حالات‭ ‬زواج‭ ‬يكون‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬توفق‭ ‬وتواجه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتقبل‭ ‬المجتمع‭ ‬والعائلات‭ ‬لحالتهم،‭ ‬وخاصة‭ ‬الإناث‭ ‬ذوات‭ ‬الإعاقة‭ ‬اللاتي‭ ‬تقل‭ ‬فرصهن‭ ‬مقارنة‭ ‬بنظرائهن‭ ‬الشباب‭. ‬وإجمالا‭ ‬يواجه‭ ‬كلا‭ ‬الجنسين‭ ‬هذا‭ ‬التحدي،‭ ‬حيث‭ ‬يتقدمون‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬ويتعرضون‭ ‬للرفض‭ ‬بسبب‭ ‬الإعاقة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قدرتهم‭ ‬الجسدية‭ ‬والمادية،‭ ‬وبعضهم‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬جيدة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬وهنا‭ ‬تبقى‭ ‬المشكلة‭ ‬أكبر‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الإناث‭.‬

والمشكلة‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الاسر‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬تزويج‭ ‬ابنتهم‭ ‬أو‭ ‬ابنهم‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬تلافيا‭ ‬لمشاكل‭ ‬محتملة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬قبل‭ ‬ابنهم‭ ‬أو‭ ‬ابنتهم‭ ‬غير‭ ‬المعاقين‭. ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬يكون‭ ‬القطار‭ ‬قد‭ ‬فات‭ ‬وتقدم‭ ‬الشخص‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬بالعمر‭ ‬وتنعدم‭ ‬أمامه‭ ‬أدنى‭ ‬الفرص‭. ‬وبالتأكيد‭ ‬لهذا‭ ‬تبعاته‭ ‬النفسية‭ ‬على‭ ‬الشخص،‭ ‬وشخصيا‭ ‬أعرف‭ ‬حالات‭ ‬تعاني‭ ‬تعبا‭ ‬نفسيا‭ ‬شديدا‭ ‬بسبب‭ ‬الرفض‭ ‬المتكرر‭ ‬وعدم‭ ‬الزواج‭.‬

*‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬يلعب‭ ‬الجانب‭ ‬المادي‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية؟‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬المعاقين‭ ‬عاطلون؟

**‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬مشكلة‭ ‬المعاقين‭ ‬دولية‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬بات‭ ‬توظيف‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭. ‬لذلك‭ ‬عندما‭ ‬نقدم‭ ‬طلبات‭ ‬توظيف‭ ‬لذوي‭ ‬الهمم،‭ ‬غالبا‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬تجاوبا‭ ‬للأسف‭. ‬وبالتأكيد‭ ‬هذا‭ ‬يضاعف‭ ‬من‭ ‬الإشكالية‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬تحدي‭ ‬الزواج‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الشخص‭. ‬

*‭ ‬هل‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بنقص‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬المجتمع؟

**‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬او‭ ‬الخليج‭ ‬او‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬تحد‭ ‬قائم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬ولكن‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭. ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭ ‬تحظى‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬بدعم‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬الرشيدة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الدولة‭. ‬كما‭ ‬ان‭ ‬المجتمع‭ ‬شهد‭ ‬تطورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬نظرته‭ ‬الى‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالسابق،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬انه‭ ‬مازال‭ ‬هناك‭ ‬قصور‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتوظيف‭ ‬والزواج،‭ ‬فهي‭ ‬للأسف‭ ‬مازالت‭ ‬جوانب‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وعي‭ ‬أكبر‭ ‬بحقوق‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭. ‬وأبسط‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مواقف‭ ‬السيارات،‭ ‬حيث‭ ‬تجد‭ ‬الكثير‭ ‬يقف‭ ‬فيها‭ ‬بل‭ ‬ويغضب‭ ‬عندما‭ ‬تطلب‭ ‬منه‭ ‬تحريك‭ ‬مركبته‭!‬

نقص‭ ‬الوعي

حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬يحدثنا‭ ‬أيضا‭ ‬رئيس‭ ‬المحفزين‭ ‬البحرينيين‭ ‬لذوي‭ ‬الهمم،‭ ‬رياض‭ ‬المرزوق،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬يواجهون‭ ‬تحديات‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬الزواج،‭ ‬حيث‭ ‬تؤثر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬الزواج‭ ‬وتكوين‭ ‬العلاقات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التحديات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بنظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬السلبية‭ ‬ونقص‭ ‬الفهم‭ ‬والقبول،‭ ‬والعوائق‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تمنع‭ ‬التواصل‭ ‬الفعال‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭. ‬

ويضيف‭: ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكمن‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬المجتمع‭. ‬فمثلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬المعتقدات‭ ‬السلبية‭ ‬والقصور‭ ‬في‭ ‬الفهم‭ ‬حول‭ ‬الإعاقة‭ ‬إلى‭ ‬تمييز‭ ‬ضد‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬تقبلهم‭ ‬كشركاء‭ ‬محتملين‭ ‬في‭ ‬الزواج‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬زيادة‭ ‬الوعي‭ ‬وتعليم‭ ‬المجتمع‭ ‬حول‭ ‬القدرات‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬ذوو‭ ‬الإعاقة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬تحطيم‭ ‬هذه‭ ‬الحواجز‭.‬

وهناك‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬وهو‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬تواجهه‭ ‬فئة‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬والصعوبات‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭. ‬فهذه‭ ‬الصعوبات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬استقلالهم‭ ‬المالي‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬عائلة،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬تعقيد‭ ‬مسألة‭ ‬الزواج‭. ‬إذ‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬الاستقرار‭ ‬المالي‭ ‬كعامل‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬شريك‭ ‬الحياة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الشخص‭ ‬غير‭ ‬المعاق،‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬بذوي‭ ‬الإعاقة؟‭ ‬

لذلك‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬تجسد‭ ‬صعوبة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬الزواج،‭ ‬حيث‭ ‬يجد‭ ‬الشخص‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬الحركية‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬شريك‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬أسرة‭ ‬معه،‭ ‬وتعاني‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬المشكلة‭ ‬بسبب‭ ‬الصور‭ ‬النمطية‭ ‬السلبية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬

البطالة‭ ‬وتدني‭ ‬أجور‭ ‬المعاقين

مهدي‭ ‬صالح‭ ‬النعيمي،‭ ‬مؤسس‭ ‬ورئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الصم‭ ‬البحرينية‭ ‬سابقا‭ ‬يشاركنا‭ ‬النقاش‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬يواجهون‭ ‬بالفعل‭ ‬تحديات‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬في‭ ‬فرص‭ ‬الزواج‭ ‬بسبب‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬وإمكانياتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬وتقبل‭ ‬الآخرين‭ ‬للارتباط‭ ‬بهم‭. ‬وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الزيجات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬رفضها‭ ‬بسبب‭ ‬الإعاقة‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬وخصوصا‭ ‬بين‭ ‬الصم‭ ‬والسامعين،‭ ‬ولذلك‭ ‬يفضل‭ ‬الصم‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬لسهولة‭ ‬التواصل‭ ‬والتفاهم‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭.‬

ويلفت‭ ‬النعيمي‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الإعاقة‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬ليست‭ ‬العامل‭ ‬الوحيد‭ ‬للرفض‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات،‭ ‬فالتقييم‭ ‬عند‭ ‬الرغبة‭ ‬بالارتباط‭ ‬يشمل‭ ‬جميع‭ ‬الجوانب‭ ‬الشخصية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭. ‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬يقاس‭ ‬الأمر‭ ‬بمدى‭ ‬الوعي‭ ‬والتقبل‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬بمدى‭ ‬توافق‭ ‬الطرفين‭ ‬وتوافر‭ ‬المقومات‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬حياة‭ ‬مستقرة‭ ‬لهما،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يتقبل‭ ‬فكرة‭ ‬الارتباط‭ ‬بذوي‭ ‬الإعاقة،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تحقق‭ ‬شروط‭ ‬التوافق‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تؤسس‭ ‬لحياة‭ ‬سعيدة،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬نسبي‭ ‬ويختلف‭ ‬بحسب‭ ‬الشخص‭.‬

ويتابع‭: ‬هناك‭ ‬إشكالية‭ ‬أخرى‭ ‬تتمثل‭ ‬فيما‭ ‬يواجهه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬وظائف‭ ‬مناسبة،‭ ‬ففرص‭ ‬توظيفهم‭ ‬متدنية،‭ ‬وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬البطالة‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬الزواج‭. ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬لعاطل‭ ‬تكوين‭ ‬وإعالة‭ ‬أسرة‭. ‬وأغلب‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬يحصل‭ ‬عليها‭ ‬ذوو‭ ‬الإعاقة‭ ‬تكون‭ ‬برواتب‭ ‬متدنية‭ ‬شبه‭ ‬ثابتة‭ ‬ولا‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬زيادات‭ ‬مناسبة‭ ‬تساعدهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬الحياة‭.‬

البنات‭.. ‬أول‭ ‬الضحايا

‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬التقت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬بالفعل،‭ ‬بعضها‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬الزواج‭ ‬واضطر‭ ‬الى‭ ‬الطلاق،‭ ‬وبعضها‭ ‬فاته‭ ‬القطار،‭ ‬وأخرى‭ ‬مازالت‭ ‬تنتظر‭ ‬وتبحث‭ ‬عن‭ ‬الفرصة‭. ‬

والبداية‭ ‬مع‭ (‬أ‭.‬خ‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬فتاة‭ ‬جامعية،‭ ‬تحدت‭ ‬الإعاقة‭ ‬وتخصصت‭ ‬في‭ ‬المحاسبة،‭ ‬ولكنها‭ ‬بقيت‭ ‬تواجه‭ ‬تحدي‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تشرحه‭ ‬بقولها‭: ‬للأسف‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬مازال‭ ‬ذو‭ ‬الإعاقة‭ ‬يواجه‭ ‬فيه‭ ‬مشاكل‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬فحسب‭ ‬وانما‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬والتوظيف‭. ‬صحيح‭ ‬ان‭ ‬النظرة‭ ‬بدأت‭ ‬تتحسن‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬وهناك‭ ‬حالات‭ ‬زواج‭ ‬بين‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة،‭ ‬ولكن‭ ‬مازالت‭ ‬المشكلة‭ ‬كبيرة‭ ‬ومستعصية‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الفتيات‭. ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬قبول‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬غير‭ ‬المعاق،‭ ‬ولكن‭ ‬الأهل‭ ‬يلعبون‭ ‬دورا‭ ‬سلبيا‭ ‬ويرفضون‭ ‬هذا‭ ‬الزواج،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يكون‭ ‬المعاق‭ ‬ضحية‭ ‬ويدفع‭ ‬ثمن‭ ‬ذنب‭ ‬لم‭ ‬يقترفه‭. ‬

وتتابع‭ ‬محدثتنا‭: ‬شخصيا‭ ‬لم‭ ‬أوفق‭ ‬للزواج‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وأعرف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬لكنها‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة‭. ‬وهناك‭ ‬حالات‭ ‬تزوجت‭ ‬بالفعل‭ ‬ولكن‭ ‬ظهرت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مشكلات‭ ‬ترتبط‭ ‬بالإعاقة‭ ‬وحدث‭ ‬الانفصال‭. ‬فهناك‭ ‬تخوف‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الارتباط‭ ‬بذوي‭ ‬الإعاقة‭. ‬

وبالطبع‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬انعكاساته‭ ‬النفسية‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة،‭ ‬وتجعلهم‭ ‬يعيشون‭ ‬حالة‭ ‬نفسية‭ ‬بسبب‭ ‬الرفض‭ ‬المتكرر‭. ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المقتدرين‭ ‬اضطروا‭ ‬إلى‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬الخارج‭. ‬وهذا‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬مشكلة‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬الهدف‭ ‬الحقيقي‭ ‬من‭ ‬قبول‭ ‬الزواج‭ ‬به‭. ‬وهناك‭ ‬جانب‭ ‬مهم‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الاسر‭ ‬تجبر‭ ‬ابنهم‭ ‬أو‭ ‬ابنتهم‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬غير‭ ‬مؤهلين،‭ ‬ثم‭ ‬يحدث‭ ‬الانفصال‭ ‬فيدخل‭ ‬الشاب‭ ‬أو‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬نفسية‭ ‬أسوأ‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬سابقا‭.‬

وفي‭ ‬النهاية‭ ‬يبقى‭ ‬الأمر‭ ‬نصيبا،‭ ‬ونحن‭ ‬كما‭ ‬تقبلنا‭ ‬الإعاقة‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نتقبل‭ ‬وضع‭ ‬التوظيف‭ ‬والزواج‭ ‬ومقتنعون‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سيعوضنا‭.‬

لذلك‭ ‬ما‭ ‬أقوله‭ ‬للمجتمع‭: ‬انظروا‭ ‬الى‭ ‬الجوهر‭ ‬وليس‭ ‬الشكل،‭ ‬فهذا‭ ‬المعاق‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬أسرة‭ ‬سعيدة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬غير‭ ‬معاق‭. ‬والإعاقة‭ ‬ليست‭ ‬معيارا‭ ‬لسعادة‭ ‬الأسرة‭ ‬ونجاحها‭. ‬لذلك‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬التوعية‭ ‬بهذا‭ ‬الجانب‭ ‬وتصحيح‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬الخاطئة‭ ‬مثل‭ ‬أن‭ ‬المعاق‭ ‬ينجب‭ ‬معاقين‭. ‬فهذا‭ ‬يرتبط‭ ‬بنوع‭ ‬الإعاقة‭.‬

نظرة‭ ‬انتقاص

من‭ ‬واقع‭ ‬تجربته‭ ‬الشخصية‭ ‬وعلاقاته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬يحدثنا‭ ‬الحكم‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الاثقال‭ ‬للمعاقين‭ ‬المهندس‭ ‬السابق‭ ‬بوزارة‭ ‬الكهرباء‭ ‬نادر‭ ‬أحمد‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬إعاقة‭ ‬حركية،‭ ‬حيث‭ ‬يؤكد‭ ‬الآراء‭ ‬السابقة،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المقتدر‭ ‬المقبل‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬يصطدم‭ ‬بعدم‭ ‬القبول‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاسر،‭ ‬وخاصة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الإعاقة‭ ‬حركية‭. ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬وجد‭ ‬الشاب‭ ‬من‭ ‬تقبل‭ ‬به،‭ ‬فإن‭ ‬أهلها‭ ‬لا‭ ‬يقبلون،‭ ‬أو‭ ‬العكس‭. ‬وبالمقابل‭ ‬هناك‭ ‬حالات،‭ ‬أصرت‭ ‬الزوجة‭ ‬غير‭ ‬المعاقة‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬ونجح‭ ‬الزواج‭ ‬وأنجبا‭ ‬الأبناء‭. ‬

ويتابع‭ ‬بقوله‭: ‬شخصيا‭ ‬عانيت‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬حتى‭ ‬وفقني‭ ‬الله‭ ‬وعوضني‭ ‬بزوجة‭ ‬واعية‭ ‬ومساندة‭. ‬فالمعيار‭ ‬الأساسي‭ ‬هو‭ ‬تقبل‭ ‬الطرفين‭ ‬وتفهمهما‭ ‬وصبرهما‭ ‬خاصة‭ ‬الطرف‭ ‬غير‭ ‬المعاق،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬التفهم‭. ‬فهناك‭ ‬حالات‭ ‬حدث‭ ‬فيها‭ ‬الزواج‭ ‬بين‭ ‬شخص‭ ‬غير‭ ‬معاق‭ ‬من‭ ‬فتاة‭ ‬ذات‭ ‬إعاقة،‭ ‬وأنجبا‭ ‬أطفالا،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طلقها‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تفهم‭ ‬الوضع‭!‬

ومن‭ ‬الجوانب‭ ‬التي‭ ‬تضاعف‭ ‬حدة‭ ‬المشكلة‭ ‬هو‭ ‬الجانب‭ ‬المادي‭. ‬فمن‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬المعاق‭ ‬وظيفة‭ ‬ذات‭ ‬مدخول‭ ‬مناسب،‭ ‬والسؤال‭ ‬هنا‭: ‬أين‭ ‬من‭ ‬تقبل‭ ‬الزواج‭ ‬بعاطل؟‭ ‬فكيف‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬العاطل‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة؟

لذلك‭ ‬في‭ ‬اعتقادي‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬تكمن‭ ‬بالمقام‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬المجتمع‭ ‬واحتضانه‭ ‬لذوي‭ ‬الإعاقة‭. ‬وللأسف‭ ‬مازالت‭ ‬النظرة‭ ‬للمعاق‭ ‬عاطفية،‭ ‬ومهما‭ ‬انجز‭ ‬وتميز‭ ‬يبقى‭ ‬الكثيرون‭ ‬ينظرون‭ ‬اليه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬عاجز‭ ‬ومسكين،‭ ‬وهي‭ ‬نظرة‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الانتقاص‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعاقين‭ ‬قبلوا‭ ‬التحدي‭ ‬وكانوا‭ ‬أبطالا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬عدة،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬الزواج‭ ‬يصطدمون‭ ‬بعوائق‭ ‬لا‭ ‬يمكنهم‭ ‬التغلب‭ ‬عليها‭.‬

المجتمع‭.. ‬لا‭ ‬يتقبلنا

مجتبى‭ ‬محمد،‭ ‬شاب‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬34‭ ‬عاما‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬إعاقة‭ ‬دائمة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬يحمل‭ ‬شهادة‭ ‬البكالوريوس‭. ‬

لا‭ ‬يختلف‭ ‬وضعه‭ ‬عما‭ ‬طرحناه‭ ‬من‭ ‬نماذج‭ ‬سابقة‭. ‬فهو‭ ‬مازال‭ ‬عاطلا‭.. ‬وأعزب‭ ‬بسبب‭ ‬إعاقته‭. ‬يقول‭ ‬مجتبى‭ ‬الذي‭ ‬التقيناه‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬البحريني‭ ‬للحراك‭ ‬الدولي‭: ‬أمنيتي‭ ‬أن‭ ‬أتزوج‭ ‬وأكوّن‭ ‬أسرة،‭ ‬وفكرت‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬أن‭ ‬أتقدم‭ ‬للزواج‭ ‬لكنني‭ ‬أتوقف‭ ‬لأنني‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭. ‬فمن‭ ‬واقع‭ ‬تجارب‭ ‬من‭ ‬أعرفهم،‭ ‬تقدموا‭ ‬ولاقوا‭ ‬الرفض،‭ ‬واحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬اضطر‭ ‬إلى‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬وتزوج‭ ‬من‭ ‬هناك،‭ ‬وحاليا‭ ‬لديه‭ ‬أطفال‭ ‬وهو‭ ‬سعيد‭. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬للأسف‭ ‬مازلنا‭ ‬نفتقد‭ ‬هذه‭ ‬الفرص‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭ ‬علينا‭ ‬نفسيا‭ ‬ويجعلنا‭ ‬نعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الكبت‭. ‬فأنا‭ ‬مثلا‭ ‬شاب‭ ‬لدي‭ ‬طموحات‭ ‬وأحلامي‭ ‬ورغباتي،‭ ‬ولكني‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أواجه‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬وعدم‭ ‬تقبل‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬المعاق‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬والتخوف‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬لي‭ ‬أبناء‭ ‬معاقون‭ ‬أيضا‭. ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أحصل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬ومصدر‭ ‬دخل‭. ‬وأنا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬إثبات‭ ‬أنفسهم‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أتيحت‭ ‬لهم‭ ‬الفرصة،‭ ‬وقادرون‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬أسرة‭ ‬سعيدة‭.‬

تجربتان

ربما‭ ‬تختلف‭ ‬حالة‭ ‬قاسم‭ ‬بوحسان‭ ‬نوعا‭ ‬ما،‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬الزواج‭ ‬مرتين‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬كان‭ ‬الانفصال‭ ‬هو‭ ‬نهاية‭ ‬الارتباط‭. ‬يشرح‭ ‬لنا‭ ‬ذلك‭ ‬بقوله‭: ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬ما‭ ‬يعانيه‭ ‬ذوو‭ ‬الإعاقة‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬شريك‭ ‬الحياة‭ ‬المناسب‭ ‬والمتفهم‭ ‬وغير‭ ‬المستغل‭. ‬وشخصيا‭ ‬تقدمت‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭ ‬للزواج‭ ‬ويتم‭ ‬رفضي‭ ‬بسبب‭ ‬الإعاقة‭ ‬أو‭ ‬التعذر‭ ‬بأنني‭ ‬مثلا‭ ‬أعاني‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬النطق،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬كراج‭ ‬سيارات‭ ‬وحاليا‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬متخصص‭. ‬حتى‭ ‬تزوجت‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬فتاة‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة،‭ ‬ولكن‭ ‬حدثت‭ ‬مشاكل‭ ‬عديدة‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬أعانيه‭ ‬من‭ ‬إعاقة‭. ‬واضطررنا‭ ‬الى‭ ‬الانفصال‭. ‬وبعد‭ ‬مدة‭ ‬ارتبطت‭ ‬بفتاة‭ ‬أخرى‭ ‬تكبرني‭ ‬بالعمر،‭ ‬وأيضا‭ ‬لم‭ ‬يدم‭ ‬الزواج‭ ‬طويلا‭ ‬لذات‭ ‬الأسباب‭ ‬تقريبا‭. ‬وهذا‭ ‬أثر‭ ‬عليّ‭ ‬سلبا‭ ‬وجعلني‭ ‬أتردد‭ ‬حتى‭ ‬بالتفكير‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬المحاولة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تشجيع‭ ‬أسرتي‭.‬

حرمان‭ ‬من‭ ‬نعمة‭ ‬الأسرة

محطتنا‭ ‬الأخيرة‭ ‬مع‭ (‬ن‭.‬أ‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬فتاة‭ ‬تشاطر‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬المعاناة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬تقول‭: ‬يعاني‭ ‬ذوو‭ ‬الإعاقة‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬حقيقية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالوعي‭ ‬والتفهم‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالزواج‭. ‬وأحيانا‭ ‬يكون‭ ‬عدم‭ ‬القبول‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬أسرته‭. ‬لذلك‭ ‬يبقى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬وخاصة‭ ‬الفتيات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬زواج،‭ ‬علما‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬معاق‭ ‬يكون‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬الزواج‭. ‬فهذا‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬الإعاقة‭ ‬ودرجتها‭. ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬فتاة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الزواج‭. ‬وهذا‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬يتطلب‭ ‬وعيا‭ ‬وتوعية‭ ‬لدى‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬وأسرهم،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الشخص‭ ‬واعيا‭ ‬وقادرا‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬أن‭ ‬يحظى‭ ‬بهذه‭ ‬الفرص‭. ‬

وإجمالا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وعي‭ ‬وتفهم‭ ‬أكبر‭ ‬بقدرات‭ ‬المعاقين‭. ‬فما‭ ‬يعانيه‭ ‬ذوو‭ ‬الإعاقة‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬وانتظار‭ ‬لفرص‭ ‬الزواج،‭ ‬وهو‭ ‬ينعكس‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬الشخص‭ ‬وعلى‭ ‬صحته‭ ‬النفسية‭ ‬أيضا‭. ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬الآخرين‭ ‬غير‭ ‬المعاقين‭ ‬يعيشون‭ ‬حياتهم‭ ‬ويكونون‭ ‬أسر‭ ‬ولكنه‭ ‬محروم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النعم‭ ‬لأسباب‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬ذنب‭ ‬فيها‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تفاقم‭ ‬من‭ ‬المشكلة‭ ‬وتقلص‭ ‬فرص‭ ‬الموافقة‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬حصول‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬ودخل‭ ‬مناسب‭. ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬أننا‭ ‬مازلنا‭ ‬نعاني‭ ‬مشكلة‭ ‬تتعلق‭ ‬بتوظيف‭ ‬المعاقين‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا