العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

ألوان

دموع جولدا مائير وصرخات جنودها شهادة «العدو» على انتصارات أكتوبر

بقلم: سيد عبدالقادر

الجمعة ٠٦ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬مشاهدته‭ ‬خلال‭ ‬الاحتفال‭ ‬بمرور‭ ‬نصف‭ ‬قرن،‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬المجيدة،‭ ‬هو‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬جولدا‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ -‬لأول‭ ‬مرة‭- ‬آثار‭ ‬الهزيمة‭ ‬المُرة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬قادة‭ ‬إسرائيل‭ ‬آنذاك،‭ ‬جولدا‭ ‬مائير‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬وموشي‭ ‬ديان‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬والجنرالات‭ ‬ديفيد‭ ‬اليعازر‭ ‬وارئيل‭ ‬شارون‭ ‬وغيرهم‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬امتدت‭ ‬أحداثه‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬مائة‭ ‬دقيقة،‭ ‬ترى‭ ‬دموع‭ ‬جولدا‭ ‬مائير‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات،‭ ‬خاصة‭ ‬وهي‭ ‬تسمع‭ ‬صرخات‭ ‬جنودها‭ ‬في‭ ‬النقاط‭ ‬الحصينة‭ ‬بخط‭ ‬بارليف‭ ‬وصوت‭ ‬طلقات‭ ‬المصريين‭ ‬يغطي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الصرخات‭ ‬اللاسلكية‭.‬

تسمع‭ ‬عن‭ ‬القتلى‭ ‬والأسرى‭ ‬بالآلاف،‭ ‬وعن‭ ‬سقوط‭ ‬عشرات‭ ‬الطائرات‭ ‬الفانتوم‭ ‬والسكاي‭ ‬هوك‭ ‬وتدمير‭ ‬مئات‭ ‬الدبابات،‭ ‬وعن‭ ‬الهزيمة‭ ‬المروعة‭ ‬للإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬المزرعة‭ ‬الصينية‭.. ‬وهي‭ ‬روايات‭ ‬سمعناها‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬عشرات‭ ‬المرات،‭ ‬لكننا‭ ‬نسمعها‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الإسرائيليين‭.‬

كما‭ ‬يروي‭ ‬الفيلم‭ ‬دور‭ ‬هنري‭ ‬كيسنجر‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬الشهير‭ ‬آنذاك،‭ ‬الذي‭ ‬تحرك‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬انتمائه‭ ‬اليهودي‭ ‬أولا،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬دوره‭ ‬هو‭ ‬حماية‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وهو‭ ‬دور‭ ‬تجسده‭ ‬جملة‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬جولدا‭ ‬وكيسنجر‭ ... ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬لها‭ ‬الأخير‭: ‬لا‭ ‬تنسي‭ ‬أنني‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬أمريكا‭ ‬أولا‭ ‬وثانيا‭.. ‬ثم‭ ‬انني‭ ‬يهودي‭ ‬ثالثا،‭ ‬فترد‭ ‬عليه‭ ‬بخبث‭: ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬أننا‭ ‬نقرأ‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬إلى‭ ‬اليسار‭.‬

‭ ‬وكذلك‭ ‬يسرد‭ ‬الفيلم‭ ‬أحداثه‭ ‬بطريقة‭ ‬الفلاش‭ ‬باك،‭ ‬حيث‭ ‬تبدأ‭ ‬وقائع‭ ‬الحرب‭ ‬وتنتهي،‭ ‬بجلسة‭ ‬التحقيق‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬الرئيس‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬آنذاك‭ ‬مع‭ ‬جولدا‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬عن‭ ‬إخفاقاتها‭ ‬هي‭ ‬والقادة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭.‬

نجحت‭ ‬الممثلة‭ ‬البريطانية‭ ‬هيلين‭ ‬ميرين،‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬شخصية‭ ‬جولدا‭ ‬مائير‭ ‬التي‭ ‬لقبت‭ ‬بالمرأة‭ ‬الحديدية،‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬قوتها‭ ‬وضعفها‭ ‬وبكائها،‭ ‬وكذلك‭ ‬لحظات‭ ‬خضوعها‭ ‬للعلاج‭ ‬الكيماوي‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬سرطان‭ ‬الغدد‭ ‬الليمفاوية،‭ ‬وكانت‭ ‬أفضل‭ ‬عناصر‭ ‬فيلم‭ ‬تميز‭ ‬بأنه‭ ‬رخيص‭ ‬انتاجيا،‭ ‬تم‭ ‬تصويره‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬محدودة‭ ‬وبخدع‭ ‬سينمائية‭ ‬محدودة‭ ‬لمشاهد‭ ‬المعارك،‭ ‬وبممثلين‭ ‬محدودي‭ ‬القدرات‭ ‬خاصة‭ ‬الممثل‭ ‬الذي‭ ‬جسد‭ ‬دور‭ ‬موشي‭ ‬ديان‭.. ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬مشهدا‭ ‬ضعيفا‭ ‬للغاية‭ ‬وهو‭ ‬يستقل‭ ‬طائرة‭ ‬هليكوبتر‭ ‬لاستعراض‭ ‬الوضع‭ ‬فوق‭ ‬الجولان‭.‬

ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬عندما‭ ‬يروي‭ ‬‮«‬العدو‮»‬‭ ‬قصة‭ ‬هزيمته،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬تجميلها‭ ‬بقدر‭ ‬المستطاع،‭ ‬خاصة‭ ‬محاولة‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬البطل‭ ‬المصري‭ ‬أشرف‭ ‬مروان،‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬مع‭ ‬المخابرات‭ ‬المصرية‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬خطة‭ ‬الخداع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تصوير‭ ‬الفيلم‭ ‬بأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يدركون‭ ‬أنه‭ ‬عميل‭ ‬مزدوج،‭ ‬وكذلك‭ ‬محاولة‭ ‬تحويل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬الكيلو‭ ‬101‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬اعتراف‭ ‬بإسرائيل‭ ‬كدولة‭ ‬وليس‭ ‬ككيان‭ ‬صهيوني‭.. ‬وبدا‭ ‬أنهم‭ ‬حققوا‭ ‬هدفهم‭ ‬عندما‭ ‬نطق‭ ‬السادات‭ ‬كلمة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وهي‭ ‬مغالطة‭ ‬تاريخية‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬يقولها‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الحرب‭: ‬سنضرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬وراء‭ ‬إسرائيل‭.‬

كما‭ ‬حاول‭ ‬الفيلم‭ ‬تأكيد‭ ‬صورة‭ ‬‮«‬ماما‭ ‬جولدا‮»‬‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الاسرائيليون‭ ‬ينادونها،‭ ‬كإنسانة‭ ‬مرهفة‭ ‬المشاعر‭ ‬خاصة‭ ‬وهي‭ ‬تبلغ‭ ‬سكرتيرتها‭ ‬نبأ‭ ‬مقتل‭ ‬ابنها‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬وكذلك‭ ‬وهي‭ ‬تبكي‭ ‬جنودها‭ ‬الذين‭ ‬تناديهم‭ ‬بـ«أطفالي‮»‬،‭ ‬ويصورهم‭ ‬الفيلم‭ ‬كعصافير‭ ‬بريئة‭ ‬قتلها‭ ‬أعداء‭ ‬إسرائيل‭.‬

لا‭ ‬أحد‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يمنحك‭ ‬عدوك‭ ‬قلادة‭ ‬ذهبية‭ ‬لأنك‭ ‬انتصرت‭ ‬عليه‭ ‬وأذقته‭ ‬ذل‭ ‬الهزيمة،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬جسد‭ ‬لنا‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬وقع‭ ‬انتصاراتنا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬المجيدة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا