اختناقات مرورية.. فوضى ومخالفات.. نقص في المواقف.. ولا تنظيم
«البلديات»: ليس اختصاصنا.. «الأشغال»: ليست مسؤوليتنا.. و«التجارة»: لا تعليق
التخطيط العمراني: لسنا من يصدر الرخص.. وتحديثات على الشوارع التجارية لتخفيف الضغط
أصابع الاتهام توجه إلى المجالس البلدية السابقة.. والحلول الجذرية غير ممكنة
الأهالي: المخالفات المرورية صارخة وغياب الدوريات يفاقم المشكلة
مئات المحلات والمطاعم تراكمت في طرقات صغيرة بآليات قانونية!
تصوير - عبدالأمير السلاطنة
يوما ما، كانت نماذج جميلة للقرى الهادئة والبيوتات المترابطة، والطرقات البسيطة التي تشق القرية، وتتوزع مساكن الأهالي على طرفي الطريق بهدوء وسكينة.
مرت سنوات ليست بالكثيرة، لتتحول هذه المناطق وبقدرة قادر الى شوارع تجارية تعج بالمحلات.. وبالمطاعم.. وبالمركبات.. وبالمتسوقين.. وبالمشاكل، وباتت تلك المناطق أشبه بمجمعات تجارية عشوائية.
المشكلة ان الطاقة الاستيعابية لهذه الطرقات لا تتناسب بتاتا مع عدد وحجم المحلات التجارية والأنشطة، ولا مع عدد المركبات التي تمر بها، ولا مع عدد مواقف السيارات المتوافرة، ولا مع حجم وإمكانيات البنية التحتية للمنطقة، ولا مع مساحة القرية إجمالا.. ولا مع المعايير والاشتراطات التي تضعها الجهات المعنية لافتتاح مشاريع ومحلات تجارية.
والنتيجة.. اختناقات ومخالفات مرورية، فوضى عارمة، طوابير من السيارات التي تبحث عن مواقف لها، أعداد كبيرة من المواطنين والمقيمين يتكدسون في مكان واحد، أنشطة تجارية متكررة وبكثافة غريبة في نفس الشارع.
ليجد من يتورط بالدخول في الطريق نفسه في عنق زجاجة، يكافح للخروج منها سالما. وما يزيد الطين بلة هو غياب شبه تام لسيارات المرور من أجل تنظيم الفوضى الحاصلة، وقبل ذلك تغريم المخالفين. فليس من الغريب أن تجد في ذروة الزحام، من يوقف مركبته في منتصف الطريق ليطلب من هذا المطعم أو تلك الكافتيريا، وعلى أصحاب المركبات الأخرى أن (يتصرفوا)!
نماذج صارخة
من يرغب في خوض المغامرة، عليه أن يزور بعض هذه المناطق مثل البديع وبعض شوارع عراد، ودار كليب والمالكية وكرزكان ودمستان وغيرها، ليقف على نماذج صارخة لهذه الفوضى.
كل هذا الوضع حدث للأسف بآليات قانونية وتراخيص رسمية. ولا نعني هنا مصادرة حق فتح المحلات التجارية، ولكن بالتأكيد هناك معايير وضوابط لدى الجهات الرسمية المعنية لو تم تطبيقا لما آل الحال الى ما هو عليه الآن.
من خلال محاولة تتبع سبب المشكلة، وجدنا أن أصابع الاتهام توجه الى المجالس البلدية السابقة، وخصوصا المجالس الأولى بعد عام 2002. فبحسب بعض المسؤولين، ان صلاحية تصنيف الشوارع كانت للمجالس البلدية. وهنا.. ولكي يرضي العضو البلدي أهالي منطقته، كان يستجيب لطلباتهم من ذلك فتح محلات تجارية أمام منازلهم أو في هذا الشارع وذاك الطريق، من دون دراسة أو استشراف مستقبلي. وتكرر الأمر في العديد من المناطق، حتى كثرت المحلات التجارية بشكل غير مدروس، وعمت الفوضى، وتم تحويلها إلى شوارع تجارية. وهنا انتبهت الجهات الرسمية إلى المشكلة، وكانت الخطوة الأولى هي سحب صلاحية الترخيص وتصنيف الشوارع من المجالس البلدية، ولكن بعد أن وقع الفأس بالرأس!
وهنا نعود إلى الإشكالية نفسها، حتى لو كانت المجالس هي المسؤولة عن تحول هذه الطرقات إلى شوارع تجارية، ألا يفترض ان تكون هناك معايير تطبق على كل محل، ومن ذلك عدم تكرار ذات النشاط في نفس الشارع بشكل مبالغ؟ توافر مواقف كافية؟ توافر مساحات معقولة؟
تساؤلات طرحناها على أربع جهات معنية بمنح التراخيص وتصنيف الشوارع وهي وزارة شؤون البلديات والزراعة، هيئة التخطيط والتطوير العمراني، وزارة الأشغال، وزارة الصناعة والتجارة. فما هي الردود؟
من المسؤول؟
في وزارة البلديات، أوضحوا لنا مشكورين أن تصنيف الشوارع لا يدخل ضمن اختصاصهم، حيث إن دور البلديات يرتكز من خلال الجهاز التنفيذي على القيام بفحص المباني والتحقق من مطابقتها للاشتراطات التنظيمية للتعمير في حال طلب تراخيص المباني والسجلات التجارية والتأكد من تصنيف المنطقة.
وتمنح البلدية التراخيص بعد التحقق من وجود موافقات الجهات الأخرى في مقدمتها الدفاع المدني وهيئة التخطيط العمراني ووزارة الأشغال. وأكدت «البلديات» أن دورها هو التأكد من مطابقة المباني للتراخيص التجارية، لذا فإن اعتماد المخططات والشوارع التجارية والخدمية يكون خارج اختصاصها.
هنا انتقلنا إلى وزارة الاشغال وطرحنا تساؤلاتنا عليهم في (18 يوليو الماضي)، وكان الرد: (تم التأكد من الموضوع، التراخيص تتبع وزارة البلديات وليس الأشغال). ولم نتسلم أي رد آخر عدا ذلك على الرغم من تكرار المحاولات والاتصالات والإبلاغ عن موعد النشر.
فكانت وجهتنا الأخرى هي وزارة الصناعة والتجارة، وبمحادثة ودية مع أحد الموظفين أكد أن الوزارة تقدم التراخيص بناء على موافقات الجهات الأخرى مثل التخطيط العمراني والبلديات والاشغال، وطالما ان تلك الجهات قد منحت التراخيص وفقا للمعايير التي تضعها، فإن وزارة الصناعة والتجارة تمنح الترخيص للسجل التجاري.
وامام ذلك، قدمنا في 24 يوليو الماضي تساؤلات الى الوزارة للحصول على رد رسمي، ولم نتسلم الرد حتى لحظة إعداد هذا الموضوع على الرغم من إبلاغهم بموعد النشر.
التخطيط العمراني
نقلنا رحالنا هذه المرة الى هيئة التخطيط والتطوير العمراني، والحق يقال كان الاهتمام والتجاوب مميزا.
حيث أوضح المسؤولون أن هيئة التخطيط والتطوير العمراني ليست هي الجهة المعنية بإصدار الرخص للمحلات التجارية، مع العلم أن الهيئة تقوم بدراسة طلبات هذه الرخص من الناحية المرورية والتخطيطية. وقد نظم القرار رقم 56 لسنة 2022 الاشتراطات التي يجب الأخذ بها في الأراضي ذات الواجهات التجارية، حيث تم السماح بالاستعمالات التجارية بالدور الأرضي للعقارات بعمق لا يزيد على 30 مترا من حد الأرض المطل على شارع يسمح بالفتح التجاري عليه، كما يتم تعمير الجزء المتبقي من العقار، وذلك بحسب تصنيف العقار والاشتراطات التنظيمية التي تم تحديدها له من خلال القرار السالف الذكر.
بالإضافة إلى ما ذكر، يلزم ترك ما لا يقل عن 6,5 أمتار من كل جهة مطلوب الفتح عليها ومطلة على شارع يسمح بالفتح عليه، تستغل 5 أمتار منها كمواقف للسيارات و1,5 متر كممرات للمشاة، كما يسمح بالبناء على حدي العقارات الجانبية.
وأضافت الهيئة: منذ الثمانينيات وحتى عام 2001 كان اعتماد الشوارع التجارية يقع ضمن اختصاص «لجنة تحديد الشوارع التجارية والصناعية الخفيفة» التي كانت معنية بتحديد هذه الشوارع واعتمادها، ثم أصبح اعتماد الشوارع التجارية ضمن اختصاص المجالس البلدية، ثم دخلت الإدارة العامة للتخطيط العمراني-قبل أن تتحول إلى هيئة- كجهة ذات اختصاص في عملية دراسة طلبات الشوارع التجارية بالتنسيق مع المجالس البلدية، وذلك للمساهمة في تقنين اعتماد الشوارع التجارية. بعدها بادرت الهيئة بإعداد دراسة مرورية وتخطيطية مستفيضة، وعلى ضوئها ارتأت وقف اعتماد الشوارع التجارية والاستعاضة عنها ببلوكات تجارية.
وفيما يتعلق بجهود الهيئة لحلحلة هذه المشكلة، وخصوصاً أن هناك العديد من الجهات الحكومية المعنية في هذا الموضوع، الأمر الذي يتطلب التعاون والتنسيق فيها بينها لإيجاد الحل الجذري، بينت هيئة التخطيط والتطوير العمراني أنه منذ أكتوبر 2022 أعلنت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني اعتماد الاشتراطات التنظيمية للتعمير والتي تعد أهم المشاريع التي تعمل عليها هيئة التخطيط والتطوير العمراني، وذلك لأنها تمّس مختلف القطاعات التنموية والاقتصادية في مملكة البحرين، كما أنها الأساس الذي تقوم عليه جميع المشاريع والاستثمارات.
وقد جاءت الاشتراطات الحديثة ثمرة جهد وتعاون مشترك ومساعٍ حثيثة امتدت على مدى سنوات ما بين الهيئة والجهات المعنية، كما جاءت كقراءة لواقع السوق العقاري ومواكبة لمختلف القطاعات التنموية في البلاد، وتلبي تطلعات المواطنين والمقيمين والمستثمرين من أجل تحقيق مستقبل عمراني مستدام والارتقاء بقطاع التخطيط العمراني.
وعليه بهدف حلحلة ما ترتب عليه اعتماد الشوارع التجارية في وقت سابق وما سببه من ازدحامات مرورية، فقد بادرت الهيئة باستحداث تصنيف البلوكات التجارية (أسواق مصغرة) والتي يتطلب فيها توفير مواقف كافية للسيارات ضمن حدود العقار، وذلك لتنظيم الاستخدام التجاري في مختلف المناطق بمملكة البحرين، كما لن يتم الاستناد بالسماح بالاستخدام التجاري بالدور الأرضي بأن يكون الشارع معتمدا تجارياً، بل سيتم استبدال الشوارع التجارية بالتصنيف المعتمد للعقار بعد دراسة الموضوع من الناحية التخطيطية والمرورية.
وإلى جانب ذلك، أضيفت تحديثات على الشوارع التجارية بما يسهم في إيجاد الحل المناسب لمشكلة الضغط على الحركة المرورية في الشوارع التجارية، ومن ذلك:
- استحداث تصنيف عقارات بواجهة تجارية للعقارات المطلة على الشوارع التجارية، وذلك لتحسين الوضع القائم وضبط عملية الترخيص التجاري.
- استحداث تصنيف البلوكات التجارية (CB)، وذلك لضمان إقامة أحياء سكنية متكاملة.
- تنظيم عملية الترخيص للاستخدام التجاري في العمارات الاستثمارية المتعددة الاستخدام بحيث تكون بنسبة 20% من مساحة الدور الأرضي لخدمة قاطني العمارات الاستثمارية.
ومن المؤمل أن تسهم هذه التحديثات في تخفيف الازدحام المروري وتخفيف العبء عن الشوارع التجارية لوجود عدد من البلوكات التجارية ضمن المناطق السكنية التي يتم اعتمادها بعد دراسة مستفيضة للمنطقة من الناحية التخطيطية والمرورية.
مطلوب دوريات مرور
في حوارات مع عدد من الأهالي حول هذه المشكلة، لمسنا نوعا من الاتفاق على جانبين، الأول هو ارتياحهم من وجود مختلف الخيارات للمحلات الجارية في منطقتهم، الأمر الذي يوفر عليهم عناء التوجه إلى الأسواق في المناطق الأخرى المجاورة.
ولكن.. صرح البعض بأن الوضع بات لا يطاق. وأنهم يواجهون الأمرين في بعض الأحيان للخروج من المنطقة أو الوصول إلى منازلهم. فضلا عن عدم التزام الكثير من السواق بالقوانين المرورية، لاسيما مع عدم وجود دوريات لشرطة المرور بشكل دائم. وهذا ما يفاقم المشكلة. أضف الى ذلك أن البنى التحتية لهذه الطرقات لا تستوعب هذا العدد الهائل من المركبات والأفراد. وفي الوقت نفسه لا يمكن توسعة الشارع أو توفير مواقف سيارات إضافية.
ويبقى السؤال مفتوحا
وأمام تقاذف المسؤولية بين مختلف الجهات، يبقى السؤال مطروحا: من المسؤول عن هذه الفوضى التي تعاني منها تلك المناطق؟!
علما بأن مجلس النواب كان قد أثار هذا الموضوع في دورات سابقة وتساءل عن الشوارع السكنية التي تم تحويلها الى تجارية، ومدى قانونية ذلك، خاصة مع «عدم تحمل الشوارع التي تم إعطاؤها تراخيص لمحلات كبرى من دون الالتزام بالاشتراطات الفنية والقانونية».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك