بيروت - (أ ف ب): انتهت أمس الاثنين ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المستهدف بتحقيقات أوروبية عدة حول مصدر ثروته وأدائه على رأس البنك المركزي منذ ثلاثة عقود، من دون تعيين خلف له بسبب انقسامات بين القوى السياسية وشلل مؤسساتي في البلاد. وسيتسلّم النائب الأول وسيم منصوري مسؤوليات الحاكم بالوكالة، في انتظار أن تجد القوى السياسية حلاً في بلد يقوم نظامه على المحاصصة الطائفية والسياسية.
ويتطلب تعيين موظفين من الدرجة الأولى توافقاً سياسياً يبدو من الصعب توافره في الوقت الراهن على وقع الانقسامات الحادة التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية منذ تسعة أشهر. وكان منصوري هدّد بالاستقالة قبل أسابيع للضغط من أجل تعيين خلف لسلامة، إلا أنه تراجع عنها بعد تقارير عن حصوله على ضمانات من الطبقة الحاكمة بإقرار خطة توقف تدريجياً تمويل الدولة وتتضمن قوانين إصلاحية ولا تتيح الإنفاق الزائد من الاحتياطي الإلزامي الذي نضب خلال الأزمة.
ويشهد لبنان منذ عام 2019 انهيارا اقتصاديا غير مسبوق بدأ مع امتناع الحكومة اللبنانية عن دفع ديونها المستحقة الى المصارف، ما أسهم، بالإضافة الى عوامل أخرى، في شحّ السيولة وفرض المصارف قيودا مشدّدة على المودعين وتتالي الأزمات المالية، وصولا الى فقدان الليرة اللبنانية حوالي 98 في المائة من قيمتها. وقال منصوري خلال مؤتمر صحفي عقده أمس الاثنين «نحن أمام مفترق طرق، إما الاستمرار في نهج السياسات السابقة وقد عايشنا النتائج (..) وإمكانيات المصرف المركزي محدودة»، وإما «الانتقال إلى سياسة أخرى وهي وقف تمويل الدولة بالكامل».
وأضاف «لا يمكن تغيير الوضع الحالي من دون إقرار خطة متكاملة» متفّق عليها مع الحكومة والبرلمان. كما شدّد على ضرورة إقرار قوانين تشريعية بينها الموازنة العامة والكابيتول كونترول وهيكلة المصارف. وتعدّ هذه القوانين جزءاً من إصلاحات يطلبها صندوق النقد الدولي لإقرار خطة مساعدات للبنان. وقال منصوري «لمن يقول إن هذا المطلب صعب المنال.. أقول إنها فرصة البلد النهائية». وتعهد «بالشفافية الكاملة» إلى حين تعيين بديل.
وبحسب قانون النقد والتسليف، يُعيّن الحاكم لولاية من ست سنوات، بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية. ويتعيّن على الحاكم الجديد أن يؤدي القسم أمام رئيس الجمهورية، المنصب الشاغر في البلاد. ويُعد عهد سلامة (73 عاماً) الذي شغل منصب حاكم مصرف لبنان منذ 1993، من الأطول في العالم لحكام المصارف المركزية.
وكان سلامة مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990)، لكن على وقع الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي يشهده لبنان منذ 2019، بات يُحمّل مع أركان الطبقة الحاكمة مسؤولية الفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة. ومنذ بدء الأزمة الاقتصادية التي صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، بات غالبية السكان تحت خط الفقر.
وتحمّل جهات سياسية ومحللون ومواطنون في لبنان سلامة الذي كان يعدّ عراب استقرار الليرة، مسؤولية انهيار العملة الوطنية، وينتقدون بشكل حاد السياسات النقدية التي اعتمدها، باعتبار أنها راكمت الديون وأوصلت البلاد لما هي عليه. لكن سلامة دافع مراراً عن نفسه، مؤكداً أن المصرف المركزي «موّل الدولة». ورغم الانهيار المالي، يواصل المصرف المركزي فتح اعتمادات للحكومة لتدفع مصاريفها من رواتب وشراء مواد أساسية الخ..
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك