العدد : ١٧٤٤٠ - الاثنين ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٠ - الاثنين ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ رجب ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

رجاءً الهدوء

قد‭ ‬تهتم‭ ‬سلطات‭ ‬البلدية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬بالتلوث‭ ‬البصري،‭ ‬فتعمل‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬النفايات‭ ‬وكل‭ ‬مظاهر‭ ‬القبح‭ ‬من‭ ‬الشوارع‭ ‬والساحات‭ ‬العامة،‭ ‬ولكن‭ ‬وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نعبأ‭ ‬بالتلوث‭ ‬الصوتي،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬مدننا‭ ‬الكبرى،‭ ‬يكون‭ ‬المسجد‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬خمسين‭ ‬أو‭ ‬150‭ ‬مترا‭ ‬من‭ ‬بيتك،‭ ‬ولكنك‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬موعد‭ ‬الصلاة‭ ‬أو‭ ‬إفطار‭ ‬رمضان‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬التلفزيون،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الضجيج‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينقطع‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬والحواري،‭ ‬ولا‭ ‬أقصد‭ ‬بذلك‭ ‬فقط‭ ‬هدير‭ ‬محركات‭ ‬السيارات‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬الصراخ‭ ‬المتواصل‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬البشر،‭ ‬فنحن‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ ‬صراخا،‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الشخصان‭ ‬اللذان‭ ‬يتحاوران‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬منك‭ ‬يتشاجران‭ ‬أو‭ ‬يتغشمران‭ ‬أي‭ ‬يمارسان‭ ‬الهذر‭/ ‬الهزار،‭ ‬وأعترف‭ ‬بأنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬التحدث‭ ‬بصوت‭ ‬منخفض‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬مكالماتي‭ ‬الهاتفية‭ ‬تكون‭ ‬مسموعة‭ ‬لمن‭ ‬حولي،‭ ‬ولكن‭ ‬وبعد‭ ‬ظهور‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬صار‭ ‬بمقدوري‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬لإكمال‭ ‬المحادثة‭ ‬الهاتفية‭.‬

أحيانا‭ ‬تكون‭ ‬زوجتك‭ ‬وقريباتها‭ ‬أو‭ ‬صديقاتها‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬قصي‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬ولكن‭ ‬أصواتهن‭ ‬تتناهى‭ ‬إلى‭ ‬مسامعك‭ ‬فتحسب‭ ‬أن‭ ‬الإذاعة‭ ‬تقوم‭ ‬بنقل‭ ‬حي‭ ‬لمظاهرة‭ ‬سلمية،‭ ‬أو‭ ‬مناظرة‭ ‬بين‭ ‬مشجعي‭ ‬نادي‭ ‬برشلونة‭ ‬وريال‭ ‬مدريد،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬حملتك‭ ‬نفسك‭ ‬على‭ ‬التنصت‭ ‬لما‭ ‬تقوله‭ ‬مجموعة‭ ‬نسائية،‭ ‬فإنك‭ ‬لن‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬التقاط‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬لأنهن‭ ‬يتكلمن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬البورصات‭ ‬وأسواق‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية‭ ‬حيث‭ ‬يقف‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المعتوهين‭ ‬وسط‭ ‬آلاف‭ ‬الناس‭ ‬ويصيحون‭ ‬بمفردات‭ ‬عجيبة‭ ‬ويرفعون‭ ‬أصابعهم‭ ‬بإشارات‭ ‬تماثل‭ ‬لغة‭ ‬الصم‭ ‬والبكم،‭ ‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المدينة‭ ‬فإنك‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬الاستماع‭ ‬جيدا‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬المكالمات‭ ‬الهاتفية‭ ‬أو‭ ‬البث‭ ‬الإذاعي‭ ‬أو‭ ‬التلفزيوني،‭ ‬لأن‭ ‬العويل‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬آلاف‭ ‬البشر‭ ‬والسيارات‭ ‬يغطي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصوات،‭ ‬وفي‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬يكون‭ ‬قلب‭ ‬المدينة‭ ‬مركزا‭ ‬تجاريا‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬مدننا‭ ‬فإن‭ ‬السكن‭ ‬فيها‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬دليلا‮»‬‭ ‬عن‭ ‬المركز‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المرموق‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا