زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
رجاءً الهدوء
قد تهتم سلطات البلدية في هذا البلد العربي أو ذاك، بالتلوث البصري، فتعمل على إزالة النفايات وكل مظاهر القبح من الشوارع والساحات العامة، ولكن وبصفة عامة فإننا لا نعبأ بالتلوث الصوتي، ففي كل مدننا الكبرى، يكون المسجد على بعد خمسين أو 150 مترا من بيتك، ولكنك لا تعرف موعد الصلاة أو إفطار رمضان إلا من التلفزيون، والسبب في ذلك هو الضجيج الذي لا ينقطع في الشوارع والحواري، ولا أقصد بذلك فقط هدير محركات السيارات بل أيضا الصراخ المتواصل الصادر من بني البشر، فنحن من أكثر أهل الأرض صراخا، ولا تعرف في كثير من الأحيان ما إذا كان الشخصان اللذان يتحاوران على مقربة منك يتشاجران أو يتغشمران أي يمارسان الهذر/ الهزار، وأعترف بأنني لا أستطيع التحدث بصوت منخفض وبالتالي فإن معظم مكالماتي الهاتفية تكون مسموعة لمن حولي، ولكن وبعد ظهور الهاتف النقال صار بمقدوري الابتعاد عن الناس لإكمال المحادثة الهاتفية.
أحيانا تكون زوجتك وقريباتها أو صديقاتها في جزء قصي من البيت ولكن أصواتهن تتناهى إلى مسامعك فتحسب أن الإذاعة تقوم بنقل حي لمظاهرة سلمية، أو مناظرة بين مشجعي نادي برشلونة وريال مدريد، وحتى لو حملتك نفسك على التنصت لما تقوله مجموعة نسائية، فإنك لن تنجح في التقاط جملة واحدة لأنهن يتكلمن في نفس الوقت كما هو الحال في البورصات وأسواق الأوراق المالية حيث يقف عدد من المعتوهين وسط آلاف الناس ويصيحون بمفردات عجيبة ويرفعون أصابعهم بإشارات تماثل لغة الصم والبكم، وإذا كنت تعيش في قلب المدينة فإنك لن تستطيع الاستماع جيدا لا إلى المكالمات الهاتفية أو البث الإذاعي أو التلفزيوني، لأن العويل الصادر عن آلاف البشر والسيارات يغطي على كل الأصوات، وفي الدول المتقدمة يكون قلب المدينة مركزا تجاريا أما في مدننا فإن السكن فيها يكون «دليلا» عن المركز الاجتماعي المرموق!

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك