منيرة عبدالله مدرسة في حد ذاتها
«الليبرو» المـركز الذي أطـمح إليه
حاورها: علي ميرزا
تعد فاطمة بوزيد واحدة من الوجوه الصاعدة في منتخبنا الوطني للسيدات للكرة الطائرة، إذ تجمع بين اللعب في الصالات والطائرة الشاطئية، وتمتاز بالاجتهاد والطموح والرغبة الدائمة في التعلم والتطور، في هذا الحوار، تتحدث فاطمة عن تجربتها المزدوجة، طموحاتها، ومشاعرها خلال المشاركات العربية وغرب آسيا الأخيرة في سلطنة عمان.
البدايات والدوافع
{ بداية نود أن نعود معك إلى نقطة الانطلاق.. متى بدأت رحلتك إلى هذه اللعبة دون غيرها؟
- بدأت رحلتي مع الكرة الطائرة عام 2018 عندما التحقت ببرنامج المواهب، ثم انتقلت لاحقا إلى اللعب على مستوى الأندية.
وتابعت: ما شدني إلى هذه اللعبة هو طابعها الجماعي وروح التحدي التي تميزها، إلى جانب دقتها التكتيكية التي تجعلها أكثر من مجرد منافسة بدنية، فالكرة الطائرة تحتاج إلى انسجام ذهني بين اللاعبات وقدرة على اتخاذ القرار في لحظات خاطفة، وهو ما يتماشى تماما مع شخصيتي وطريقتي في التفكير، منذ تلك اللحظة، أدركت أن هذه اللعبة ستكون جزءا من هويتي الرياضية.
{ الانضمام إلى المنتخب الوطني حلم لكل لاعبة.. كيف كانت خطواتك الأولى مع منتخب السيدات، وما أبرز التحديات التي واجهتها في بدايتك؟
- في عام 2019، ومع انطلاق أول دوري بحريني للسيدات، تم اختياري للانضمام إلى المنتخب كمعدة، لكنني لم أشارك في بطولة الخليج آنذاك. وبعد توقف النشاط بسبب جائحة (كورونا)، تلقيت استدعاء جديدا عام 2022، وخلال فترة الإعداد تغير مركزي من معد إلى ليبرو، وهو المركز الذي كنت أطمح إليه فعلا.
ولفتت إلى أن الانتقال إلى المنتخب كان يعد مرحلة مختلفة تماما، تطلبت انضباطا أكبر ومسؤولية أعلى، كان التحدي الأصعب هو التأقلم مع نسق المنتخب السريع وشدة المنافسة داخله، خاصة في مركزي الجديد الذي يحتاج إلى ثبات ذهني وثقة عالية، وضعت لنفسي هدفا واضحا: ألا أكون مجرد اسم ضمن القائمة، بل أن أكون من اللاعبات الأساسيات اللاتي يعتمد عليهن المدرب بثقة، ومع الوقت والتدريب، تمكنت من ترسيخ وجودي بثبات داخل منظومة المنتخب.
{ أنت معروفة بروحك القتالية والتزامك بالتدريب، ما الذي يمنحك الحافز للاستمرار في هذه المسيرة الصعبة والمليئة بالتحديات؟
- ما يدفعني هو حبي الحقيقي للرياضة وشغفي بالتطور المستمر لأمثل بلدي، وهذا بحد ذاته دافع قوي لأن أقدم أفضل ما لدي، وأؤمن شخصيا بأن اللاعبة التي تتوقف عن التطوير تفقد مكانها سريعا، لذلك أتعامل مع كل بطولة على أنها فرصة لتقييم الذات وتحسين الأداء، كما أحرص على ممارسة تدريبات «الكروسفت» بشكل منتظم للحفاظ على لياقتي وجاهزيتي في أي وقت.
التجربة المزدوجة
{ نلاحظ أنك من القليلات اللاتي يجمعن بين اللعب في صالات الطائرة والشواطئ، كيف تصفين هذه التجربة المزدوجة؟
- اللعب في النظامين منحني تجربة متكاملة، في الصالات الأداء يعتمد على الانسجام الجماعي والدقة التكتيكية لكل مركز، وهو ما يصقل مهارات العمل الجماعي والتواصل، أما في الشاطئية، فالأمر مختلف تماما، إذ تتحمل اللاعبة مسؤوليات متعددة في الدفاع والهجوم، وتحتاج إلى جاهزية بدنية عالية وقدرة على التكيف مع ظروف الطبيعة، هذا التنوع جعلني أكثر مرونة فكرية وتكتيكية، وساعدني على تطوير فهم أعمق للعبة في مختلف بيئاتها.
{ من منظورك كلاعبة ما أبرز الفروق الفنية والبدنية بين اللعبتين؟
في الصالات، لكل لاعبة دور محدد ضمن منظومة من ست لاعبات، أما في الشاطئية، فكل لاعبة تتحمل مهام متعددة دون بدائل، مع ضرورة التكيف مع عوامل مثل الرمل والرياح، الطائرة الشاطئية تختبر التحمل والمرونة الذهنية أكثر، بينما الصالات تركز على الدقة التكتيكية والانسجام الجماعي.
{ لو طلب منك الاختيار بين اللعب في الصالات أو على الرمال، أين تجد فاطمة بوزيد نفسها أكثر؟ ولماذا؟
- أشعر بانتماء أكبر إلى صالات الكرة الطائرة، خصوصا في مركز الليبرو، هذا المركز يتيح لي إبراز مهاراتي الدفاعية والتنظيمية، ويسمح لي بالمساهمة بوضوح في استقرار أداء الفريق، الانسجام مع الزميلات يمنحني شعورا بالأمان والثقة، وهو ما يجعل الصالات البيئة التي أقدم فيها أفضل مستوياتي، رغم تقديري لتجربة الشاطئية وما تضيفه من تحد ومتعة.
{ هل ساعدك التنقل بين اللعبتين على تطوير مهارات معينة في أدائك داخل الملعب؟
- بالتأكيد، الشاطئية طورت لدي سرعة اتخاذ القرار والاعتماد على الذات في المواقف الحاسمة، بينما الصالات عززت قدرتي على تنفيذ الخطط بدقة والعمل بروح الفريق، والجمع بين التجربتين منحني توازنا بين الحس الفردي والمسؤولية الجماعية.
{ ما أصعب موقف واجهته في لعبة الشواطئ مقارنة بالصالات، وكيف تعاملت معه؟
- أصعب المواقف كانت حين تتغير ظروف اللعب فجأة، مثل الرياح أو اضطراب الإيقاع، من دون إمكانية تبديل أو وقت كاف لإعادة التركيز، أتذكر مباراة خارجية واجهنا فيها ظروفا مناخية صعبة، وكان التحدي الأكبر هو الحفاظ على الهدوء وإعادة ضبط الذهن قبل الجسد، تعلمت وقتها أن التحكم في رد الفعل أهم من الحدث نفسه.
المشاركات الخارجية
{ مثلت البحرين في بطولتي العربية وغرب آسيا في سلطنة عمان.. كيف تصفين هذه المشاركة على الصعيدين الفني والمعنوي؟
- كانت تجربة ثمينة لقياس جاهزية المنتخب ومقارنة مستوانا بفرق تملك خبرة طويلة، هذه المشاركات ليست مجرد منافسات، بل خطوات ضرورية لاكتساب الخبرة وفهم الفوارق الفنية التي يجب العمل على تطويرها.
{ ما الدروس أو الخبرات التي اكتسبتها من تلك البطولة؟
- على الصعيد الفني، ساعدتنا التجربة على تحديد نقاط القوة والجوانب التي تحتاج إلى تطوير، أما معنويا، فزرعت فينا الثقة بأن المنتخب قادر على المنافسة القارية متى ما توفرت الاستمرارية في العمل الجاد.
{ كيف كان شعورك وأنت تمثلين البحرين أمام منتخبات قوية من مختلف الدول العربية والآسيوية؟
- شعور عظيم ممزوج بالمسؤولية، فتمثيل البحرين لا يعني فقط المشاركة، بل الظهور بمستوى يليق باسم الوطن. مواجهة فرق عريقة تحفزنا على بذل أقصى الجهد لإثبات أن لدينا الطموح والإمكانات للمنافسة.
{ برأيك، ما الذي يحتاجه منتخب السيدات للارتقاء أكثر في البطولات المقبلة وتحقيق نتائج أفضل؟
- الارتقاء يتطلب أولا دوريا نسائيا منتظما في الصالات والشواطئ، إلى جانب التركيز على استقطاب اللاعبات الشابات وتوسيع قاعدة المشاركة، كما أن الاحتكاك الخارجي والمعسكرات المستمرة ضروريان لاكتساب الخبرة، والأهم هو الاستقرار الفني والانتباه للتفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق على المدى الطويل.
العلاقات داخل المنتخب
{ اللعب بجانب لاعبة خبيرة مثل منيرة عبد الله يمنح أي لاعبة شابة دفعة كبيرة.. ماذا يمثل لك وجودها في الفريق؟
- اللعب بجانب منيرة عبدالله مدرسة بحد ذاته، تعلمت منها كيفية إدارة النقاط الحاسمة والهدوء تحت الضغط، إلى جانب الانضباط والروح القتالية العالية. وجودها إلى جانبي ساعدني على صقل مهاراتي وثقتي بنفسي.
{ كيف تصفين أجواء الفريق من الداخل؟ وهل هناك مواقف أو لحظات معينة تركت أثرا خاصا فيك؟
- الأجواء مليئة بالمودة والانسجام، نشعر أننا عائلة واحدة، ندعم بعضنا في كل المواقف، أحد المواقف التي لا أنساها هو الدعم الجماعي الذي تلقيته في إحدى المباريات الصعبة، والذي منحني دفعة معنوية كبيرة، هذه الروح الجماعية هي سر نجاحنا.
{ نعلم أن مدرب المنتخب الكابتن محمد الشيخ يولي اهتماما كبيرا بتطوير اللاعبات.. ما أبرز ما استفدته منه؟
العمل مع الكابتن محمد الشيخ كان نقطة تحول مهمة، يركز دائما على التفاصيل الدقيقة ويحرص على أن تفهم كل لاعبة «لماذا» قبل أن تنفذ أي تعليمات، هذا الأسلوب جعل التدريب أكثر وعيا وعمقا، وحول كل تمرين إلى درس تكتيكي وفكري.
{ البطولات عادة ما تحمل ضغوطا كبيرة.. كيف تتعاملين مع هذه الضغوط؟ وهل لزميلاتك دور في دعمكِ المعنوي خلال المنافسات؟
- أتعامل مع الضغط عبر التحضير الذهني المسبق، وأجزئ المباراة إلى نقاط صغيرة بدلا من التفكير في النتيجة النهائية، كما أن دعم زميلاتي في اللحظات الصعبة يصنع فارقا كبيرا، فالإحساس بأن المسؤولية مشتركة يخفف العبء ويزيد التركيز.
الطموحات والرسائل
{ ما الطموحات التي تضعينها أمامك في المرحلة المقبلة مع المنتخب أو على المستوى الشخصي؟
-أطمح إلى الاستمرار في تمثيل بلدي البحرين بأفضل صورة، وأن أصبح من أفضل اللاعبات في مركز الليبرو على المستوى الخليجي والعربي، وإذا سنحت فرصة الاحتراف الخارجي بما لا يتعارض مع عملي، فلن أتردد في خوضها. وعلى الجانب المهني، أطمح أن أكون قدوة لطالباتي، أُثبت لهن أن التفوق الدراسي يمكن أن يسير جنبا إلى جنب مع الشغف الرياضي.
{ كيف توفقين بين حياتك الشخصية ومسيرتك الرياضية، خاصة مع متطلبات التدريب والسفر والمشاركات؟
- الأمر لم يكن سهلا في البداية، لكن التنظيم هو الحل، أضع جدولا واضحا يضمن وقتا كافيا للتدريبات والعمل، الشغف يجعل التوازن ممكنا، لأن من يؤمن بهدفه يجد طريقه دائما.
{ ما الرسالة التي تودين توجيهها للفتيات البحرينيات اللاتي يفكرن في دخول عالم الرياضة عامة، وكرة الطائرة خاصة؟
- رسالتي لهن: لا تخشين التجربة. الرياضة تبني الشخصية والثقة والانضباط، وهي ليست حكرا على أحد، كل إنجاز كبير بدأ بخطوة صغيرة، فلا تترددن في اتخاذها.
{ وأخيرا.. بعد هذه التجربة الغنية، ماذا تقولين لزميلاتك اللاعبات عن قيمة ممارسة الرياضة وما تعلمته من الكرة الطائرة؟
- أقول لهن إن الكرة الطائرة ليست مجرد لعبة، بل رحلة إنسانية تعلمنا فيها معنى المسؤولية والانتماء، وأدركنا أن القيادة ليست في الواجهة دائما، بل في أن تكوني السند لزميلتك حين تحتاجك، تعلمنا أن قيمة اللاعبة لا تقاس بالتصفيق، بل بالأثر الذي تتركه في روح الفريق، هذه اللعبة منحتنا عائلة ثانية، نكبر فيها بالعطاء قبل الإنجاز، وبالأخلاق قبل الألقاب.
بهذه الكلمات المفعمة بالشغف والانتماء، تختتم فاطمة بوزيد حديثها، لتؤكد أن الكرة الطائرة بالنسبة لها ليست مجرد منافسة رياضية، بل أسلوب حياة يجسد قيم الالتزام والعمل الجماعي والإصرار على التطور، رحلة بدأت بخطوة صغيرة في برنامج المواهب عام 2018، لتتحول اليوم إلى مسيرة ناضجة تمزج بين الطموح والمسؤولية، وبين الشغف والوعي، وبينما تواصل فاطمة الدفاع عن ألوان الوطن بكل فخر، تظل رسالتها للفتيات البحرينيات واضحة: الطريق إلى النجاح يبدأ بالإيمان بالذات، والاستمرار في السعي مهما كانت التحديات.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك