العدد : ١٧٣٧١ - الثلاثاء ١٤ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٧١ - الثلاثاء ١٤ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

الصفحة الأخيرة

لماذا ننجذب إلى المزيف؟ علماء النفس يفسرون

الثلاثاء ١٤ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

لماذا ننجذب إلى المزيف؟ علماء النفس يفسرون

في‭ ‬عصرنا‭ ‬الرقمي‭ ‬المتسارع‭ ‬أصبح‭ ‬الخط‭ ‬الفاصل‭ ‬بين‭ ‬الحقيقي‭ ‬والمصطنع‭ ‬شبه‭ ‬معدوم؛‭ ‬فمن‭ ‬الصور‭ ‬المولدة‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬إلى‭ ‬الأصوات‭ ‬الاصطناعية‭ ‬ومقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬المعدلة،‭ ‬باتت‭ ‬الاصطناعية‭ ‬جزءًا‭ ‬طبيعيًا‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭. ‬لكن‭ ‬الظاهرة‭ ‬الأبرز‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬صناعة‭ ‬هذه‭ ‬الأوهام،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬سبب‭ ‬تقبّل‭ ‬الناس‭ ‬لها‭ ‬بسهولة،‭ ‬بل‭ ‬احتضانهم‭ ‬لها‭ ‬أحيانًا‭.‬

وبحسب‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬سايكولوجي‭ ‬توداي‮»‬‭ ‬يشير‭ ‬الخبراء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التقبّل‭ ‬لا‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬السذاجة،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬حاجة‭ ‬عاطفية‭ ‬ونفسية‭ ‬عميقة؛‭ ‬فالناس‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالمزيف‭ ‬لأنه‭ ‬يُشبع‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬المعنى‭ ‬أو‭ ‬الانتماء‭ ‬أو‭ ‬الهوية‭. ‬فالزيف‭ ‬لا‭ ‬يخدعنا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يلامس‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬نرويها‭ ‬لأنفسنا‭ ‬حول‭ ‬من‭ ‬نحن،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نكون‭.‬

وكانت‭ ‬الأصالة‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬مقياسًا‭ ‬للقيمة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والثقافية،‭ ‬لكنها‭ ‬اليوم‭ ‬تُستبدل‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬تصديقه؛‭ ‬ففي‭ ‬عالم‭ ‬رقمي‭ ‬سريع‭ ‬تحكمه‭ ‬الخوارزميات‭ ‬تتطلب‭ ‬الأصالة‭ ‬الصبر‭ ‬والسياق‭ ‬والشك،‭ ‬وهي‭ ‬أمور‭ ‬يصعب‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬تكافئ‭ ‬السرعة‭ ‬والتلقائية‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬المصداقية‮»‬‭ ‬هي‭ ‬المعيار‭ ‬الجديد‭ ‬للحقيقة،‭ ‬حيث‭ ‬يميل‭ ‬المستخدمون‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬ما‭ ‬يشعرون‭ ‬أنه‭ ‬صحيح‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬التمسك‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬مثبت،‭ ‬مفضلين‭ ‬السرديات‭ ‬السلسة‭ ‬والمريحة‭ ‬عاطفيًا‭ ‬على‭ ‬الحقائق‭ ‬المعقدة‭ ‬أو‭ ‬المتناقضة‭.‬

وتمثل‭ ‬مقطع‭ ‬الفيديو‭ ‬الشهير‭ ‬الذي‭ ‬يُظهر‭ ‬‮«‬بروس‭ ‬لي‭ ‬يلعب‭ ‬تنس‭ ‬الطاولة‭ ‬بالعُصي‭ ‬الننشاكو‮»‬‭ ‬مثالًا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة؛‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬إعلان‭ ‬تجاري‭ ‬مفبرك،‭ ‬تمت‭ ‬مشاركته‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬كتحية‭ ‬للأسطورة‭ ‬القتالية‭. ‬لقد‭ ‬لاقى‭ ‬رواجًا‭ ‬لأنه‭ ‬انسجم‭ ‬مع‭ ‬الصورة‭ ‬الأسطورية‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬لي‭. ‬ورغم‭ ‬زيفه،‭ ‬فإنه‭ ‬جسّد‭ ‬‮«‬حقيقة‭ ‬عاطفية‮»‬‭ ‬أراد‭ ‬الجمهور‭ ‬تصديقها‭.‬

اليوم،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الزيفيات‭ ‬الرقمية‭ ‬مجرد‭ ‬أدوات‭ ‬خداع،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬شكلًا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التعاون؛‭ ‬فالمستخدمون‭ ‬يشاركون‭ ‬في‭ ‬خلقها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعديل‭ ‬صورهم‭ ‬وهوياتهم‭ ‬الرقمية‭ ‬لتعكس‭ ‬ما‭ ‬يطمحون‭ ‬إليه‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هم‭ ‬عليه‭ ‬فعلاً‭. ‬ومع‭ ‬تزايد‭ ‬تطور‭ ‬هذه‭ ‬التمثيلات‭ ‬الاصطناعية‭ ‬أصبحت‭ ‬القناعة‭ ‬هي‭ ‬المعيار‭ ‬النهائي‭ ‬للواقع‭.‬

ويشير‭ ‬الخبراء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬عصر‭ ‬سوء‭ ‬الإيمان‮»‬‭ ‬يمثل‭ ‬تحولًا‭ ‬جذريًا،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الأصالة‭ ‬صفة‭ ‬ثابتة،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬نتيجة‭ ‬تفاوض‭ ‬بين‭ ‬الحقيقة‭ ‬والشعور‭. ‬والخطر‭ ‬الحقيقي‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬فقداننا‭ ‬للحقيقة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬اعتمادنا‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬الزيف‭ ‬لاستكمال‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬نعيش‭ ‬بها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا