ظل الحزب الديمقراطي على مدى سنوات عديدة يركز عمله في داخل الولايات المتحدة الأمريكية على الفوز في الانتخابات من خلال استقطاب ما أطلق عليه «قاعدته» (الناخبون الشباب، والسود، واللاتينيون، والآسيويون، والنساء المتعلمات).
وبالمقابل تخلى الحزب الديمقراطي في الوقت ذاته إلى حد كبير عن الناخبين من الطبقة العاملة من البيض لصالح الجمهوريين – وهو ما مثل أحد الأسباب التي أدت إلى خسارة الديمقراطيين لعديد من الانتخابات الفيدرالية والمحلية الأخيرة في ولايات الغرب الأوسط ومنطقة وسط الأطلسي في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعندما نتمعن جيدا في البيانات المتعلقة بالانتخابات التي جرت في عامي 2020 و2024، يبدو أنه بالإضافة إلى دفع ثمن استبعاد الناخبين من الطبقة العاملة من البيض، فإن الديمقراطيين الآن معرضون لخطر فقدان أجزاء مما يعتبرونه دوائر انتخابية «أساسية» أيضًا.
وفي الفترة ما بين بين الانتخابات الفيدرالية التي جرت في عامي 2020 و2024، انخفضت نسبة الناخبين السود واللاتينيين والآسيويين الذين صوتوا للديمقراطيين. ونظرًا إلى أن الحزب أنفق مبالغ طائلة على استهداف هؤلاء الناخبين، فإن هذا الانخفاض في الدعم يُعد مؤشرًا مقلقًا يجب معالجته.
يتعلق السؤال اليوم بالكيفية التي يمكن بها معالجة هذا الأمر. ففي العادة يركز الديمقراطيون عادةً رسائلهم الحزبية والانتخابية على قضايا معينة تخص كل فئة، وقد أثبتت استطلاعات الرأي صحتها. فقد يكون هناك على سبيل المثال بعض القلق والمخاوف بشأن الحقوق المدنية أو وحشية الشرطة تجاه الناخبين السود.
أما بالنسبة إلى أولئك الذين ينحدرون من أصول لاتينية، فقد يكون إصلاح نظام الهجرة، بما في ذلك ما يجب فعله بشأن «غير المسجلين» هو الأمر الذي يثير القلق. وعندما يسعى الديمقراطيون إلى استقطاب الناخبين الأمريكيين الآسيويين، تتصدر مسائل التمييز والهجرة المشهد.
هناك عديد من المخاوف بشأن هذا النهج. أولًا: يتجاهل الديمقراطيون بهذا الشكل التعقيدات التي توجد في كل فئة من هذه الفئات. فمن بين المجتمعات الآسيوية واللاتينية متعددة الأجيال، ينحدر بعض أفرادها من مهاجرين وجودوا في الولايات المتحدة الأمريكية منذ مئات السنين، بينما يوجد وافدون آخرون حديثي العهد، علما بأن بعضهم قد جاء إلى الولايات المتحدة الأمريكية هربا من الاضطهاد ورغبة في طلب اللجوء.
هناك تنوع بشأن البلدان الأصلية التي ينحدر منها هؤلاء المهاجرون في الولايات المتحدة الأمريكية. قد ينحدر الأمريكيون الآسيويون من اليابان أو الصين أو باكستان أو الهند أو فيتنام، بينما قد ينحدر اللاتينيون من كوبا أو بورتوريكو أو جمهورية الدومينيكان أو أمريكا الوسطى أو الجنوبية.
لا ينبغي أيضًا تصنيف المجتمع الأسود في قالب نمطي. فهو أيضًا مجتمع متنوع، تختلف فيه الطبقات الاجتماعية، وغالبًا ما يتم تجاهل حقيقة أن حوالي 20% من الأمريكيين السود مهاجرون من عدد من الدول الإفريقية أو الكاريبية.
وبعد أن وضعت كل هذه المسائل في الاعتبار، قبلتُ الدعوة التي وجهت إلي لإلقاء كلمة في مؤتمرٍ للأمريكيين الآسيويين حول قضايا انتخابات عام 2026. وبعد تفكيرٍ عميقٍ في هذا الأمر، تعمّدتُ عدم إعداد خطابٍ يتعلق بالأسيويين الأمريكيين حصرًا.
تذكرتُ قصةً سبق أن رويتها في منتدى المرشحين الديمقراطيين الذي عقد عام 2004 واستضافه أمريكيون عرب. فقد جاءني أحد المرشحين قبل أن يتحدث في ذلك المنتدى - وكان متصدرًا في استطلاعات الرأي آنذاك – وقال لي: «هذا ما سأفعله. سأبدأ بمناقشة قضايا الوظائف والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والتعليم. ثم سأتحدث عن قضايا مجتمعكم العربي الأمريكي».
أجبتُه يومها وقلت له: «مع كامل احترامي، سيدي، يحتاج العرب الأمريكيون إلى وظائف جيدة، وهم يمرضون، ويتقدمون في السن، ويريدون أن يحصل أطفالهم على تعليم جيد. هذه قضايانا. وإذا كنتَ تقصد بـ «قضايا مجتمعي» الحرب في العراق والسلام بين فلسطين وإسرائيل، فهذه قضايا تخص جميع الأمريكيين، ولا تهم العرب الأمريكيين فقط».
ولذلك، قمت في البداية بتوجيه ملاحظاتي إلى هذا المؤتمر الآسيوي الأمريكي من خلال إخبارهم عن تاريخ الهجرة العربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والمشاكل التي واجهناها، والنجاحات التي حققناها.
ثم تحدثت عن المخاوف التي نتشاركها مع جميع المجتمعات المهاجرة الأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية وتطرقت إلى تآكل القيم التي جلبها المهاجرون على تنوعهم إلى هذا البلد وأرجعت ذلك إلى التعصب والقمع على وجه الخصوص.
اختتمت كلمتي بتذكيرهم بأن رسالة تمثال الحرية – «أعطوني فقراءكم وتعبكم، جماهيركم المتعطشة للحرية» – التي كانت وعدًا سابقًا، أصبحت الآن تحديًا. سيكون هذا الأمر هو الحقيقي الذي سنواجهه في عام 2026.
أما المسألة التي كنتُ أطرحها آنذاك، وما زلتُ أتطرق إليها الآن، فهي مسألة قد لا يفهمها كثير من القادة الديمقراطيين. قد يحظى المرشحون بتصفيق المجموعات بمجرد ملامستهم لقضاياهم «الحساسة».
لذلك فإن الأمر الذي يحقق النصر في الانتخابات في نهاية المطاف هو قدرة المرشح والحزب على عرض موضوع شامل وبسيط يتردد صداه لدى الناخبين عبر ثنايا الخطوط العنصرية والإثنية والإقليمية.
ولطالما كان الجمهوريون أكثر براعة في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، خلال عهد الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريغان، لو سألتَ جمهوريًا عن مبادئه، لأجاب: «حكومة أصغر، ضرائب أقل».
ولكن إذا سألت ديمقراطيا عما يمثله، فسوف يشير إلى سلسلة لا نهاية لها تقريبا من القضايا – شيء مثل ذلك الرجل المسن الذي يشارك في مسيرة السلام ويضع على صدره عشرات الأزرار – ويترك لك مؤونة معرفة الموضوع الرابط بينها.
لقد ابتعد دونالد ترامب بوضوح عن شعار ريغان، واستبدله بشعاره الخاص: «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا». يحمل هذا التعبير قضايا متعددة ومستويات متعددة من المعاني: الحمائية الاقتصادية، ومعاداة الهجرة، والانفصال عن «التشابكات» الخارجية، ورفض التغيير الثقافي، إلى جانب العودة إلى «القيم التقليدية».
صحيح أن الكثير من هذا الأمر مبني على التعصب والنفاق، ومصيره الفشل، ولكن يجب ألا ننكر أن هذا الخطاب على علاته يلقى صدى واسعا لدى العديد من الناخبين بل ويُلهمهم.
لا يعني هذا أن الديمقراطيين لم يطوروا «شعارات» جذابة تلتقط جوهر رسالتهم في عبارة أو كلمة تربط الناخبين من مختلف أنحاء الدائرة الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية.
كان فرانكلين روزفلت صاحب «الصفقة الجديدة»، فيما سعى جيمي كارتر إلى «العودة إلى النزاهة». وكان بيل كلينتون «يبني جسرًا للقرن الحادي والعشرين». أما باراك أوباما، فكانت كلمته الوحيدة: «الأمل».
أما السؤال المطروح على الديمقراطيين اليوم فهو الآتي: كيف ستجيبون عندما تُسألون: «ما هدفكم؟» هل سيكونون كالرجل العجوز الذي يُشير إلى جميع أزراره، أم كمرشحٍ مُوجّهٍ من قِبل مستشارين يُركّز على قضايا كل فئة؟ إنهم بحاجة إلى إجابة تُخاطب جميع الفئات الانتخابية وتُلهمهم.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك