العدد : ١٧٣٥٤ - السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٥٤ - السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

في وداع «أبو المصرفيين»

عدنان أحمد يوسف.

الجمعة ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

برحيل‭ ‬الاستاذ‭ ‬عبدالله‭ ‬عمار‭ ‬السعودي‭ ‬‮«‬ابو‭ ‬عادل‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬رحمة‭ ‬الله،‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬فقدنا‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أعمدة‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬العربي،‭ ‬رجلٌ‭ ‬قلّما‭ ‬يجتمع‭ ‬في‭ ‬غيره‭ ‬تلك‭ ‬الصفات‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬والبصيرة،‭ ‬والالتزام‭ ‬المهني‭ ‬والإنسانية‭ ‬العميقة‭. ‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬المرحوم‭ ‬صاحب‭ ‬رؤية‭ ‬استشرافية‭ ‬للمؤسسات‭ ‬المصرفية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يؤسسها‭ ‬ويقودها،‭ ‬ونؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الصفة‭ ‬لأنها‭ ‬تعني‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يقودها‭ ‬وفق‭ ‬استراتيجيات‭ ‬طموحة‭ ‬تأخذ‭ ‬بالاعتبار‭ ‬ليس‭ ‬عوامل‭ ‬العائد‭ ‬والمخاطرة،‭ ‬بل‭ ‬وفقا‭ ‬لنظرة‭ ‬شمولية‭ ‬تأخذ‭ ‬الابعاد‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬للمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬تأثير‭ ‬قوي‭ ‬على‭ ‬مجتمعاتها‭.‬

وهكذا‭ ‬كان‭ ‬الراحل‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬انطلق‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬ورئاسة‭ ‬المصرف‭ ‬العربي‭ ‬الليبي‭ ‬الخارجي‭ ‬عام‭ ‬1972،‭ ‬حيث‭ ‬فتح‭ ‬به‭ ‬آفاقاً‭ ‬واسعة‭ ‬لليبيا‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬الفروع‭ ‬والمساهمات‭ ‬مع‭ ‬إدارات‭ ‬المؤسسات‭ ‬المصرفية‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬إفريقيا،‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬والوطن‭ ‬العربي‭ ‬والخليج،‭ ‬وكان‭ ‬بذلك‭ ‬رائداً‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬الحضور‭ ‬الليبي‭ ‬والعربي‭ ‬المبكر‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬المصرفية‭ ‬العالمية،‭ ‬متقدماً‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

كما‭ ‬كان‭ ‬الفقيد‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬بالتعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العربي‭ ‬وضرورة‭ ‬توظيف‭ ‬الاستثمارات‭ ‬العربية‭ ‬والفوائض‭ ‬النفطية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬لذلك‭ ‬بادر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1980‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬حكومتي‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬باستصدار‭ ‬ترخيص‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭ ‬بتأسيس‭ ‬المؤسسة‭ ‬العربية‭ ‬المصرفية‭ (‬ABC‭) ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬برأسمال‭ ‬يعتبر‭ ‬ضخم‭ ‬آنذاك‭ ‬قدره‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬ورأسمال‭ ‬مدفوع‭ ‬قدره‭ ‬750‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬وهي‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬بصماته‭ ‬منذ‭ ‬انطلاقتها،‭ ‬وجعلها،‭ ‬بجهوده‭ ‬وحكمته،‭ ‬إحدى‭ ‬أكبر‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬ذات‭ ‬الانتشار‭ ‬والتأثير‭ ‬العالميين،‭ ‬حاملة‭ ‬اسم‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

تحت‭ ‬قيادته،‭ ‬أصبحت‭ ‬المؤسسة‭ ‬العربية‭ ‬المصرفية‭ ‬نموذجًا‭ ‬للمشاريع‭ ‬المصرفية‭ ‬العربية‭ ‬المشتركة‭ ‬الناجحة‭ ‬والتي‭ ‬تؤدي‭ ‬دورها‭ ‬بامتياز‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬التعاون‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬العربي‭ ‬والعربي‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تملك‭ ‬بنوك‭ ‬وتأسيس‭ ‬وحدات‭ ‬مصرفية‭ ‬تابعة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬ولندن،‭ ‬واشترى‭ ‬مصارف‭ ‬كاملة‭ ‬مثل‭ ‬إتلتيكو‭ ‬الإسباني،‭ ‬وبنك‭ ‬آسيا‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬هونغ‭ ‬كونغ‭.‬

بنفس‭ ‬الوقت‭ ‬أسس‭ ‬آليات‭ ‬عمل‭ ‬تُحاكي‭ ‬أفضل‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية،‭ ‬مع‭ ‬الحرص‭ ‬الدائم‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬الكوادر‭ ‬الوطنية،‭ ‬وتمكينها‭ ‬من‭ ‬اكتساب‭ ‬الخبرات‭ ‬التي‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬صقل‭ ‬مهاراتها‭ ‬القيادية‭ ‬والمهنية‭. ‬وكان‭ ‬يعتزم‭ ‬تأسيس‭ ‬معهد‭ ‬للتدريب‭ ‬المصرفي‭ ‬يتبع‭ ‬المؤسسة‭ ‬لولا‭ ‬تأسيس‭ ‬معهد‭ ‬البحرين‭ ‬للدراسات‭ ‬المصرفية‭ ‬والمالية‭. ‬وكدليل‭ ‬على‭ ‬إيمانه‭ ‬بالكوادر‭ ‬الوطنية‭ ‬قدم‭ ‬مختلف‭ ‬المزايا‭ ‬للموظفين‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سائدة‭ ‬بين‭ ‬البنوك‭ ‬آنذاك‭ ‬مثل‭ ‬التأمين‭ ‬الصحي‭ ‬وقروض‭ ‬الإسكان‭ ‬للموظفين‭ ‬وبرامج‭ ‬التوفير‭. ‬

في‭ ‬مطلع‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬نفذ‭ ‬بنجاح‭ ‬كبير‭ ‬تحويل‭ ‬المؤسسة‭ ‬العربية‭ ‬المصرفية‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬مساهمة‭ ‬مقفلة‭ ‬تملكها‭ ‬ثلاث‭ ‬حكومات‭ ‬إلى‭ ‬شركة‭ ‬مساهمة‭ ‬عامة‭ ‬بمشاركة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬العربي‭ ‬والأجنبي‭ ‬برفع‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬بنسبة‭ ‬25%‭ ‬تعود‭ ‬ملكيتها‭ ‬الى‭ ‬الأفراد‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬75%‭ ‬للحكومات‭ ‬الثلاث‭ ‬سالفة‭ ‬الذكر‭.‬

كما‭ ‬يعتبر‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬اول‭ ‬من‭ ‬ادخل‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬للمؤسسات‭ ‬المصرفية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬عندما‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تصنيف‭ ‬ائتماني‭ ‬دولي‭ ‬للمؤسسة‭ ‬العربية‭ ‬المصرفية‭ ‬بتصنيف‭ ‬A‭-.‬

وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي‭ ‬والمهني،‭ ‬كانت‭ ‬تربطني‭ ‬به‭ ‬علاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬والتقدير‭ ‬العميق‭ ‬امتدت‭ ‬مدة‭ ‬35‭ ‬عاما،‭ ‬منها‭ ‬15‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬العربية‭ ‬المصرفية‭ ‬و20‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬البركة‭ ‬المصرفية‭ ‬عندما‭ ‬شغل‭ ‬منصب‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬المجموعة‭.  ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬العربية‭ ‬المصرفية‭ ‬وتحت‭ ‬قيادته‭ ‬تدرجت‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناصب‭ ‬القيادية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يوجّهني‭ ‬لتوليها،‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬تعلمت‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬القيادة‭ ‬الحقيقية‭: ‬الصبر‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات،‭ ‬الحزم‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات،‭ ‬والرحمة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭. ‬كان‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالله‭ ‬دائمًا‭ ‬مستمعًا‭ ‬حكيمًا،‭ ‬وموجهًا‭ ‬سخيًا،‭ ‬ومرشدًا‭ ‬صبورًا‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬إلى‭ ‬جانبه‭. ‬حديثه‭ ‬كان‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام،‭ ‬ونصائحه‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬منارة‭ ‬تهديك‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬التعقيد‭ ‬والصعوبة‭.  ‬ثم‭ ‬عملت‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬البركة‭ ‬المصرفية،‭ ‬وعملنا‭ ‬سوية‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬مكانة‭ ‬المجموعة‭ ‬وفتح‭ ‬آفاق‭ ‬رحبة‭ ‬لتتبوأ‭ ‬مكانة‭ ‬عالمية‭ ‬مرموقة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الفضل‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬خطط‭ ‬توسع‭ ‬المجموعة‭ ‬جغرافيا‭ ‬وقطاعيا‭. ‬ثم‭ ‬ظلت‭ ‬علاقتي‭ ‬الشخصية‭ ‬معه،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬بالأحرى‭ ‬علاقة‭ ‬روحية‭ ‬امتزجت‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬معاني‭ ‬الامتنان‭ ‬لأفضاله‭ ‬علي‭ ‬والاحترام‭ ‬والتقدير‭ ‬لهذه‭ ‬الشخصية‭ ‬العظيمة‭. ‬

نستذكر‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالله‭ ‬عمار‭ ‬السعودي‭ ‬بكل‭ ‬الامتنان‭ ‬والتقدير،‭ ‬شاكرين‭ ‬له‭ ‬سنوات‭ ‬العطاء‭ ‬الوفير،‭ ‬ومؤكدين‭ ‬أن‭ ‬إرثه‭ ‬سيظل‭ ‬مرجعًا‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬للتميز‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬المؤسسي‭ ‬والقيادة‭ ‬المسؤولة‭. ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬رحمة‭ ‬واسعة،‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته،‭ ‬وإنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون‭.‬

رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬المصارف‭ ‬العربية‭ ‬سابقا

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا