حلول بيولوجية وحيوية أثبتت نجاحها في حل مشكلة الروائح.. وسنغافورة نموذج
الجمع بين توسعة محطات المعالجة والتقنيات البيولوجية الحديثة يعيد تأهيل الخليج ويحوله إلى واجهة حضرية استثمارية جاذبة
ناقشت «أخبار الخليج» يوم الأحد 14 سبتمبر الجاري موضوع مشاكل خليج توبلي، وما يعانيه سكان هذه المنطقة منذ سنوات طوال، ومطالبتهم الجهات الرسمية بـ(إنقاذهم من الوضع الذي يعيشون فيه). وأبرز ذلك هو الروائح التي وصفوها بأنها لا تطاق، التي تبقى عالقة داخل المنازل، وتسبب لهم اضرارا صحية ومادية وتؤثر حتى على الوظائف الإدراكية والتنفس، وتسبب التعب والصداع وتهيج العين ومشاكل في الجهاز التنفسي، إلى جانب تلفيات في الأجهزة وخاصة المكيفات. وكل ذلك بسبب وجود محطة معالجة مياه الصرف الصحي بين المنازل. وهو الأمر الذي أثار استغراب واستنكار المختصين في شؤون البيئة، حيث أكدوا ان وجود المحطة يسبق وجود المنازل بسنوات عديدة، ومن ثم فإن الإشكالية تكمن في سماح الجهات الرسمية المعنية ببيع أراض وبناء منازل بالقرب من محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي.
ومع تأكيد البعض أن مشروع توسعة المحطة الذي يسير على قدم وساق سيعالج الإشكالية فإن الخبراء يؤكدون بشكل مواز أن ذلك ربما سيخفف من شدة الروائح والانبعاثات ولكنه لن يحل الإشكالية من جذورها، وسيبقى سكان المنطقة يعانون بسبب خطأ سابق وهو بناء العقارات بجانب مثل هذا المصنع المخصص لمياه المجاري وليس لـ(العطور).
طرح الموضوع أثار تجاوبا كبيرا لدى سكان المنطقة والقراء، وتباينت التعليقات حول هذه المشكلة. ولعل من أبرز التعليقات التي وصلت إلينا اتصال من المهندس البحريني علي الشيخ، لفت إلى أنه قد أعد مسبقا دراسة ومقترحا يتعلق بهذا الموضوع.
ووفقا للمهندس علي الشيخ تُعدّ مشكلة الروائح الكريهة الناتجة عن صب مياه الصرف الصحي في خليج توبلي واحدة من أبرز القضايا البيئية والصحية التي تؤرق السكان منذ عقود. فهذه الروائح، الناتجة عن تكوّن غازات مثل كبريتيد الهيدروجين والميثان والأمونيا بفعل التحلل اللاهوائي للمواد العضوية، لا تقتصر على إزعاج حاسة الشم، بل تتعداها لتؤثر على صحة السكان، جودة الهواء، ومشهد العقارات في المنطقة.
معاناة مستمرة رغم المشاريع
وأضاف الشيخ: رغم الجهود التي بذلتها وزارة الأشغال منذ إنشاء محطة توبلي عام 1982 فإن الطاقة الاستيعابية للمحطة تراجعت أمام النمو السكاني والتوسع العمراني، ما أدى إلى تدفق كميات تفوق قدرتها على المعالجة. وقد اعتمدت الحكومة منذ 2002 عدة مراحل لتوسعة المحطة ورفع كفاءتها، كان آخرها مشروع التوسعة الرابع الذي يهدف إلى مضاعفة القدرة الاستيعابية إلى 400 ألف متر مكعب يوميًا. ومع ذلك، يؤكد الخبراء أن هذه المشاريع تخفف المشكلة لكنها لا تقضي عليها تمامًا ما دام هناك تصريف لمياه معالجة جزئيًا في الخليج ومساكن قريبة من المحطة.
حلول وتقنيات مقترحة
مقابل ذلك، هناك العديد من الحلول البيولوجية التي يمكن اللجوء إليها لمعالجة الروائح الكريهة في المناطق التي تحيط بمحطات ومصانع معالجة مياه الصرف الصحي، حيث تعد الحلول البيولوجية من أكثر الوسائل فاعلية وصديقة للبيئة في معاجلة هذه المشاكل وإعادة التوازن البيئي.
ومن هذه الحلول:
** المعالجة الحيوية بالكائنات الدقيقة الفعّالة (EM):
ويتم ذلك من خلال إدخال بكتيريا وإنزيمات نافعة لتسريع تفكك المواد وتحويل المواد العضوية إلى مركبات غير ضارة، ما يقلل إنتاج الغازات المسببة للروائح. وغالبًا ما تُستخدم محاليل EM بالرش أو الإضافة على التربة والمياه الملوثة، وهذه الكائنات تشجع المسارات الهوائية بدلا من التحلل اللاهوائي، ومن ثم تقلل من إنتاج كبريتيد الهيدروجين والأمونيا.
وهناك أسلوب اخر هو استخدام المنتجات التجارية التي تحتوي على المضافات الحيوية من الانزيمات والبكتيريا مثل ليباز، بروتيز، أميلاز وغيرها، حيث تسهم في تفكيك الدهون والبروتينات والكربوهيدرات بشكل أسرع. وهي تعتبر آمنة بيئيًا وتُستخدم بكثرة في معالجة مياه الصرف الصحي بالقرب من السواحل.
** تحسين التهوية وتزويد المناطق بالأكسجين:
ويعتمد ذلك على استخدام أجهزة تهوية في نقاط تجمع المياه الراكدة لتشجيع البكتيريا الهوائية على العمل بدلاً من اللاهوائية. كما يمنع ذلك من تكون غاز كبريتيد الهيدروجين المسؤول عن «رائحة البيض الفاسد».
** استخدام مواد ماصة للروائح مثل الزيوليت والفحم الحيوي:
حيث يُضاف الفحم الحيوي أو الزيوليت إلى التربة لامتصاص الروائح وتوفير بيئة مناسبة للبكتيريا النافعة. كما أن الزيوليت تحديدًا يمتص الأمونيا ويقلل من الرائحة الكريهة.
** المعالجة النباتية أو ما يعرف بالغطاء النباتي البحرين:
مثل زراعة المانغروف وأعشاب المستنقعات الملحية التي تمتص المغذيات وتدخل الأكسجين إلى التربة. فمثل هذه النباتات تتحمل الملوحة وتساعد على امتصاص المغذيات وإدخال الأكسجين للتربة والحد من تكّون الروائح.
تجربة سنغافورة.. نموذج
سنغافورة واجهت مشكلة مشابهة في مصبات الأنهار، حيث طبقت نظام معالجة بيولوجي متكامل مع تهوية مستمرة وبرامج توعية مجتمعية، ما أدى إلى تحسن كبير في جودة الهواء والمياه وتحويل المناطق الملوثة إلى وجهات سياحية جاذبة للسكان والزوار.
تأثير الحلول على العقارات والاستثمارات السياحية
وبكل تأكيد فإن القضاء على الروائح الكريهة وإعادة تأهيل الخليج يرفعان قيمة العقارات في المنطقة بنسبة ملموسة ويزيدان جاذبيتها للسكان والمستثمرين؛ فالمناطق النظيفة والمطلة على سواحل معافاة بيئيًا تتحول إلى وجهات سكنية فاخرة، وتستقطب مشاريع سياحية مثل المطاعم والمقاهي البحرية والفنادق الصغيرة، ما يخلق فرص عمل جديدة وينعش الاقتصاد المحلي.
التأثير الإيجابي على البيئة البحرية
من جانب آخر فإن تطبيق المعالجات الحيوية وتحسين جودة المياه يعيدان التوازن البيئي للخليج، ويساعدان على عودة التنوع الحيوي الذي اشتهر به توبلي في الماضي، بما في ذلك الأسماك والقشريات وأشجار القرم التي تشكّل مأوى طبيعيًا للكائنات البحرية. تحسين نوعية المياه يعني أيضًا حماية الثروة السمكية وزيادة إنتاجيتها، وهو ما ينعكس إيجابًا على قطاع الصيد المحلي والأمن الغذائي.
الخلاصة
معالجة الروائح الناتجة عن مياه الصرف الصحي في خليج توبلي ليست مجرد قضية بيئية، بل هي استثمار في صحة السكان وجودة الحياة والاقتصاد الوطني. الجمع بين توسعة محطات المعالجة وتطبيق تقنيات بيولوجية حديثة، مع خطط طويلة الأمد لإعادة تأهيل الخليج وزراعة أشجار القرم، يمكن أن يحوّل خليج توبلي من منطقة متضررة بيئيًا إلى واجهة حضرية وبيئية جاذبة، ووجهة سياحية واستثمارية واعدة.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك