زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الأبوة ليست فقط «إعالة»
رغم خوضي المتكرر لأمور الأمومة والأبوة إلا أنني لم أزعم قط أنني أب مثالي، أو أن عيالي مثاليون يتحلون بكمال الأخلاق، ولكنني على الأقل مجتهد كأب، ولي من ثم أجر المجتهد، وأقرّ وأعترف بأنني أخطأت في حق هذا أو ذاك من عيالي في لحظة انفعال أهوج، ولكنني أحمد لنفسي أنني ندمت على ذلك
بعد هذه المقدمة عندي اليوم حكايات مهداة إلى تلك الفئة من الآباء التي تحسب أنها تقوم بواجبها الأبوي على خير وجه، طالما أنها تصل ليلها بنهارها في السعي إلى جمع المال لضمان حياة طيبة ورغدة للعيال، فتفترض أن كل شيء على ما يرام على صعيد العائلة لأنها تلبي طلبات أفرادها «بالزيادة»، وبطل الحكاية الأولى هو البريطاني داني أونيل الذي رزق بثلاثة توائم دفعة واحدة قبل تسع سنوات، وكانت له قبلها بنت واحدة، فما كان من أونيل إلا أن ألقى بكل ثقله في العمل، فثلاثة أفواه جديدة تحتاج إلى ثلاث وجبات إضافية، وثلاث مثانات تحتاج إلى مخزون هائل من الحفاظات/ البامبرز، وسيدخلون المدرسة سويا فيدفع هو مصاريف ثلاثة طلاب في نفس اللحظة والدقيقة، وهكذا مضى أونيل يصعد في السلم الوظيفي حتى أصبح مديرا تنفيذيا لشركة استثمارية ضخمة، براتب سنوي قدره 480 ألف دولار أمريكي أخضر، زائد سيارة بي ام دبليو، ومخصصات أخرى كانت تجعله يضع راتبه بأكمله تحت المخدة، ففي السفرة الواحدة كان يتقاضى بدلات تكفي لتحويل أبي الجعافر إلى حاج متولي في ليلة واحدة، (تذكرون بطل المسلسل المصري الذي كوش على عدد من النساء الحلوات كزوجات) ثم غادرت بنته الكبرى البيت لتلتحق بالجامعة فأحس أونيل بفقدها، ثم تذكر أونيل فجأة أن طفولة التوائم الثلاثة فاتته، وأنه لم يقض معهم أكثر من بضع دقائق كل أسبوع، لأنه كان يأتي بعمله إلى البيت ويقضي العطلات وهو يكتب ويحلل، ويقدم الاستشارات ويجري الاتصالات وكثيرا ما كان يخرج من البيت في غير أيام وساعات العمل لقضاء مهام رسمية. انتبه صاحبنا إلى أن التوائم يعرفونه ويعرفهم بالكاد، فما كان منه إلا أن اتخذ قرارا بالاستقالة من العمل، وهكذا ترك وظيفة كانت تعود عليه براتب شهري صاف يعادل نحو 40 ألف دولار، وتفرغ للعب والفسحة والصرمحة مع عياله الثلاثة ومساعدتهم في واجباتهم المدرسية، ويقول أونيل إنه لم يعرف طعم السعادة إلا بعد أن جلس في البيت مع صغاره وأنه لن يعمل مستقبلا، إلا في مجال الاستشارات المالية من منزله حتى يدخل التوائم الجامعة. ولساعات محدودة جدا تكون خلال وجود التوائم في المدرسة.
رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون، رزق عندما كان وزيرا للمالية في حكومة توني بلير ببنت خديج، أي ولدت قبل إكمال الأشهر التسعة، وقرر على الفور أخذ إجازة للبقاء إلى جانبها حتى يشتد عودها، ولكنها فارقت الحياة بعد صراع مرير مع المرض استغرق بضعة أيام، المهم أن براون قام بواجبه كأب، فلزم البيت وبقي مع صغيرته إلى أن قال القدر كلمته، وما زلت أذكر خبرا تناقلته صحف لندن قبل حين من الزمان عن سوما تشاكرباتي البريطاني ذي الأصل الهندي، الذي قبل منصب وكيل وزارة في الحكومة البريطانية السابقة بشروط عجيبة: أن يأتي إلى العمل متأخرا ساعة واحدة، لأنه أرمل ولديه بنت واحدة، ولا يود مغادرة البيت قبل أن يعد لها طعام الإفطار، والشرط الثاني هو ألا يطلب منه قط العمل ساعات إضافية، لأنه ملتزم بتناول العشاء كل ليلة مع ابنته ذات السنوات الست، وفوق هذا فقد طلب الإعفاء من العمل في المكتب يوم الجمعة ليتسنى له حضور اجتماع مجلس آباء وأمهات مدرسة ابنته!
فأين أنت من هؤلاء أيها الأب. يا من توزع يومك بين العمل والسمر، وكل ذلك خارج البيت؟

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك